• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التعارض بين الكتاب والسنة

كما أشرنا فيما سبق فإنه يستحيل وقوع التعارض بين الكتاب والسنة، إذ لا يسعنا أن نجد تبريراً وتأويلاً منطقياً لذلك، ولكن أراد بعض أبناء العامة أن يتظاهروا بوجود خلاف وتعارض بين البيان والمبيَّن، ليستلزم بعد ذلك ضرورة استقلال السنة في تشريع الاحكام، وليوهموا أن ذلك هو أمر متاح ويمكننا أن نتلقاه ونأخذ به.
ذكر في كتاب مفتاح السنة عن الخولي : «أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)وظيفته البيان، والبيان غير المبيَّن، فالبيان مفصل والمبيَّن مجمل، فكان هناك نوع مخالفة، فمن اتبع المبيَّن فقد اطاع الله ومن اتبع بيان الرسول لكلام الله فقد أطاع الرسول»(1) .
علماً أنه توجد جماعة أُخرى في أوساط أبناء العامة لم يقبلوا هذه الفكرة بهذه الصورة، فقد جاء في كتاب المدخل لدراسة السنة النبوية : «ما كان للبيان أن يناقض المبيَّن، ولا الفرع أن يعارض
الاصل، فالبيان النبوي يدور أبداً في فلك الكتاب العزيز لا يتخطاه ، ولهذا لا توجد سنة صحيحة ثابتة تعارض محكمات القرآن وبياناته الواضحة»(2) .
وأيضاً مسألة لزوم نسخ الكتاب وتخصيصه، وفي بعض الموارد الاخرى تقديم السنة على الكتاب، هي من جملة المسائل التي عرضت وطرحت في ساحة الابحاث العلمية لابناء العامة، والتي نشير إلى نماذج منها :
1 ـ يقولون في إرث الانبياء أن «نحن معاشر الانبياء لا نورث» تتعارض مع قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُْنْثَيَيْن)(3) ، وبما أن النسبة الواقعة بينهما هي العموم والخصوص، فالنتيجة تكون بتقديم الخاص على العام.
وواضح من غير تذكير بأنّ مثل هذه الاكاذيب والافتراءات لا يمكنها أن تعالج المعاريض الاخرى التالية لهذا النص، إذ إجمالاً اطلاق كلمة «الارث» تمنع من هذا التخصيص، ونستوحي من عبارة (وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْء)(4) ، ومن جهة أُخرى أن استدلال الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بهذه الاية في مواجهتها مع أبي
بكر عند مطالبتها فدك تدل على ما يورثه الانبياء.
وقد بادر بعض الاعلام في هذا المجال، ومنهم فخر الاسلام البزدوي الحنفي في كشف الاسرار «قوله : ( اجماع السلف على الاحتجاج بالعموم ) أي بالعام الذي خصّ منه، فإن فاطمة احتجَّت على أبي بكر في ميراثها من أبيها بعموم قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ في أَوْلاَدِكُم) الاية مع أن الكافر والقاتل وغيرهما خصوا منه، ولم ينكر أحد من الصحابة احتجاجها به مع ظهوره وشهرته، بل عدل أبو بكر في حرمانها إلى الاحتجاج بقوله : نحن معاشر الانبياء لا نورث وما تركناه صدقة»(5) .
ومما لا شك فيه بأنها (عليها السلام) ـ وفق النصوص الصحيحة والمتواترة بين الفريقين ـ «سيّدة نساء أهل الجنة»، ولا يعقل لسيدة نساء أهل الجنة أن تبادر وتستدل في حياتها الدنيوية بأمور لا تصح.
وكلام فخر الاسلام البزدوي يشير إلى هذا الامر : بأن القتل والكفر يعتبران من الاسباب المانعة للارث، ولا ينكر أحد بين المسلمين ذلك على النقيض من مسألة إرث الانبياء إذ تفرّد أبو بكر بذكرها، وقد خالفه كبار الصحابة وفي طليعتهم أهل بيت الرسول
صلوات الله عليهم.
2 ـ ومورد آخر هو قوله تعالى : (فَمَا استَمْتَعْتُم به منهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فريضة)(6) شأن نزولها كما تصرح أوثق المصادر التفسيرية للفريقين، أنها نزلت في نكاح المتعة، ومن هذا المنطلق تعرضت لسخط البعض، فذهب جماعة إلى القول بنسخها، ويقول الفخر الرازي في هذا المجال : «المراد بهذا الاية حكم المتعة، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمهر معلوم لاجل معين فيجامعها»(7)
وجاء في تفسير أبي حيان : «قال ابن عباس ومجاهد والسدي : إن الاية في نكاح المتعة»(8) .
وفي تفسير أبي السعود : «نزلت في المتعة التي هي النكاح إلى وقت معلوم»(9) .
3 ـ ونموذج آخر رواية مسلم عن أبي هريرة : «خلق الله عز وجل التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الاحد، وخلق
الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الاربعاء، وبثَّ فيها الدّواب يوم الخميس، وخلق آدم (عليه السلام) بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخَلق من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل»(10) .
في حين نجد القرآن يشير إلى نقيض مافي هذه الرواية، وقد جاء فيه أن الارض والسماء خلقتا في ستة أيام كما يقول تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ فِي سِتَّةِ أَيَّام)(11) .
4 ـ ومن الموارد الاخرى : «لا وصية لوارث»(12) إذ حكم فيها بنسخ آيات الوصية (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذا حَضَرَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالاَْقْربِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى المُتَّقِين)(13) .
5 ـ وكذلك رواية «البكر بالبكر : جلد مائة وتغريب عام» والاية (فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا مائَةَ جَلْدَة)(14) .
لان حاكم الشرع إذا اكتفى بالجلد وحده فقد خالف السنة ! واذا أراد أن يعمل على ضوء السنة فانه سيخالف الكتاب، وهذه المسألة هي من نماذج اختلاف الواقع بين شتى المذاهب الاسلامية مع الاحناف(15) .
6 ـ وفي مجال آخر مما يملك النطاق الواسع فى التمسك به بين أوساط أتباع ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، هو حديث «إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه» إذ يتعارض مع استدلال عائشة ويخالفه القرآن، ورواية النهي عن البكاء يرويها عبد الله بن عمر عن أبيه.
ففي البخاري : «قال ابن عباس : فلما مات عمر ذكرت لعائشة ما قال عمر : إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فقالت يرحم الله عمر لا والله ! ماحدّث رسول الله إن الله يعذب المؤمن ببكاء أحد، ولكن قال : إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه، وقالت : حسبكم القرآن : (ولاَ تَزِرُوا وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) »(16)-(17) .
وكذلك الايات الواردة في المواريث بالنسبة إلى الذكور والاناث والقول بالتعصيب(18) في تقسيم الفرائض.
فجاء في التنزيل : (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالاَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والاَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أوْ كَثُرَ نَصِيباً مفْرُوضاً)(19) .
وكذلك قوله سبحانه وتعالى : (وَأُولُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعض في كِتَابِ الله)(20) .
والايتان المذكورتان تنافيان القول بالتعصيب في روايتهم : «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي لاولى رجل ذكر»، مع أن أصحاب الفرائض في طبقاتهم المقدّرة محفوظة لا يتجاوزون الاخرى، والقول بالتعصيب في «فما بقي لاُولى رجل ذكر» ينافي «أولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله» وتفصيل ذلك في كتب الفقه.
وتحري الدقة والتمعن في هذا الامر وفي الكلمات الاُخرى توصلنا إلى هذه النتيجة، وهي أن فقدان الاُصول الثابتة وعدم امتلاك المباني والاسس المتينة والمستحكمة هو السبب في نشوء هذه الفجوة وهذا الخلل والتنافر في الرؤى ومنهج التفكير، ولا يمكن أيضاً أن نتصور غير ذلك في مثل هذه الحالة.
وأيضاً ففي الابحاث المرتبطة بحجية الخبر، وفي تعارض الخبرين يتعلق ويرتبط تصحيح واستقرار التعارض على أصل صدور الخبر، وإذا وقع أحد الاخبار في مخمصة، أو واجه مانعاً أو حاجزاً في مرحلة الصدور، فعندئذ لا يسعنا أن نعتبره طرفاً للمعارضة، وممّا لا شك فيه أن أحد السبل لتمييز ومعرفة صدور الخبر هي موافقته أو عدم مخالفته للقرآن، إذ هذا الامر بصفته أوثق وأتقن سبيل معروف في هذا المجال.
وفي كتب الاصول لابناء العامة، كأصول السرخسي(21) ، وكشف الاسرار(22) ، والتقرير والتحبير(23) ، والتيسر والتحرير(24) ، وإرشاد الفحول(25) أيضاً عرّف التعارض بمعنى تمانع الدليلين، إذ ينفي كلّ من الدليلين موضوع الدليل الاخر، وللاسف لم يلحظ في أي كتاب من هذه الكتب مسألة المخالفة مع الكتاب أو الموافقة معه، وفي جملة من الموارد بادر البعض الى الاستهزاء بالاخبار والاحاديث المرتبطة بهذا الباب واعتبروها مردودة ومرفوضة.
____________
(1) مفتاح السنة، محمّد عبد العزيز الخولي : 10.
(2) المدخل لدراسة السنة النبوية للقرضاوي : 117.
(3) الفكر السامي للفاسي 1 / 106، والاية في سورة النساء : 11 و 176.
(4) النمل : 16.
(5) كشف الاسرار عن أصول فخر الاسلام، البزدوي البخاري 1 : 611 و 628.
(6) النساء : 24.
(7) التفسير الكبير 10 / 50.
(8) تفسير أبي حيان 3 / 218.
(9) تفسير أبي السعود 3 / 251، تفسير القرطبي 5 / 130، تفسير البيضاوي 1 / 259، مختصر تفسير ابن كثير 1 / 357، الدر المنثور 2 / 40، تفسير الخازن 1 / 357، تفسير التسهيل 1 / 137، تفسير الالوسي 5 / 5، تفسير المراغي 5 / 8، تفسير الشوكاني 1 / 414.
(10) صحيح مسلم : 4 / 2149 برقم 2789.
(11) الاعراف : 53.
(12) الحديث بهذا اللفظ رواه أبو داود 3 / 114، والترمذي 4 / 434، وابن ماجه 2 / 905، كلهم عن أبي امامة الباهلي، وبوّب البخاري في الصحيح بهذا اللّفظ فقال : باب لا وصيّة لوارث، ثمّ ذكر حديث ابن عباس بمعناه 4 / 4 ط اسطنبول، الفكر السامي 1 / 93.
(13) البقرة : 180.
(14) النور : 2.
(15) اعلام الموقعين 2 / 380 ـ 396.
(16) الانعام : 164.
(17) صحيح البخاري : كتاب الجنائز رقم 1288.
(18) والقول بالتعصيب هو القول بحرمان النساء من الارث فيما زاد على الفريضة وذلك في التركة التي تبقى بعد التقسيم، والقول به يختص بأهل السنة وأهل الجاهلية حيث يخصصون الارث بالرجال دون النساء كما لا يخفى.
(19) النساء : 7.
(20) الانفال : 75 والاحزاب : 6.
(21) أُصول السرخسي 2 / 242.
(22) كشف الاسرار عن أصول فخر الاسلام البزدوي 4 / 88 ـ 95.
(23) التقرير والتحبير 3 / 269.
(24) التيسير والتحرير 4 / 146.
(25) ارشاد الفحول : 204.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page