• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التقيّة


وكما قدّمنا بالنسبة إلى القول بالبداء، فإنّ التقيّة هي أيضاً من الأُمور المستنكرة عند أهل السنّة والجماعة، وهم ينبزون بها إخوانهم الشيعة، ويعتبرونهم منافقين إذ يظهرون ما لا يبطنون!!
وكثيراً ماحاورْتُ البعض منهم وحاولتُ إقناعهم بأنّ التقّية ليست نفاقاً، ولكنّهم لم يقتنعوا بل إنك تجد السامع لهذا يشمئزّ أحياناً، ويتعجّب أحياناً أُخرى، وهو يظنّ أنّ هذه العقائد مبتدعة في الإسلام، وكأنّها من مختلقات الشيعة وبدعهم.
ولكن إذا بحث الباحث وأنصف المنصف سيجد أنّ هذه العقائد كلَّها من صلب الإسلام، وهي وليدة القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، بل لا تستقيم المفاهيم الإسلامية السمحاء، والشريعة القويمة إلاّ بها.
والأمر العجيب في أهل السنّة والجماعة، أنّهم يستنكرون عقائد يقولون بها، وكتبهم وصحاحهم ومسانيدهم مليئة بذلك وتشهد عليهم.
فاقرأ معي مايقوله أهل السنّة والجماعة في مسألة التقيّة:
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي، عن ابن عباس في قوله تعالى: { إلاّ أنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً }(1) قال: التقيّة باللسان، من حمل على أمر يتكلّم به وهو معصية للّه فيتكلّم به مخاف الناس وقلبه مطمئن بالإيمان فإنّ ذلك لا يضرّه، إنما التقيّة باللسان(2).
وأخرج الحاكم وصحّحه، والبيهقي في سننه من طريق عطاء عن ابن عبّاس في قوله تعالى: { إلاّ أنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } قال: التقاة هي التكلّم باللسان، والقلب مطمئن بالإيمان(3).
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: التقيّة جائزة إلى يوم القيامة(4).
وأخرج عبد بن أبي رجاء إنّه كان يقرأ: (إلا أنْ تتّقوا منهم تقيّةً)(5). 
وأخرج عبدالرزاق، وابن سعد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وصحّحه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في الدلائل، قال: أخذ المشركون عمّار بن ياسر فلم يتركوه حتّى سبّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذكر آلهتم بخير ثمّ تركوه، فلمّا أتى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ماوراءك شيء؟ قال: شرّ، ما تركتُ حتّى نلتُ منك وذكرتُ آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنّ بالإيمان، قال: إن عادوا فعد، فنزلتْ { إلاّ مَنْ اُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ }(6).
وأخرج ابن سعد عن محمّد بن سيرين: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقي عمّاراً وهو يبكي، فجعل يمسحُ عن عينيه ويقول: "أخذك الكفّار فغطّوك في الماء فقلتَ كذا وكذا، فإن عادوا فقل لهم ذلك"(7).
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه من طريق علي، عن ابن عبّاس في قوله تعالى: { من كفر باللّه... } الآية، قال: أخبر اللّه سبحانه: أنّ من كفر باللّه من بعد إيمانه فعليه غضَبٌ من اللّه وله عذاب عظيم، فأمّا من أكره فتكلّم بلسانه وخالفه قلبهُ بالإيمان لينجُوا بذلك من عدوّه فلا حرج عليه; لأنّ اللّه سبحانه إنمّا يؤاخذ العباد بما عقدتْ عليه قُلوبهم(8).
وأخرج أبن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نزلتْ هذه الآيه في أُناس من أهل مكّة آمنوا، فكتب إليهم بعض الصحابة بالمدينة: أن هاجروا فإنّا لا نرى أنكم منّا حتّى تهاجروا إلينا، فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش في الطريق ففتنوهم، فكفروا مكرهين، ففيهم نزلت هذه الآية: { إلاّ مَنْ اُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ }(9).
وأخرج البخاري في صحيحه في باب المداراة مع الناس، ويذكر عن أبي الدرداء قال: "إنّا لنُكشّر في وجوه أقوام وأن قلوبنا لتلعَنُهم"(10).
وأخرج الحلبي في سيرته قال: لمّا فتح رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مدينة خيبر، قال له حجاج بن علاط: يارسول اللّه إن لي بمكّة مالاً، وإن لي بها أهلاً، وأنا أُريد أن آتيهم فأنا في حلّ إن أنا نلتُ منكَ، وقلتُ شيئا؟ فأذن له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقول مايشاء(11).
وجاء في كتاب إحياء العلوم للإمام الغزالي قوله: "إن عصمة دم المسلم واجبة، فمهما كان القصد سفك دم مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب"(12).
وأخرج جلال الدين السيوطي في كتاب الأشباه والنظائر، قال: "ويجوز أكل الميتة في المخمصة، وإساغة اللقمة في الخمر، والتلفّظ بكلمة الكفر، ولو عمّ الحرامُ قطراً بحيث لا يوجد فيه حلال إلاّ نادراً، فإنّه يجوز استعمال مايحتاج إليه"(13).
وأخرج أبو بكر الرازي في كتابه أحكام القرآن في تفسير قوله تعالى: { إلاّ أنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } قال: يعني أن تخافوا تلف النفس أو بعض الأعضاء، فتتّقوهم بإظهار المولاة من غير اعتقاده لها، وهذا هو ظاهر ما يقتضيه اللفظ، وعليه الجمهور من أهل العلم، كما جاء عن قتادة في قوله تعالى: { لا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ }(14) قال: لا يحلّ لمؤمن أن يتّخذ كافراً ولياً في دينه، وقوله تعالى: { إلاّ أنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } يقتضي جواز إظهار الكفر عند التقيّة"(15).
وأخرج البخاري في صحيحه عن قتيبة بن سعيد، عن سفيان، عن ابن المكندر، حدّثه عن عروة بن الزبير، أنّ عائشة أخبرته أنّه استأذن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل، فقال: إئذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، فلمّا دخل ألاَنَ له الكلام، فقلت: يارسول اللّه قلت ماقلت ثمّ أَلْنتَ له في القول؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
"أي عائشة، إن شرّ الناسُ منزلة عند اللّه من تركه أو ودعه الناس اتّقاء فُحِشِه"(16).
وهذا يكفينا دلالة بعد استعراض ماسبق على أنّ أهل السنّة والجماعة يؤمنون بجواز التقيّة إلى أبعد حدودها من أنّها جائزة إلى يوم القيامة كما مرّ عليك، ومن وجوب الكذب كما قال الغزّالي، ومن إظهار الكفر وهو مذهب الجمهور من أهل العلم كما اعترف بذلك الرازي، ومن جواز الابتسام في الظاهر واللعن في الباطن كما اعترف بذلك البخاري، ومن جواز أن يقول الإنسان مايشاء وينال من رسول اللّه خوفاً على ماله كما صرّح بذلك صاحب السيرة الحلبية، وأن يتكلّم بما فيه معصية اللّه مخافة الناس كما اعترف به السيوطي.
فلا مبرّر لأهل السنّة والجماعة في التشنيع والإنكار على الشيعة من أجل عقيدة يقولون بها هم أنفسهم، ويروونها في صحاحهم ومسانيدهم بأنّها جائزة بل واجبة، ولم يزد الشيعة على ماقاله أهل السنّة شيئاً، سوى أنّهم اشتهروا بالعمل بها أكثر من غيرهم، لما لاقوه من الأمويين والعباسيين من ظلم واضطهاد، فكان يكفي في تلك العصور أن يقال: هذا رجل يتشيّع لأهل البيت ليلاقي حتفه، ويُقتلُ شرّ قتلة على يد أعداء أهل البيت النبوي.
فكان لابدّ له من العمل بالتقيّة اقتداء بما أشار عليهم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد روي عن الإمام جعفر الصادق إنّه قال "التقيّة ديني ودين آبائي"(1) وقال: "من لا تقيّة له لا دين له"(2).
وقد كانت التقيّة شعاراً للأئمة أهل البيت أنفسهم دفعاً للضرر عنهم وعن أتباعهم ومحبّيهم، وحقناً لدمائهم واستصلاحاً لحال المسلمين الذين فُتنُوا في دينهم، كما فُتنَ عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) وحتى أكثر. 
أمّا أهل السنّة والجماعة فقد كانوا بعيدين عن ذلك البلاء; لأنّهم كانوا في معظم عهودهم على وفاق تام مع الحكّام، فلم يتعرّضوا لا لقتل ولا لنهب ولا لظلم، فكان من الطبيعي جدّاً أن ينكروا التقيّة ويشنّعون على العاملين بها، وقد لعب الحكّام من بني أميّة وبني العباس دوراً كبيراً في التشهير بالشيعة من أجل التقيّة.
وبما أنّ اللّه سبحانه أنزل فيها قرآناً يُتلى وأحكاماً تُقضى، وبما أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عمل هو نفسه بها، كما مرّ عليك في صحيح البخاري، وأنّه أجاز لعمّار بن ياسر أن يسبّه ويكفر إذا عاوده الكفّار بالتعذيب، وبما أنّ علماء المسلمين أجازوا ذلك اقتداء بكتاب اللّه وسنّة رسوله; فأيّ تشنيع وأيّ استنكار بعد هذا يصحّ أنْ يوجّه إلى الشيعة؟!
وقد عمل بالتقية الصحابة الكرام في عهد الحكّام الظالمين(19)
أمثال معاوية الذي كان يقتل كلّ من امتنع عن لعن عليّ بن أبي طالب، وقُصة حجـر بن عدي الكندي وأصحابه مشهورة(20) وأمثال يزيد، وابن زياد، والحجّاج، وعبدالملك بن مروان وأضرابهم، ولو شئت جمع الشواهد على عمل الصحابة بالتقيّة لاستوجب كتاباً كاملاً، ولكن ما أوردته من أدلّة أهل السنّة والجماعة كاف بحمد اللّه.
ولا أترك هذه الفرصة تفوت لأروي قصّة طريفة وقعتْ لي شخصيّاً مع عالم من علماء أهل السنّة التقينا في الطائرة، وكنّا من المدعوّين لحضور مؤتمر إسلامي في بريطانيا، وتحادثنا خلال ساعتين عن الشيعة والسنّة، وكان من دعاة الوحدة، وأُعجبت به، غير أنّه ساءني قوله بأنّ على الشيعة الآن أن تترك بعض المعتقدات التي تُسببُ اختلاف المسلمين والطعن على بعضهم البعض، وسألتُه: مثل ماذا؟ وأجاب على الفور: مثل المتعة والتقيّة.
وحاولتُ جهدي إقناعه بأنّ المتعة هي زواج مشروع والتقيّة رخصة من اللّه، ولكنّه أصرّ على رأيه ولم يقنعه قولي ولا أدلّتي، مدّعياً أنّ ما أوردتُه كلّه صحيح، ولكن يجبُ تركه من أجل مصلحة أهم ألا وهي وحدة المسلمين.
واستغربتُ منه هذا المنطق الذي يأمرُ بترك أحكام اللّه من أجل وحدة المسلمين، وقلتُ له مجاملة: لو توقّفت وحدة المسلمين على هذا الأمر لكنت أوّل من أجاب.
ونزلنا في مطار لندن وكنت أمشي خلفه، ولمّا تقدّمنا إلى شرطة المطار سُئل عن سبب قدومه إلى بريطانيا؟ فأجابهم بأنّه جاء للمعالجة، وادّعيت أنا بأنّي جئت لزيارة بعض أصدقائي، ومررنا بسلام وبدون تعطيل إلى قاعة استلام الحقائب، عند ذلك همستُ له: أرأيت كيف أنّ التقيّة صالحة في كلّ زمان؟ قال: كيف؟ قلت: لأنّنا كذبنا على الشرطة، أنا بقولي: جئت لزيارة أصدقائي، وأنت بقولك: جئت للعلاج، في حين أننا قدمنا للمؤتمر.
ابتسم وعرفَ بأنّه كذبَ على مسمع منّي، فقال: أليس في المؤتمرات الإسلامية علاج لنفوسنا؟ ضحكت قائلا: أو ليس فيها زيارة لإخواننا؟
أعود إلى الموضوع فأقول: بأنّ التقيّة ليست كما يدّعي أهل السنّة بأنّها ضرب من النفاق، فالعكس هو الصحيح; لأنّ النفاق هو إظهار الإيمان وكتمان الكفر، بينما التقيّة هي إظهار الكفر وكتمان الإيمان، وشتان ما بين الموقفين، هذا الموقف أعني النفاق الذي قال في شأنه سبحانه وتعالى:
{ وَإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }(21) فهذا يعني إيمان ظاهر + كفر باطن = نفاق.
أمّا الموقف الثاني أعني التقيّة التي قال في شأنها سبحانه وتعالى:
{ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْـتُمُ إيمَانَهُ }(22) فهذا يعني كفرٌ ظاهر + إيمان باطن = تقيّة.
فإنّ مؤمن من آل فرعون كان يكتم في الباطن إيمانه، ولا يعلم به إلاّ اللّه، ويتظاهر لفرعون وللناس جميعاً أنّه على دين فرعون، وقد ذكره اللّه في محكم كتابه تعظيماً لقدرِه.
وتعال معي الآن أيها القارئ الكريم لتعرف قول الشيعة في التقيّة حتى لا تغتّر بما يقالُ فيهم كذباً وبهتاناً.
يقول الشيخ محمّد رضا المظفّر في كتابه (عقائد الإماميّة) ما هذا نصّه:
"وللتقيّة أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر، مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهيّة، وليست هي بواجبة على كلّ حال، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال، كما إذا كان في إظهار الحقّ والتظاهر به نصرةً للدينِ وخدمةً للإسلامِ وجهاد في سبيله، فإنّه عند ذلك يستهانُ بالأموال ولا تعزّ النفوس، وقد تحرم التقيّة في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة، أو رواجاً للباطل، أو فساداً في الدين، أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم، أو إفشاء الظلم والجور فيهم.
وعلى كلّ حال ليس معنى التقيّة عند الإماميّة أنّها تجعل منهم جمعية سرّية لغاية الهدم والتخريب، كما يريد أن يصورّها بعض أعدائهم غير المتورّعين في إدراك الأُمور على وجهها، ولا يكلّفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا.
كما أنّه ليس معناها أنّها تجعل الدين وأحكامه سرّاً من الأسرار لايجوز أن يُذاع بمن لايدين به، كيف وكتب الإماميّة ومؤلّفاتهم فيما يخصّ الفقه والأحكام ومباحث الكلام والمعتقدات قد ملأت الخافقين، وتجاوزت الحدّ الذي ينتظر من أيّ أُمّة تدين بدينها"(23). انتهى كلامه.
وأنت ترى أنّه ليس هناك نفاق، ولا غش، ولا دس، ولا كذب، ولا خداع كما يدّعيه أعْداؤهم(24).

____________
1- آل عمران: 28.
2- الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي 2: 16، وتفسير الطبري 3: 310.
3- السنن الكبرى للبيهقي 8: 209، المستدرك للحاكم 2: 291، تفسير الطبري 3: 310، الدر المنثور 2: 16.
4- الدر المنثور لجلال الدين السيوطي 2: 16.
5- المصدر السابق.
6- سورة النحل: 106، والنصّ في الدر المنثور 4: 132، المستدرك للحاكم 2: 357، وسنن البيهقي 8: 208.
8- الدر المنثور 4: 132، تفسير الطبري 14: 238، سنن البيهقي 8: 209.
9- الدرّ المنثور 4: 132، تفسير القرطبي 10: 181.
10- صحيح البخاري 7: 102، كتاب الأدب، باب 83 المداراة مع الناس.
11- السيرة الحلبية 3: 76، مسند أحمد 3: 138، المصنّف لابن أبي شيبة 5: 466 ح9771، السنن للنسائي 5: 194 ح8646.
7- الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 249، الدر المنثور 4: 132، سير أعلام النبلاء 1: 411.
12- إحياء علوم الدين 3: 202 كتاب آفات اللسان، بيان ما رخص فيه من الكذب.
13- الأشباه والنظائر: 207 ـ 208.
14- آل عمران: 28.
15- أحكام القرآن للرازي الجصاص 2: 12.
16- صحيح البخاري7: 86، كتاب الأدب، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب.
17- الكافي 2: 219 ح12، ولفظه: "التقية من ديني ودين آبائي".
18- الكافي 2: 217 ح2، ولفظه: "لا دين لمن لا تقية له".
19- روى ابن حزم في المحلّى 8: 336 مسألة 1409 عن ابن مسعود أنه قال: "ما من ذي سلطان يريد أن يكلّفني كلاماً يدرأ عنّي سوطاً أو سوطين إلاّ كنت متكلماً به"، ثم قال ابن حزم: "ولا يعرف له من الصحابة مخالف".
وقال السرخسي في المبسوط 24: 46 و 47: "وقد كان حذيفة ممّن يستعمل التقية على ما روى أنه يداري رجلا... وعن جابر بن عبداللّه قال: لا جناح عليّ في طاعة الظالم إذا أكرهني عليها".
وكذلك استخدم التقيّة التابعين ومتشرعة الاُمّة الإسلاميّة:
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 4: 227: "لما استخلف الوليد قدم المدينة فدخل المسجد، فرأى شيخاً قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ قالوا: سعيد بن المسيّب. فلمّا جلس أرسل إليه، فأتاه الرسول فقال: أجب أمير المؤمنين! فقال: لعلّك أخطأت باسمي أو لعلّه أرسلك إلى غيري، فردّ الرسول، فأخبره، فغضب وهمّ به. قال: وفي الناس يومئذ تقية..".
وقال أيضاً في السير 10: 481 ـ في ترجمة سعدويه بن سليمان، وبعد أن وصفه بالحافظ الثبت الإمام ـ: "وأما أحمد بن حنبل فكان يغض منه، ولا يرى الكتابة عنه، لكون أجاب في المحنة تقية..".
وقال في ترجمة أبو نصر التمار 10: 571: ".. وقال أبو الحسن الميموني: صحّ عندي أنه ـ يعني أحمد ـ لم يحضر أبا نصر التمار حين مات، فحسبت أنّ ذلك لما كان أجاب في المحنة.
قلت: أجاب تقية وخوفاً من النكال. وهو ثقة بحاله والحمد للّه".
وقال في السير 11: 87: "قال سعيد بن عمرو البرذعي: سمعت الحافظ أبا زرعة الرازي يقول: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا عن يحيى بن معين، ولا عن أحد ممن أجاب في المحنة. قلت: هذا أمر ضيق ولا حرج على من أجاب في المحنة، بل ولا على من أجبر على صريح الكفر عملا بالآية. وكان يحيى (رحمه الله) من أئمة السنّة، فخاف من سطوة الدولة، وأجاب تقية".
20- ذكر في كشف الجاني: 161 أن المؤلّف ادّعى على معاوية ثلاث دعاوى:
أ ـ إنّ الصحابة كانوا يستخدمون التقية مع معاوية.
وقال: "هذا كذب".
ب ـ إنّ معاوية كان ظالماً.
وقال: "هذا كذب، بل هو إمام عادل".
جـ ـ إنّ معاوية كان يقتل شيعة عليّ والممتنعين عن لعنه.
وقال: "هذا كذب".
وهذه التكذيبات الثلاثة ليست صحيحة، بل الحقّ مع المؤلّف من كون معاوية ظالماً، وكان الصحابة يتوقون بطشه وكيده.
ومن يقرأ كلام عثمان الخميس في كشف الجاني يرى العجب العجاب، ويخيل إليه أنه لم يطلع على الكتب التاريخية والروائية التي ذكرت جرائم معاوية وما ارتكبه بحقّ أهل البيت وشيعتهم، وما اقترفه من ظلم وتعدّي بحقّ الشريعة الإسلامية والسنّة النبوية.
وأمّا ما ذكره التيجاني، فهو الصواب الذي نطقت به الأخبار وطفحت به الآثار:
أما النقطة الأُولى:
فإنّ الصحابة كانوا يستخدمون التقية مع معاوية، لاتقاء شرّه وأذاه والابتعاد عن الوقوع في فلك ظلمه وبطشه:
فقد أخرج ابن عساكر بسنده قال: "لمّا قدم بسر بن أرطأة المدينة أخذ الناس بالبيعة، فجاءت بنو سلمة، وتغيب جابر، قال: لا أبايعكم حتى يجيء جابر، قال: فانطلق جابر الى أُم سلمة فسألها، فقالت: هذه بيعة لا أرضاها، إذهب فبايع تحقن دمك" تاريخ دمشق: 11: 235، الاستيعاب لابن عبد البر 1:
241 ـ 246.
وكذلك استخدم التقيّة التابعين ومتشرعة الأُمّة الإسلاميّة: قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 4: 227: "..لما استخلف الوليد قدم المدينة فدخل المسجد، فرأى شيخاً قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ قالوا: سعيد بن المسيّب: فلمّا جلس أرسل إليه، فأتاه الرسول فقال: أجب أمير المؤمنين! فقال: لعلّك أخطأت باسمي أو لعلّه أرسلك إلى غيري، فردّ الرسول، فأخبره،فغضب وهم به. قال: وفي الناس يومئذ تقيّة..".
وقال أيضاً في السير 10: 481 ـ في ترجمة سعدويه بن سليمان، وبعد أن وصفه بالحافظ الثبت الإمام ـ: "وأمّا أحمد بن حنبل فكان يغض منه، ولا يرى الكتابة عنه، لكونه أجاب في المحنة تقيّة..".
وقال في ترجمة أبو نصر التمار 10: 571: "..وقال أبو الحسن الميموني: صحّ عندي أنّه ـ يعني أحمد ـ لم يحضر أبا نصر التمار حين مات، فحسبت أنّ ذلك لما كان أجاب في المحنة.
قلت: أجاب تقيّة وخوفاً من النكال. وهو ثقة بحاله والحمدللّه".
وقال في السير 11: 87: "قال سعيد بن عمرو البرذعي: سمعت الحافظ أبا زرعة الرازي يقول: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا عن يحيى بن معين، ولا عن أحد ممن أجاب في المحنة. قلت: هذا أمر ضيق ولا حرج على من أجاب في المحنة، بل ولا على من أجبر على صريح الكفر عملاً بالآية. وكان يحيى (رحمهم الله) من أئمة السنّة، فخاف من سطوة الدولة، وأجاب تقيّة".
وفي كتاب الثقات لابن حبان 2: 299: "... فدخل جابر على أُم سلمة وقال:
يا أُماه إنّي خشيت على دمي، وهذه بيعة ضلال! فقالت: أرى أن تبايع، فخرج جابر فبايع بسر بن أرطأة لمعاوية كارهاً".
فهذا جابر تأمره أم سلمة أن يحقن دمه ويبايع، أي يتقي بسر بن أرطأة الذي أرسله معاوية للمدينة لأخذ البيعة له، بل ويصرّح في رواية ابن حبان أنها بيعة ضلال مع أنه بايع!! وحينئذ لا معنى لبيعته إلاّ أنها تقية من بني أمية وبطش معاوية.
وقال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار: "قوله: إن زياد بن أبي سفيان، وقع التحديث بهذا في زمن بني أمية، وأمّا بعدهم فما كان يقال له إلاّ زياد بن أبيه، وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد... فلمّا كان في أيام معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأنّ زياداً ولده فاستلحقه معاوية بذلك وخالف الحديث الصحيح: إنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر، وذلك لغرض دنيوي... وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته إلى أبي سفيان، وما وقع من أهل العلم في زمان بني أمية فإنّما هو تقية". نيل الأوطار: 5: 194.
فهذه رواية وشهادة من علم من أعلام أهل السنّة على سطوة معاوية وظلمه التي حدث بالصحابة وغيرهم لاستخدام التقية معه.
وأمّا النقطة الثانية:
فإنّ معاوية كان ظالماً معتدياً على حقّ اللّه وحقّ عباده، بل ارتكب معاوية ما هو أشدّ من الظلم والبغي والخروج على الإمام الذي تجب طاعته، وهذه الروايات والأقوال تبين ظلم معاوية وبغيه:
1 ـ روي البيهقي وابن أبي شيبة وابن عساكر بسند متصل عن عمّار بن ياسر أنه: "لا تقولوا كفر أهل الشام، ولكن قولوا فسقوا أو ظلموا" السنن الكبرى8: 174، مصنّف ابن أبي شيبة: 8: 722، تاريخ ابن عساكر 1: 347.
2 ـ وعن علي (عليه السلام) أنه قال: "لا تقولوا كفر أهل الشام: ولكن قولوا فسقوا أو ظلموا"، كنز العمال: 5: 567.
وأما أقوال علماء السنّة في ظلم معاوية وبغيه فهي:
1 ـ قال الإمام ابن خزيمة: "... وكلّ من نازع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب في إمارته فهو باغ. على هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن ادريس ـ يعني الشافعي ـ (رحمه الله) " الاعتقاد للبيهقي: 502، تحقيق عبد اللّه محمّد الدرويش.
2 ـ وقال الإمام أبو منصور البغدادي: "أجمع أصحابنا على أنّ عليّاً (رضي الله عنه) كان مصيباً في قتال أصحاب الجمل وفي قتال أصحاب معاوية بصفّين. وقالوا في الذين قاتلوه في البصرة: إنهم كانوا على الخطأ، وأمّا أصحاب معاوية فإنّهم بغوا وسمّاهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بغاة في قوله لعمّار: "تقتلك الفئة الباغية"، ولم يكفروا بهذا البغي" أصول الدين: 289 ـ 290، ونحوه في كتاب الفرق بين الفرق: 350.
3 ـ وقال الإمام البيهقي: "وأمّا خروج من خرج على أمير المؤمنين عليّ (رضي الله عنه) مع أهل الشام في طلب دم عثمان، ثمّ منازعته إيّاه في الإمارة فإنّه غير مصيب فيما فعل و... إنّ الذي خرج عليه ونازعه كان باغياً، وكان رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) قد أخبر عمّار بن ياسر بأنّ الفئة الباغية تقتله، فقتله هؤلاء الذين خرجوا على أمير المؤمنين عليّ (رضي الله عنه) في حرب صفّين" الاعتقاد للبيهقي: 501.
4 ـ قال الإمام القرطبي: "... فتقرّر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين أنّ عليّاً كان إماماً، وأنّ كلّ من خرج عليه باغ، وأنّ قتاله واجب حتى يفيء إلى الحقّ وينقاد إلى الصلح" تفسير القرطبي 1: 318.
وقال في المفهم: "قوله: (وأهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي ـ ثلاثاً) هذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته.. ومحبّتهم ووجوب الفروض المؤكدة... هذا مع ما علم من خصوصيّتهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبأنّهم جزء منه، فإنّهم أُصوله التي نشأ منها وفروعه التي تنشأ عنه، ومع ذلك فقابل بنو أميّة عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق، فسفكوا من أهل البيت دماءهم، وسبوا نساءهم وخربوا ديارهم، وجحدوا شرفهم وفضلهم، واستباحوا سبّهم ولعنهم، فخالفوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيته، وقابلوه بنقيض مقصوده وأُمنيته.." المفهم لما أُشكل من صحيح مسلم 6: 304.
وفي اللغة: البغي: بمعنى الظلم والفساد، لسان العرب 14: 78.
5 ـ وصف الإمام الذهبي ـ وهو المعروف بميله لمذهب أهل الشام ـ معاوية بأنه المربي لأهل الشام على النصب والعداء لأهل البيت (عليهم السلام)، على خلاف ما نطق به القرآن، وطفحت به الآثار من وجوب مودّة ومحبة أهل البيت (عليهم السلام)، فيخالف معاوية القرآن ويسنّ قوانين وسنن على هواه، يقول الإمام الذهبي: "وخلف معاوية خلف كثير يحبّونه ويغالون فيه ويفضلونه... وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق ونشأوا على النصب" سير أعلام النبلاء 3: 128 (ترجمة معاوية بن أبي سفيان).
وقال في وصف طائفة معاوية: "هم طائفة من المؤمنين بغت على الإمام عليّ، وذلك بنصّ قول المصطفى صلوات اللّه عليه لعمّار: "تقتلك الفئة الباغية".. ولا نرتاب أنّ عليّاً أفضل ممّن حاربه، وأنّه أولى بالحقّ رضي اللّه عنه" سير أعلام النبلاء 8: 209.
ولا بأس بالإشارة إلى ما في كلام الذهبى من تهافت، طبقاً لنشأته الشامية ومايحملونه تجاه أهل البيت (عليهم السلام) إذ أنّه وصف أتباع معاوية بأنّهم بغاة، وأنّهم نشأوا على النصب الذي غذّاهم معاوية به، ثمّ يأتي بعد ذلك ويصفهم بـ (الإيمان)! مع أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): "لا يُحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق" صحيح مسلم 1: 61.
فمبغض عليّ (عليه السلام) يكون ناصبيّاً منافقاً بحكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا معنى لأن نصف من حكم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفاقه بالإيمان! اللهمّ إلاّ على مبنى الشاميّين النواصب الذين يرون النصب ديانة وإيماناً وحبّ عليّ كفراً ونفاقاً!! وللّه في كلام المحدّثين شؤون.
6 ـ وقال ابن تيمية الحراني: "بخلاف سبّ علي فإنّه كان شائعاً في أتباع معاوية، ولهذا كان عليّ وأصحابه أولى بالحقّ وأقرب إلى الحقّ من معاوية وأصحابه.. وكان سبّ عليّ ولعنه من البغي الذي استحقت به الطائفة أن يقال لها: الطائفة الباغية، كما رواه البخاري في صحيحه عن خالد الحذّاء، عن عكرمة قال: قال ليّ ابن عباس ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد واسمعا من حديثه، فانطلقنا، فإذا هو في حائط يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى به، ثمّ أنشأ يحدّثنا، حتّى إذا أتى على ذكر بناء المسجد فقال: كنّا نحمل لبنّة لبنّة، وعمّار لبنتين لبنتين، فرآه النبي (صلى الله عليه وسلم) فجعل ينفض التراب عنه ويقول: "ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"، قال: يقول عمّار:
أعوذ باللّه من الفتن.
ورواه مسلم عن أبي سعيد ـ أيضاً ـ قال:...
وهذا أيضاً يدلّ على صحة إمامة عليّ، ووجوب طاعته، وأنّ الداعي إلى طاعته داع إلى الجنّة، والداعي إلى مقاتلته داع إلى النار، وإن كان متأوّلا.
وهو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال عليّ، وعلى هذا فمقاتله مخطئ وإن كان متأولا أو باغ بلا تأويل، وهو أصح القولين لأصحابنا، وهو الحكم بتخطئة من قاتل عليّاً، وهو مذهب الأئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين.
وكذلك أنكر يحيى بن معين على الشافعي استدلاله بسيرة عليّ في قتال البغاة المتأولين، قال: أيجعل طلحة والزبير بغاة! ردّ عليه الإمام أحمد فقال: ويحك! وأيّ شيء يسمه أن يضع في هذا المقام. يعني إن لم يقتدِ بسيرة عليّ في ذلك لم يكن معه سنّة من الخلفاء الراشدين في قتال البغاة" الفتاوى لابن تيمية 4: 267 ـ 268.
7 ـ وقال الإمام ابن كثير الدمشقي: "وهذا مقتل عمّار بن يسار (رضي الله عنه) مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قتله أهل الشام، وبان وظهر سرّ ما أخبر به الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أنّه تقتله الفئة الباغية، وبان بذلك عليّاً محقّ، وأنّ معاوية باغ" البداية والنهاية 7: 296.
8 ـ وقال ابن حجر العسقلاني: "... ثبت أنّ أهل الجمل وصفين والنهروان بغاة" التلخيص الحبير 4: 44.
وقال بعد ذكره لحديث الخوارج: "وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم منقبة عظيمة لعليّ، وأنه كان الإمام الحقّ، وأنه كان على الصواب في قتال من قاتله في حروبه في الجمل وصفين وغيرهما" فتح الباري 12: 299.
وقال ـ أيضاً ـ بعد أن ذكر حديث عمّار: "وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوّة، وفضيلة ظاهرة لعليّ ولعمّار، ورد على النواصب الزاعمين أنّ عليّاً لم يكن مصيباً في حروبه" فتح الباري 12: 113.
وفي هذا يشير ابن حجر إلى عثمان الخميس ومن على شاكلته الذين يدافعون عن معاوية بن أبي سفيان حيفاً على علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وعلى الذين يمدحون صلح الحسن (عليه السلام) نكاية بعلي بن أبي طالب، وطعناً مبطناً في حربه على بغاة الجمل وصفين الذين فرّقوا كلمة المسلمين، واستباحوا دماء المسلمين لأجل مصالحهم الخاصّة ومنافعهم الآنية.
9 ـ وقال الإمام شمس الدين الشربيني: "فصل: في قتال البغاة:
جمع باغ، والبغي الظلم ومجاوزة الحدّ، سُمّوا بذلك لظلمهم وعدولهم عن الحقّ، والأصل فيه آية { وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا }.. (ويقاتل أهل البغي) وجوباً كما استفيد من الآية المتقدمة، وعليها عول عليّ ـ رضي اللّه تعالى عنه ـ في قتال صفين والنهروان" الاقناع 2: 22.
10 ـ وقال الشيخ ملاّ علي القاري: (.. "تقتلك الفئة الباغية" أي الجماعة الخارجة على إمام الوقت وخليفة الزمان، قال الطيّبي: ترّحم عليه بسبب الشدة التي يقع فيها عمار من قبل الفئة الباغية، يريد به معاوية وقومه فإنّه قتل يوم صفين.
وقال ابن مالك: اعلم أنّ عمّاراً قتله معاوية وفئته، فكانوا طاغين باغين بهذا الحديث; لأنّ عمّاراً كان في عسكر عليّ، وهو المستحقّ للإمامة فامتنعوا عن بيعته.
ـ إلى أن يقول ـ: فإذا كان الواجب عليه أن يرجع عن بغيه باطاعته الخليفة ويترك المخالفة وطلب الخلافة المنيفة، فتبين بهذا أنه كان في الباطن باغياً وفي الظاهر متستراً بدم عثمان مراعياً مرائياً، فجاء هذا الحديث عليه ناعياً، وعن عمله ناهياً، لكن كان ذلك في الكتاب مسطوراً فصار عنده كل من القرآن والحديث مهجوراً، فرحم اللّه من أنصف ولم يتعصّب ولم يتعسّف" مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح، ملاّ علي القاري 11: 17 ـ 18.
11 ـ وقال المناوي: "وقال الإمام عبد القادر الجرجاني في كتابه الإمامة:
أجمع فقهاء العراق والحجاز من فريقي الحديث والرأي، منهم: مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلّمين والمسلمين; أنّ عليّاً مصيب في قتاله لأهل صفين... وإنّ الذين قاتلوه بغاة ظالمون". فيض القدير في شرح الجامع الصغير 6: 474.
12 ـ وقال الشيخ أحمد حافظ حكمي: ".. وأمّا علي (رضي الله عنه) فكان مجتهداً مصيباً، وفالجاً محقّاً، يريد جمع كلمة الأمّة.. فكان أهل الشام بغاة اجتهدوا فأخطأوا، وعليّ (رضي الله عنه) يقاتلهم ليرجعوا إلى الحقّ ويفيئوا إلى أمر اللّه، ولهذا كان أهل بدر الموجودون على وجه الأرض كلّهم في جيشه، وعمّار قتل معه (رضي الله عنه) كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد في بناء المسجد، فقال: كنّا نحمل لبنة لبنة، وعمّار لبنتين، فرآه النبي (صلى الله عليه وسلم) فجعل ينفض التراب عنه ويقول: "ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"، قال: يقول عمّار: أعوذ باللّه من الفتن، فتله أهل الشام، مصداق ما أخبر الصادق المصدّق (صلى الله عليه وسلم)، وهو يدعوهم إلى الطاعة والائتلاف التي هي من أسباب دخول الجنة، ويدعونه إلى الفتنة والفرقة التي هي من أسباب دخول النار" معارج القبول 2: 468.
13 ـ وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: "... لمّا وقعت الفتنة في عهد الصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ أشتبهت على بعض الناس، وتأخّر عن المشاركة فيها بعض الصحابة من أجل أحاديث الفتن كسعد بن أبي وقاصّ ومحمّد بن مسلمة وجماعة ـ رضي اللّه عنهم ـ، ولكن فقهاء الصحابة الذين كان لهم من العلم ما هو أكمل قاتلوا مع عليٍّ، لأنّه أولى الطائفتين بالحقّ، وناصروه ضد الخوارج وضد البغاة الذين هم من أهل الشام لمّا عرفوا الحقّ، وأنّ علياً مظلوم، وأنّ الواجب أن ينصر، وأنّه هو الإمام الذي يجب أن يتبع، وأنّ معاوية ومن معه بغوا عليه بشبهة قتل عثمان.
واللّه جلّ وعلا يقول في كتابه العظيم: { وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي }، ما قال: (فاعتزلوا)، قال: { فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }، فإذا عرف الظالم وجب أن يساعد المظلوم لقوله سبحانه: { فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ }. والباغون في عهد الصحابة معاوية وأصحابه، والمعتدلة عليّ وأصحابه، فبهذا نصرهم أعيان الصحابة، نصروا عليّاً وصاروا معه كما هو معلوم" فتاوى ومقالات متنوعة 6: 80.
هذا نزر يسير من ظلم معاوية وبغيه وكلمات علماء السنّة في حقّه، ذكرناها حتى يتّضح للقارئ مدى بُعد هؤلاء الشرذمة عن الحقّ والدين القويم، إذ مجّدوا مَن هدم الدين ونصب العداء لأهله ورفعوه عالياً، بينما هم يطعنون في أنصار الدين وحملته من أهل البيت وأصحابه المنتجبين.
أما النقطة الثالثة: فهي الواقع الذي لا مفرّ منه، إذ إنّ معاوية بنى خلافته على سبِّ عليّ بن أبي طالب والنيل منه، بل وسبّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فضلا عن قتل شيعة علي (عليه السلام):
أخرج ابن ماجة في سننه عن سعد بن أبي وقاص قال: "قدم معاوية في بعض حجاته، فدخل عليه سعد، فذكروا علياً، فنال منه، فغضب سعداً وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيه: من كنت مولاه فعلي مولاه، وسمعته يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، وسمعته يقول: لأعطين الراية اليوم رجلا يحب اللّه ورسوله".
وعلّق الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني في كتابه صحيح ابن ماجه 1: 76 ح120 بقوله: صحيح الصحيحة 4: 335، " (فنال منه) أي: نال معاوية من علي وتكلّم فيه".
وقال محمّد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على الحديث: "قوله: (فنال منه) أي نال معاوية من عليّ ووقع فيه وسبّه" سنن ابن ماجه، تحقيق عبد الباقي 1: 82 ح121.
وقال الإمام الذهبي في ترجمة عمر بن عبدالعزيز: ".. كان الولاة من بني أمّية ـ قبل عمر بن عبدالعزيز ـ يشتمون رجلا ـ رضي اللّه عنه! ـ فلمّا ولي هو أمسك عن ذلك، فقال كثيِّر عَزَّة الخزاعي:
وليت فلم تشتم عليّاً ولم تُخف    برّياً ولم تتبع مقالةَ مجرم!"
سير أعلام النبلاء 5: 147.
وقال ابن تيمية الحراني: ".. وأمّا عليّ فأبغضه وسبّه أو كفره الخوارج وكثير من بني أُمية وشيعتهم الذين قاتلوه وسبّوه..
وأما شيعة عليّ الذين شايعوه بعد التحكّم، وشيعة معاوية التي شايعته بعد التحكيم، فكان بينهما من التقابل وتلاعن بعضهم ما كان.
وكذلك تفضيل عليّ عليه [ يعني على عثمان ] لم يكن مشهوراً فيها، بخلاف سبّ عليّ فإنّه كان شائعاً في أتباع معاوية".مجموعة الفتاوى 4: 267.
وهذا الإمام الأوزاعي صاحب المذهب المنتشر في الشام إلى سنة 340هـ وأكثر والذي ولي القضاء ليزيد بن الوليد الأموي، يصف الحال الذي كانت عليه الشام وولاتها: "يقول عيسى بن يونس: سمعت الأوزاعي يقول: ما أخذنا العطاء حتّى شهدنا على عليّ بالنفاق!! وتبرّأنا منه!! وأخذنا علينا بذلك الطلاق والعتاق وإيمان البيعة" سير أعلام النبلاء 7: 130، ترجمة الإمام الأوزاعي.
وقال ابن الأثير في أحداث سنة 51: "في هذه السنة قتل حجر بن عدي وأصحابه. وسبب ذلك: إنّ معاوية استعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة إحدى وأربعين، فلمّا أمّره عليها دعاه وقال له: أمّا بعد ; فإنّ لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا، وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتماداً على بصرك، ولست تاركاً إيصاءك بخصلة: لا تترك شتم عليّ وذمّه، والترحم على عثمان والاستغفار له، والعيب لأصحاب عليّ والإقصاء لهم..".
وقال ابن كثير الدمشقي في حوادث سنة 106: "وحجّ بالناس في هذه السنة أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك، وكتب إلى أبي الزناد قبل دخوله المدينة ليتلقاه ويكتب له مناسك الحجّ، ففعل، فلتقّاه الناس من المدينة إلى أثناء الطريق، وفيهم أبو الزناد قد أمتثل ما أُمر به، وتلقّاه فيمن تلقّاه سعيد بن عبد اللّه بن الوليد بن عثمان بن عفان، فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّ أهل بيتك في مثل هذا المواطن الصالحة لم يزالوا يلعنون أبا تراب ; فالعنه أنت ـ أيضاً ـ.." البداية والنهاية 9: 171، والكامل في التاريخ 5: 130.
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل أخذ معاوية بقتل شيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأمرهم بالبراءة منه ولعنه وسبّه، ويكفي لمن يتصفّح التاريخ أن يرى ذلك بأُمّ عينه واضحاً، ويكفي ما فعله بحجر بن عدي وأصحابه:
فقد روى ابن عساكر في تاريخه 8: 25 بعد أن أرسل حجر بن عدي وأصحابه إلى معاوية وحبسهم: "فقال لهم رسول معاوية: إنّا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ، إن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم، وإنّ أمير المؤمنين يزعم أنّ دماءكم قد حلّت له بشهادة أهل مصركم عليكم، غير أنّه قد عفى على ذلك، فابرأوا من هذا الرجل نخل سبيلكم".
وفي الكامل لابن الأثير 3: 485 (حوادث سنة 51): "قالوا لهم قبل القتل: إنّا قد أُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللعن له، فإن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم".
وفي سير أعلام النبلاء للذهبي 6: 466 رقم 95: "لما أتى معاوية بحجر قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: أو أمير المؤمنين أنا! اضربوا عنقه... وقيل: إنّ رسول معاوية عرض عليهم البراءة من رجل والتوبة".
وذكر الذهبي اسم ذلك الرجل في كتاب تاريخ الإسلام 4: 194، وهو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
وفي المستدرك: كتاب معرفة الصحابة، في مناقب حجر بن عدي: أنّه قتل في موالاة علي.
وأمّا شدّة معاوية وجوره على شيعة عليّ فكثير، ورد في مصادر كثيرة بأرقام كبيرة:
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 3: 137: "ورجع معاوية بالألفة والاجتماع، وبايعه أهل الشام بالخلافة... فكان يبعث الغارات فيقتلون من كان في طاعة عليّ".
وفي الإصابة 1: 422 (في ترجمة بسر بن أرطأة) قال ابن حجر: "وكان من شيعة معاوية، وكان معاوية وجّهه إلى اليمن والحجاز... وأمر أن ينظر من كان في طاعة عليّ فيوقع بهم، ففعل ذلك".
وفي أُسد الغابة 1: 180: "كان معاوية سيّرهُ إلى الحجاز واليمن ليقتل شيعة عليّ".
وفي تاريخ دمشق 10: 152: "بعث معاوية بسر بن أرطأة إلى المدينة ومكة واليمن يستعرض الناس فيقتل من كان في طاعة عليّ أبي طالب".
وكذلك في تهذيب الكمال للمزي 4: 61 و 665، وتهذيب التهذيب 1: 435 (ترجمة بسر).
وفي أنساب الأشراف للبلاذري 454: "قال معاوية لبسر لما وجهه للغارة: ثم امض إلى صنعاء فإنّ لنا بها شيعة، واستعن بهم على عمال عليّ وأصحابه، فقد أتاني كتابهم، واقتل كلّ من كان في طاعة عليّ إذا امتنع من بيعتنا، وخذ ما وجدت لهم من مال".
وفي الإمامة والسياسية لابن قتيبة 1: 203: "كتب الإمام الحسن إلى معاوية كتاباً قال فيه: أولست قاتل الحضرمي الذي كتب إليك فيه زياد أنّه على دين عليّ".
وقال الجاحظ في البيان والتبين 1: 266: "وجلس معاوية رضي اللّه تعالى عنه بالكوفة يبايع على البراءة من عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه تعالى وجهه، فجاءه رجل من بني تميم فأراده على ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين نطيع أحياءكم ولا نبرأ من موتاكم، فالتفت إلى المغيرة فقال: إنّ هذا رجلٌ فاستوص به خيراً".
وذكر الزركلي في الأعلام 3: 303 في ترجمة عبد الرحمن بن حسان العنزي: "فدعاه معاوية إلى البراءة من عليّ، فأغلظ عبد الرحمن في الجواب، فردّه إلى زياد فدفنه حيّاً".
وأيضاً في تاريخ مدينة دمشق 8: 27.
وبعد كلّ هذه الحقائق، لا يمكن لمدّع أن يدافع عن معاوية وأمثاله الذين حكموا الأمة بالظلم والطغيان، ومنعوا ربيع الإسلام أن يغطي المعمورة بعدله وحلمه، وحرموا الأُمة من نبع الدين الصافي وضفافه الفضفاض وهم أهل البيت (عليهم السلام)، فعاملوهم قتلا وساوروهم سجناً، ومنعوا الأُمة من الأخذ عنهم وأبعدوهم عن وصية نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) في الثقلين.
فمن يكون هكذا حاله، فكيف يكون إماماً، فضلا عن كونه عادلا؟!
وعلاوة على ذلك نقول: إنّ هنالك أحاديثاً كثيرة وردت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذمّ معاوية بن أبي سفيان، وإنّه لم يدخل الإسلام إلاّ بعدما أيقن الفتك وأن لا مخلص له ولبني أُميّة عموماً إلاّ الدخول في الدين وإظهار الطاعة، وإبطان النفاق والغدر والخيانة، فمعاوية ابن أبي سفيان لم يكن ممّن حسن إسلامه فضلا عن أن يكون خليفة للمسلمين!! والإسلام يبرأ منه ونذكر قسماً يسيراً
من الأحاديث النبويّة الصحيحة التي تبيّن حقيقته وتكشف هويته، وردت على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من طرق أهل السنّة:
1 ـ حديث: "إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه".
رواه ابن حبان في كتابه المجروحين 2: 172 قال: أخبرنا الطبري عن محمّد ابن صالح، ثنا عباد بن يعقوب الرواجني عن شريك بن عاصم، عن زر عن عبد اللّه بن مسعود.
وسند الحديث حسن، فعباد بن يعقوب الرواجني ثقة شيعي، وشريك صدوق، وعاصم صدوق، وزر بن حبيش فثقة جليل، وعبد اللّه بن مسعود صحابي.
وفي الكامل لابن عدي 6: 112 قال: حدّثنا على بن سعيد، حدّثنا الحسين ابن عيسى الرازي، حدّثنا سلمة بن الفضل ثنا محمّد بن إسحاق، عن محمّد ابن إبراهيم التيمي، عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "إذا رأيتم فلاناً على المنبر فاقتلوه".
والإسناد صحيح رجاله ثقات، فشيخ ابن عدي وهو علي بن سعيد فهو ثقة ثبت. وابن عدي من المتثبتين في الأخذ، والحسين بن عيسى الرازي فهو صدوق، كما ذكر ذلك الرازي في الجرح والتعديل 3: 68. وأما سلمة بن الفضل الأبرش فهو صدوق قال عنه ابن جرير: ليس من لدن بغداد إلى أن تبلغ خراسان أثبت في ابن إسحاق من سلمة بن الفضل.
ومحمّد بن إسحاق صدوق وهو من رجال مسلم والسنن الأربعة.
ومحمّد بن إبراهيم التيمي فهو ثقة، وشيخه أبو أُمامة بن سهل بن حنيف فهو معدود من الصحابة، فالحديث صحيح.
وغير هذين الإسنادين الصحيحين توجد هناك متابعات تشهد لهما وعليه فالحديث صحيح ويكون معاوية على قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مستحقاً للقتل عند إستيلائه دفّة الحكم وزمام أمر المسلمين.
2 ـ حديث: "لا أشبع اللّه بطنه".
فقد روى مسلم في صحيحه 4: 2010 بإسناده عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فتواريت خلف باب، قال: فجاء فصحأني صحأة وقال: اذهب وادع لي معاوية، قال فجئت فقلت: هو يأكل!
قال: ثمّ قال لي: اذهب فادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هو يأكل! فقال: "لا أشبع اللّه بطنه".
قال ابن كثير في البداية والنهاية 6: 189 ـ بعد أن ذكر الخبر ـ: (قلت: وقد كان معاوية... لا يشبع بعدها، ورافقته هذه الدعوة في أيام إمارته، فيقال: إنّه كان يأكل في اليوم سبع مرّات طعاماً بلحم، وكان يقول: واللّه لا أشبع وإنّما أعيى).
وقال البلاذري في فتوح البلدان 3: 853 بعد أن ذكر الحديث: (فكان يقول: لحقتني دعوة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان يأكل في اليوم سبع أكلات وأكثر وأقل).
وقد حاول محبّي معاوية من النواصب جعل الحديث منقبة له، ولكن الذهبي ـ وهو من محبّي معاوية ومن المدرسة الشامية ـ ردّ علهيم قولتهم هذه، فقال في سير أعلام النبلاء بعد أن ذكر الحديث 3: 123: (فسّره بعض المحبيّن قال: لا أشبع اللّه بطنه حتى لا يكون ممّن يجوع يوم القيامة; لأنّ الخبر عنه أنّه قال: (أطول الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة)!
قلت [ يعني الذهبي ]: هذا ما صحّ والتأويل ركيك).
3 ـ حديث: "لعن اللّه الراكب والقائد والسائق".
روى البزار في مسنده 9: 286: حدّثنا السكن بن سعيد، قال: حدّثنا عبد الصمد، قال: حدّثنا أبي، وحدّثناه حمّاد بن سلمة، عن سعيد بن جهمان، عن سفينة أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان جالساً فمرّ رجل على بعير وبين يديه قائد وخلفه سائق فقال: "لعن اللّه القائد والسائق والراكب".
وسند الحديث صحيح. أما سفينة فهو صحابي ثقة (تهذيب الكمال 7: 387)، وسعيد بن جهمان فهو ثقة روى له الأربعة (تهذيب الكمال 7: 155)، وحمّاد بن سلمة ثقة (تهذيب الكمال 5: 175).
وعبد الصمد بن عبد الوارث ثقة (تهذيب الكمال 11: 475).
وقد صرّح الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 148 بوثاقة رجال السند.
ورى الطبراني في المعجم الكبير 3: 71 قال: (حدّثنا يحيى بن زكريا الساجي، ثنا محمّد بن بشار بندار، ثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي، ثنا عمران بن حدير، أظنّه عن أبي مجلز قال: قال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة لمعاوية: إنّ الحسن بن علي عيي، وإنّ له كلاماً ورأياً، وإنّه قد علمنا كلامه فيتكلم كلاماً فلا يجد كلاماً!
فقال: لا تفعلوا، فأبوا عليه، فصعد عمرو المنبر، فذكر علياً ووقع فيه! ثمّ صعد المغيرة بن شعبة المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ وقع في علي (رضي الله عنه) ثمّ قيل للحسن بن علي: اصعد! فقال: لا أصعد ولا أتكلّم حتى تعطوني إن قلت حقّاً أن تصدّقوني، وإنّ قلت باطلا أن تكذّبوني! فأعطوه، فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه فقال: ياللّه يا عمرو وأنت يا مغيرة تعلمان أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "لعن اللّه السائق والراكب" ـ يعني أبي سفيان ومعاوية كما سيتضح ـ أحدهما فلان [ معاوية ]؟ قالا: اللهمّ بلى.
قال: أنشدك يا معاوية وأنت يا مغيرة: أتعلمان أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعن عمراً بكل قافية قالها لعنة؟
قالا: اللهمّ بلى!
قال: أنشدك اللّه يا عمرو وأنت يا معاوية بن أبي سفيان: أتعلمان أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعن قوم هذا [ أشار إلى المغيرة ]؟
قالا: بلى..).
وسند الحديث رواته ثقات:
فزكريا بن يحيى الساجى ثقة ورجالي كبير (الجرح والتعديل 3: 534).
ومحمّد بن بشّار بندار ثقة (تهذيب الكمال 24: 510).
وعبد الملك بن الصباح المسمعي ثقة (تهذيب الكمال 18: 331).
وعمران بن حدير ثقة (تهذيب الكمال 22: 313).
والحديث إسناده صحيح، وبيّن الإمام الحسن (عليه السلام) فيه أنّ معاوية ملعون هو وأبيه، وأشهد على ذلك عمرو والمغيرة، وقد شهدا، ثمّ بيّن أنّ عمراً ملعون على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأشهد على ذلك معاوية والمغيرة، وقد شهدا، ثمّ بيّن أنّ المغيرة ملعون على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأشهد على ذلك معاوية وعمراً، وقد شهدا.
وهناك روايات أُخرى في لعن معاوية وأبيه على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الصحيح والذي يصح للمتابعة.
4 ـ حديث: "يموت على غير ملّتي".
أخرج الحافظ أحمد بن يحيى البلاذري في كتابه أنساب الأشراف قال: حدّثني إسحاق، قال حدّثني عبد الرزاق بن همام، أنبأنا معمّر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: كنت جالساً عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: "يطلع عليكم من هذا الفجّ رجل يموت يوم يموت على غير ملّتي" قال: وتركت أبي يلبس ثيابه، فخشيت أن يطلع، فطلع معاوية".
وهذا الحديث صحيح الإسناد لأنّ رجاله كلهم ثقات.
فإسحاق بن أبي إسرائيل ثقة (تهذيب الكمال 2: 226).
وعبد الرزاق الصنعاني ثقة (تهذيب الكمال 11: 447).
ومعمّر بن راشد ثقة (تهذيب الكمال 18: 268).
وعبد اللّه بن طاووس ثقة (الجرح والتعديل 5: 105).
وطاووس بن كيسان ثقة (تهذيب الكمال 9: 213).
وقد روى البلاذري الحديث بسند آخر: عن عبد اللّه بن صالح، حدثني يحيى بن آدم عن شريك، عن ليث، عن طاووس، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: وذكر الحديث...".
قال العلاّمة المحدّث الشريف محمّد المكّي بن عزوز المغربي (رحمه الله): (الحديث الأوّل [ الذي جعلناه ثان ] رجاله كلّهم رجال الصحيح حتّى ليث فمن رجال مسلم، وهو ابن أبي سليم، وإنّ تكلّم فيه لاختلال وقع له في آخر أمره، فقد وثّقه ابن معين وغيره، كما أفاد الشوكاني.
على أنّ الوهم يرتفع بالسند الثاني [ الذي جعلناه الأوّل ] الذي هو حدّثني إسحاق الخ ; لأن الراوي فيه عن طاووس عبد اللّه ابنه لا ليث، والسند متين والحمد للّه) نقلا عن كتاب تقوية الإيمان لابن عقيل الشافعي: 138.
وقد رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 5: 243 بسند صحيح لكن لم يذكر الاسم.
والاسم يتّضح من خلال رواية البلاذري المتقدّمة; لأنّ المتن واحد كما هو واضح لمن يراجع.
وقد ورد الحديث بلفظ: (يموت على غير سنّتي) في كتاب وقعة صفين لنصر ابن مزاحم المنقري ص 220.
وممّا يشهد لذلك ما أخرجه الألباني في صحيحته 4: 329 ح1749: "أوّل من يغيّر سنّتي رجل من بني أُميّة" قال: (قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير المهاجر وهو ابن مخلد أو مخلد...).
ثمّ حاول تأويل الحديث بشيء بعيد عنه فقال: (ولعلّ المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة، وجعله وراثة..).
وهو تأويل بعيد بعد ملاحظة الأحاديث الأُخرى وضمّ بعضها إلى بعض، حيث تنتج أنّ معاوية يغيّر السنّة النبوية عموماً لا خصوص نظام الحكم. وقد غيّر معاوية سنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من منازعة الأمر أهله كحربه لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقتله لعمّار بن ياسر الذي وصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قتلته بأنّهم فئة باغية، وقتله الصالحين كحجر بن عدي وأصحابه، وسنّ سبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) على المنابر، وكترك التلبية في يوم عرفة بغضاً لعلي بن أبي طالب وحباً في مخالفته كما أخرج ذلك النسائي في سننه 5: 253 بشرح السيوطي، وغير ذلك من المخالفات الصريحة للسنة النبوية المطهرة، فلا وجه لتخصيص التغيير بنظام الحكم دون غيره!
وهذا التأويل ينسجم مع نفسية الشيخ الألباني الشامية، فهو دمشقي ودمشق عاصمة النصب، أسّسها معاوية بن أبي سفيان على ذلك، وبقيت آثارها إلى يومنا هذا، فنشأ المحدث فيها وفيه نصب واضح من الدفاع عن بني أُميّة ومحاولة التنقيص من أهل البيت (عليهم السلام)، وارجع إلى محدّثي الشام كابن تيمية الحراني، والذهبي، وابن كثير، وابن القيّم، والألباني وغيرهم تجد ما ذكرناه واضحاً لا يخفى على أحد.
21- البقرة: 14.
22- غافر: 28.
23- عقائد الإمامية: 344، تحقيق محمّد جواد الطريحي.
24- توهم بعض المتسلفين: في أنّ التقية إذا كانت جائزة وأنّ الأئمة (عليهم السلام) كانوا يؤمنون بها ويعملون عليها، فعند ذلك كيف نعرف أنّ الكلام الذي صدر منهم والروايات التي صدرت عنهم، صدرت عن جدٍّ ولم تصدر تقيةً وخوفاً؟!
ونجيب على هذا المتوهّم: بأنّ هذا الكلام يسقط إذا راجعنا تعريف التقيّة، والشروط اللازم توفّرها لتحقيق موضوع التقيّة، وبالتالي تكون جائزة، فالتقيّة: هي إبراز خلاف ما يعتقده الإنسان عند الخوف أو الضرر الذي لا يتحمّل، فهي بالتالي تجوز ضمن هذه الشروط، ولا تجوز مطلقاً وفي أيّ حال من الأحوال، وعنده نفهم أنّ التقيّة هي الحالة الشاذّة والنادرة في حياة الإنسان، وأنّ الحياة الطبيعية ليس فيها تقيّة، أو اضطرار لأن يبرز الإنسان خلاف معتقده، بل مقتضى الطبع البشري أنّه مختار وعندما يتكلّم يكون كلامه عن قصد ومبرزاً لما يعتقده في قلبه حقّاً، وأنّ الظلم والجور المؤدّي لأن يبرز الإنسان خلاف معتقده حال نادرة وفريدة في حياة الإنسان.
ومن هنا نعرف أنّ كلمات الأئمة ورواياتهم لم تكن كلها تقيّة، بل هناك الواضح والعامّ منها صدر لبيان الواقع ومراد لهم، لعدم توفّر شروط التقيّة حتى يكونوا مضطرّين للكلام بخلافه.
فما ذكره صاحب كتاب منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلامية: 138 ناشئ عن عدم فهم التقيّة وحدودها الشرعيّة المسوغة لها.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page