الإعتقاد بوجود الإمام المهدي عليه السلام، وبيعتُه، وتجديد البيعة، أوالإلتزام بقيادته عبر بيعة نائبه وطاعته، وانتظارُه، والمواظبة على آداب الغيبة، كل ذلك لا ينفع صاحبه شيئاً اذا لم يكن متقياً.
فالتقوى هي المنطلق، وهي الشرط الذي لا يقبل بدونه عمل، والمسيرة التي سيقودها عليه السلام، هي مسيرة أهل العبادة الذين تطوى لهم الأرض(1) ومنهم من " يسير في السحاب نهاراً"(2) وأهل البصائر الذين لا ذنوب لهم تحجبهم عن رؤية الحقيقة حين “ تتطاير القلوب مطايرها “.(3)
ومما يرشدنا إلى الترابط بين الإنتظار والتقوى ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام :
“ من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع، ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا”.(4)
* وبديهي أن التقوى واجبة في كل حال، إلا أن المقصود هو الإشارة إلى هذه العلاقة بينها وبين الإنتظار، وفائدة ذلك أن يدرك من يغلب عليه الطابع الحركي العملي، ويحسب أنه من جنود المهدي دون شك! إلى أن هذا البعد وحده لا يكفي.
فما على أحدنا اذا أراد أن يكون من جنوده عليه السلام، إلا أن يعتني بتهذيب نفسه، ليحصل على الأقل على شيء من التناسب بينه وبين هذه المسيرة الربانية التي سيملأ الله بها الأرض قسطاً وعدلاً.
ثم إن الحصول على شيء من التناسب ليس نهاية المطاف، بل العبرة بلزوم ما حصل عليه بالحذر الدائم من الإرتكاس والإنقلاب على الأعقاب.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام، في بيان أوصاف أنصار الإمام المهدي عليه السلام :
“ رجال كأن قلوبهم زُبُرُ الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها “..” يتمسحون بسَرْج الإمام عليه السلام يطلبون بذلك البركة ويحفون به، يقونه بأنفسهم في الحروب “..” لا ينامون الليل لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبانٌ بالليل، ليوثٌ بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيدها، كالمصابيح، كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم يا لثارات الحسين، اذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر”.(5)
___________
(1) تؤكد الروايات بالتصريح وبالتلميح أن القادة الأساسيين الذين يبايعونه عليه السلام، كلهم ممن تطوى لهم الأرض، وذلك يدل على درجة عالية من العبادة. أنظر: الطبري، دلائل الإمامة555، والخصيبي، الهداية الكبرى 396
(2) النعماني، الغيبة 313.
(3) التعبير لمولاتنا العظيمة أم المؤمنين أم سلمة رضوان الله عليها ، فقد روي: " عن ثابت مولى أبي ذر رحمه الله قال : شهدت مع علي يوم الجمل، فلما رأيت عائشة واقفة دخلني من الشك بعض ما يدخل الناس، فلما زالت الشمس كشف الله ذلك عني، فقاتلت مع أمير المؤمنين، ثم أتيت بعد ذلك أم سلمة زوج النبي [ صلى الله عليه وآله ] ورحمها [ الله ] فقصصت عليها قصتي، فقالت: كيف صنعت حين طارت القلوب مطايرها ؟ قال: قلت إلى أحسن ذلك والحمد لله كشف الله عزوجل عني ذلك عند زوال الشمس فقاتلت مع أمير المؤمنين قتالاً شديداً. فقالت : أحسنت سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] يقول : علي مع القرآن، والقرآن معه، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ". المجلسي، البحار 32/206
(4) منتخب الأثر / 497 - 498 .
(5) بحار الأنوار 52 / 308 . وقد روي وصف"رهبان بالليل، ليوث بالنهار، كأن قلوبهم زُبُرُ الحديد" عن رسول الله صلى الله عليه وآله. الشيخ المفيد؟، الإختصاص208، وعنه في عدد من أمهات المصادر.
التقـوى
- الزيارات: 954