لمّا قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونال الزهراء عليها السلام ما نالها من القوم ، لزمت الفراش ، ونحل جسمها ومرضت مرضاً شديداً (1) ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت (صلوات الله عليها) (2) وكان أمير المؤمنين عليه السلام يمرضها بنفسه ، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس (3) .
فلمّا نعيت إليها نفسها ، أوصت أمير المؤمنين عليه السلام أن يتزوج بابنة أُختها أُمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحبّها لاَولادها ، وأن يتخذ لها نعشاً وصفته له ، وأن لا يدع أحداً يشهد جنازتها ممن ظلمها ، ولا يصلي عليها أحد منهم ، وأن يتولى أمرها بنفسه ، ويدفنها في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار (4) .
وروي أنّ أسماء بنت عميس هي التي وصفت صورة النعش لفاطمة عليها السلام قبل وفاتها ، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : « أول نعش أُحدث في الإسلام نعش فاطمة عليها السلام ، إنّها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها ، وقالت لاَسماء : إنّي نحلت وذهب لحمي ، ألا تجعلي لي شيئاً يسترني؟ قالت أسماء : إنّي كنت بأرض الحبشة ، فرأيتهم يصنعون شيئاً ، أفلا أصنع لك ، فإن أعجبك صنعت لك؟ قالت : نعم . فدعت بسرير فأكبّته لوجهه ، ثمّ دعت بجرائد فشددتها على قوائمه ، ثم جلّلته ثوباً ، فقالت : هكذا رأيتهم يصنعون . فقالت عليها السلام : اصنعي لي مثله ، استريني سترك الله من النار » (5) .
قال ابن عباس رضي الله عنه : فقبضت فاطمة عليها السلام فارتجّت المدينة بالبكاء من ، الرجال والنساء ، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (6) واجتمعت نساء بني هاشم في دارها ، فصرخن صرخة واحدة ، كادت المدينة تتزعزع من صراخهن ، وهن يقلن : يا سيدتاه ، يا بنت رسول الله ، وأقبل الناس إلى علي عليه السلام مثل عرف الفرس وهو جالس ، والحسن والحسين عليهم السلام بين يديه يبكيان ، فبكى الناس لبكائهما .
وخرجت أُمّ كلثوم عليها السلام وعليها برقعها تجرّ ذيلها ، متجلّلة برداء عليها تسحبه ، وهي تقول : يا أبتاه ، يا رسول الله ، الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً (7) .
وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وقع على وجهه وهو يقول : « بمن العزاء يا بنت محمد ، كنت بك أتعزّى ، ففيم العزاء من بعدك؟ » (8) .
واجتمع الناس وهم يرجون أن تخرج جنازة الزهراء عليها السلام فيصلّوا عليها ، فخرج أبو ذر رضي الله عنه وقال : انصرفوا ، فإنّ ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أُخّر إخراجها في هذه العشية ، فقام الناس وانصرفوا (9) .
____________
1) راجع الرويات في هذا المعنى في الاحتجاج | الطبري : 83 ودلائل الإمامة | الطبراني : 134 . وكتاب سليم : 40 . ودعائم الإسلام 1 : 232. ووصفت عليها السلام بالشهيدة في كثير من الروايات والزيارات . راجع الكافي 1 : 458 | 2 . والمزار | المفيد : 156 . والمقنعة | المفيدة : 459 . وتهذيب الأحكام | الطوسي 6 : 10 | 19 . والبلد الأمين | الكفعمي : 178 .
2) روضة الواعظين | الفتال : 151 . والمناقب | ابن شهرآشوب 3 : 362 . وبحار الأنوار 43 : 191 | 20 .
3) أمالي المفيد : 281 | 7 . وأمالي الطوسي : 109 | 166 . وبحار الأنوار 43 : 211 | 40 . وقيل : أن أسماء التي حضرت زواج الزهراء عليها السلام ووفاتها ، هي غير أسماء بنت عميس ، فلعلها مصحفة عن سلمى امرأة أبي رافع ، أو سلمى بنت عميس امرأة حمزة ( رضي الله عنه ) ، أو أسماء بنت يزيد بن السكن .
4) روضة الواعظين | الفتال : 151 . والمناقب | ابن شهرآشوب 3 : 362 . وأمالي المفيد : 281 | 7 . وأمالي الطوسي : 109 | 166 . وبحار الأنوار 43 : 181 و 192 و 211 | 40 .
5) تهذيب الأحكام | الطوسي 1 : 469 | 185 . وبحار الأنوار 43 : 213 | 43 . وراجع أيضاً كشف الغمة | الاربلي 1 : 503 ـ 504 . ومستدرك الحاكم 3 : 162 . وحلية الأولياء | أبو نعيم 2 : 43 . والاستيعاب | ابن عبد البرّ 4 : 378 . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 82 . وفاء الوفا | السمهودي 3 : 903 ـ 905 . وذخائر العقبى | المحب الطبري :54 .
6) كتاب سليم : 213 . وبحار الأنوار 43 : 199 .
7) روضة الواعظين | الفتال : 151 ـ 152 . وبحار الأنوار 43 : 192 .
8) كشف الغمة 1 : 501 . وبحار الأنوار 43 : 187 .
9) روضة الواعظين | الفتال : 152 . وبحار الأنوار 43 : 192
المبحث الثالث وفاتها عليها السلام ومدّة بقائها بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم
- الزيارات: 1102