عن انس: عن النبي (ص) قال: يلقى في النار، وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع اللّه قدمه فتقول قط قط.
عن ابي هريرة: واكثر ما يوقفه ابو سفيان: يقال لجهنم: هل امتلئت؟ وتقول: هل من مزيد؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول: قط قط(1).
اخرج البخاري في صحيحه هذا الموضوع في عدة احاديث باسانيد متعددة ومتون مختلفة، وكذا اخرجه مسلم في صحيحه ضمن خمس احاديث وورد في بعضهاكلمة «الرجل»، وفي بعضها الاخر كلمة «القدم».
ولا يخفى ان في هذه الروايات التي نقلناها اليك عن الصحيحين البخاري ومسلم اللذين يعتبران اهم المصادر عند اهل السنة بعد القرآن دلالة تامة وواضحة على كونها من الاحاديث المزورة والموضوعة في مباحث التوحيد لانها تحكي عن توصيف رب متحيز في مكان خاص فتارة يكون مستقر على العرش، وتارة اخرى تجده في السحاب، وتارة ثالثة تراه في جهة القبلة امام المصلي، واحيانا ينزل الى السما الدنيا وذلك في بعض الليالي الخاصة، وانه يرى كما ترى الاجسام المادية، ويضحك، وله اعضا وجوارح كما للانسان اعضا وجوارح.
فحينئذ فهل يعقل ان يتخذ مثل هذا الموجود ربا والها؟ فكما ان الدلائل النقلية تنفي التسليم والانقياد لمثل هذا الموجود فكذلك البراهين العقلية والفلسفية تابى قبول هذا الرب المحتاج والمحدود والذي له آثاروعلامات المخلوقين لا الخالق والصانع ولا يقبل العقل ان يتعبد لمثل هذا الموجودكرب واله وخالق.
ولعل يوجد بعض من لم تكن له معرفة بعقائد اهل السنة وآرا علمائهم ومحدثيهم في مسالة التوحيد فينتقدنا ويورد اشكاله علينا قائلا: ان جميع الاقوال والايات والاحاديث تحتمل التوجيه والتاويل، اذن فما الداعي ان تكون هذه الاحاديث التي رويتموها عن كتب اهل السنة مما تقبل التاويل والتوجيه؟ ولماذا لاتلتزمون بهذه الطريقة ولم تاولوا هذه الاحاديث الى معان يتقبلها العقل؟
واما الاجابة عن هذه الاسئلة نقول: ان في هذه الاحاديث اسبابا وعللا عديدة تمنعنا من ان ناولها ونبررها وفي الحين ذاته ان هذه الاسباب قد غلقت جميع الطرق والمحاولات لتبرير وتوجيه تلكم الاحاديث ولان:
اولا: ان عملية التاويل والتوجيه تتم لو حصل المعارض والمخالف بينما لا نرى ولم نعثر على حديث واحد يخالف مفهوم احاديث الرؤية والتجسيم المروية في الصحيحين وسائر الكتب المعتبرة عند اهل السنة، وحيث لم تحصل رواية تنفي التجسيم والرؤية فبماذا ناول الاحاديث؟(2).
ثانيا: ان متون تلك الاحاديث صريحة وواضحة عن اهداف ونوايا كانت مرادة لجاعلي الاحاديث وان الفاظهـا وسياق عباراتها قد وضعت على نحو لا تدع للتاويل والتبرير مجالا وسبيلا الا الاخذ بظواهر الاحاديث، فياترى كيف يمكن تاويل الاحاديث الحاكية ـ بانكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ـ التي هي صريحة في الرؤية والمشاهدة؟ وبماذا يمكن توجيه الوجه في احاديثهم التي تقول اذا قاتل احدكم اخاه فليتجنب الوجه فان اللّه خلق آدم على صورته؟ وبماذا ناول الاحاديث التي تثبت المكانية والجهتية للّه عزوجل وانه تعالى فوق العرش والعرش على سماواته، او انه تعالى كان في غما قبل ان يخلق الخلق وهكذا سائر الاحاديث الاخرى التي مر عليك بعضها؟
هل يمكنك ان تتصور معنى ومفهوما آخر غير التجسيم والتشبيه وتحديدالمكان لهذه الاحاديث التي تلوناها عليك والاحاديث الاخرى التي اخرجوها في كتبهم في مباحث التوحيد؟ اذن كيف يسنح لنا ان نقوم بعملية التاويل والتوجيه؟
ثالثا: ان ما احتوته هذه الاحاديث لم يكن بحثا جديدا وحديثا حتى ناولهاونقوم بتوجيه وتبرير ذلك على غير ظاهرها ليتناسب مع العقل، بل انها امور ظهرت الى الساحة منذ اللحظة الاولى من وفاة النبي (ص) وانسداد الابواب العلمية والدينية، ومن بعد ذلك ثبتت واستقرت في الصحاح الستة في عهد البخاري حتى النسائي عام 256 ـ 279 هـ.
ونلاحظ ان هذه المسائل هي نفس المسائل التي كانت تطرح على ائمة اهل بيت رسول اللّه منذ عهد الامام الباقر (ع) حتى عهد الامام الرضا (ع) وقد تصدى الائمة للاجابة عليها، ونفوها نفيا قاطعا حتى انهم (ع) انكروا صدورها عن النبي (ص) واعلنواصريحا بانها مزيفة ومختلقة ـ لانهم اصحاب البيت وهم اعلم بما في البيت.
فعلى هذا فلو كان للتاويل والتبرير مجال وسبيل لتذرع به السائلون الذين سالوا الائمة (ع) واستفسروا منهم عن صحة تلك الاحاديث.
رابعا: ان احد الاسباب التي تدفعنا عن تاويل هذه الاحاديث وتمنعنا من توجيهها هو الاقوال والاراء التي واعتقد بهـا اغلبية علماء العامة الذين افتوا بمنع تاويل هذه الاحاديث وضرورة التمسك بظواهرها، حتى ان وصل بهم الامر الى تكفيرالمتاولين وحكموا عليهم بالكفر والزندقة والارتداد.
وهاك ايها القارئ طرفا من تلك الاقوال والفتاوي:
______________
1- صحيح البخاري 6: 173 كتاب التفسير باب تفسير سورة ق، وج 9: 143 كتاب التوحيدباب الحلف بعزة اللّه، وص: 164 كتاب التوحيد باب ان رحمة اللّه قريب من المحسنين، صحيح مسلم 8: 2186 كتاب الجنة وصفة نعيمها باب «13» باب النار يدخلها الجبارون ح35.
2- نعم، عثرنا على احاديث واقوال تخالف تلك الاحاديث ولكن ما اسرعهم ان اولوا هذه الاحاديث المعارضة او انهم ضعفوها بحيث تطابق مفهوم احاديث الرؤية والتجسيم والتشبية التي عليها المعتمد عند العامة، ولذلك ترى في اكثر كتب اهل السنة خاصة الكتب الحديثية والكلامية والتفسيرية عناوين تختص بالبحث في الرؤية وغيرها، وان عقيدة الاغلبية الساحقة من علمائهم هي اثبات الرؤية والتجسيم وغيرها من الامور المتعلقة بالتوحيد حتى كتبوا كتبا كثيرة ومؤلفات عديدة في تقويم هذه العقيدة، بحيث افتى علماالسنة وائمتهم بكفر كل من لم يعتقد بالتجسيم والتشبيه، وقد ملئت كتبهم بهذه الفتاوى وتحريم تاويل ظواهر الحديث واخراجه عن المعنى الظاهري منه فعلى هذا فهل يبقى محل وموضع للتاويل والتوجيه؟ فتامل جيدا المعرب.
7 ـ هل للّه رجل؟
- الزيارات: 914