• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل السادس والعشرون نبيل ومازن وما بين شكليات التحرِّي المذهبي وآراء العلماء المفكرين

ــ " انه جمال الدين بن الجوزي في: تلبيس إبليس ص: 81 ".
ــ " هات الأُخرى ".
جعلت استشعر كلماتهم التي صارت تنسل من فيهما، كأ نّها كلمات استسلام ليس غير!
ــ " إعلم أنّه لم يكلف اللّه أحداً من عباده بأن يكون حنفياً أو مالكياً أو شافعياً، أو حنبلياً، بل أوجب عليهم الإيمان بما بعث به محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)والعمل بشريعته، وهذا منقول عن رسالة القول السديد، ص 3. والكلام هو لعبد العظيم المكي ".
ــ "؟! ".
ــ " ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف قول إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعاً وهو مع ذلك مقلد فيه، ويترك من شهد الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبهم، جموداً على تقليد إمامه، بل يتحيل لظاهر الكتاب والسّنة ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة، نضالاً عن مقلده، ولم يزل الناس يسألون من أتفق من العلماء إلى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين، فإن أحدهم ليتّبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة، مقلداً فيما قال كأنه نبي أرسل، وهذا نأي عن الحق، وبعد عن الصواب لا يرضى به أحد من أولي الألباب ".
ــ " وهذه الجمل، لمن كانت؟ ".
ــ " نطق بها عز الدين عبد السلام في رسالة الانصاف، ص 37 ".
ــ " وقال الشيخ أبو شامة: ينبغي لمن اشتغل بالفقه أن لا يقتصر على إمام، و يعتقد في كُلّ مسألة صحة ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة وذلك سهل عليه، وليتجنب التعصب والنظر في طرائق الخلاف، فإنّها مضيعة للزمان، ولصفوه مكدرة، فقد صح عن الشافعي أ نّه نهى عن تقليده وتقليد غيره ".
ــ " أين ورد هذا؟ ".
ــ " أورده فريد وجدي في دائرة المعارف، ج 3، ص 248 ".
ثُمّ أردفت الكلام، وأنا أقول:
ــ " وقال محمّد علي مؤلف كتاب الدين الإسلامي: إن قفل باب الاجتهاد معناه الضربة القاضية على حرية الفكر، بل على الإسلام الذي قلنا إنّه جاء للناس كافة، ليساير مختلف العصور والشعوب والآن بعد سير ألف سنة خلالها المسلمون جامدين ".
ــ "؟! ".
ــ " وقال عبد المتعال الصعيدي ".
فانبرى نبيل، وكأنه قد وقع على صيد عظيم حتّى ظفر به، فقال:
ــ " ومن هو هذا الصعيدي؟ ".
فقلت:
ــ " إنه أحد علماء الأزهر، وهو ما صرح به في كتاب ميدان الاجتهاد، ص14 ".
ــ "؟! ".
ــ " حيث قال: وإني أستطيع أن أحكم بعد هذا بأنّ منع الاجتهاد قد حصل بطرق ظالمة، وبوسائل القهر والاغراء بالمال، ولا شك أنّ هذه الوسائل لو قدرت لغير المذاهب الأربعة التي نقلدها الآن لبقي لها جمهور يقلدها أيضاً،لكانت الآن مقبولة عند من ينكرها، فنحن إذاً في حل من التقيد بهذه المذاهب الأربعة التي فرضت علينا بتلك الوسائل الفاسدة، وفي حل من العود إلى الاجتهاد في أحكام ديننا لأن منعه لم يكن إلا بطرق القهر، والإسلام لا يرضى إلاّ بما يحصل بطريق الرضى والشورى بين المسلمين كما قال تعالى في الآية (28) من سورة الشورى { وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ }.
ــ "؟! ".
ــ " وقال الشاطبي: ".
ــ " رأى بعض المقلدة لمذهب إمام يزعمون أن إمامهم هو الشريعة، بحيث يأنفون أن تنسب إلى أحد من العلماء فضيلة دون إمامهم حتّى إذا جاءهم من بلغ درجة الإجتهاد، وتكلم في المسائل، ولم يرتبط إلى إمامهم رموه بالنكير، وفوقوا إليه سهام النقد، وعدوه من الخارجين عن الجادة المفارقين للجماعة من غير استدلال منهم بدليل، بل بمجرد الاعتبار العامي، ولقد لقي بقيّ بن مخلد حين دخل الأندلس آتياً من المشرق من هذا الصنف الأمرين حتّى أصاروه مهجور الفناء، مهتضم الجانب، إلى أن يقول: وكان هؤلاء المقلدة قد صمموا على مذهب مالك بحيث أنكروا ما عداه، وهذا تحكيم الرجال على الرجال، والغلو في محبة المذاهب ".
ــ " أين ذكر الشاطبي مثل هذا؟ ".
ــ " ذكر في كتاب الاعتصام، ج 3، ص 259 ".
ــ " بأي نص سد باب الاجتهاد؟ ".
فقال مازن:
ــ " تسألنا؟ ".
ــ " لست أنا الذي أسأل، وإنّما هو الاستاذ جمال الدين الافغاني! ".
ــ " وماذا يقول جمال الدين الأفغاني؟ ".
ــ " إنه يقول: بأي نصّ سد باب الاجتهاد؟ أو أي إمام قال: لا ينبغي لأحد من المسلمين بعدي أن يجتهدوا ليتفقوا في الدين، أو أن يهتدي بهدي القرآن وصحيح الحديث، أو أن يجد ويجتهد بتوسيع مفهومه، والاستنتاج على ما ينطبق على العلوم العصرية وحاجيات الزمان وأحكامه؟ ولا ينافي جوهر النصّ أن اللّه بعث محمّداً رسولاً بلسان قومه العربي ليعلمهم ما يريد إفهامهم، وليفهموا منه ما يقوله لهم ".
ــ "؟! ".
ــ " ولقد جعل بعدها، يردف كلامه بالقول: ولا أرتياب بأ نّه لو فسح في أجل أبي حنيفة ومالك والشافعي واحمد وعاشوا إلى اليوم لداموا مجتهدين مجدّين، يستنبطون لكُلّ قضية حكماً من القرآن والحديث، وكُلّما زاد تعمقهم زادوا فهماً وتدقيقاً، نعم إن أولئك الفحول من الأئمة ورجال الأمة اجتهدوا وأحسنوا فجزاهم اللّه خير الجزاء، ولكن لا يصح أن نعتقد أ نّهم أحاطوا بكُلّ أسرار القرآن وتمكنوا من تدوينها في كتبهم ".
سأل مازن:
ــ " أين وردت هذه المقالة؟ ".
ــ " إنها وردت في كتاب: خاطرات جمال الدين، ص 177 ".
بينما استدركت كلامي:
ــ " في حين كتب صاحب كتاب الفلسفة السياسية للاسلام، وهو يقول في الصفحة:21 ".
عندها قاطعني نبيل:
ــ " من هو هذا الذي تتكلم عنه؟ ".
فقلت:
ــ " إنه الدكتور عبد الدائم البقري الأنصاري ".
عدت بعدها إلى نقل مقالته:
ــ " منع الاجتهاد هو سر تأخر المسلمين، وهذا هو الباب المرن الذي عندما قفل تأخر المسلمون بقدر ما تقدم العالم، فأضحى ما وضعه السابقون لا يمكن أن يغير ويبدل لأ نّه لاعتبارات سياسية ".
في حين يصير يستدرك كلامه، وهو يقول:
ــ " منع الولاة والسلاطين الاجتهاد حتّى يحفظوا ملكهم، ويطمئنوا إلى أ نّه لن يعارضهم معارض، وإذا ما عارضهم أحد ـ لأ نّه لا تخلو أمة من الأُمم إلا وفيها المصلح النزيه، والزعيم الذي لا يخشى في الحق لومة لائم ـ فلن يسمع قوله لأن باب الاجتهاد قد أغلق. لهذا جمد التشريع الاسلامي الآن، وما التشريع إلاّ روح الجماعة وحياة الأمة ".
أخذ نبيل يتململ، ولما شعرت أنّه يتململ من قلة جهده، وقصر باعه، وسكينة حيلته، عدلت عن الانصراف وأرتاًيتُ مواصلة قراءة أطراف المقالة ومن جديد:
ــ ".. وإني أرجع الفتنة الشعواء، التي حصلت في عهد الخليفة عثمان التي كانت سبباً في وقف الفتح الإسلامي حيث تحولت في عهد الحرب الخارجية إلى حرب داخلية، أرجع ذلك إلى أن عثمان كان من المحافظين، وقد شرط ذلك على نفسه، عندما وافق عبد الرحمن بن عوف على لزوم الاقتداء بالشيخين في كُلّ ما يعني دون اجتهاد عند انتخابه خليفة. ولم يوافق الامام علي على ذلك حينئذ قائلا: إنّ الزمن قد تغير، فكان سبب تولي عثمان الخلافة هو سبب سقوطه ".
ــ "؟! ".
ــ " ويقول العلامة العبدي في كتاب: النواة في حقل الحياة، ص 126: كم بين دفتي التاريخ من أحزاب سياسية استحالت إلى مذاهب دينية، رب مغفل أرعن يحقد على أخيه لاختلاف مذهبيهما اختلافاً في الفروع منشؤه الاجتهاد، ولا يذكر أن كلمة التوحيد التي تجمعه وأخاه على خطر عظيم، وأن حقده هذا يزيده خطراً ".
ــ "... ".
ــ " ويمضي بالقول: الاجتهاد مجلبة اليسر، واليسر من أكبر مقاصد الشارع وأبدع حكم التشريع، بالإجتهاد يتلاطم موج الرأي فينفذ جوهر الحقيقة على الساحل، الحوادث لا تتناهى والعصور محدثات، فإذا جمدنا على ما قيل فما حيلتنا فيما يعرض من ذاك القبيل؟ سد باب الاجتهاد اجتهاد فقل للقائل به إنّك قائل غير ما تفعل ".
ــ "... ".
ــ " في حين يطلع علينا بالقول آخر، ليحكي لنا سرّ ما وقع عليه: هذا بعض الشواهد على عدم شرعية غلق باب الإجتهاد الذي حدث في ظروف خاصّة ولمآرب سياسية، ولم تخضع الشيعة لحكم تلك الظروف بل ساروا على طريقة أهل البيت، وأخذوا أحكام الإسلام عنهم بقي الاجتهاد مفتوحاً عندهم ".
ــ "... ".
ــ " حتّى يستدرك صاحب كتاب الوحدة الإسلامية كلامه وهو يقول: ولقد ألفت في هذا الباب رسائل عدة لكبار العلماء، وكلهم ينددون في جمود التشريع على المذاهب الأربعة ويطلبون حل تلك العقدة التي عقدها ولاة أمر لا يطلبون بذلك إلاّ مصالح الدولة، وقد أوضح العلماء أسباب هذا الجمود كالغزالي، والعز بن عبد السلام وغير هما من الأئمة الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم، فمنها بالنسبة إلى بعضهم كالمباراة المماراة، وحب الظهور، وما يتعلق بذلك، ومنها المنافع، المرافق في القضاء، والافتاء، والاوقاف بالنسبة إلى آخرين ".
ــ "...".
ــ " في حين يستطرد السيد محمّد رشيد رضا وفي نفس الكتاب المذكور في الصفحة 112 منه، حيث يقول: ومنها الثقة والاطمئنان بالتربية العلمية على المذهب والاقتصار عليه في التعليم والافتاء، ومن طبع الإنسان أن ما يعتاده زمناً طويلاً يملك عيله أمره ويؤثر في نفسه تأثيراً يصرفها عن كُلّ ما عداه، إلاّ أصحاب العقول الكبيرة والنفوس العالية الذين تكون الحقيقة
ضالتهم والصواب وجهتهم ".
وعندها قال مازن:
ــ " إنّها كلمات حول الإجتهاد، فهل يمكنك أن تدلنا على كلمات حول التقليد؟ ".
فقلت:
ــ " أما الذين يحاولون الجمود ويلتزمون بالتقليد فإنّهم عجزوا عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد واقتنعوا بعناية السلطان على ما هم فيه من النقص، فلا يروق لهم بلوغ أحد رتبة الاجتهاد، ونسبوا مدعيه إلى الجنون كما ذهب إليه الشيخ داوود النقشبندي في كتابه أشد الجهاد حيث يرى أن مدعي الاجتهاد ضال مبتدع ".
استبشر مازن، وانقلبت سيماء وجهه إلى ضياء.. بينما استروح نبيل ما قلته حتّى ودعتهما يستمعان إلى الثانية، وأنا أقول:
ــ " ويقول الشيخ أحمد بن عبد الرحيم في تقسيم طبقات المجتهدين: الطبقة الثالثة: من نشأ من المسلمين من رأس المئة الرابعة ويجب على العامي تقليد المجتهد المنتسب لا غير، أي لأحد المذاهب الأربعة لامتناع وجود المستقل من هذا التاريخ حتّى اليوم، ثُمّ أورد على نفسه وأجاب، وأهم شيء يعتمد عليه في أدلته، قوله: إنّه اجتمعت الأمة على أن يعتمدوا على السلف في معرفة الشريعة فلا بدّ لنا من الرجوع إليهم، ولا يرجع إلاّ إلى المروي عن السلف بسند صحيح مدون في الكتب المشهورة، مع بيان الأرجح من دلالتها، وتخصيص عمومها أو تقييدها والجمع بين مختلفاتها، ولا توجد هذه الخصوصيات إلاّ في المذاهب الأربعة، وليس مذهب بهذه الصفة إلاّ الإمامية، والزيدية وهم أهل البدعة ".
فقال نبيل:
ــ " من تكلم أو فاه بهذا؟ ".
فقلت له:
ــ " قلت لك إنّه الشيخ احمد بن عبد الرحيم ".
ــ " أقصد، أين وردت مقالته هذه، في أي كتاب جاء ذكرها؟ ".
ــ " في رسالة الإنصاف للدهلوي، ص 7 ".
وعندها طلعتُ عليهم بما شعرت بضرورة اتحافهما به، فقلت لهما:
ــ " إنه لا يجوز الاعتماد على أقاويل هذين ".
ــ " ولماذا؟ ".
نطق كلاهما بهذه الكلمة معاً.. وفي وقت واحد، لم أصدق ما رأيت، حتّى تابعت كلامي وأنا استشعر أن المسألة قد أصبحت مسألة عناد لا أكثر والتحمس للجانب مهما بلغ عليه من خطأ.. والتسليم لأي مدافع ومهما كانت هويته، لأ نّه كان قد أنضم إليهما للدفاع عما يعتقدان به، لا أكثر! في حين رجعت اليهما، فقلت لهما، وذلك من بعد أن رأيتهما قد اعتصما بالهدوء وبالرغم منهما، وذلك بعد أن لم يلقيا أيّما أُذن صاغية من عندي، أو من بعد أن تَعِبا ولم يلفيا مني أيّما ردود فعل تثير اهتمامهما:
ــ " هذا أهم ما عند الأخوة من أهل السنة من الأدلة. وذهب بعضهم الى القول بعصمة الأئمة الأربعة، مستدلاً بعصمة النّبي، وهم ورثته! فهم معصومون من الخطأ، وإذا كانوا كذلك فيجب الرجوع اليهم وحسب! ".
ــ "؟! ".
ــ " ولا حاجة بنا إلى اطالة نقل أقوال المانعين لملكة الاجتهاد لعلماء الأُمّة بعد المذاهب الأربعة، لأ نّها حجج لقضية تبتنى على عدم لياقة أي أحد بعدهم لهذه الرتبة، وإن مدعيها ضالّ مضل ".
ــ " مدعي ماذا؟ ".
قال مازن، أجبته:
ــ " مدعي ملكة الاجتهاد (وحسب ما يدعون):.. وإن مدعيها ضالّ مضل بل ممن يريد في الأرض الفساد، ويجب إقامة الحد عليه، ومن أدعى من الأُمّة تلك المنزلة أو كانت له لياقة استنباط الأحكام الشرعية شنعوا عليه، ورموه بالنكير. فهذا العلامة جلال الدين السيوطي أدعى رتبة الاجتهاد المطلق قام عليه علماء عصره فرموه بالنكير، ووقعوا فيه، وكذلك أنكروا على كُلّ من أدعى ذلك ".
ــ "؟! ".
ــ " والواقع أن في القرون المتأخرة رجالاً برهنوا بمؤلفاتهم على تلك الملكة التي أدعي استحالتها عليهم، حتّى فضلوا بعضهم على رؤساء المذاهب. فهذا أبو حامد أحمد بن محمّد الاسفراييني فضّلوه على الشافعي ".
قاطعني نبيل متسائلاً وبدهش مريب:
ــ " فضّلوه على الشافعي؟ ".
ــ " أجل! وكثير منهم كانوا بمنزلة من العلم لا يستبعد اتصافهم بتلك الملكة ".
ــ " مثل من؟ ".
سألني مازن، فقلت له:
ــ " كالشيخ عبد العزيز بن سلام المتوفى سنة 578 هـ، والشيخ عبد الكريم بن محمّد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسن القزويني المتوفي سنة 623 هـ، واسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني المتوفى سنة 449 هـ، ومحمّد بن اسحاق صدرالدين القوني المتوفى سنة 673 هـ وإبراهيم بن محمّد بن إبراهيم الاسفراييني المتوفى سنة 418 هـ ".
في حين استطردت في حديثي، وأنا أقول:
ــ " وناهيك ما للقفال، وإمام الحرمين الجويني، والصيدلاني، والسبخي السرخسي، والجصاص، من منزلة في العلم وموهبة في استنباط الأحكام ".
ــ " ولماذا لم تصلنا فتاواهم مثلما وصلت الينا فتاوى الأئمة الأربعة؟ ".
لأ نّهم كانوا قد أُلجموا من قبل العامة الذين رأوا ادعاء الاجتهاد ضلالة، بل يتلبس مدعيها بتهمة التشيع لأنهم يقولون بذلك ".
فسأل مازن:
ــ " أقول: أين عثرت على كُلّ هذه الأخبار؟ ".
ــ " إنها في كتاب: أشد الجهاد لمدعي الاجتهاد، ص 25 ".
واستدركت الكلام، وأنا أقول:
ــ " وكان أبو الحسن الداركي أحد المجتهدين في عصره إذا سئل عن فتوى يجيب بعد تفكر، فربما كانت فتواه مخالفة لمذهب الشافعي وأبي حنيفة فينكرون عليه ذلك، فيقول: ويلكم روى فلان عن فلان عن رسول اللّه كذا وكذا، فالأخذ به أولى من الأخذ بمذهب الشافعي ومخالفتهما أسهل من مخالفة الحديث ".
ــ "؟! ".
ــ " ولقد لقي بقي بن مخلد من الأذى وشدة الانكار لدعوى الاجتهاد ما جعله مهجور الفناء، مهتضم الجانب، وكثير من أمثاله، كابن تيمية وابن قيم الجوزية وغيرهم ".
ــ "؟! ".
ــ " ولست أدري ما هذه الاستحالة وعدم الامكان من حصول درجة الاجتهاد والحكم على الرجال بالقصور والنقص وحصر الكمال في عدد معين بدون دليل؟ ونرى من الخير تعريف الاجتهاد والتقليد عندهم إجمالاً لنعرف مدى تحجير الأفكار ووقوف العقل عن إدراك ذلك ".
بينما قال مازن:
ــ " هل يمكنك أن تحدثنا عن الاجتهاد غير ما كنت قد حدثتنا به: ".
ــ " الاجتهاد لغة: هو بذل الوسع في ما فيه كلفة، مأخوذ ـ كما نقل ابن أبي زرعة عن الماوردي ـ من جهاد النفس وكدها في طلب المراد، وفي الاصطلاح على ما في جمع الجوامع: استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم ".
ــ " والفقيه والمجتهد؟ ".
سأل نبيل، فأجبته:
ــ " والفقيه والمجتهد لفظان مترادفان وهو البالغ العاقل، أي ذو ملكة يدرك بها العلوم وهذه الملكة العقل ".
فقال مازن:
ــ " هل يمكن أن تستشهد بالكلام؟ ".
ــ " قال أبو اسحاق: ومن كان موصوفاً بالبلادة والعجز عن التصرف فليس من أهل الاجتهاد، وفي انكاره للقياس خلاف، وأن يكون عارفاً بالدليل العقلي وهو البراءة الأصلية، وأن يكون عارفاً بلغة العرب وبالعربية وعلم النحو اعراباً وتصريفاً، وبأصول الفقه ليقوى على معرفة الأدلة وكيفية الإستنباط وبالبلاغة ليتمكن من الإستنباط بحيث يميز العبارة الصحيحة من الفاسدة. وأن يكون عارفاً بالكتاب والسنة ولا يعتبر العلم بجميعها ولا حفظها ".
ــ " وغيره؟ ".
ــ " قال العلامة السبكي: المجتهد من هذه العلوم من له ملكة واحاطة بمعظم قواعد الشرع، ومارسها بحيث اكتسب قوة يفهم بها مقصود الشارع، ويعتبر على ما قيل كونه خبيراً بمواقع الاجتماع كيلا يحرفه، والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وشرط المتواتر والآحاد، والصحيح الضعيف، وحال المرويات وسير الصحابة، ولا يشترط فيه الكلام، وتفاريع الفقه، والذكورة والحرية، وكذا العدالة على الأصح ".
فعدت إلى كلامي وأنا أرى إلى كُلّ من مازن ونبيل، وقد سيطر عليهما الذهول من ضعف الاطلاع، وقلة الباع، وهزل البصيرة، وعدم العلم بما يبحثان عنه دقيقاً.. أو يعاندان من أجله، فقلت مستدركاً:
ــ " هذه هي شروط المجتهد عند أهل السنة، وأنتما لو نظرتما إلى الواقع، لم تجداه سبباً لمنعه من أجل قصور عن إدراكه لمن أراده، وكم من العلماء من عرفنا عنه تمام المعرفة لهذه العلوم وزيادة، ولكن المانع شيء آخر! ".
فقال نبيل:
ــ " والتقليد؟ ".
ــ " والتقليد: هو أخذ قول الغير من غير معرفة دليله، قال ابن أبي زرعة في شرح الجوامع: وقد اختلف العلماء في تقليد المفضول من المجتهدين مع التمكن من تقليد الفاضل على مذاهب، أحدها وهو المشهور: جوازه، وقد كانوا يسألون الصحابة مع وجود أفاضلهم ".
ــ " والثاني؟ ".
ــ " والثاني: منعه، وبه قال الإمام أحمد وابن سريح، وأختاره القاضي حسين وغيره، والثالث: يجوز لمن يعتقده فاضلاً، أو مساوياً لغيره فإنّ اعتقده دون غيره امتنع استفتاؤه ".
بينما مضيت بالقول:
ــ " وكذا اختلفوا في تجويز تقليد الميت على أقوال:.
ــ " أحدها ".
ــ " أما أحدها، فهو: جوازه ".
ــ " ومن قال به؟ ".
ــ " وبه قال الجمهور، وعبر عنه الشافعي بقوله: المذاهب لا تموت بموت أربابها ".
ــ " والثاني؟ ".
ــ " والثاني، هو: منعه، أي منع تقليد الميت مطلقاً ".
ــ " وإلى من عُزِي هذا القول؟ ".
ــ " عزاه الإمام الغزالي لاجماع الاصوليين واختاره الامام فخر الدين ــ" والثالث؟ ".
ــ " وهو الأخير: يجوز مع فقد حي ولا يجوز مع وجوده ".
ثُمّ اطنبت في الكلام، وقلت:
ــ " وقال الشيخ محيي الدين في الباب الثامن والثمانين من الفتوحات المكية: والتقليد في دين اللّه لا يجوز عندنا لا تقليد حي ولا ميت، انتهى. فتدبر. وقال ابن عابدين الشامي: إنّه يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل وبه قالت الحنيفة والمالكية والشافعية وأكثر الحنابلة، وعن أحمد وطائفة كثيرة من الفقهاء: لا يجوز ".


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page