• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثاني المتعة في الإسلام وعند شيعة أهل بيت النبوة

لكي نفهم القواعد الشرعية الإسلامية

دين الإسلام آخر الأديان، وقواعده معدة للدين والدولة معاً، فالإسلام في صورة من صوره، يشكل مجموعة القوانين التي ينبغي أن تكون نافذة في مجتمع الدولة الإسلامية. وفي وقت يطول أو يقصر يفترض أن الدولة الإسلامية دولة عالمية، يصبح جميع أفراد الجنس البشري مواطنيها ورعاياها، لذلك وضعت قواعد الإسلام لتتعامل مع الجنس البشري كله، ولتحكم علاقات هذا الجنس.
وقد تولى الله، سبحانه وتعالى، بنفسه وضع جميع قواعد الشريعة الإسلامية لتلائم طبيعة الإنسان وفطرته، وحياته وآخرته، ولتشيع رغباته وميوله وتوجهاته وتنظمها، وتخدم الأهداف النبيلة التي يتوخاها الشارع الحكيم العليم، وقواعد الإسلام جميعها مبنية على اليسر ورفع الحرج، وتضييق دائرة المحرمات إلى أبعد حد ممكن، وإشباع الحاجات والرغبات الإنسانية ضمن دائرة الشرعية، وقدمت روح الشريعة العامة نماذج للسمو والكمال الإنسانيين وحثت المؤمنين على السعي لبلوغهما ولكنها لم تحمل المكلف فوق طاقته إنما راعت ظروفه وواقعه وتعاملت معه على هذا الأساس، من خلال نوافذ الرحمة والحكمة واللطف الإلهي.

المتعة من شرع الله

أجمع المسلمون جميعهم على أن الله تعالى شرع نكاح المتعة بقوله: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة..) [ النساء / 24 ] وكان جمع من الصحابة كأبي بن كعب وابن عباس يقرؤون هذه الآية على القراءة التالية: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن...) ذكر ذلك كبار المفسرين كالطبري والزمخشري والرازي عند تفسيرهم لهذه الآية، وقد وضح الرازي ذلك في تفسيره قائلاً: (والأمة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة، فكان ذلك إجماعاً من الأمة على صحة هذه القراءة) (1).
ولأن مهمة الرسول الأولى أنه يبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم فقد بين هذه الآية، وأكد أن نكاح المتعة من شرع الله، وحض المسلمين عليها، وذلك عند ما ذكرهم بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) [ المائدة / 87 ] وعلى ذلك جمع أهل بيت النبوة، وإجماع أهل بيت النبوة حجة، لأنهم: 1 - أحد الثقلين، 2 - وأعدال الكتاب، 3 - ولأن الهدى لا يدرك إلا بهما وبالقرآن معاً، 4 - والضلالة لا يمكن تجنبهما إلا بهما وبالقرآن معاً، 5 - ولأنهم عاشوا مع الرسول طوال حياته المباركة فكانوا يقيمون عنده ويسكنون وإياه في بيت واحد. وبالتالي هم أدرى وأعلم بشرع الله وسنة رسوله.
وعلى الرغم من أن الخلفاء كانوا يتبنون مواقف مختلفة عن مواقف أهل بيت النبوة إلا أنهم وأولياءهم قد أجمعوا على أن المتعة من شرع الله، ولهم ولعلمائهم عشرات الصحاح الصادرة عن النبي والتي توكد نكاح المتعة من شرع الله، وقد روى هذه الصحاح البخاري ومسلم في صحيحيهما، (كتاب النكاح)، وأحمد بن حنبل وغيرهم. وقد رووا هذه الأحاديث الصحيحة عن مجموعة من الصحابة يمتنع عقلاً اجتماعهم على الكذب، كسلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله، وأبي ذر الغفاري، وعمران بن حصين، وسبرة بن معد، وقبلهم كامل أئمة أهل بيت النبوة، ولا يوجد مسلم واحد عاقل يجرؤ على القول: إن نكاح المتعة لم يكن من شرع الله، فجميع المسلمين قد أجمعوا على أنها من شرع الله. وأن هذا النكاح مورس وعمل به بإذن رسول الله وعلمه وتشجيعه عليه، انسجاماً مع الأهداف التي ذكرناها في الفقرة الأولى من هذا البحث، وتوسيعاً على العباد، وتضييقاً لدائرة الحرام ورفعاً للحرج.

الخليفة الثاني ألغى هذا الشرع

مورست المتعة وعمل بها طوال عهد النبي، وطوال عهد الخليفة الأول وفي مدة من عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، إذ حملت امرأة في عهده من نكاح المتعة، فاستاء عمر، ورأى أن المتعة غير مناسبة، وأن الأفضل إلغاؤها، فقام بين الناس وقال: (إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، فأتموا الحج والعمرة، وأبنوا نكاح هذه النساء، فلئن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة) (2). وتعميماً لأمره، خطب في الناس مرة قائلاً: (إن القرآن هو القرآن، وأن رسول الله هو الرسول، وأنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله إحداهما متعة الحج والأخرى متعة النساء..) (3). قال القوشجي، إمام الأشاعرة في آخر شرح التجريد، مبحث الإمامة، أن عمر بن الخطاب قال على المنبر: (أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله، وأنا أنهى عنهن، وأحرمهن وأعاقب عليهن، متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل) قال القوشجي، معتذراً: (ما فعله عمر كان اجتهاداً). قال الإمام مالك في الموطأ، باب نكاح المتعة: أن ربيعة بن أمية بن خلف الثقفي قد استمتع في عهد عمر، فحملت المرأة التي استمتع بها، فعلم عمر وخرج يجر رداءه فقال: هذه المتعة، لو كنت تقدمت في تحريمها لرجمت... كما ذكر ذلك ابن عبد البر في ما نقله الزرقاني عنه في شرح الموطأ.
وما يؤكد أن عمر ألغى تشريع المتعة أن ابنه عبد الله عند ما سئل عن المتعة أجاب:
(والله ما كنا على عهد رسول الله زانين ولا مسافحين، والله لقد سمعت رسول الله يقول: (ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون أو أكثر) (4).
وسئل مرة عن متعة النساء، فقال: (هي حلال). فقيل له: إن أباك نهى عنها! فقال أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله أنترك السنة ونتبع قول أبي (5)!؟
ويؤكد إلغاء عمر لتشريع نكاح المتعة قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: (لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي) (6) وقول ابن عباس: (ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد، ولولا نهية [ نهي عمر ] ما أحتاج إلى الزنى إلا شقي) أي القليل. جميع هذه الشواهد تثبت أن إلغاء تشريع نكاح المتعة، لم يكن من الله ولا من رسوله، إنما كان من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وسجل هذا الخليفة حافل في تقديم اجتهاداته وآرائه الشخصية على القرآن الكريم والسنة المطهرة!

الخليفة الثاني جرئ ومؤهل لإلغاء النصوص الشرعية

من يتعمق في دراسة شخصية الخليفة الثاني وتاريخه، لا تبقى لديه ذرة شك في أن تحريم نكاح المتعة الذي شرعه الله ورسوله إنما كان بقرار منه اتخذه بوصفه الخليفة أو رئيس الدولة، وجعله جزءاً من المنهاج التربوي والتعليمي الذي فرضته دولة الخلافة التاريخية، وسجل هذا الخليفة وتاريخه ينطقان بجرأته النادرة على الله ورسوله. وعلى سبيل المثال لا الحصر:
1 - في صلح الحديبية: وقع رسول الله الصلح بأمر من ربه، لأن هذا الصلح حقق له ما عجزت الحروب الدامية عن تحقيقه، ثم إن الوحي كان ملازماً لرسول الله في الساعات العصيبة التي سبقت التوقيع على الصلح، ومع هذا فإن عمر يعلن أمام الرسول وأمام الحاضرين أن (هذا الصلح دنية في الدين)، وقد بذل كل جهوده لاستقطاب الناس حوله طمعاً بتخريب الصلح الذي عقده الرسول بأمر من ربه لاعتقاده أن هذا الصلح (دنية في الدين). ولما فشل في استقطاب الناس ضد الصلح الذي وقعه الرسول قال كلمته المشهورة: (لو وجدت شيعة ما أعطيت الدنية في ديني) (7).
2 - كتابة توجيهات النبي: أراد النبي، قبيل وفاته، كتابة توجيهاته النهائية للأمة. ولما عرف عمر جمع أولياءه، ودخل إلى حجرة رسول الله، فما إن قال
الرسول: (قربوا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً) حتى تصدى له عمر وتجاهل وجوده، وقال لمن حوله من أوليائه: (إن الرسول قد غلبة الوجع وعندنا كتاب الله، حسبنا كتاب الله). هذا هو القول الملطف الذي يرويه البخاري ومسلم في صحيحيهما. أما الحقيقة التي رواها ابن الجوزي في كتابه (تذكرة الخواص)، وأبو حامد الغزالي في كتابه (سر العالمين وكشف ما في الدارين) فهي أن عمر قال لأوليائه: (إن الرسول يهجر حسبنا كتاب الله)، فردد أولياؤه: القول ما قاله عمر:
(إن الرسول يهجر حسبنا كتاب الله) (8) ومن يفعل ذلك في مواجهة الرسول وحياته، لن يعجز بعد وفاته عن إلغاء التشريع الذي بينه.
3 - قسمة المال بالسوية: كان الرسول يقسم المال بين الناس بالسوية، وهو لا ينطق عن الهوى ويتبع ما يوحى إليه، ولحكمة ظاهرة مفادها أن الحاجات الأساسية للبشر متشابهة، ولا تختلف من فرد إلى فرد، ومن جهة ثانية فإن الله ورسوله أراد أن يحررا الإنسان من سلطان الحاكم على هذه الأساسيات، وأن يذيبا الفوارق المالية بين الناس إرساء لمبدأ المساواة. والخلاصة أن القسمة بين الناس بالسوية صارت سنة، طبقت طوال عهد النبي الزاهر وطوال عهد الخليفة الأول أبي بكر.
ولما آلت الخلافة إلى عمر رأى أن هذه الطريقة بالقسمة التي أوصاها الله لرسوله، واتبع الرسول فيها ما أوحي إليه غير مناسبة وغير عادلة، والأفضل منها أن يعطي الناس حسب موازين ومعايير أوجدها بنفسه. وبكل بساطة ترك سنة الرسول، النابغة من الوحي الإلهي، واتبع رأيه واجتهاده الشخصي! وبعد تسع سنين، وبعد النتائج المدمرة التي نجمت عن إلغاء سنة المساواة النبوية، واتباع الرأي الشخصي، وبعد أن اختل حبل التوازن، ووجد نظام الطبقات، ووجد الغنى الفاحش والفقر المدقع جنباً إلى جنب، نتيجة فعل عمر هذا، عندئذ أدرك الخليفة أن سنة محمد أهدى وأصوب من رأيه، فعزم قائلاً: (لئن عشت العام القابل لأتبعن سنة رسول الله وصاحبه).
4 - آية الصدقات: ومثال أخير على جرأة الخليفة الثاني: أن آية الصدقات آية، محكمة تبين المستحقين لها، وقد جاء نصر الله والفتح وأعز الله الإسلام في زمن رسوله، والرسول يعطي طوال حياته للمستحقين في آية الصدقات: الفقراء والمساكين...
والمؤلفة قلوبهم وعند ما آلت الخلافة لعمر رأى أن يلغي التشريع الإلهي والسنة النبوية التي تعطي للمؤلفة قلوبهم سهماً من الصدقات، بحجة أن الله أعز الإسلام ولم يعد بحاجة للمؤلفة قلوبهم! وبالفعل ألغى هذا السهم، وما زال ملغياً إلى يومنا هذا، مع أنه مفروض في آية محكمة وفي تطبيق عملي طوال عهد الرسول!

موقف الجموع المسلمة من هذه الأعمال

أحب كثير من المسلمين الخليفة الثاني حباً ملك عليهم عقولهم ودينهم حقيقة. ومع أنهم لا يصرحون بأن الخليفة الثاني أفضل من الرسول، لكنهم عملياً، يتعاملون معه كأنه أفضل من الرسول! وكأنه أعقل من الرسول، فما من شئ يعمله عمر إلا لحكمة، وحكمة جليلة يراها. فعند ما ألغى سنة الرسول التي تساوي بيت الناس بالعطاء لم يحتج أصحاب المصلحة من الناس، إنما صفقوا للخليفة الملهم والجرئ! وعند ما أعلن، بعد تسع سنين أنه سيعود في العام المقبل للعمل بسنة الرسول صفقت له الجموع أيضاً! إن الجموع لا تلتفت قطعياً إلى قول عمر لرسول الله: (أنت تجهر ولا حاجة لنا بكتابك، حسبنا كتاب الله) بل تعد هذا القول فناً من فنون العبقرية العمرية! وليس أدل على قوة نفوذ الخليفة الثاني من سهم المؤلفة قلوبهم، فبالرغم من أن السهم محدد في آية محكمة، ومن أن السنة النبوية قد جرت عليه طوال عهد الرسول وجزء من عهد أبي بكر إلا أن الجموع المفتونة بحب الرجل عدت قول عمر عملياً كأنه ناسخ للقرآن والسنة! فلم يصدف على الإطلاق أن تجرأ خليفة لإعطاء سهم المؤلفة قلوبهم، خشية من أن تظن الجموع أنه خالف سنة عمر.
تلك هي طبيعة عمر، وطبيعة الجموع التي أحبته، فهل يستعبد على من كانت هذه طبيعته أن يلغي تشريع المتعة، ويجد آلاف المتبرعين المستعدين للكذب حتى على رسول الله حتى يسوغوا عمل الرجل!

خطة تسوغ فعل الخليفة الثاني

لو ترك أولياء الخليفة الثاني أمره نافذاً في موضوع نكاح المتعة لأطاعته الجموع طاعة تامة، تماماً كما أطاعته عند ما ألغى سهم المؤلفة قلوبهم المحدد في آية محكمة، والموثق بسنة نبوية، وتماماً عندما ألغى السنة النبوية التي ساوت بين الناس بالعطاء، واستبدلها برأيه الشخصي القائم على التمييز بين الناس على أساس معايير أوجدها بنفسه! ولكان سهلاً على أولياء الخليفة أن يقولوا إن الخليفة قد ألغى نكاح المتعة الذي شرعه الله ورسوله من قبيل الاجتهاد، ومن حق المجتهد (الخليفة) أن يخالف مجتهداً آخر (وهو الرسول) لأن المجتهد مأجور أصاب أم أخطأ، وهذا عين الاعتذار الذي اعتذر له كبار المفكرين ممن يتعاطفون مع الخليفة الثاني، كالقوشجي وابن أبي الحديد. فهذا أولى وأقل كلفة من مشقة وضع الأحاديث واختلاق الأخبار لإثبات أن نكاح المتعة قد نسخ من الله ورسوله.
والخليفة الثاني جاء ليحافظ على الحكم الناسخ، ويحول بين الناس وبين ممارسة حكم منسوخ! والله يشهد أن الخليفة الثاني لا علم له باختراع أوليائه هذا، ولو كان حياً لأوسعهم ضرباً بدرته، ولقال لهم: أنه لا داعي للاختلاق للتغطية على ما يؤمن به الخليفة، لأن لديه الجرأة أن يعلن قناعاته الشخصية أمام الله ورسوله، ومن يفعل ذلك لا ينبغي أن يخشى الناس!

الادعاء بنسخ تشريع نكاح المتعة

نثبت في ما يأتي النص الحرفي لرأي الإمام عبد الحسين شرف الدين العاملي في هذا الادعاء كما ورد في كتابه: (مسائل فقهية): (قال أهل المذاهب الأربعة وغيرهم من فقهاء الجمهور بنسخ هذا النكاح وتحريمه، محتجين بأحاديث أخرجها الشيخان (بخاري ومسلم) وقد أمعنا فيها متجردين متحررين فوجدنا فيها من التعارض في وقت صدور النسخ لا يمكن معه الوثوق بها، فإن بعضها صريح بأن النسخ كان يوم خيبر، وبعضها أن النسخ كان يوم الفتح، وفي بعضها أن النسخ كان في غزوة تبوك، وفي بعضها إنه كان في حجة الوداع، وفي بعضها أنه كان في عمرة القضاء، وفي بعضها أنه كان في عام أوطاس)!
والأحاديث التي استندوا إليها بنسخ تشريع نكاح المتعة لأنها واردة في صحيحي بخاري ومسلم تناقضها أحاديث وردت في هذين الصحيحين تفيد بعدم النسخ. (9).
(ثم إن الخليفة نفسه لم يدع النسخ كما بينا، وإنما أسند التحريم إلى نفسه!
ويبدو أن المتأخرين عن زمن الصحابة قد وضعوا أحاديث النسخ تصحيحاً لرأي الخليفة).
(ومن غريب الأمور دعوى بعض المتأخرين أن نكاح المتعة منسوخ بقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) [ المؤمنون / 5 - 6 ].
والجواب أن الزوجة بالمتعة زوجة شرعية، فهي داخلة بالأزواج، ثم إن هذه الآية مكية نزلت قبل الهجرة بالاتفاق، فلا يمكن أن تكون ناسخة لإباحة المتعة المشروعة في المدينة بعد الهجرة بالإجماع! ثم إذا كانت هذه الآية ناسخة لزواج المتعة فلماذا لم تنسخ نكاح الإماء إذاً؟ مع أنهن لسن بزوجات للناكح ولا ملك يمين)!
وجاء في صحيح البخاري: حدثنا أبو رجاء عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن بحرمتها، ولم ينه عنها رسول الله حتى مات). وإلى هذا أشار مسلم في صحيحه بسنده عن عطاء قال: (قدم جابر بن عبد الله الأنصاري معتمراً فجئناه بمنزلة فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة فقال جابر: استمتعنا على عهد رسول الله وعلى عهد أبي بكر وعمر، وفيه عن جابر أيضاً حيث يقول: كنا نتمتع بالقبضة من التمر والدقيق لأيام على عهد رسول الله وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث. وفيه عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين قال جابر: (فعلناهما مع رسول الله ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما) (10).
وردت أحاديث متناقضة: بعضها يبيح المتعة، وهو مدعم بآية محكمة هي آية المتعة وبعضها ينهى عن المتعة، وهو مدعم بقرار الخليفة الثاني، فتم تجاهل النوع الأول وعمل بالنوع الثاني.
ثم قيل أن قرار الخليفة هو وحده الصائب والأنسب للأمة، وبناء على هذه المقولة أصبح نكاح المتعة محرماً مسنداً لقرار الخليفة والروايات التي دعمته.
أما الآية المحكمة، والروايات التي دعمتها فأصبحت عملياً معطلة أو غير نافذة

من أحكام نكاح المتعة

1 - ما هو نكاح المتعة؟
نكاح المتعة عقد يتم بين رجل مسلم بالغ عاقل وحر، وبين امرأة حرة وبالغة وعاقلة مسلمة، أو كتابية، لإنشاء علاقة زوجية لمدة محددة، مقابل مهر معين.
وعقد المتعة شأن جميع العقود عقد رضائي يقوم على الاتفاق والتراضي، ويجب أن يكون جامعاً لشرائط الصحة الشرعية وفاقداً لجميع الموانع الشرعية.
2 - الموانع الشرعية
الموانع الشرعية التي تحول دون إجراء عقد زواج المتعة هي عين الموانع الشرعية التي تحول دون عقد الزواج الدائم، كالنسب، أو الرضاع أو الإحصان، أو العدة، أو المعقود عليها لأحد الأبناء وإن كان قد طلقها أو مات عنها قبل الدخول بها، أو أخت الزوجة أو غير ذلك من الموانع الشرعية، فإذا وجد مانع من هذه الموانع، فإن عقد المتعة باطل ومعدوم بنظر الشرع ومحرم.
3 - صيغة عقد المتعة
بعد الاتفاق والتراضي تقول المرأة للرجل: زوجتك أو أنكحتك، أو متعتك نفسي بمهر قدره (تذكره) يوماً أو يومين أو شهراً أو ثلاثاً أو سنة أو عشر سنين (تذكر المدة بالضبط) فيجيبها الرجل، قبلت. عندئذ يتم العقد وتترتب عليه كل آثاره.
4 - آثار العقد
إذا تم القبول والإيجاب يتم العقد وتترتب عليه جميع آثار الزواج. فتصبح المرأة زوجة ويصبح الرجل زوجاً لها إلى منتهى الأجل، فإذا انتهى الأجل تبين المرأة من غير طلاق، وللرجل فراقها قبل انتهاء المدة، وبانتهاء الأجل أو بالفراق يتوجب على المرأة أن تعتد بقرأين إذا كانت ممن تحيض أو بخمسة وأربعين يوماً كالأمة. فإذا توفي عنها زوجها فيجب أن تعتد بأبعد الأجلين، وهي وضع الحمل إن كانت حاملاً، ومضي المدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام بعد علمها بموت الزوج، ولا نفقة لها.
وولد زواج المتعة: ذكراً كان أم أنثى يلحق بأبيه ولا يدعى إلا له كغيره من الأبناء والبنات، وله كافة الحقوق الشرعية من الإرث، ولا فرق بين الولد المولود من نكاح المتعة والمولود من النكاح الدائم، وتشمل الاثنين جميع العموميات الشرعية الواردة في الأبناء والآباء والأمهات، والأخوة والأخوات وأبناؤها والأعمام والعمات والأخوال والخالات، ولكن الزوجة بالمتعة لا ترث.
هذا هو نكاح المتعة كما تلقاه أهل بيت النبوة عن النبي الأعظم، وقد أباحه الله ورسوله ومورس وعمل به الراغبون طوال عهد النبوة الزاهر، وطوال عهد الخليفة لأول أبي بكر وجزء من عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ثم لاح للخليفة الثاني أن ينهى عنه ويحرمه. وحيث أنه لا يملك في الحق والحقيقة أن يحرم ما أحل الله، وإشفاقاً من أوليائه ومحبيه عليه، وتصحيحاً لتحريمه قالوا أو تقولوا بالنسخ، واخترعوا حججاً لا يعلمها حتى الخليفة الثاني نفسه ; وذلك تعبيراً عن ولائهم المطلق له ولسننه، وإرغاماً لأنوف أهل بيت النبوة وشيعتهم ; إذ جرت العادة أنه إذا اتخذ الخلفاء موقفاً، واتخذ أهل بيت النبوة موقفاً آخر فإن الأكثرية تقف مع الخلفاء، لأن المال والجاه والسلطة والنفوذ بأيديهم، وأهل بيت النبوة لا يملكون إلا الحكم الشرعي الإلهي القائم على الجزم واليقين، فلا مصلحة لطلاب الدنيا والعيش في أن يتركوا مرضاة الخليفة وماله ليقفوا مع خصومه في معركة معروفة النتائج سلفاً.
5 - نكاح المتعة رخصة شرعية وليست إلزاماً
ولا بد من الإشارة، أخيراً إلى أن نكاح المتعة ليس مفروضاً على المسلم أو المسلمة كالصلاة، أو الصيام، إنما هو رخصة شرعية إلهية أباحها الله لعباده الراغبين، وشجعهم عليها رسول الله باعتبارها من الطيبات التي أحلها الله للمؤمنين، فقد أخرج مسلم والبخاري في صحيحهما، كتاب النكاح (واللفظ للبخاري) عن عبد الله بن مسعود قال: (كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس لنا شئ فقلنا ألا نستخصي، فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثواب إلى أجل معين، ثم قرأ علينا (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) [ المائدة / 87 ] لقد أعطى الله سبحانه وتعالى هذه الرخصة لعباده المؤمنين، فإذا لم يحتجها المؤمن فلا أحد يجبره على ممارستها، وهي من قبيل التوسعة على المؤمنين وتضييق دائرة المحرمات، وسد السبل التي تؤدي إلى الحرام. وعملياً فإن المؤمنين بحاجة إلى هذه الرخصة، فقد يغزوا بعضهم في سبيل الله، ويتركون نساءهم مدة قد تصل إلى بضعة شهور أو سنة، والإنسان ثقيل عليه أن يصبر عن النساء هذه المدة فليس أمامه إلا معاناة الحرمان بما فيه من حرج أو الوقوع بالزنا، فأوجد الله تعالى تشريع نكاح المتعة رأفة ورحمته بالمؤمنين، وتيسيراً لهم ورفعاً للحرج عنهم. وقد يمن الله عليه بولد أو أولاد تكثر بهم الأمة، ويتباهى بعددهم رسول الله يوم القيامة أمام الأمم، ومثله إذا سافر المؤمن لطلب العلم أو ضرب في الأرض لطلب الرزق وطالت غيبته. وقد تحدث حروب فتحصد الرجال حصداً ويصبح 4 / 5 المجتمع نساء فإذا تزوج 1 / 5 الناس فإن 3 / 5 النساء تعيش حالات مذهلة من الحرمان والمعاناة فيأتي تشريع نكاح المتعة ليساعد في تخفيف هذه المعاناة، فقد ترزق المرأة التي تتزوج بنكاح المتعة بولد، فيحنو عليها في كبرها ويرعاها، وتتكرر هذه الحالة فتسهم في إيجاد حالة من التكامل والتضامن والتعاطف بين فئات من المجتمع. ففي أوروبا مثلاً أكثر من 4 / 5 المجتمعات نساء، والديانة المسيحة لا تسمح للرجل إلا بزوجة واحدة فتبقى 3 / 5 النساء في حالة من الضياع والحرمان ويتحولن مع الأيام إلى مصدر مدمر من مصادر فساد المجتمع وتآكله. والخلاصة أن نكاح المتعة رخصة لمن يضطر لها، وهي رخصة شخصية، بمعنى أن الاضطرار يقرره الشخص الذي يرغب في ممارسة هذه الرخصة. هذه هي القصة الموضوعية الكاملة للمتعة التي يعدها بعض الناس، جهلاً بها، جريمة.

جلسة الحوار التاسعة

قال صاحبنا: لقد قرأت أجوبتكم المتعلقة بالمتعة، وهي مقنعة حقيقة، وأنا مدين لك إذ وضحت لي صورة الشيعة والتشيع على حقيقتها، ومن خلال أجوبتكم عن تساؤلاتي، ومن خلال توضيحاتكم تبين أن الأساس الذي قام عليه التشيع أساس شرعي ومنطقي، ويشكل نظرية متماسكة بالفعل، وأي عاقل ينظر للأمور نظرة حيادية سيصل إلى هذه النتيجة.
وأريد، الآن، أن أطرح عليك مجموعة متكاملة من التساؤلات وهي: لماذا هذا الاختلاف طالما أن للفريقين ديناً واحداً وكتاباً واحداً ونبياً واحداً، ويمارسون العبادات نفسها؟ وهل هنالك وضع أمثل لا اختلاف فيه، وكيف غرست بذور الاختلاف؟ وهل هنالك بذور للاختلاف فعلاً، وهل تأثرت حركة دخول الناس في دين الله بهذا الاختلاف؟ وما هي طريق الرشاد، وما هي الآثار المترتبة على تنكب هذا الطريق؟ وهل لأئمة أهل بيت النبوة من جهد لإرشاد المسلمين؟ وما قصة الخلاف الفقهي؟
وأرجو أن تسوق لي نماذج من هذه الخلافات، أليس بالإمكان الرجوع إلى الشرع مجدداً؟ لماذا هزم بيان أهل بيت النبوة وانتصر بيان الخلفاء، وهل هنالك إئتلاف بالرغم من مظاهر الخلاف، فأرجو أن تتلطف بالإجابة عن هذه الأسئلة بما أمكن من الاختصار.
* * *





_________
(1) راجع التفسير الكبير للفخر الرازي (سورة النساء، الآية: 24) القائلون بإباحة المتعة - استدلال الحجة الأولى.
(2) راجع صحيح مسلم في باب المتعة بالحج.
(3) راجع مسند أحمد بن حنبل 1 / 52.
(4) راجع مسند الإمام أحمد 2 / 95.
(5) راجع صحيح الترمذي، كتاب النكاح.
(6) راجع تفسير آية المتعة في تفسيري الطبري والثعالبي.
(7) راجع على سبيل المثال المغازي للواقدي، صلح الحديبية، وراجع كتابنا المواجهة تجد العشرات من أمثال هذه المواقف التي تتسم بالجرأة على الله ورسوله.
(8) وقد وثقنا هذه الحادثة العجيبة في كتابنا (نظرية عدالة الصحابة) ص 286 وما بعدها، وفي كتابنا المواجهة.
(9) راجع صحيح مسلم 1 / 467، و 4 / 131 (نكاح المتعة) ومسند أحمد بن حنبل 1 / 52، وراجع الأحاديث التي أوردناه مسبقاً تحت عنوان (الخليفة ألغى هذا الشرع).
(10) راجع صحيح مسلم باب نكاح المتعة 4 / 131، وما بعدها، وباب المتعة بالحج والعمرة وسنن البيهقي باب نكاح المتعة 7 / 206، ومسند الطيالسي 8 / 247.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page