• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

علم الأئمة


ومّما يشنّع به أهل السنّة والجماعة على الشيعة قولهم: بأنّ الأئمة من أهل البيت سلام اللّه عليهم قد خصّهم اللّه سبحانه بعلم لم يشاركهم فيه أحد من الناس، ومن أنّ الإمام يكون أعلم أهل زمانه، فلا يمكن أن يسأله أحد فيعجز عن الجواب!
فهل لهذا الادّعاء من دليل؟
ولنبدأ كما هي عادتنا في كلّ بحث بالقرآن الكريم.
يقول اللّه سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: { ثُمَّ أوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَـفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا }(1)، فالآية تدلّ دلالة واضحة بأنّ اللّه سبحانه اصطفى عباداً من بين الناس وأورثهم علم الكتاب، فهل لنا أن نعرف هؤلاء العباد المصطفين؟
ذكرنا فيما تقدّم بأنّ الإمام الثامن من أئمة أهل البيت علي بن موسى الرضا استدلّ بنزول هذه الآية فيهم، وذلك لّما جمع له المأمون أربعين قاضياً من مشاهير القُضاة، وأعدّ له كلّ واحد منهم أربعين مسألة، فأجاب عليها وأفحمهم وأقرُّوا له بالأعلمية.
وإذا كان هذا الإمامُ الثامن، ولمّا يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً عندما وقعتْ هذه المحاورة بينه وبين الفقهاء الذين أقرّوا له بالأعلمية، فكيف يستغربُ بعدها قول الشيعة بأعلميّتهم، مادام أنّ علماء السنّة وأئمتهم يعترفون لهم بذلك؟!
أمّا إذا أردنا تفسير القرآن بالقرآن، فسوف نجد العديد من الآيات ترمي إلى معنى واحد، وتبيّن بأنّه سبحانه ولحكمة بالغة اختصّ الأئمة من أهل البيت النبوي بعلم من لَدُنْه موهوب حتّى يكونوا أئمة الهدى ومصابيح الدجى.
قال تعالى: { يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلا اُوْلُوا الألْبَابِ }(2).
وقال أيضاً: { فَلا اُقْسِمُ بِمَوَاقِـعِ النُّجُومِ * وَإنَّهُ لَـقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إنَّهُ لَـقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَاب مَكْـنُون * لا يَمَسُّهُ إلاّ المُطَهَّرُونَ }(3).
أقسمَ سبحانه في هذه الآية بقسم عظيم بأنّ القرآن الكريم له أسرار ومعان باطنة مكنونة، لا يدرك معانيها وحقائقها إلاّ المطهّرون، وهم أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجْس وطهّرهم تطهيراً.
دلّت الآية أيضاً على أنّ للقرآن باطناً اختصّ اللّه سبحانه به أئمة أهل البيت، ولا يمكن لغيرهم معرفتها إلاّ عن طريقهم.
ولذلك أشار رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذه الحقيقة فقال:
"لا تتقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم"(4).
وكما قال الإمام عليّ نفسه: "أين الذين زعموا أنّهم الراسخون بالعلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا اللّه ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يُستعطى الهدى، ويُستجلى العمى... إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم"(5).
وقال تعالى: { فَاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }(6) وهذه الآية نزلت في أهل البيت (عليهم السلام)(7).
وتفيد بأنّ الأُمّة لابدّ لها بعد فقد نبيّها أن ترجع إلى الأئمة من أهل البيت لمعرفة الحقائق، وقد رجع الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم إلى الإمام عليّ بن أبي طالب ليبيّن لهم ما أشكل عليهم، كما رجع الناس على مرّ السنين إلى الأئمة من أهل البيت لمعرفة الحلال والحرام، ولينْهلوا من معارفهم وعلومهم وأخلاقهم.
وإذا كان أبو حنيفة يقول: "لولا السنتان لهلك النعمان"(8) يقصد بذلك العامين الذين قضاهما في التعلّم من الإمام جعفر الصادق.
وإذا كان الإمام مالك بن أنس يقول: "مارأتْ عينٌ، ولا سمعتْ أذنٌ، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادة وورعاً"(9).
إذا كان الأمر كذلك باعتراف أهل السنّة والجماعة، فلماذا كلّ هذا التشنيع وهذا الاستنكار بعد هذه الأدلّة، وبعدما أثبت تاريخ المسلمين كافّة بأنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا أعلم أهل زمانهم، فأيّ غرابة في أن يخصّ اللّه سبحانه وتعالى أولياءه "الذين اصطفاهم" بالحكمة والعلم اللدنّي، ويجعلهم قدوة المؤمنين وأئمة المسلمين.
ولو تتبّع المسلمون أدلّة بعضهم بعضاً لأقتنعوا بقول اللّه ورسوله، ولكانوا أُمةً واحدة يشدّ بعضها بعضاً، ولم يكن هناك اختلاف ولا مذاهب متعدّدة!
ولكم لابدّ من كلّ ذلك ليقضي اللّه أمراً كان مفعولا: { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة وَإنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }(10).

____________
1- فاطر: 32.
2- البقرة: 269.
3- الواقعة: 75 ـ 79.
4- مضى تخريجه فيما تقدّم.
5- نهج البلاغة: الخطبة 143.
6- النحل: 43.
7- مضى تخريجه فيما تقدّم.
8- اعترف الدهلوي بأنّ علماء أهل السنّة ورؤساءهم كالزهري وأبي حنيفة ومالك تتلمذوا على أئمة أهل البيت (عليهم السلام) التحفة الاثني عشرية: 93 و 467، ومختصرها للآلوسي: 34 و 193.
وجاء في مختصر التحفة الاثني عشرية للآلوسي: "وهذا أبو حنيفة... كان يفتخر ويقول بأفصح لسان: لولا السنتان لهلك النعمان، يريد السنتين اللتين صحب فيهما لأخذ العلم الإمام جعفر الصادق، وقال غير واحد إنّه أخذ العلم والطريقة من هذا ومن أبيه الإمام محمّد الباقر..." التحفة الاثني عشرية: 143، ومختصرها: 8.
واعترف محمّد أبو زهرة بأنّ أئمة السنّة الذين عاصروا الإمام الصادق (عليه السلام) أخذوا عنه، كمالك وأبي حنيفة انظر: الإمام الصادق لأبي زهرة: 53.
9- هذا النصّ في المناقب لابن شهرآشوب 3: 372، وجاء في كتاب التوسّل والوسيلة لابن تيمية ص: 92 بلفظ: "ولقد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلاّ على ثلاث خصال: إمّا مصلياً وإما صامتاً وإما يقرأ القرآن، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء والعباد الذين يخشون اللّه"، ونحوه في تهذيب التهذيب لابن حجر 2: 104.
ومن الملاحظ أنّ علماء الرجال يفرّقون بين العابد الزاهد التقي وبين الثقة الضبط أو الصدوق، فلا يوجد تلازم بين أن يكون الشخص زاهداً عابداً تقياً وأن يكون ثقة يروى عنه، فقد يكون زاهداً وعابداً لكن لا يروى عنه لعدم كونه ثقة أو غير ضابط أو غير ذلك، وقد يكون ثقة وليس زاهداً عابداً تقياً، ولهذان الأمران أمثلة كثيرة في كتب الرجال، والرجالي عمله الأولي أن يكون الراوي ثقة ولا ربط له بأمر آخر.
بعد هذا الإيضاح نرجع إلى ما ذكره في كشف الجاني: 161، حيث إنّ المؤلّف ذكر عبارة عن الإمام مالك فيها شهادة بتقواه وزهده وعبادته، بينما عثمان الخميس ردّ على المؤلّف بأنّ مالكاً لم يرو عن الصادق (عليه السلام) منفرداً بل يضم إليه شخص آخر، وهذا لا ربط له بكلام المؤلّف كما أوضحناه، لأنّ الزهد والتقوى شيء والثقة والضبط في الرواية شيء آخر، فعدم رواية الإمام مالك عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) منفرداً ـ إن صح ـ لا ينافي مدح مالك للإمام الصادق وكونه زاهداً عابداً ورعاً أو غير ذلك، وهذا الكلام الذي ذكره في كشف الجاني ناشئ من قلّة الاطلاع على فنّ علم الحديث ومعرفة قوانينه.
10- الأنفال: 42.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page