• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الدعاء في البلاء والرخاء :

الدعاء باعتباره عبادة تسمو بالنفس وتشرق بالروح وتوصل الاِنسان بربه بارىء الكون ، يجب أن لا ينحصر في وقت الشدة والاضطرار بل يجب أن يكون في جميع الاَحوال ، نابعاً من التسامي النفسي والانفتاح الروحي والكمال الانساني .
الدعاء في البلاء :
إنّ علاقة الاِنسان بربه علاقة ذاتية متأصلة في نفس الاِنسان ، ولكلِّ امرىء طريق من قلبه إلى خالقه ، وثمة باب في القلوب يفتح إلى من بيده مجريات الاَحداث وهو بكلِّ شيء محيط ، فحتى أشقى الاَشقياء نجده عند الابتلاء بالمصائب والمحن ، وعندما توصد في وجهه الاَبواب ، وتنقطع به العلل والاَسباب ، يفزع إلى خالقه وينقطع إليه ضارعاً منكسراً ، وهذا أمر ذاتي يتساوى فيه الناس مهما كانت اتجاهاتهم وميولهم ، قال تعالى : ﴿ وإذا مسَّ الاِنسانَ الضُرُّ دعانا لجنبِهِ أو قاعِداً أو قائماً فلمّا كشفنا عنه ضُرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسّهُ ﴾ (1).
وقال تعالى : ﴿ وإذا مسَّ النَّاس ضُرٌّ دعوا ربَهُم مُنيبين إليه ثم إذا أذاقهُم منهُ رحمةً إذا فريقٌ منهم بربهم يُشركون ﴾ (2).
وقال تعالى : ﴿ وإذا مسَكُم الضُرُّ في البحر ضلَّ من تدعُونَ إلاّ إياهُ فلمّا نجَّاكم إلى البرِّ أعرضتُم وكان الاِنسانُ كفوراً ﴾ (3)، والآيات في هذا المعنى
كثيرة ، وكلّها تدلُّ على أنّ التوجه إلى الله تعالى في حال الشدة والاضطرار أصيل في فطرة الاِنسان وطبيعي في وجوده .
قال رجل للاِمام الصادق عليه السلام : يا بن رسول الله ، دلّني على الله ما هو ؟ فقد أكثر عليَّ المجادلون وحيّروني ، فقال له : « يا عبدالله ، هل ركبت سفينة قط ؟ قال : نعم . قال عليه السلام : فهل كُسر بك حيث لا سفينة تنجيك ، ولا سباحة تغنيك ؟ قال : نعم ، قال عليه السلام : فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئاً من الاَشياء قادرٌ على أن يخلصك من ورطتك ؟ قال : نعم . قال الاِمام الصادق عليه السلام : فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الاغاثة حيث لا مغيث»(4)
لقد جعل الاِمام الصادق عليه السلام الرجل يعرف الله تعالى عن طريق قلبه ، لقد دلّه الاِمام عليه السلام على ذلك الطريق الذي يوصل بين القلب والخالق القادر، إنّ هذا الاتجاه الفطري الذي يتجلّى عند تقطع الاَسباب ويتوجه إلى القدرة القاهرة الغالبة على الاَسباب والعلل الظاهرة ، هو الدليل على وجود تلك القدرة ، ولولا وجودها لما وجدت تلك الفطرة في قلب الاِنسان .
إنّ التوجه إلى الله تعالى في حال الشدّة والاضطرار والتضرع إليه بالدعاء ، أمرٌ غير مرئي بالحواس ، ويمكننا أن نشبّهه بتوجّه غريزي مرئي ومعروف ، ذلك هو ميل الطفل إلى ثدي أُمّه ، هو غريزة تنشأ معه منذ ولادته ، فإذا جاع تحركت فيه هذه الغريزة وهدته إلى البحث عن ثدي أُمّه الذي لم يره ولم يعرفه ولم يتعوّد عليه ، فلولا وجود ثدي ولبن يناسبان
معدة الطفل لما أرشدته الغريزة إليهما ، وكذلك حال الغرائز الاُخرى في الاِنسان ، فلولا وجود تلك القدرة القاهرة لما وجدت تلك الفطرة وذلك التوجّه الغريزي في ذات الاِنسان .
إنَّ هذا الاَمر الاَصيل في وجود الاِنسان ، قد تغطّيه حجب الاِثم والشقاء بعدما يظهر للعيان بنداء الفطرة ، فيتراءى للاِنسان أنّه قد استغنى ، فيطغى ويعرض عن خالقه متعلّقاً بالاسباب التي هي دونه ، قال تعالى : ﴿كلاّ إنَّ الاِنسان ليطغى * ان رآهُ استغنى ﴾ (5)، وقال تعالى : ﴿ فلمّا كشفنا عنه ضرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ (6)، وقال تعالى : ﴿ فلمَّا نجاكم إلى البرِّ أعرضتُم ﴾ (7).
فإذا اقتصر الاِنسان على الدعاء في حال الاضطرار والشدة ، فان ذلك لا يمثل كمالاً إنسانياً ولا إخلاصاً عبادياً ، بل هو جفاء وقسوة وابتعاد عن رحاب الرحمة والمغفرة .
الدعاء في الرخاء :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موصياً الفضل بن العباس : « احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة »(8)يعني أدع الله في الرخاء ولا تنسه حتى يستجيب لدعائك في الشدّة ولاينساك ، ولا تكن من الذين نسوا الله فنسيهم ، وذلك لاَنّ من نسي ربه
في الرخاء أذعن باستقلال الاَسباب في الرخاء ، ثم إذا دعا ربه في الشدّة ، كان معنى عمله أنّه يذعن بالربوبية في حال الشدّة وحسب ، وليس هو تعالى على هذه الصفة ، بل هو ربّ في كلِّ حال وعلى جميع التقادير .
عندما يكون الاِنسان في حال رخاء واطمئنان ، يجب أن يعلم بأنّ ما هو فيه من نعمة مزجاة هي من الله ، وانه هو القادر على أن يسلبه إياها كما هو القادر على أن يزيده منها ، وذلك لاَنّه خالق الكون والاِنسان والحياة ، وأنه اللطيف بعباده الرؤوف بهم .
ولهذا نجد أنّ الاَنبياء والاَوصياء والصالحين يتوجهون إلى ربهم بنفس متسامية مشرقة حتى عندما يكونون في رخاء وبحبوحة عيش ، يدعو ربهم ويتوسلون به ليديم عليهم نعمته ويزيدهم من فضله : ﴿ وزكريا إذ نادى ربهُ ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خيرُ الوارثينَ * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا لهُ زوجهُ إنهم كانوا يُسارعون في الخيرات ويدعُوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ﴾ (9).
إنّ الله تعالى يستجيب لهم وينظر إليهم بعين رحمته في حال رخائهم ، ويسرع إلى نجدتهم ورفع البلاء عنهم في حال المحنة والابتلاء كما يسرعون إلى استدعاء رحمة ربهم ، وقد ورد في الروايات ما يدلُّ على استحباب التقدم بالدعاء في الرخاء قبل نزول البلاء .
فعن الاِمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه كان يقول : « ما من أحد ابتلي وان عظمت بلواه أحقُّ بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء » (10).
وعن الاِمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنّه كان يقول : « لم أرَ مثل التقدّم في الدعاء ، فان العبد ليس تحضره الاجابة في كلِّ ساعة »(11) .
وعن الاِمام أبي الحسن عليه السلام : « إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول : ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة ، ليس إذا اعطي فتر ، فلا تملّ الدعاء ، فإنّه من الله عزَّ وجلّ بمكان » (12).
فالدعاء الاضطراري الذي يمثل نداء الفطرة والغريزة لا تتخطّاه الاجابة، لاَنّه يقع ضمن دائرة الرحمة الالهية التي وسعت كل شيء ، والدعاء الاختياري الذي يصدر عن منطقة الوعي ونداء العقل وينبض بحركة الروح والشعور في الذات وحركة القلب المنقطع إلى ربه المتخلي عن جميع الاَسباب في الشدة والرخاء ، هو الآخر لا تتخطّاه الاجابة ، وهو مخُّ العبادة وجوهرها النقي ، وهو الذي وصف به المتقون : « ذُبُل الشفاه من الدعاء ، صُفُر الاَلوان من السهر ، على وجوههم غبرة الخاشعين » (13).
والدعاء بالمعنى الاَخير عبادة حيّة متحركة لا تخضع للزمان والمكان المعينين ولا للاَفعال الخاصة والكلمات المحددة ، بل ينطلق فيها الاِنسان حراً في المكان الذي يقف فيه ، والوقت الذي يختاره ، واللغة التي يتحدث بها ، والكلمات التي يعبر بها ، والمضمون الذي يريده .
____________
(1) سورة يونس : 10 | 12 .
(2) سورة الروم : 30 | 33 .
(3) سورة الاسراء 17 : 67 .
(4) بحار الانوار 3 : 41 | 16 .  
(5) سورة العلق : 59 | 6 ـ 7 .
(6) سورة يونس : 10 | 12 .
(7) سورة الاسراء : 17 | 67 .
(8) من لا يحضره الفقيه 4 : 296 | 896 .
(9) سورة الاَنبياء : 21 | 89 ـ 90 .
(10) من لا يحضره الفقيه 4 : 285 | 853 ، وأمالي الصدوق : 218 | 5 ، ونهج البلاغة ـ الحكمة
(11) الارشاد : 259 .
(12)الكافي 2 : 354 | 1 . وقرب الاسناد : 171 .
(13) نهج البلاغة : الخطبة (121) . 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page