• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فيما يتعلّق بقبر الإمام الحُسين (عليه السّلام) وزيارته

فيما يتعلق بقبر الإمام الحُسين (عليه السّلام) وزيارته
استفتاءٌ لمشهد رأس الإمام الحُسين (عليه السّلام) في مصر وتربته الشريفة
واستُفتي القاضي زكي الدين عبد العظيم في ذلك ، فقال : هذا مكان شريف ، وبركته ظاهرة ، والاعتقاد فيه خير ، والسلام .
وما أجدر هذا المشهد الشريف والضريح الأنور المنيف بقول القائل :
نـفسي الـفداءُ لمشهدٍ أسرارُهُ       مـن دونها سترُ النبوّةِ مُسْبَلُ
وَرواقُ عـزٍّ فيه أشرفُ بقعةٍ       ظلَّت تُحارُ لها العقولُ وتذهلُ
تُـغضي لبهجتِهِ النواظرُ هيبةً       ويـردُّ  عـنه طَرْفَهُ المتأمِّلُ
حَـسَدَتْ مكانتَهُ النّجومُ فودَّ لو       أمسى يجاورُهُ السّماكُ الأعزلُ
وسـمـا عـلوّاً أن تُقَبِّلَ تُرْبَهُ       شَفَةٌ فأضحى بالجباهِ يُقَبَّلُ(1)
أقول : ليس ببعيد أن تصدر الكرامات من المشهد المسمّى باسم الإمام الحُسين (عليه السّلام) في مصر ؛ كرامة من الله له (عليه السّلام) ، وصدرها لا ينافي قول الشيعة ؛ إذ الاعتقاد بالطلب من الله بواسطة الحُسين (عليه السّلام) ، وتحقّق الطلبات هو لذات الحُسين (عليه السّلام) ، ولعظيم منزلته عند الله لا لاعتقاد أنّه في هذا المكان بخصوصه أو ذاك .
ولهذا قال سبط ابن الجوزي : ففي أيّ مكان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب والضمائر ، قاطن في الأسرار والخواطر . وأنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى :
لا تطلبوا المولى الحُسيْـ     ـنَ بأرضِ شرقٍ أو بغربِ
ودعوا الجميعَ وعرِّجوا      نحـوي فمـشهدُه بقلـبي(2)
والشيء الآخر إنّه من المحتمل قويّاً أنّ المدفون في مصر هو رأس أحد أنصار الحُسين (عليه السّلام) ؛ إذ الرؤوس نُقِلَتْ إلى الشام ، وكثير منها لم يُعْرَف خبرُه .
طينُ قبر الإمام الحُسين (عليه السّلام) شفاءٌ من كُلِّ داء ، وأمانٌ من كُلِّ خوف
قال ابن حجر العسقلاني : الحسن بن علي بن أبي المغيرة الزبيدي الكوفي ، سمع الكثير ورحل وأخذ عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) ، والحارث بن المغيرة البصري وغيرهما . روى عنه عبد الله بن أحمد بن نهيك ، وسعيد بن صالح . ذكره الطوسي في مُصنّفي الشيعة الإماميّة ، وأفرد له خبراً منكراً رواه عن الحارث ، عن الباقر فيه : إنّ في طين قبر الحُسين بن علي (عليه السّلام) شفاءً من كلِّ داءٍ ، وأمناً من كلِّ خوف(3)(*) .
رجلٌ أصابه الجرب فمسح جسمَه بتراب قبرِ الإمام الحُسين (عليه السّلام) فشافاه الله
روى ابن العديم قال : أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحُسين ، قال : أخبرنا أبو طاهر السلفي ( إجازة إن لم يكن سماعاً ) قال : أخبرنا أبو الحُسين بن الطيوري قال : سمعت أحمد ـ يعني
ابن مُحمّد العتيقي ـ يقول : سمعت أبا بكر مُحمّد بن الحسن بن عبدان الصيرفي يقول : سمعت جعفر الخلدي يقول : كان بي جرب عظيم كثير ، فتمسّحت بتراب قبر الحُسين (عليه السّلام) ، قال : فغفوتُ فانتبهتُ وليس عليَّ منه شيء(4) .
رجلٌ من بني أسد أهان قبرَ الإمام الحُسين (عليه السّلام) فأصاب أهل ذلك البيت جنون وجذام ، وبرص وفقر ـ رجاله رجال الصحيح
روى الطبراني والهيثمي ، والمزّي وابن عساكر والذهبي ، واللفظ للأوّل : حدّثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي ، ثنا جرير ، عن الأعمش قال : خرى رجل من بني أسد على قبر حسين بن علي (عليه السّلام) ، قال : فأصاب أهل ذلك البيت خبلٌ وجنون وجذام ، ومرض وفقر(5) .
وقال الهيثمي : رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح(6) .
روى البلاذري قال : حدّثنا يوسف بن موسى ، عن جرير ، عن الأعمش : أنّ رجلاً أحدث على قبر الحُسين (عليه السّلام) ، فجذم وبرص وجُنَّ ، فوُلده يتوارثون(7) .
وروى ابن حمدون قال : وقال الأعمش : خري رجل على قبر الحُسين (عليه السّلام) فجُنَّ فمات ، فسُمع صوتُه
يصيح في القبر كنباح الكلب(8) .
رجلٌ من أهل الشام أهان قبرَ الإمام الحُسين (عليه السّلام) فأبرص من ساعته
روى محدّث الشام ابن عساكر قال : أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان ، نا أحمد بن محرز ، نا الحماني قال : قال الأعمش : أحدث رجل من أهل الشام على قبر الحُسين بن علي (عليه السّلام) ، فأبرص من ساعته(9) .
لمَّا أجروا الماءَ على قبر الإمام الحُسين (عليه السّلام) وصل إليه الأسدي بطيب ريحه
روى ابن العديم ، والمزّي ، والذهبي ، واللفظ للأوّل قال : أخبرنا مُحمّد بن هبة الله القاضي فيما أذن لنا أن نرويه عنه ، قال : أخبرنا أبو الفضل أحمد بن منصور بن بكر بن مُحمّد بن حيد ، قال : أخبرنا جدِّي أبو منصور ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن مُحمّد بن عبدوس الحيري (إملاءً) قال : أخبرنا الحسن بن مُحمّد الإسفرائيني ، قال : حدّثنا مُحمّد بن زكريا الغلابي ، قال : حدّثنا عبد الله بن الضحاك ، قال : حدّثنا هشام بن مُحمّد ، قال : لمَّا اُجري الماء على قبر الحُسين (عليه السّلام) نضب بعد أربعين يوماً ، وامتحى أثر القبر ، فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمه حتّى وقع على قبر الحُسين (عليه السّلام) ، وبكى وقال : بأبي واُمّي ! ما كان أطيبك وأطيب تربتك ميّتاً ! ثمّ بكى وأنشأ يقول :
أرادوا ليخفوا قبــرَهُ عن عدوِّهِ     فطيبُ ترابِ القبـرِ دلَّ على القبرِ(10)
ــــــــــــــــ
(1) الإتحاف بحبِّ الأشراف ـ الشبراوي / 82 ـ 83 .
(2) تذكرة الخواصّ ـ سبط ابن الجوزي / 238 ـ 240 منشورات الشريف الرضي .
(3) لسان الميزان ـ ابن حجر العسقلاني 2 / 237 .
(*) ومسألة التبرك بآثار الصالحين هي عادة أهل الإسلام عامّة إلاّ مَنْ طبع الله على قلبه ؛ وذلك لاعتقادهم بأنّ الله (عزَّ وجل) جعل في آثارهم البركة من الشفاء وغيره ، وهذه الحقيقة قد أثبتها الله في محكم كتابه الكريم إذ قال تعالى : ( اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ )(سورة يوسف / 93) . وأيضاً قوله تعالى : ( قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي )(سورة طـه / 96) . فتراب حافر فرس جبرائيل له أثر ، فكيف بتراب سيّد شباب أهل الجنة ، ومَنْ كان جبرائيل خادماً لأبيه (صلّى الله عليه وآله) ؟!
قال : العلاّمة البدخشي في (مفتاح النجا / 179 مخطوط ) نقلاً من إحقاق الحقِّ 12 / 408 قال : وذكر العلاّمة شمس الدين أحمد بن مُحمّد بن إبراهيم الأربلي ، المعروف بابن خلّكان ، في تاريخه : أنّ بعض أصحاب أبي نوّاس الحسن بن هاني الحكم ، الشاعر المشهور ، قال له : ما رأيتُ أوقح منك ! ما تركتَ شيئاً إلاّ قلت فيه شعراً ، وهذا عليُّ بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئاً ؟! فقال : والله ، ما تركت ذلك إلاّ إعظاماً له ، وليس قَدْرُ مثلي أنْ يقول في مثله .
ثمّ أنشد بعد ساعة هذه الأبيات :
قيل لي أنتَ أحسنُ الناسِ طرّاً      فـي فـنونٍ من المقالِ النبيهِ
لـكَ مـن جيِّدِ المديحِ قريضٌ       يثمرُ الـدرّ في يدي مجتنيهِ
فعلى ما تركتَ مدحَ ابنِ موسى      والـخصالَ الـتي تجمَّعنَ فيهِ
قـلتُ لا أسـتطيعُ مـدحَ إمام    كـان جـبريلُ خـادماً لأبيهِ
ورواه أيضاً ابن النجّار البغدادي في ذيل تاريخ بغداد 4 / 138 . وراجع مَنْ رواها في إحقاق الحقِّ 12 / 408 .
(4) بغية الطلب في تاريخ حلب ـ ابن العديم 6 / 2657 ، تهذيب الكمال ـ المزّي 6 / 44 ، سير أعلام النبلاء ـ الذهبي 3 / 317 موجزاً .
(5) مجمع الزوائد ـ الهيثمي 9 / 197 .
(6) المعجم الكبير ـ الطبراني 3 / 120 ، مجمع الزوائد ـ الهيثمي 9 / 197 ، وفي ط ص317 ، تهذيب الكمال ـ المزّي 6 / 443 ـ 444 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 244 ، سير أعلام النبلاء ـ الذهبي 3 / 317 بدل (خرى) تغوّط ، ترجمة الإمام الحُسين (عليه السّلام) ـ ابن عساكر / 407 .
(7) مجمع الزوائد ـ الهيثمي 9 / 197 ، وفي ط ص317 .
(8) أنساب الأشراف ـ البلاذري 3 / 426 ، وفي ط ص 228 .
(9) التذكرة الحمدونيّة ـ ابن حمدون / 6168 ، وذكر بعض التغيّرات الكونيّة أيضاً ، نقلاً عن برنامج الموسوعة الشعريّة .
(10) تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر 14 / 244 .
وأمّا مسألة التبرّك في جوازها وندبها ، فقد صرح به علماء أهل الخلاف إلاّ مَنْ شدّ من الذين خرجوا عن الجادة . راجع هذا في ما ذكره العلاّمة المحقق المدقّق الشيخ الأميني (أعلى الله مقامه الشريف) في كتاب الغدير المجلّد الخامس ، وأذكر لك شيئاً من أقوالهم :
سأل عبد الله بن أحمد بن حنبل أبيه قال : سألته عن الرجل يمسّ منبر النبي (صلّى الله عليه وآله) ، ويتبرّك بمسّه ويقبّله ، ويفعل بالقبر مثل ذلك ، أو نحو هذا ؛ يريد بذلك التقرّب إلى الله (عزَّ وجل) . فقال لا بأس بذلك(1) . قال الصالحي الشامي : وذكر غير واحد نحو ذلك .
وفي كتاب العلل والسؤالات لعبد الله ابن الإمام أحمد عن أبيه رواية أبي علي الصوان ، قال عبد الله : سألت أبي عن الرجل يمسّ منبر النبي (صلّى الله عليه وآله) ويتبرّك بمسّه ويقبّله ، ويفعل بالقبر مثل ذلك ؛ رجاء ثواب الله (عزَّ وجل) . قال : لا بأس(3) .
وروى أحمد بن حنبل وغيره قال : حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا عبد الملك بن عمرو ، ثنا كثير بن زيد ، عن داود بن أبي صالح قال : أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر فقال : أتدري ما تصنع ؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب(3) ، فقال : نعم ، جئت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولم آت الحجر ؛ سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : (( لا تبكوا على الدّين إذا وليه أهلُهُ ، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غيرُ أهلِهِ ))(4) .
ورواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(5) .
وقال مُحمّد سعيد ممدوح : وأخرجه من هذا الوجه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد ، وسلّمه الذهبي : عبد الملك بن عمرو هو القيسي ، أبو عامر العقدي ، ثقة ، احتجّ به الجماعة وكثير بن زيد ، حسن الحديث(6) .
قال الصالحي الشامي : وروى الإمام أحمد ـ بسند حسن(7 ) ، فذكر الحديث .
وقال أيضاً : ونقل الطيّب الناشري عن المحبّ الطبري ، أنّه يجوز تقبيل الحجر ومسّه ، قال : وعليه عمل العلماء الصالحين ، ويُنشد :
أمـرُّ عـلى الديارِ ديارِ ليلى    اُقـبِّلُ ذا الـجدارِ وذا الجدارا
ومـا حبُّ الديارِ شغفنَ قلبي    ولكنْ حبّ مَنْ سكن الديارا(8)
وقال الصالحي الشامي : ونقل عن ابن أبي الصيف اليمني ، أحد علماء مكّة من الشافعية ، جواز تقبيل المصحف ، وأجزاء الحديث ، وقبور الصالحين ، انتهى كلام الحافظ(9) .
وقال أيضاً : ومنه ، أنْ يأتي بقيّة الآثار المنسوبة للنّبي (صلّى الله عليه وآله) بالمدينة ممّا عملت يمينه أو جهته ، وكذا الآبار التي شرب منها الرسول (صلّى الله عليه وآله) وتوضّأ أو اغتسل ، فيُتبرّك بمائها ، صرّح جماعة من الشافعيّة وغيرهم باستحباب ذلك كلّه(10) .
وقال أيضاً :  قال القاضي : ومن إعظامه (صلّى الله عليه وآله) وإكباره إعظام جميع أسبابه ، وإكرام جميع مشاهده وأمكنته ومعاهده ، وما مسّه (صلّى الله عليه وآله) بيده ، أو عُرِفَ به ، انتهى .
وذلك بزيارة تلك المشاهد والتبرّك بها ، ولله در القائل :
خـليليَّ هـذا رَبـعُ عزَّةَ فاعْقِلا     قَـلُوصيكما ثمّ انزلا حيثُ حلَّتِ
ومُـسَّا تراباً طالما ما مَسَّ جِلْدَها     وظِـلاّ وبـيتا حيثُ باتت وظلَّتِ
ولا تـيأسا أنْ يـمحوَ اللهُ عنكما     ذنوباً إذا صلَّيتما حيثُ صَلَّتِ(11)
وروى محدث الشام ابن عساكر قال : أنبأنا أبو مُحمّد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز بن أحمد ، أنا تمام بن مُحمّد ، نا مُحمّد بن سليمان ، نا مُحمّد بن الفيض ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن مُحمّد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء ، حدّثني أبي مُحمّد بن سليمان ، عن أبيه سليمان بن بلال ، عن اُمِّ الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : لمَّا دخل عمر بن الخطاب الجابية سأل بلالاً أنْ يقدم الشام ، ففعل ذلك .
قال : وأخي أبو رويحة الذي آخى بينه وبيني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فنزل داراً في خولان ، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان ، فقال لهم : قد جئناكم خاطبين ، وقد كنَّا كافرين فهدانا الله ، ومملوكين فأعتقنا الله ، وفقيرين فأغنانا الله ؛ فإنْ تُزوّجونا فالحمد لله ، وإنْ تردّونا فلا حول ولا قوة إلاّ بالله . فزوّجوهم .
ثمّ إنْ بلالاً رأى في منامه النّبيَّ (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول له (( ما هذه الجفوة يا بلال ! أما آن لك أنْ تزورني يا بلال ؟! )) . فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً ، فركب راحلته وقصد المدينة ، فأتى قبرَ النّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه ، وأقبل الحسن والحُسين (عليهما السّلام) فجعل يضمّهما ويقبّلهما ، فقالا له : (( يا بلال ، نشتهي نسمع أذانك الذي كنتَ تؤذّنه لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في السّحر )) . ففعل ، فعلا سطح المسجد ، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه ، فلمَّا أنْ قال : الله أكبر الله أكبر . ارتجّت المدينة ، فلمَّا أنْ قال : أشهد أنْ لا إله إلاّ الله . زاد تعاجيجها ، فلمَّا أنْ قال : أشهد أنّ مُحمّداً رسول الله . خرج العواتق من خدورهنَّ فقالوا : أبُعِثَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؟! فما رُئِيَ يوم أكثر باكياً ولا باكية بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من ذلك اليوم(12) .
وذكر الصالحي الشامي : أنّ ابن عساكر روى بسند جيد(13) ، فذكر هذا الحديث .
 قال ابن حجر : استنبط بعضهم من مشروعيّة تقبيل الأركان جوازَ تقبيل كلِّ مَنْ يستحق التعظيم من آدمي وغيره(14) .
وقال الشوكاني أيضاً : وقد استنبط بعضهم من مشروعيّة تقبيل الحجر ، وكذلك تقبيل المحجن ، جوازَ تقبيل كلِّ مَنْ يستحق التعظيم من آدمي وغيره(15) .
وقد ذكر ابن جبير في تبرّك الناس بتراب عمِّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) حمزة بن عبد المطلب فقال : فأوَّل ما نذكر من ذلك مسجد حمزة (رضي الله عنه) وهو بقبلى الجبل المذكور ، الجبل جوفي المدينة ، وهو على مقدار ثلاثة أميال ، وعلى قبره (رضي الله عنه) مسجد مُبْنى ، والقبر برحبة جوفي المسجد ، والشهداء (رضي الله عنهم) بإزائه ، والغار الذي أوى إليه النّبي (صلّى الله عليه وآله) بإزاء الشهداء أسفل الجبل ، وحول الشهداء تربة حمراء هي التربة التي تُنْسَبُ إلى حمزة ، يتبرّك الناس بها(16) .
وقال ابن حبان في صحيحه : قال أبو حاتم (رضي الله عنه) في قسمة النّبي (صلّى الله عليه وآله) شَعره بين أصحابه : أبين البيان بأنّ شَعر الإنسان طاهر ؛ إذ الصحابة إنّما أخذوا شعره (صلّى الله عليه وآله) ليتبرّكوا به ، فبين شادٍّ في حجزته ، وممسكٍ في تكّته ، وآخذ في جيبه ، يصلّون فيها ، ويسعون لحوائجهم وهي معهم ، وحتى إنّ عامّة منهم أوصوا أنْ تجعل تلك الشعرة في أكفانهم ، ولو كان نجساً لم يقسّم عليهم (صلّى الله عليه وآله) الشيء النّجس ، وهو يعلم أنّهم يتبرّكون به على حسب ما وصفنا ، فلمّا صحّ ذلك من المصطفى (صلّى الله عليه وآله) صحّ ذلك من اُمّته ؛ إذ محال أنْ يكون منه شيء طاهر ومن اُمّته ذلك الشيء بعينه نجساً(17) .
قال الشيخ سلامة العزامي الشافعي في (فرقان القرآن) ص 133 ردّاً على ابن تيميّة : وقال [يعني ابن تيميّة] : مَنْ طاف بقبور الصالحين أو تمسّح بها كان مرتكباً أعظم العظائم . وأتى بكلام ملتبس ، فمرّة يجعله من الكبائر ، واُخرى من الشرك ، إلى مسائل من أشباه ذلك ، قد فرغ العلماء المحقّقون والفقهاء المدقّقون من بحثها وتدوينها قبل أنْ يُولدَ هو بقرون ، فيأبى إلاّ أنْ يخالفهم ، وربما ادّعى الإجماع على ما يقول ، وكثيراً ما يكون الإجماع قد انعقد قبله على خلاف قوله ، كما يعلم ذلك مَن أمعن في كلامه وكلامِ مَنْ قبله ، وكلام مَنْ بعده ممّن تعقّبه من أهل الفهم  المستقيم والنقد السليم ، وإليك مثالاً : التمسّح بالقبر أو الطواف به من عوام المسلمين ، فأهل العلم فيه على ثلاثة أقوال : الجواز مطلقاً ، والمنع مطلقاُ على وجه كراهة التنزيه الشديدة ، ولكنّها لا تبلغ حدّ التحريم ، والتفصيل بين مَن غلبه شدّة شوق إلى المزور فتنتفي عنه هذه الكراهة ومَنْ لا ، فالأدب تركه .
وأنت إذا تأمّلت في الاُمور التي كفّر بها المسلمين وجعلها عبادة لغير الله ، وجدت حجّته ترجع إلى مقدّمتين صدقت كبراهما ، وهي : كلّ عبادة لغير الله شرك ، وهي معلومة من الدين بالضرورة ، ثمّ يسوق عليه الأدلّة بالآيات الواردة في المشركين .
وكذبت صغراهما ، وهي قوله : كلّ نداء لميت أو غائب ، أو طواف بقبر أو تمسّح به ، أو ذبح أو نذر لصاحبه . . . إلخ ، فهو عبادة لغير الله .
ثمّ يسوق الآيات والأحاديث الصحيحة التي لم يفهمها ، أو تعمّد في تأويلها على غير وجهها ، ثمّ يخرج من هذا القياس ـ الذي فسدت إحدى مقدّمتيه ـ بنتيجة لا محالة كاذبة وهي : أنّ جمهور المسلمين ـ إلاّ إيّاه ومَنْ شايعه ـ مشركون كافرون .
وقد أجاد تلخيص هذا المذهب وأدلته ، وتزييفها منطقياً واُصولياً كلّ الإجادة سيّد أهل التحقيق ، وتاج أهل التدقيق ، الإمام أبو عبد الله مُحمّد بن عبد المجيد الفاسي ، المتوفّى سنة تسع وعشرين ومئتين وألف في مؤلّف ردّ به على ذلك المذهب ، ينطق بعلوّ كعب هذا الإمام . [إلى أنْ قال] : ولقد تعدّى هذا الرجل حتّى على الجناب المُحمّدي فقال : إنّ شدّ الرحال إلى زيارته معصية ، وإنّ مَنْ ناداه مستغيثاً به (عليه الصلاة والسّلام) بعد وفاته فقد أشرك .
فتارة يجعله شركاً أصغر ، واُخرى يجعله شركاً أكبر وإنْ كان المستغيث ممتلئ القلب بأنّه لا خالق ولا مؤثّر إلاّ الله ، وأنّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) إنّما تُرفع إليه الحوائج ويستغاث به ، على أنّ الله جعله منبع كلِّ خير ، مقبول الشفاعة ، مُستجاب الدعاء (صلّى الله عليه وآله) كما هي عقيدة جميع المسلمة مهما كانوا من العامة . ا ه‍ـ .
وأخبر جمال الدين عبد الله بن مُحمّد الأنصاري المُحدّث في كتاب الديباج المذهب / 187 ، قال : رحلنا مع شيخنا تاج الدين الفاكهاني إلى دمشق ، فقصد زيارة نعل سيّدنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) التي بدار الحديث الأشرفيّة بدمشق ، وكنتُ معه ، فلمَّا رأى النعل المكرّمة حسر عن رأسه وجعل يقبّلها ويمرّغ وجهه عليها ، ودموعه تسيل ، وأنشد :
فلو قيل للمجنونِ ليلى ووصلَها     تُريدُ أم الدُّنيا وما في طواياها
لقال غبارٌ مـن تـرابِ نِعَالِها     أحبُّ إلى نفسي وأشفى لبلواها(18)
الهامش :
(1) العلل ـ أحمد بن حنبل 2 / 492 .
(2) سبل الهدى والرشاد ـ الصالحي الشامي 21 / 398 .
(3) قال الصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد 21 / 398 : قال المطلّب : وذلك أبو أيوب الأنصاري .
(4) مسند أحمد ـ الإمام أحمد بن حنبل 5 / 422 .
(5) المستدرك ـ الحاكم النيسابوري 4 / 515 .
(6) رفع المنارة ـ محمود سعيد ممدوح / 190 .
(7) سبل الهدى والرشاد ـ الصالحي الشامي 21 / 398 .
(8) سبل الهدى والرشاد ـ الصالحي الشامي 21 / 399 .
(9) المصدر نفسه .
(10) سبل الهدى والرشاد ـ الصالحي الشامي 21 / 401 .
(11) سبل الهدى والرشاد ـ الصالحي الشامي 21 / 402 .
(12) تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر 7 / 136 .
(13) سبل الهدى والرشاد ـ الصالحي الشامي 21 / 398 .
(14) فتح الباري ـ ابن حجر 3 / 380 ، سبل الهدى والرشاد ـ الصالحي الشامي 21 / 398 .
(15) نيل الأوطار ـ الشوكاني 5 / 114 .
(16) رحلة ابن جبير 1 / 144 .
(17) صحيح ابن حبان ـ ابن حبان 4 / 207 .
(18) نقلاً عن كتاب الغدير ـ للعلامة الشيخ الأميني (قُدّس سرّه) 5 / 154 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page