بالرغم من الواقع الحي للشيعة من مؤسسات دينية في أغلب بقاع الأرض ، ومن فعاليات دينية وثقافية وعلمية ، ومساجد ، وحوزات علمية كلها تردد كلمات التوحيد ليل نهار ، فإننا نواجه واقعاً أليماً من كل أولئك الذين يكتبون عن الشيعة ضاربين عرض الحائط ما تراه أعينهم وتسمع آذانهم ، فهم يكتبون أقوالا صاغها الوهم والجهل ، أو سوء النية والحقد غير مبالين بما عليه حال أمّتهم ، وما يزالون يعتقدون ، ويدعون غيرهم ليعتقدوا بأنّ الشيعة فرقة صاغها وأسسها يهودي حاقد مدعياً الإسلام هو (عبد الله بن سبأ) ، وأعطوه من الصفات والنعوت والقدرات ما يدخل في باب المعجزات ، والتي يمكن أن تكون أشبه بحكايات العجائز والعفاريت وألف ليلة وليلة ، وهذا يمثّل استخفاف بعقل أمّة ، ويجعل الخرافة أحد ركائز تراثنا الديني والفكري ، ولنا أن نسأل ونقول :
من هو عبد الله بن سبأ؟ ومن أيّ البلاد هو؟ وما أصله ونسبه؟ وما فحوى الروايات التي جاءت فيه؟ وما مدى صحة هذه الروايات؟ ولماذا ترتبط الشيعة بعبد الله بن سبأ؟ وهل الشيعة هم السبئية؟
وللإجابة عن سؤال من هو عبد الله بن سبأ؟
نقول : عبد الله بن سبأ او عبد الله بن السوداء وهما رجلان كل منهما غير الآخر وإليك بعض المقتطفات في عبد الله بن سبأ :
محمّد فريد وجدي : عبد الله بن سبأ يهودي من الحيرة أظهر الإسلام(1) .
أحمد عطية الله : عبد الله بن سبأ يهودي من أهل صنعاء ، وأظهر إسلامه في خلافة عثمان(2) .
محمّد أبو زهرة : عبد الله بن سبأ يهودي من أهل صنعاء ، أمّه سوداء ، أسلم أيام عثمان(3) ، وفي موضع آخر : عبد الله بن سبأ كان يهودي من أهل الحيرة أظهر الإسلام(4) .
أحمد أمين : وكان عبد الله بن سبأ من يهود اليمن ، فأسلم ، وهو ابن السوداء(5) .
حسن إبراهيم حسن : رجل من أهل صنعاء هو عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم(6) .
المقريزي : عبد الله بن سبأ قام زمان الإمام علي ، وأحدث القول بوصية رسول الله لعلي هو ابن السوداء؟(7)
ابن حزم : عبد الله بن سبأ الحميري قال لعلي : أنت الله فاستعظم علي الأمر منهم ، وأمر بنار فأججت وأحرقهم(8) .
عبد القاهر البغدادي : عبد الله بن سبأ الذي غلا في علي بن أبي طالب ، ثمّ قال : إنّ عبد الله بن السوداء من أهل الحيرة كان يعين السبئية على قولها ، وابن السوداء كان على هوى دين اليهود ، فانتسب إلى الرافضة السبئية حين وجدهم أعرق أهل الأهواء في الكفر ودَلّس ضلالته في تأويلاته(9) .
الذهبي : عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة ، ضال مضل أحسب أنّ علياً حرقه(10) .
الطبري : كان عبد الله بن سبأ يهودياً من صنعاء أمّه سوداء(11) .
هذه الأقوال في عبد الله بن سبأ خمسة منها على أنّ عبد الله بن سبأ هو ابن السوداء وهم : "أحمد عطية الله ، محمّد أبو زهرة ، أحمد أمين ، المقريزي، الطبري" .
وذهب عبد القاهر البغدادي والشعبي ومحمّد فريد وجدي وجماعة من أهل العلم قال عنهم عبد القاهر البغدادي "المحققون من أهل السنة" أنّ ابن السوداء غير عبد الله بن سبأ .
وكما اختلفوا في شخصيته أهو عبد الله بن سبأ أم هو عبد الله بن السوداء أم هو عبد الله بن الأمة السوداء؟ كذلك اختلفوا في أصله؟ ومن أيّ البلاد هو؟
فقد ذهب أحمد عطية الله ، ومحمّد أبو زهرة ، وحسن إبراهيم حسن ، والطبري إلى أنّه من صنعاء .
وذهب ابن حزم إلى أنّه حميري .
وقال آخرون : إنّه من الحيرة .
وكذلك اختلفوا في زمان ظهوره فقال البعض : إنّه ظهر أيام عثمان ، وقال آخرون : إنّه أظهر دعوته أيام علي ، ولم يذكر أحد متى أسلم ، وكيف أسلم؟ وكذلك لم نقف على موته ، وهل مات محروقاً ، حرقهُ الإمام عليّ؟ أمّا الذين قالوا بأنّ الإمام سيّره إلى المدائن ، لم يذكروا أيّ شيء عنه بعد أن سار إليها فهل تاب وأناب ورجع واستغفر أم بقي واستكبر أم مات وقامت قيامته؟ ولم يعيّن أحد سنة لموته غير أحمد عطية الله في موسوعته الإسلامية ، حيث قال : إنه توفى سنة 41هـ .
ثمّ إنّ عبد الله هذا اسم عربي خالص لم يعرف إلاّ عند العرب ، وكذلك سبأ فقد كانوا قديماً يقولون لكل عربي (سبائي) ، وليس أحد من العرب إلاّ ويعرف اسم أبيه وجدّه وأجداده من بعده ، وهذه خاصة بالعرب وحدهم ، وليس أحد من العرب إلاّ يسمي آباءه أباً فأباً ، حاطوا بذلك أحسابهم ، وحفظوا به أنسابهم ، فلا يدخل رجل في غير قومه ، ولا ينسب إلى غير نسبه ، ولا يدعى لغير أبيه(12) .
والنتيجة رجل باسمين أو اسمين لرجلين ، من الحيرة تارة ، ومن صنعاء تارة أخرى ، ومن حمير تارة ثالثة ، أو من عموم اليمن كلها ، ولم يعرف سادتنا متى ولد ، او متى أسلم ، ولماذا سمي بابن السوداء ، فهل صحب أمّه معه حيث سار حتّى غلبت سمتها على اسمه فعرف به ، فهم ولا يعرفون اسمه على وجه الدقة رغم أنّهم يعرفون اسم كلب أصحاب الكهف ، وأسماء من في الكهف موجودة في كتب التفسير ، ومجالس العرب ، وكان البحث عن أسمائهم أمراً بالغ الصعوبة والتحري ، فهل كلب أصحاب الكهف من المهم معرفته حتّى تتثبت الأمّة ، فبحثوا ودققوا؟! وأنّ أمر ابن سبأ كان من الهيّن ، فلم يتحققوا من النقل والضبط ، وغفلوا ، وضيّعوا ما هم عنه مسؤولون ، وعن هذا الذي هو ابن سبأ إن كان بريء فلماذا اتّهموه ، وإن كان متّهم فلماذا تركوه يفتن الأمّة ، مع أنّهم ضربوا المعارضين بمنتهى الشدّة ، وهم من خيرة الصحابة كعمار وابن مسعود وغيرهم ، هذا ما لم نعرفه ، والقوم ليس عندهم جواب على ذلك .
____________
1- محمّد فريد وجدي ، دائرة معارف القرن العشرين ، 5/17 بتصرف واختصار .
2- أحمد عطية الله ، القاموس الإسلامي ، 3/222 .
3- محمد أبو زهرة، تاريخ المذاهب الاسلامية، 1/35 .
4- المرجع السابق ، 1/45 .
5- أحمد أمين ، فجر الإسلام ، ص403 .
6- حسن إبراهيم حسن ، تاريخ الإسلام السياسي ، ص252 .
7- المقريزي ، الخطط ، 4/175 ، باختصار .
8- ابن حزم ، الفصل في الملل والنحل ، 4/142 ، باختصار .
9- عبد القادر البغدادي ، الفرق بين الفرق ، ص225 وص233 وص235 ، باختصار .
10- الذهبي ، ميزان الاعتدال ترجمة عبد الله بن سبأ (4343) تسلسل عام .
11- محمّد بن جرير ، تاريخ الطبري ، 2/647 .
12- ابن عبد ربه ، العقد الفريد ، ص277 .
عبد الله بن سبأ
- الزيارات: 971