ياوَلِيَّ اللّهِ اِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ ذُنُوباً لا يَأْتِي عَلَيْها اِلاّ رِضاكُمْ
ووعد ربّنا : أي ما وعده تعالى من إجابة الدعوات ومضاعفة المثوبات .
لمفعولا : أي كائناً واقعاً لا محالة .
قال عزّ إسمه : (وَعْدَ اللهِ لاَ يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ) (1) .
(1) ـ بعد إبراز الإيمان والتصديق بفضائلهم (عليهم السلام) بقولنا : « ربّنا آمنّا ... » .
ثمّ السؤال من الله الثبات عليه بقوله : « ربّنا لا تزغ ... » .
ثمّ طلب الرحمة من الله تعالى التي هي أمل كلّ آمل بقوله : « وهب لنا » .
هذا توجّه واستشفاع إلى الإمام المعصوم (عليه السلام) لاستيهاب الذنوب لأنّه الوسيلة إلى الله تعالى والوجيه عنده .
وفي حديث الكفعمي هنا : (ثمّ انكبّ على الضريح فقبّله ، وقل : ياولي الله ...) .
والمخاطب هنا هو الإمام المزور المقصود بالزيارة .
أو المراد جميع الأئمّة (عليهم السلام) بشمول جنس الوليّ ، ويؤيّده الإتيان بلفظ الجمع بعد ذلك يعني لفظ رضاكم وما بعده كما يستفاد من والد العلاّمة المجلسي (2) .
(2) ـ أي لا يمحوها ولا يُذهبها إلاّ رضاكم أهل البيت عنّا وشفاعتكم لنا .
مأخوذ من قولهم : (أتى عليه أي أهلكه) واهلاك الذنوب محوها .
وفي نسخة الكفعمي : « إلاّ رضى الله ورضاكم » .
وَكُنْتُمْ شُفَعائِي فَاِنِّي لَكُمْ مُطِيعٌ مَنْ اَطاعَكُمْ فَقَدْ اَطاعَ اللّهَ وَمَنْ عَصاكُمْ فَقَدْ عَصَى اللّهَ وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللّهَ وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللّهَ
للتأكيد (1) .
وكيف كان فالجملة متعلَّق القسم ، أي اُقسم عليكم بحقّ الله تعالى أن تطلبوا منه هبة ذنوبي وغفرانها لي
(1) ـ أي اُقسم عليكم أيضاً أن تكونوا شفعائي إلى الله تعالى في الدنيا والآخرة .
وهو مقام الاستشفاع والشفاعة ، وقد تقدّم بيانهما في فقرتي : « مستشفع إلى الله عزّوجلّ بكم » و « شفعاء دار البقاء » .
(2) ـ بيانٌ بأنّ هذا الطلب منهم (عليهم السلام) إنّما هو مع الموالاة لهم التي توجب أمل القبول منهم ببركه ولايتهم ومحبّتهم .
فإنّي لكم مطيع ، أي مطيع في الجملة وإن صدرت منّي المخالفة أحياناً ، وسوّلت لي نفسي الخطيئة تسويلا .
أو بمعنى إنّي مقرّ معتقد بوجوب طاعتكم كما احتمله بعض الأعاظم .
(3) ـ هذا وجه إطاعتهم ، واعتقاد وجوب طاعتهم وموالاتهم .
أي إنّي لكم مطيع لأنّ الله تعالى أمر بطاعتكم ، وأوجب علينا متابعتكم .
فإطاعتكم في الحقيقة إطاعة الله تعالى ، ومعصيتكم معصية الله عزّوجلّ .
وأنتم القربى الذين أمر الله بمودّتكم وجعلكم الحجّة على خلقه ، فمحبّتكم محبّة الله ، والبغض لكم بغض الله تعالى شأنه .
اَللَّهُمَّ اِنِّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ اَقْرَبَ اِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّد وَاَهْلِ بَيْتِهِ الاَْخْيارِ الاَْئِمَّةِ الاَْبْرارِ (3)
فأهل البيت (عليهم السلام) هم المظاهر الربّانية لطاعة الله وعصيانه ، وحبّه وبغضه ، ومتابعته والمخالفة معه .
وقد تقدّم بيان ذلك ودليله من الكتاب الكريم وروايات الحجج المعصومين (عليهم السلام) في الفقرات المتقدّمة :
من قوله : « من والاكم فقد والى الله » .
إلى قوله : « ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله » .
(1) ـ هذا آخر المطاف في هذه الزيارة المباركة في التوجّه إلى الله تعالى بأحبّ خلقه إليه وأقربهم منه محمّد وآله الطاهرين سلام الله عليهم لطلب معرفتهم الكاملة ، ثمّ رحمة الله الواسعة ببركة شفاعة العترة الطاهرة (عليهم السلام) .
وفي حديث الكفعمي هنا : (ثمّ ارفع يديك إلى السماء وقل : اللهمّ ...) .
والمعنى : إنّي لم أجد أحداً من العالمين أفضل منهم (عليهم السلام) عندك ، ولا أقرب منهم لديك ، لا ملك مقرّب ولا نبي مرسل حتّى أجعلهم شفعائي إليك ، فلهذا اُقدّمهم (عليهم السلام) دون غيرهم ، في طلبتي وحوائجي إليك بشفاعتهم .
ويكفي في بيان قربهم إلى الله ومنزلتهم عنده حديث الأنوار حيث أفاد ، فروي عنهم أنّهم قالوا : نزّهونا عن الربوبية ، وادفعوا عنّا حظوظ البشرية يعني الحظوظ التي تجوز عليكم ، فلا يقاس بنا أحد من الناس ، فإنّا نحن الأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية ، والكلمة الربّانية الناطقة في الأجساد الترابية ، وقولوا بعد ذاك ما استطعتم ، فإنّ البحر لا ينزف ، وعظمة الله لا لَجَعَلْتُهُمْ شُفَعائِي ، فَبِحَقِّهِمُ الَّذِي اَوْجَبْتَ لَهُمْ عَلَيْكَ (4) اَسْأَلُكَ اَنْ تُدْخِلَنِي فِي جُمْلَةِ الْعارِفِيْنَ بِهِمْ (5) وَبِحَقِّهِمْ (6) وَفِي زُمْرَةِ الْمَرْحُومِيْنَ بِشَفاعَتِهِمْ ، اِنَّكَ اَرْحَمُ الرّاحِمِيْنَ وَصَلّى اللّهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ الطّاهِرِينَ وَسَلَّمَ [ تَسْلِيْماً ] كَثِيراً وَحَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (7)
توصف (8) .
إشارة إلى أنّ ذلك غير واجب لي باستحقاق منّي ، بل هو بفضلك وكرامتك ورحمتك .
هذا تمام الزيارة المباركة الجامعة .
ولا يخفى حُسن ذكر الوداع الشريف المذكور بعد هذه الزيارة الشامخة
___________
(1) سورة الزمر : الآية 20 .
(2) الروضة : ج5 ص497 .
(3) الأنوار اللامعة : ص200 .
(4) الأنوار اللامعة : ص205 .
(5) ـ من عدم ردّ شفاعتهم ، واستجابة دعائهم ، بل استجابة دعاء من توسّل واستشفع بهم (عليهم السلام)
وفي نسخة الكفعمي : « اللهمّ فبحقّهم » .
(6) ـ أي في جملة العارفين بكمال المعرفة بهم أي بإمامتهم .
(7) ـ أي أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بحقّهم علينا مثل : الإقرار بإمامتهم وموالاتهم ، والتسليم لهم ، وإطاعتهم ، ووجوب محبّتهم ومودّتهم ونصرتهم ، والرجوع إليهم ، والتولّي لهم ، والتبرّي من أعدائهم من الحقوق التي هي وظائفنا تجاه أئمّتنا (عليهم السلام) .
(8) ـ أي وأسألك اللهمّ أن تدخلني في جماعة المرحومين بشفاعتهم (عليهم السلام) إنّك أرحم الراحمين .
التوسّل إلى الله تعالى بأهل البيت (عليهم السلام)
- الزيارات: 1087