قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ الله وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(1).
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا}(2).
هاتان الآيتان الكريمتان توضحان أن الاختيار كلّه لله عزّ وجلّ، فالآية الأولى وضّحت أن مسألة الاختيار الإلهي هو من السنن الإلهية التي لا تتغير، لأنها ـ أي الآية ـ تقول إن الله عزّ وجلّ يخلق المخلوقات، ثم لا يتركها، بل يختار من بينها أفضلها.
فالله عزّ وجلّ خلق جميع المخلوقات ولكنه اختار من بينها ما يشاء، وقد ربطت الآية الكريمة قضية الخلق مع قضية الاختيار، وهذا يبيّن أهمية مسألة الاختيار الإلهي، حيث نرى أن الله عزّ وجلّ قد اختار من بين مخلوقاته اختيارات كثيرة، وعلى سبيل المثال نذكر مايلي:
1- خلق الله عزّ وجلّ الليالي واختار منها ليلة القدر.
2- وخلق الله عزّ وجلّ الأيام واختار منها يوم الجمعة.
3- وخلق الله عزّ وجلّ الأشهر واختار منها شهر رمضان.
4- وخلق الله عزّ وجلّ الأودية واختار منها وادي مكة.
5- وخلق الله عزّ وجلّ الحجارة واختار منها الحجر الأسود.
6- وخلق الله عزّ وجلّ البيوت واختار منها البيت المبارك، الكعبة الشريفة.
7- وخلق الله عزّ وجلّ جميع البشر واختار من بينهم أفضلهم أبينا آدم (عليه السلام) واختار الله عزّ وجلّ ذرية طيبة وهم آل ابراهيم وآل عمران، قال تعالى: {إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(3) ومن هنا يأتي السؤال: هل اختار الله عزّ وجلّ أحداً من هذه الأمة؟ وهل جرت هذه السنة الإلهية على هذه الأمة؟ أم توقفت؟
وهذا سؤال يجب أن تبحث أنت أيها الباحث عن الحق، عن جوابه؟.
فهذا الكتاب قد بين لك سبب الاختلافات على مر التاريخ بأدلة قرآنية واضحة، وبينّ لك أهمية هذا الموضوع، وساعدك على تحديد نقطة المرض لكي تقوم أنت بمعالجته، فأنت الآن مسؤول أمام المولى عزّ وجلّ عن البحث عن المختارين من قبل الله عزّ وجلّ، ويجب أن تبحث في هذا الموضوع بكل جد وإخلاص، طالباً من المولى عزّ وجلّ أن يهديك ويرشدك للحق؛ لأن هذا الموضوع قد تم تهميشه، وإسكات الناس عنه، لأنه محور الخلاف والنزاع الحقيقي.
وكما أشرنا سابقا إلى أننا فقط، سنذكر بعض الآيات الدالة على أهمية هذا الموضوع، ونترك الباقي للمتتبع، لكي يلاحظ أهمية هذا الموضوع من القرآن الكريم بنفسه، ولكن لكي يزداد الأمر وضوحاً، نذكر بعض الآيات، التي تبين أهمية الاصطفاء، والاختيار، والتفضيل الإلهي وأنه بيد الله عزّ وجلّ الذي هو مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وهو الذي يزكي من يشاء، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، قال تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ...}(4).
وقال تعالى: {... فَضَّلَ الله الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً...}(5).
وقال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ...}(6).
وقال تعالى: {وَالله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ... }(7).
وقال تعالى: {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً}(8).
وقال تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}(9).
وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}(10).
وقال تعالى: {... وَالله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(11).
وقال تعالى: {... قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(12).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(13).
وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}(14).
وقال تعالى: {ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(15).
وقال تعالى: {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(16).
وقال تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ الله بَغْياً أَن يُنَزِّلُ الله مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ}(17).
وقال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا }(18).
وقال تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(19).
وقال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ الله الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ...}(20).
وقال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ الله وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(21).
وقال تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ...}(22).
وقال تعالى: { إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(23).
وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ}(24).
وقال تعالى: {قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ الله اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(25).
وقال تعالى: { الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمُورُ}(26).
وقال تعالى: {... وَآتَاهُ الله الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء...}(27).
من هذه الآيات الكريمات نلاحظ كيف ركّز القرآن الكريم على أهمية مسألة الاصطفاء، والاختيار والتفضيل، وأكّد على أن هذه المسألة بيد الله وحده، فهو الذي يختص برحمته من يشاء، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، والله عزّ وجلّ هو العالم بحال الخلق، الخبير بما في صدورهم، وهو الذي يعلم مشاكلهم الواقعية، التي سببت وأدّت إلى تفرّقهم، وهي المنافسة من أجل علو الكلمة، والتسلّط على الأرض، فلو عرف الناس من هم خيرة الله عزّ وجلّ في كل عصر، وسلّموا لهم الأمور، لما حدث النزاع وبعده الاختلاف العقائدي، وهلمّ جراً.
أخي القارئ الكريم، عندما تمعن النظر فيما أوردنا من القصص القرآنية، كقصة إبليس مع أبينا آدم (عليه السلام)، وقصة أخوة يوسف، ومشكلة اليهود مع الإسلام ونبيه، ومشكلة قريش مع رسول الله، تجدها تبيّن وتوضّح المشكلة التي جعلت المعاندين يعاندون، حتى وصل الأمر إلى تشكيل الأديان، والفرق، والاختلاف في أغلب المسائل، وهي مشكلة التنازع من أجل التسلّط على هذه الأرض.
فلذا ينبغي على الإنسان المسلم الذي يريد أن يبحث عن الحق، وعن الفرقة الناجية أن ينظر إلى هذه المسألة ـ التي ركّز عليها القرآن الكريم وأكّد عليها ـ بكل دقّة ويركّز عليها، كما ركّز عليها القرآن الكريم، ولا يشغل نفسه بالمسائل الخلافية الأخرى، لأنها ما هي إلاّ ثمرة للاختلاف في هذه المسألة، والبحث في المسائل الأخرى قبل البحث في هذه المسألة، ومعرفة الحق فيها، لا جدوى منه.
________________
(1) القصص: 68.
(2) الأحزاب: 36.
(3) آل عمران: 33، 34.
(4) النساء: 32.
(5) النساء: 95.
(6) البقرة: 253.
(7) النحل: 71.
(8) الإسراء: 21.
(9) الإسراء: 55.
(10) الإسراء: 70.
(11) البقرة: 105.
(12) آل عمران: 73.
(13) المائدة: 54.
(14) فاطر: 32.
(15) الحديد: 21.
(16) الحديد: 29.
(17) البقرة: 90.
(18) النساء: 54.
(19) آل عمران: 74.
(20) الأنعام: 123، 124.
(21) القصص: 68.
(22) الأحزاب: 36.
(23) آل عمران: 33، 34.
(24) آل عمران: 42.
(25) البقرة: 247.
(26) الحج: 75، 76.
(27) البقرة: 251.
الاختيار الإلهي
- الزيارات: 1383