• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مراسيم الزواج

وبعد إعلان مراسيم العقد واصل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) جهوده في بناء دولته المباركة لكي تواجه شتّى المؤامرات التي تحيطها من الداخل ومن الخارج ، فأخطار الداخل متمثّلة بحركة النفاق النشيطة التي تعمل داخل صفوف المعسكر القرآني ، وأخطار الخارج متمثّلة بمكائد الوثنيين واليهود وحلفائهم.
واستمر عليٌّ ( عليه السلام ) هو الآخر يواجه مسؤولياته كقائد نشيط وعضو فعّال من أعضاء كتلة الإيمان الفتيّة ، وراح يجتمع برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دون أن يجرأ على محادثته بشأن فاطمة ( عليها السلام ) نظراً لما يمتاز به من حياء يمنعه من التحدُّث أمام أخيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) في مثل هذه القضيّة حتى مضى على مراسيم العقد قرابة شهر واحد(1).
واتّصل عقيل بن أبي طالب بأخيه علي ( عليه السلام ) فحدّثه بهذا الشأن وقد طالب بتعجيل زواجه بقوله : « فما بالك لا تسأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يدخلها عليك فتقرّ أعيننا باجتماع شملكها... ».
وحين يسأل عقيل عليّاً : هذا السؤال ، إنّما يسأله اعتقاداً منه بأنّ عليّاً ( عليه السلام ) هو الذي كان سبباً في تأخير الزّواج عن قصد ولكنّ عليّاً ( عليه السلام ) أوضح لأخيه عقيل أنّه يرغب رغبة ملحة في الزواج إلاّ أن حياءه من محمد ( صلى الله عليه وآله ) يمنعه من التّعجيل في الزواج.
وحين استمع عقيل لهذا الحديث ـ حديث عليًّ ( عليه السلام ) الذي علّل فيه سبب تأخير زواجه ، اتّفق هو وعليٌّ أن يزورا الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في بيته ليحدّثاه بما عندهما ، ويسرع عقيل وعليٌّ إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وبيناهما في طريقهما إذ يلتقيان بأُمّ أيمن بركة بنت ثعلبة الإمرأة الصالحة ، وتسألهما عمّا وراءهما فيطلعانها على ما جاء بهما ، وتقترح عليهما أن يعودا إلى دارهما وهي بدورها ستتولّى هذه المهمّة حيث ستعرض هذا على أُمهات المؤمنين فيحدّثن ـ بدورهن ـ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
وفعلاً اتصلت أُمّ أيمن بأُمّ سلمة وبقية أزواج الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فعقدن اجتماعاً في بيت عائشة ، حيث كان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عندها ، وتكلّمت أمُّ سلمة بلسان أُمهات المؤمنين بهذا الصدد حيث أوضحت للرّسول ( صلى الله عليه وآله ) أنّ عليّاً يرغب بالدخول على زوجته فاطمة ، ولكنّ حياءه منعه من مصارحتك بذلك فتعجب محمد ( صلى الله عليه وآله ) مما سمع وأمر أُمّ أيمن أن تنطلق إلى علي ( عليه السلام ) فتحضره.
وتسرع أُمُّ أيمن لتحضر عليّاً ( عليه السلام ) ويطرق الباب فتغادر اُمّهات المؤمنين حجرة عائشة لينفرد محمد ( صلى الله عليه وآله ) بعلي ( عليه السلام ) ودخل علي ( عليه السلام ) ـ الحجرة والحياء يأخذ مأخذه من نفسه ـ ويسلّم على الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ويجلس إلى جنبه مطرقاً برأسه إلى الأرض ، وافتتح الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الحديث بقوله : « أتحب أن تدخل عليك زوجتك ؟ ».
ويجيب علي ( عليه السلام ) بالإيجاب والقبول فيردّ محمد ( صلى الله عليه وآله ) عليه : « حباً وكرامة يا أبا الحسن ».
ويأمر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عليّاً ( عليه السلام ) أن يتهيّأ للمهنّئين ويقيم مأدبة يدعو المسلمين لحضورها ..
وأسرع عليٌّ ( عليه السلام ) إلى بيته ، وفرشه رملاً من البطحاء ، ثم عمد إلى السُّوق فابتاع سمناً وتمراً واقطاً ؛ وسلّمه لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي أحضر بدوره سفرة من أدم كي يصنع بيديه الشريفتين حيساً ، وأمر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بكبش فذبحت ، وهيّأت(2) نساؤه خبزاً كثيراً ، ثم أمر عليّاً ( عليه السلام ) أن يدعو من يرغب من المسلمين لحضور وليمته.
وهبّ عليٌّ ( عليه السلام ) إلى المسجد النبوي الشريف ، فرأى جمعاً غفيراً من المسلمين قد اجتمعوا فيه فاستحيى أن تكون دعوته وقفاً على قوم دون قوم ، فدعا عامّة الحاضرين لحضور وليمته ، وتوالت جموع المدعوين إلى بيت الرسالة فكانوا يدخلون على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عشرة عشرة ليتناولوا الطعام حتى شبع جميع الحاضرين من وليمة علي ( عليه السلام ).
ثم دعا الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بصحاف ، فملئت وأرسلت إلى الهاشميات وخصّص صفحة لعلي والزهراء ( عليهما السلام ).
ومالت الشمس إلى الغروب فدعا محمد ( صلى الله عليه وآله ) أُمّ سلمة وأُمّهات المؤمنين وغيرهن من النساء المؤمنات ليزففن فاطمة ( صلى الله عليه وآله ) إلى بيتها الجديد ، وزفّت فاطمة الزهراء إلى
بيتها وسط عاصفة من التكبير والتّهليل ، وتظاهرت جماعة من المسلمين يقدمهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خلف فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) يرفعون أصواتهم تهليلاً وتكبيراً ، وكان لابد لمثل هذه المناسبة الكريمة ـ مناسبة الزّفاف ـ من مراسيم خاصة إلى جانب التّهليل والتّكبير ـ وفعلاً استمعت النساء إلى تلك المراسيم التي كان جلُّها رجز وأناشيد ألقتها أُمّهات المؤمنين ، حيث تقدّمت أُمّ سلمة فألقت أُرجوزة بهذه المناسبة :
سرن بعـون الله جـاراتي    *    واشكرنه فـي كـلّ حالات
واذكرن ما أنعـم ربُّ العُلى    *    من كشف مكــروه وآفات
فقد هدانـا بعد كـفـر وقد    *    أنعشنـا ربُّ السّمــاوات
وسرن مع خير نساء الورى    *    تفـدى بعمـّات وخـالات
يا بنت من فضّله ذو العلـى    *    بالـوحـي منه والرّسالات
ثم ألقت أُرجوزتها عائشة فقالت :
يا نسـوة أشــرن بالمعاجر    *    واذكرن ما يحسن بالمحاضر
واذكرن ربّ النّاس إذ يخصُّنا    *    بدينه مع كـلّ عبد شاكـر
والحمـد لله علـى إفضالـه    *    والشُّكر لله العزيـز القـادر
سـرن بها فالله أعلى ذكرها    *    وخصّهـا منه بطهر طاهـر
ثم جاء دور حفصة وارتجزت تقول :
يــا نسوة أشرن بالمعاجز    *    واذكرن ما يحسن بالمحاضــر
فاطمة خير نسـاء البشـر    *    ومن لها وجـه كوجـه القمـر
فضّلك الله على كلّ الورى    *    بفضل من خص بــآي الزمر
زوّجـك الله فتـىً فاضـلاً    *    أعني عليّاً خير من في الحضر
فسرن جاراتـي بها فإنّهـا    *    كريمة بنت عظيــم الخطـر
وقد ألقت بعض المؤمنات منظومات أُخرى ابتهاجاً بهذه المناسبة الكريمة ، وكنّ يردّدن في هذه المنظومات والأراجيز بعيداً عن الفوضى والإنحلال الذي اعتاد عليه عصرنا الحاضر ، فخرج عن مثله وضوابطه وعقائده.
وبعد زفاف فاطمة ( عليها السلام ) إلى بعلها علي ( عليه السلام ) جاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مهنئاً علياً ( عليه السلام ) بقوله : « بارك الله لك في ابنة رسول الله ».
ثم إنّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أخذ إناء ماءٍ ، وتلا عليه شيئاً من آيات الله الكريمة تبرُّكاً بها ، وأمر علياً ( عليه السلام ) أن يشرب منه قليلاً ، وفعل مثل ذلك مع فاطمة ( عليها السلام ) ، ثم نضح منه شيئاً على رأسيهما ووجهيهما.
ثم إنّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) دعا لهما بقوله :
« اللهم إنّهما أحبُّ الخلق إليّ ، أحبّهما ، فبارك في ذريتهما ، واجعل عليهما منك حافظاً ، وإنّي أُعيذهما بك وذرّيتهما من الشّيطان الرجيم ».
ثم ودّعهما وعاد إلى بيته.
وكانت تلك الليلة التي تم فيها زواج عليّ من فاطمة ( عليهما السلام ) نقطة انطلاق في حياة البيت الهاشمي المقدس ، ومرحلة جديدة من مراحل حياته ، لأنّ في زواجهما أُنشئت المدرسة المباركة مدرسة الوحي والإيمان التي ستخرج إمامة الأرض وخلفاء الأمّة بعد محمد ( صلى الله عليه وآله ) وقد آن لفاطمة أن تتولّى مسؤولياتها الجسيمة كزوجة وفيّة وأُمّ رؤوم ومدرسة للتّربية ـ التربية الإسلامية بكلّ معالمها وأُطرها التي رسمها خالق الوجود سبحانه وتعالى في كتابه الذي نزل على عبده محمد ( صلى الله عليه وآله ).
وتتحدّث أندية المسلمين عن زواج عليّ ( عليه السلام ) بفاطمة فتصفه هذه الأندية أنّه أروع زواج عرفه المسلمون حيث شارك المسلمون جميعهم بيت الرّسالة أفراحه وسروره.
فصرّحت عائشة وأُمُّ سلمة بهذا الشأن وهما تصفان هذه المناسبة الجليلة وقد جاء في حديثهما : « فما رأينا عرساً أحسن من عرس فاطمة ».
كما أنّ الصحابي الكبير جابر بن عبدالله الانصاري صرّح ـ مرّة ـ ذاكراً زواج علي ( عليه السلام ) من فاطمة قائلاً في مطلع حديثه : « حضرنا عرس عليًّ ( عليه السلام ) فما رأيت عرساً كان أحسن منه »(3) وهكذا كان زواج عليًّ ( عليه السلام ) قدوة اقتدى بها المسلمون حتى صارت أكثر مراسيمه سنناً تتّبع ودروباً تسلك.
وقد تم هذا الزواج المبارك وفاطمة قد أدركت التاسعة أو الثانية عشرة من عمرها ـ على قول ـ وفي حدود السنة الثانية للهجرة.
____________
(1) المناقب للخوارزمي.
(2) المناقب للخوارزمي.
(3) فضائل الخمسة من الصّحاح الستة.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page