في بعض الفاظ الحديث فقرة: «والاخرى يظهر فيها» جاءت متأخّرة، يعني هكذا: «والاخرى لا يُدرى أين هو، يشهد الموسم، يرى الناس ولا يرونه»(1) «ولا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه في دينه»(2).
هذه العبارة محلّ بحث وتحليل ومحلّ تدقيق في واقع الامر.
فما المقصود من أنّه في عهد الغيبة الكبرى لا يعلم بمكانه إلاّ مواليه في دينه؟
هذا يستدعينا المرور بمدلول غيبته (عليه السلام)، فما هو معنى غيبته؟
هل إنّ غيبته كما يتصوّر البعض غياب شخصيّة؟ يعني شخص الامام، هذا الشخص، هذه الشخصيّة الطبيعيّة تغيب؟ أو أنّ المقصود بالغياب غياب هويّة، إنّ هذه الشخصيّة الطبيعيّة موجودة تعيش فيما بين
الناس ولكنها لا تشخص، هذا المعبر عنه بغياب الهويّة.
والصحيح أنّ غيابه (عليه السلام) غياب هويّة لا غياب شخصية، فإنّ شخصه سلام الله عليه موجود، ولكن الناس لا يشخصونه ولا يعرفونه بشخصه وبهويّته، ولهذا يقول: «يشهد الموسم يرى الناس ولا يرونه ولا يعلم بمكانه إلاّ مواليه في دنيه»، باعتبار أنّ غياب الامام غياب هويّة لا غياب شخصيّة، فالشخص موجود، ولكن هذا الشخص المقدس صلوات الله وسلامه عليه يمكن أن يلتقي به بعض الابدال وبعض الاوحديين وبعض الافذاذ من الناس ممّن يليق أن يفوز بلقاء الامام صلوات الله وسلامه عليه ورؤية طلعته المباركة.
وهذا بابٌ واسع عقد له الميرزا النوري أعلى الله مقامه كتاباً في هذا المعنى فيمن رأى الامام المهدي سلام الله عليه في الغيبة الكبرى، وكذلك عقد له السيد البحراني كتاباً سمّاه تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي سلام الله عليه، وهنالك ملحق في بحار العلامّة المجلسي رحمه الله فيمن التقى بالامام سلام الله عليه في عهد الغيبة الكبرى(1).
وفي الجملة، هنالك لقاءات، ولكن هذه اللقاءات إنّما هي حجة على أصحابها، لان في زمن الغيبة الكبرى نعلم أنّ الامام سلام الله عليه لم يعيّن سفيراً خاصّاً، فلا يسعنا أنّه كل ما جاءنا شخص وقال: أنا سفير الامام، أنا رأيت الامام، أن نرتّب الاثر، نعم لا يسعنا أن نكذّبه، خاصّة إذا كان مؤمناً ظاهر الايمان ظاهر العدالة، لا نواجهه بالكذب، ولكن في نفس الوقت لا يترتب أثر شرعي على دعواه أنّه رأى الامام سلام الله عليه.
وأحياناً ربما تقوم قرائن على كذب بعض المدّعين، وما أكثر المدّعين للرؤية، سواء في الغيبة الصغرى أو في الغيبة الكبرى، كما أن هنالك من ادّعى المهدويّة، وهنالك من ادّعى السفارة، وهنالك من ادّعى الرؤية، نحن لا نتكلّم عن أن هنالك أشخاصاً قد يدّعون كذباً أو زوراً الرؤية، هذا عالم آخر، إنّما نتكلم عن أصل المبدأ من حيث المبدأ (امكان رؤيته (عليه السلام).
الامام باعتبار أنّ غيابه غياب هويّة لا غياب شخصيّة، فشخصه صلوات الله عليه يمكن أن يفوز بلقائه الاوحدي من الناس، ولكن من هو الاوحدي من الناس؟ ذاك علمه عند ربي، «ولا يعلم بمكانه إلاّ مواليه في دينه ويقال فيها: هلك في أي واد سلك» في هذه الغيبة الكبرى.
____________
1 ـ الغيبة للنعماني: 117.
2 ـ الغيبة للنعماني: 155.
1 ـ البحار 53: 200.
غياب هويّة أم غياب شخصيّة
- الزيارات: 787