• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

كيف وُجد العالَم؟

كيف وُجد العالَم([1])؟

بعد أن إتضح لنا الوجود الحقيقي الخارجي للعالَم بأرضه وسمائه وما فيهما وبينهما من مخلوقات، يأتي السؤال كيف وجدت هذه الأشياء؟ وهل لوجودها موجِد؟ وقد ذكرت في صدد الإجابة عن هذا السؤال ثلاث إجابات:

الإجابة الأولى: إن الحقائق الكونية بمختلف أنواعها ترجع إلى حقيقة واحدة هي الأصل ومنها التشعبات كافة، وذلك الأصل هو المادة.

الإجابة الثانية: إن الكون بجميع تكوناته حادث، أي إن لوجوده بداية، وقد حدث بدون سبب «صدفة».

الإجابة الثالثة: إن جميع الحقائق الكونية ـ مادية وغير مادية ـ ترتبط في وجودها بعلة، سواء في ذلك أصل وجودها أم تنوعها، وعلة الكون التي تنتهي إليها جميع الإرتباطات الكونية علة غير مادية، وهي غنية عن أية علة، تلك هي الله تعالى.

وفيما يلي مناقشة لهذه الإجابات وإختيار ما يصح منها:

وهنا أمور ينبغي توضيحها:

أ ـ تعريف المادة([2]): مهما عرفوا المادة فإن إرجاع تنوعات العالَم المادي إلى أصل واحد وهو الذرات، أمر لا يختلف به كل معترف بالوجود المادي خارج الذهن.

ب ـ مفهوم الأزلية والحدوث([3]):

الأزلية: صفة لما لا بداية له.

الحدوث: صفة لما كان مسبوقاً بالغير أو بالعدم.

ج ـ كيف فسروا صدور العالَم عن المادة الأزلية؟

تعني فكرة أزلية المادة: إن العالَم بجميع ما فيه من تنوعات، وما تطرأ على أنواعه من تغيرات منحدر من أصل مادي واحد، لا بداية لوجوده ولا نهاية.

يقول الفيلسوف اليوناني «هير قليط»: «العالَم واحد لم يخلقه أي إله أو أي إنسان، فقد كان وسيكون حياً إلى الأبد، يتوهج وينطفىء تبعاً لنواميس محددة»([4]).

هذه هي فكرة أزلية المادة باطارها العام، ويمكن أن نقسم هذه الفكرة بعد ما طرأ عليها من تغيير أو تجدد في أساليب دعمها إلى مرحلتين([5]):

الأولى: إن مرد الطبيعة بكافة تنوعاتها إلى ذرات صلبة صغيرة لا تقبل التغير ولا الإنقسام تتحرك في مادة لطيفة أو غاز أخف من الهواء أو سائل تام الإتصال مالىء لكل فراغ ويسمى هذا السائل «الأثير» كما تسمى الذرات السابحة فيه والتي هي أصل العالَم «الجواهر الفردة» وبإنتقال تلك الذرات من مكان إلى آخر بسبب الأثير تتولد الظواهر الطبيعية والتنوعات المادية، وإذن فأصل العالَم ذرات أزلية لا تقبل الإنقسام، ومنشأ التنوعات هو إنسجام هذه الذرات بسبب حركتها الميكانيكية، وسر الحركة هو القوة الحاصلة في الكتل المادية «الأثير».

الثانية: المادية الديالكتيكية أو الجدلية: وهي كالمرحلة السابقة في الإعتقاد، بأن أصل الكون عبارة عن ذرات قديمة غير قابلة للفناء إلاّ أنها تفسر حصول هذه التشكيلات في الكون بسبب الحركة الداخلية في الذرات والتي تعبر عنها بـ «التناقض الذاتي في محتوى كل شيء» أي أن كل شيء موجود وغير موجود، أمّا الموجود حقاً فهو الكل المؤلف من كافة مراتب الوجود المتضادة التي بفناء كل مرتبة فيها توجد المرتبة الثانية فالبيضة مثلاً لها وجودان الأول كونها بيضة والثاني ما ستؤول إليه وهو الدجاجة.

د ـ مناقشة هذه المراحل الثلاث:

المناقشة الأولى: وهي أنا لو سلمنا بقدم المادة والذرات، فإننا نسأل هل أن هذه الذرات متشابهة أم مختلفة؟ وهل أنها تفتقد الحياة والعقل والإرادة أم لا؟ وكيف جاءت المخلوقات متنوعة إلى إنسان وحيوان ونبات وجماد، الذكر منه والأنثى؟ ولماذا لم يتكرر هذا الخلق مع وجود الذرات؟ وبماذا نفسرالتغيرات المستمرة في عالَم المادة؟ كل هذه التطورات تدلل على وجود قوة فاعلة فوق مستوى المادة!

المناقشة الثانية: وهي أن المادة ليست قديمة وإنما حادثة، ومن الأدلة على حدوثها:

أ ـ الدليل الفلسفي: وملخصه إنما ندركه من العالَم المحسوس هو أعراض تظهر وتختفي كل لحظة، ومحل هذه الأعراض المتغيرة هو الجواهر الجسمية، وهذه الجواهر لا يمكن أن نعتبرها غير متغيرة لأنها محل للمتغيرات، وإذا كانت متغيرة لا يمكن أن نعتبرها قديمة لأن القديم لا يتغير وإذا كان كل شيء في العالَم متغيراً فهو حادث([6]).

ب ـ الدليل العلمي: وهو القانون الثاني من قوانين الديناميكية الحرارية حيث يقول الدكتور إدوارد لوثر: «فالعلوم تثبت بكل وضوح أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزلياً فهناك إنتقال حراري مستمر من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة، ومعنى هذا أن الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام وينضب فيها معين الطاقة ويومئذ لن تكون هنالك عمليات كيمياوية أو طبيعية ولن يكون هناك أثر للحياة نفسها في هذا الكون، ولما كانت الحياة لا تزال قائمة، ولا تزال العمليات الكيمياوية والطبيعية تسير في طريقها، فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزلياً وإلاّ لإستهلكت طاقته منذ زمن بعيد، وتوقف كل نشاط في الوجود، وهكذا توصلت العلوم ـ دون قصد ـ إلى أن لهذا الكون بداية»([7]).

ثانياً: الصدفة: وهي أن يخلق الشيء بعد العدم بدون علة خارجية.

يقول هلسكي: «لو جلس ستة من القردة على آلات كتابة، وظلت تضرب على حروفها ملايين السنين، فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير فكذلك كان الكون الموجود الآن نتيجة لعمليات ظلت تدور في المادة، لبلايين السنين»، وبهذا الإستدلال أثبت هلسكي رجوع كافة تنوعات الكون إلى الصدفة([8]).

والصدفة بهذا المعنى مرفوضة عقلاً وعلماً وعرفاً، فلا أحد من العقلاء والعلماء أو من عامة الناس يصدق أن شيئاً يحدث دون أن يكون من ورائه صانع أو مؤثر أو موجِد.

إن الصاروخ وهو مركب من (000/300) قطعة على ما قيل بحيث لو إختل ترتيبها الهندسي لما حصل إنطلاقها، وهو لا يمكن أن يوجد صدفة، أمّا مخ الإنسان ـ وهو من عمليات الكون المعقدة ـ مركب من (000/000/20) قطعة عصبية مرتبة ترتيباً دقيقاً ومؤدية لفعاليات عجيبة وجد صدفة نتيجة لعمليات عمياء ظلت تدور في المادة لملايين السنين كما يقال([9])!

يقول البروفسور أيدوين كونكلين: «إن القول بأن الحياة وجدت حادث إتفاقي شبيه في مغزاه بأن نتوقع إعداد معجم ضخم، نتيجة إنفجار صدفي يقع في مطبعة»([10]).

ويقول الإمام علي (عليه السلام): «زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع ولا لإختلاف صورهم صانع ولم يلجؤوا إلى حجة فيها إدعوا ولا تحقيق لما أوعوا وهل يكون بناء من غير بان أو جناية من غير جان»([11]).

ثالثاً: الله هو الخالق للكون: هذه هي الإجابة الثالثة على سؤال من يسأل هل لهذا العالَم موجد؟ بعد أن حبطت الإجابات بأزلية المادة والإجابة بخلق العالَم صدفة.

إن هذا العالَم بما فيه من طاقات ومواد وما في كل منهما من تغيرات وتنوعات يرتبط في وجوده ـ إبتداء وإستدامة ـ بمبدأ أول هو علته الغنية عن كل علة، ويسمى هذا المبدأ بالعربية «الله».

والإنسان إذا أعمل عقله وتدبر في هذا العالَم فإنه سوف يقوده النظر من هذه المخلوقات إلى وجود الخالق والذي أخبر عن نفسه عن طريق ممثليه وهم الأنبياء، قال تعالى: (فأرسلنا فيهم رسولاً منهم أن إعبدوا الله ما من إله غيره). المؤمنون / 32

__________________________________


[1] البهادلي، محاضرات في العقيدة الإسلامية: 216، 162، 197 ـ 198.

[2] فلسفتنا: 287.

[3] شرح المصطلحات الكلامية: 18، 116.

[4] النظرية المادية في المعرفة: 63.

[5] فلسفتنا: 115، 187 ـ 190.

[6] الصدر، فلسفتنا: 202 ـ 203.

[7] الله يتجلى في عصر العلم: 27.

[8] الإسلام يتحدى: 106.

[9] أحمد أمين، التكامل في الإسلام: 1 / 218.

[10] الإسلام يتحدى: 107.

[11] الصالح، صبحي، نهج البلاغة: 271.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page