لفت نظري أثناء قراءتي لكتب التراث السنّي قول ابن حنبل: أنّ عليّاً كثير الأعداء ففتّش أعداءه له عيباً فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطّروه كيداً منهم لعلي.فهذا القول يلخّص حركة التاريخ الخاص بالصّراع بين آل البيت والقوى المتربّصة بهم "(1).
ويضيف صالح الورداني:
" إنّ القوم قد تآمروا على الإمام من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأنّ هذا التآمر قد اضطرّهم إلى تحريف النّصوص الواردة فيه وفي آل البيت وطمس معالمها بل واختراع نصوص تناقضها..
إلاّ أنّ القوم على الرّغم من موقفهم هذا نطق لسانهم بما يفيد الشبهة فيهم.
فقد لاحظت أنّهم يطلقون لفظة (إمام) على عليّ وحده من دون بقيّة الصحابة، ثمّ أنّهم يدّعون أن الإمام عليّاً قام بتحريق اناس قالوا بألوهيّة.
وكنت كلّما مررت على هذين الأمرين تساءت:
لماذا يطلق القوم هذه اللفظة على الإمام خاصّة.
ولماذا قال هؤلاء بألوهيّة الإمام دون غيره؟..
إنّ الإجابة على هذين السؤالين قد كلّفتني الكثير من الوقت في البحث والتأمل حتى اهتديت أن هناك من النصوص ما يعطي للإمام عليّ خاصّية ترفعه فوق الجميع.
وإنّ هذه الخاصّية كان يتنزل بها القرآن ويبشّر بها الرّسول.
وهذه الخاصّية هي الطهارة من الرّجس لتسلّم مهمّة الإمامة من بعد الرّسول.
وهذا هو ما توارثه القوم عن عليّ وحجبته السياسيّة، وما بقي منه سوى وصفه له بالإمام.
وهذا هو ما دفع بالبعض للقول بألوهيّته لما يرون من تحقّق المعجزات على يديه إنْ سلّمنا بصحّة هذه الرواية..
إنّ القوم لم يخبرونا لماذا أُلّه علي؟
فهم على الرّغم من تبنّيهم هذه الرواية لا يقصدون من ورائها سوى الطعن في شيعة الإمام ونبذ أيّ تصوّر يطرأ على ذهن المُسلم حول خصوصيّته، وكانّهم يريدون أن يثبتوا من وراء هذه الرواية أنّ الإمام كان يبارك الخطّ السائد، وأنّ من حاول الانشقاق عن هذا الخط ومنحه خصوصيّة تمّيزه عن القوم فقد أحرقه بيده.
فدعوى ألوهيّة الإمام قضى عليها في مهدها على يده، ولم تظهر بعدها أيّة دعاوي أخرى لتمييز الإمام، أما الشيعة هؤلاء ففرقة مختلقة لا أصل لها ويقف من ورائها أعداء الإسلام..
ثمّ أنّ القوم بعد هذا لا يذكرون الإمام إلاّ ويقولون كرّم الله وجهه.
وعند ما سألت عن معنى هذه الكلمة قالوا:
إنّه لم يسجد لصنم بينما جميع الصحابة قد وقعوا في هذا.
فقلت في نفسي إنّ هذه الخاصيّة التي جائت على لسان القوم إنّما تؤكّد مكانة الإمام وموقعه الشرعي كما أكّدته رواية ادّعاء ألوهيّته ونَعتهم له بالإمام..
لقد استفزّتني كثيراً تلك المكانة المتواضعة جدّاً التي يضع أهل السنّة فيها الإمام علياً.
واستفزّني تقديم عثمان عليه، على الرغم من أفاعيله ومنكراته..
واستفزّني مساواته بمعاوية الطليق الذي لا وزن له..
واستفزّني ما يلصقون به من صغائر وموبقات..
وكان هذا كلّه مبرّرا للنفور من فقه القوم وأطروحتم والبحث عن الحقيقة في دائرة الأطروحات الأخرى حتى اهتديت للأطروحة الشيعيّة ووجدت فيها ما أراح عقلي وطمأن نفسي بخصوص الإمام علي (عليه السلام)..
وجدت فيها مكانته وخصوصيّته..
ووجدت فيها علمه الذي دثره القوم..
وجدت عليّاً الإمام المعصوم وهي الصّفة التي تعكس خصوصيّته وتمييزه والتي فُسّرت على ضوئها جميع الأمور التي استشكلت عليَّ في فقه القوم حول الموقف من الإمام..
فسّرت لماذا يقولون عنه إمام..؟
ولماذا يقولون كرّم الله وجهه..؟
ولماذا حاول تأليهه البعض..؟
إنّ مكانة الإمام كانت ساطعة سطوع الشّمس، بحيث لم يتمكّن القوم من حَجبها عن أعين المسلمين بتأويلاتهم وتبريراتهم.
وقد كنت واحداً من هؤلاء الّذين سطعت عليهم شمس الحقيقة، فأضات لي الطريق نحو الصراط المستقيم خط آل البيت، محطّماً من طريقي جميع القواعد والأغلال التي صنعها القوم لتكبيل العقل وحجب الحقائق.
____________
1- المصدر السابق: 146ـ148.