• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الشريف المرتضى

قال يذكر مصرع جده الحسين عليه‌السلام :
أأُسقى نميرّ الماء ثم يلذّ لي
دوركم آل الرسول خَلاء؟
وأنتم كما شاء الشتات ولستم
كما شئتم في عيشةٍ وأشاء
تذادون عن ماء الفرات وكارع
به إبلٌ للغادرين وشاء
تنشرّ منكم في القَواءِ معاشر
كأنهم للمبصرين مُلاء
ألا إن يوم الطف أدمى محاجراً
وأدوى قلوباً ما لهنّ دواء
وإن مصيبات الزمان كثيرة
ورب مصابٍ ليس فيه عزاء
أرى طخيةً فينا فأين صباحها
وداء على داءِ فأين شفاء؟
وبين تراقينا قلوب صديئة
يراد لها لو أعطيته جلاءُ
فيما لائماً في دمعتي أو « مفنداً »
علي لوعتي واللوم منه عناء؟
وهل لي سلوان وآل محمد
شريدهم ما حان منه ثواء
تصدّ عن الروحات أيدي مطيهم
ويزوى عطاء دونهم وحُباء
كأنهم نسل لغير محمدٍ
ومن شعبه أو حزبه بعداءُ
فيا أنجماً يهدى الى الله نورها
وإن حال عنها بالغبي غباءُ
فإن يك قوم وصلة لجهنم
فأنتم الى خُلد الجنان رشاءُ
دعوا قلبي المحزون فيكم يهيجه
صباح على أُخراكم ومساء
فليس دموعي من جفوني وإنما
تقاطرن من قلبي فهنّ دماء
اذا لم تكونوا فالحياة منية
ولا خير فيها والبقاء فناء
وإما شقيتم في الزمان فإنما
نعيمي اذا لم تلبسوه شقاء
لحا الله قوماً لم يجازوا جميلكم
لأنكم أحسنتم وأساؤا
ولا انتاشهم عند المكاره منهض
ولا مسهم يوم البلاء جزاء
سقى الله أجداثاً طوين عليكم
ولا زال منهلاً بهن رواء
يسير إليهن الغمام وخلفه
رماجر من قعقاعِه وحُداء
كأن بواديه العشار تروحت
لهنّ حنينٌ دائمٌ ورغاء
ومَن كان يسقى في الجنان كرامة
فلا مسّه من [ ذي ] السحائب ماء (١)
وقال يرثي جده الحسين عليه‌السلام ويستنهض المهدي عليه‌السلام لثاره في الأنام :
قف بالديار المقفرات
لعبت بها أدي الشتات
فكأنهن هشائم
بمرور هوج العاصفات
فإذا سألت فليس تسـ
ـأل غير صمٍ صامتات
خرسٍ يخلن من السكو
تِ بهن هام المصغيات
عج بالمطايا الناحلا
تِ على الرسوم الماحلات
الدارسات الفانيا
ت شبيهة بالباقيات
واسأل عن القتلى الألى
طرحوا على شطّ الفرات
شُعثٌ لهم جُممٌ عصيـ
ـن على أكف الماشطات
وعهودهن بعيدة
بدهان ايدٍ داهنات
نسج الزمان بهم سرا
بيلاً بحوك الرامسات (١)
تطوى وتُمحى عنهم
محواً بهطل المعصرات
فهم لأيدٍ كاسيا
ت تارة أو معريات
ولهم أكفّ ناضرا
تٌ بين صمٍ يابسات
ما كن إلا بالعطا
يا والمنايا جاريات
كم ثَمّ من مهجٍ سقيـ
ـن الحتف للقوم السرات
والى عصائب ساريا
ت في الدآدي عاشيات (٢)
غرثان إلا من جوّى
عريانَ إلا من أذاةِ
وإذا استمد فمن
أكف بالعطايا باخلات
واذا استعان على خطو
بٍ أو كروب كارثات
فبكلّ مغلولِ اليديـ
ـن هناكَ مفلول الشّباة
قل للألى حادوا وقد
ضلوا الطريق عن الهداة
وسروا على شعب الركا
ئب في الفلاة بلا حداة
نامت عيونكم ولـ
ـكن عن عيون ساهرات
وظننتم طول المدى
يمحو القلوب من التِرات
هيهات إن الضغن
توقده الليالي بالغداة
لا تأمنوا غض النوا
ظر من قلوب مرصدات
إن السيوف المُعريا
ت من السيوف المغمدات
والمثقلات المعييا
 من الأمور الهيّنات
والمصميات من المقا
تل هنّ نفس المخطئات
وكأنني بالكمت تردى
في البسيطة بالكماة (٣)
وبكل مقدام على الأ
هوال مرهوب الشذاة
ومثقفٍ مثل القنا
ة أتى المنية بالقناة
أو مرهف ساقت إليـ
ـه ردىً « شفارُ » المرهفات
كرهوا الفرار وهم على
« أقتادِ نُجبٍ » ناجيات
يطوينَ طيّ الأتحميّ
لهنّ أجواز الفلات
وتيقّنوا أن الحيا
ة مع المذلّة كالممات
ورزية للدين ليـ
ـست كالرزايا الماضيات
تركت لنا منها الشوى
ومضت بما تحت الشواة
يا آل أحمد والذيـ
ـنَ غدا بحبّهم نجاتي
ومنيتي في نصرهم
أشهى غليّ من الحياة
حتى متى أنتم على
صهوات حُدبٍ شامصات؟ (١)
وحقوقكم دون البريـ
ـة في أكفٍّ عاصيات
وسروبكم مذعورة
وأديمكم للفاريات (٢)
ووليّكم يضحى ويمـ
ـسي في أمور معضلات
يلوى وقد خبط الظلا
مَ على الليالي المقمرات
فإذا اشتكى فالى قلو
بٍ لاهيات ساهيات
قرمٍ فلا شبِعٌ له
إلا بأرواح العداةِ
وكأنه متنمراً
صقرٌ تشرف من عَلاة
والرمح يفتق كلّ نجلاء
كأردان الفتاة
تهمي نجيعاً كاللغا
مِ على شدوق اليعملات (٣)
تؤسى ولكن كلها
أبداً يبرّح بالأساةِ
حتى يعود الحقّ يقـ
ـظاناً لنا بعد السِنات
ولكم أتى من فرجةٍ
قد كان يحسب غير آتٍ
يا صاحبي في يوم عا
شوراء والحِدب المواتي
لا تسقِني بالله فيه
سوى دموعِ الباكيات
ما ذاك يوماً صيّباً
فأسمح لنا بالصيبات
وإذا ثكلت فلا تزر
إلا ديار الثاكلات
وتنحّ في يوم المصيبة
عن قلوبٍ ساليات
ومتى سمعت فمن عويل
للنساء المعولات
وتداوَ من حزنٍ بقلبك
بالمراثي المحزنات
لا عطلت تلك الحفائر
من سلامٍ أو صلاةٍ
وسقين من وكفِ التحية
عن وكيف السارياتِ
ونفحن من عبق الجنا
أريجه بالذاكيات
فلقد طوَين شموسنا
وبدرونا في المشكلات (١)
وقال يرثي الحسين عليه‌السلام في عاشوراء سنة ٤٢٩ هـ :
من عذيرى من سَقامٍ
لم أجد منه طبيبا
وهمومٍ كأوار
النّار يسكنّ القلوبا
وكروبٍ ليتهنّ
اليوم أشبهن الكروبا
وخطوبٍ معضلاتٍ
بتن ينسين الخطوبا
شيبت مني فود
ى ولم آتِ المشيبا
ورمت في غصني
إليبس وقد كان رطيبا
بان عني وتناءى
كل مَن كان قريبا
وتعرّيتُ من
الاحباب في الدنيا عزوبا
وسقاني الدهر من فر
قة من أهوى ذَنوبا (٢)
إن يوم الطف يوم
كان للدين عصيبا
م يدع في القلب مني
للمسرّات نصيبا
إنه يوم نحيبٍ
فالتزم فيه النحيبا
عطّ تامورك واترك
معشراً عطّوا الجيوبا (١)
واهجر الطيب فلم يترك
لنا عاشور طيبا
لعن الله رجالاً
أترعوا الدنيا غُصوبا (٢)
سالموا عجزاً فلما
قدروا شنّوا الحروبا
في المعرّات يهبون
شمالاً وجنوبا
كلما ليموا على عيبهم
ازدادوا عيوبا
ركبوا أعوادنا ظلما
وما زلنا ركوبا
ودعونا فرأوا منا
على البعد مجيبا
يقطع الحزن ويطوى
في الدياجير السهوبا
بمطىٍ لا يبالين
على الأين الدّءوبا
لا ولا ذقن على البعد
كلالاً ولغوبا
وخيولٍ كرِئال الدوّ
ـدوّ يهززن السبيبا (٣)
فأتتونا بجموعٍ
خالها الراءون روبا (٤)
بوجوه بعد إسفا
رٍ تبرقعن العطوبا
فنشبنا فيهم كر
هاً وما نهوى النشوبا
بقلوبٍ ليس يعرفن
خفوقاً ووجيبا
ولقد كان طويل الباع
طعّاناً ضروبا
بالضبا ثم القنا يفري
وريداً وتريبا
لا يرى والحربُ تُغلى
قدرُها منها هيوبا
جرى منّا ومنهم
عندم الطّعن صبيبا
وصلينا من حريق
الطعن والضرب لهيبا
كان مرعانا خصيباً
فبهم عادَ جديبا
لم نكن نألذف لولا
جورهم فينا خطوبا
لا ولا تبصر عين
في ضواحينا ندوبا (١)
طلبوا أوتار « بَدر »
عندنا ظلماً وحوبا
ورأوا في ساحة الـ
الطف وقد فات القليبا
قد رأيتم فأرونا
منكم فرداً نجيبا
أو تقياً لا يرائى
بتقاه أو لبيبا
كلما كنّا رؤوساً
للورى كنتم عجوبا (٢)
ما رأينا منكم بالحق
إلا مستريبا
وصدوقاً فإذا فتّشته
كان كذوبا
وخليعاً خالياً عن
مطمع الخير عزوبا
وبعيداً بمخازيـ
ـهِ وإن كان نسيبا
ليت عوداً من غَشومٍ
حقّنا كان صليبا
وبودّى أن أنّ مَن يأ
صلنا كان ضريبا
في غدٍ ينضب تيّا
رُ لكم فينا نضوبا
ويقئ الباردَ السلال
مَن كان عبوبا
ويعود الخَلقُ الرّث
من الأمر قشيبا
والذي أضحى وأمسى
ناكباً يضحى نكيبا
آل ياسين ومَن فضلهم
أعيا اللبيبا
أنتم أمني لدى الحشر
إذا كنت نخيبا (٣)
انتم كشّفتم لي
بالتباشير الغيوبا
كم رددتم مخلباً
عني حديداً ونيوباً
وبكم « أنجو » إذاعو
جلتُ موتاً أن أنوبا
واليكم جَمحاني
ما حدا الحادون نيبا (٢)
وعليكم صلواتي
مشهداً لي ومغيبا
يا سقى الله قبوراً
لكم زِنّ الكثيبا
حُزنَ خير الناس جدّاً
وأباً ضخماً حسيبا
لقي الله وظنّ
الناس أن لاقى شعوبا
وهو في الفردوس لمّا
قيل قد حلّ الجبوبا (٣)
وقال يرثي جده الحسين عليه‌السلام في يوم عاشوراء سنة ٤١٣ :
لك الليل بعد الذاهبين طويلا
ووفد همومٍ لم يردن رحيلا
ودمعٍ إذا حبسته عن سبيله
يعود هتوناً في الجفون هَطولا
فياليت أسرابَ الدموع التي جرت
أسون كليماً أو شفين غليلا
أُخال صحيحاً كل يومٍ وليلةٍ
ويأبى الجوى ألا أكون عليلا
كأني وما أحببت أهوى ممنّعاً
وأرجو ضنينا بالوصال بخيلا
فقل للذي يبكي نُؤياً ودِمنة
ويندب رسماً بالعراء محميلا
عداني دمٌ لي طلّ بالطف إن أُرى
شجيّاً أُبكّي أربعاً وطلولا
مصابٌ إذا قابلت بالصبر غر به
وجدت كثيري في العزاء قليلا
ورُزءٌ حملت الثقل منه كأنني
مدى الدهر لم أحمل سواه ثقيلا
وجدتم عُداة الدين بعد محمد
الى كلمه في الأقربين سبيلا
كأنكم لم تنزعوا بمكانه
خشوعاً مبيناً في الورى وخمولا
وأيّكم ما عزّ فينا بدينه؟
وقد عاش دهراً قبل ذاك ذليلا
فقل لبني حربٍ وآل أميّةٍ
إذا كنتَ ترضى ان تكون قؤولا
سللتم على آل النبي سيوفه
مُلئن ثُلوماً في الطلى وفلولا
وقُدتم الى مَن قادكم من ضلالكم
فأخرجكم من وادييه خيولا
ولم تغدروا إلا بمن كان جده
اليكم لتحظوا بالنجاة رسولا
وترضون ضد الحزم إن كان ملككم
[ بديناً ] وديناً دنتموه هزيلا
نساء رسول الله عُقر دياركم
يرجّعن منكم لوعة وعويلا
فهنّ ببوغاء الطفوف أعزةٌ
سقوا الموت صرفاً صبيةً وكهولا
كأنهم نوار روضٍ هَوَت به
رياحٌ جنوباً تارةً وقبولا
وأنجمُ ليلٍ ما علون طوالعاً
لأعيننا حتى هبطن أفولا
فأي بدورٍ ما محين بكاسفٍ
واي غصون ما لقين ذبولا
أمن بعد أن اعطيتموه عهودكم
خفافاً الى تلك العهود عجولا
رجعتم عن القصد المبين تناكصاً
وحُلتم عن الحق المنير حؤولا
وقعقعتم أبوابَه تختلونه
ومَن لم يرد ختلاً أصاب ختولا
فما زلتم حتى أجاب نداءكم
وأيّ كريم لا يجيب سَؤولا؟
فلما دنا ألفاكم في كتائب
تطاولن أقطار السباسب طولا
متى تك منها حجزةٌ أو كحجزة
سمعت زُغاءً « مضعفاً » وصهيلا
فلم يُرَ إلا ناكثاً أو منكبّاً
وإلا قطوعاً للذمام حلولا
وغلا قعوداً عن لمام بنصره
وإلا جَبوهاً بالردى وخذولا
وضغن شغافٍ هبّ بعد رقاده
وأفئدةً ملأى يفضنَ ذُحولا
وبيضاً رقيقات الشفار صقيلةً
وسمراً طويلات المتون عُسولا
ولا انتم أفرجتم عن طريقه
إليكم ولا لما أراد قُفولا
عزيزٌ على الثاوي بطيبة أعظم
أنبذن على أرض الطفوف شُكولا
وكل كريم لا يلم بريبة
فإن سيم قول الفحش قال جميلا
يذادون عن ماء الفرات وقد سُقوا الـ
ـشهادة من ماء الفرات بديلاً
رُموا بالردى من حيث لا يحذرونه
وغرّوا وكم غر الغفول غفولا
يا يوم عاشوراء كم من فجيعة
على الغُر آل الله كنت نزولا!
دخلت على بياتهم بمصابهم
ألا بئسما ذاك الدخول دُخولا
نزعت شهيد الله ما وإنما
نزعت يميناً أو قطعت قليلا
قتيلا وجدنا بعده دين احمد
فقيداً وعز المسلمين قتيلا
فلا تبخسوا بالجور مَن كان ربّه
برجعِ الذي نازعتموه كفيلا
أُحبكم آسل النبي ولا أرى
وإن عذلوني عن هواي عديلا
وقلت لمن يُلحي على شغفي بكم
وكم غير ذي نصحٍ يكون عذولا
روَيدكم لا تنحلوني ضلالكم
فلن تُرحلوا مني الغداةَ ذلولا
عليكم سلام الله عيشاً وميتةً
وسَفراً تطيعون النوى وحلولا
فما زاغ قلبي عن هواكم ، وأخمَصى
فلا زلّ عما ترتضون زليلا
السيد مرتضى علم الهدى المولود سنة ٣٥٥ والمتوفى سنة ٤٣٦.
هو ذو المجد بن ابو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الامام موسى الكاظم عليه‌السلام مفخرة العصور ومعجزة الدهور ، نواحي فضله زاخرة بالعظمة ، فهو إمام الفقه ومؤسس أصوله ، واستاذ الكلام ونابغة الشعر وراوية الحديث وبطل المناظرة والقدوة في اللغة وبه الاسوة في العلوم العربية كلها وهو المرجع في كتاب الله العزيز ، وجماع القول انك لا تجد فضيلة الا وهو ابن بجدتها أضف الى ذلك نسبه الوضاح وأواصره النبوية الشذية ومآثره العلوية وحسبك شاهداً مؤلفاته السائرة مسير الأمثال.
يلقب بالمرتضى ، والأجل الطاهر ، وذي المجدين ، ولقّب بعلم الهدى سنة ٤٢٠ وذلك ان الوزير أبا سعيد محمد بن الحسن بن عبد الرحيم مرض في تلك السنة فرأى في منامه امير المؤمنين عليه‌السلام يقول له :
قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ. فقال : يا أمير المؤمنين ومَن علم الهدى ، فقال علي بن الحسين الموسوي : فكتب اليه فقال رضي‌الله‌عنه : الله الله في أمرى فإن قبولي لهذا اللقب شناعة عليّ فقال الوزير : والله ما كتبت اليك إلا ما أمرني به أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).
وكان يلقب بالثمانين لما كان له من الكتب ثمانون الف مجلد ، ومن القرى ثمانين قرية تجبى اليه ، وكذلك من غيرهما حتى أن مدة عمره كانت ثمانين سنة وثمانية أشهر ، وصنف كتاباً يقال له الثمانون. ومن تصانيفه المشهورة منها الشافي في الامامة لم يصنف مثله في الإمامة وكتاب الشيب والشباب وكتاب لغرر والدرر وله ديوان شعر يزيد على عشرين الف بيت وقد طبع اخيراً في بغداد وقد قيل : لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس ، ولولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس. قال آية الله العلامة : وبكتبه استفادت الإمامية منذ زمنه رحمه‌الله الى زماننا هذا وهو سنة ٦٩٣ وهو ركنهم ومعلّمهم قدس الله روحه وجزاه عن أجداده خيراً. انتهى.
وذكره الخطيب في تاريخ بغداد واثنى عليه وقال : كتبت عنه وعن جامع الأصول انه عده ابن الأثير من مجددي مذهب الإمامية في رأس المائة الرابعة.
قال ابن خلكان في وصف علم الهدى : كان نقيب الطالبيين وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر وهو أخو الشريف الرضي وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين وله الكتاب الذي سماه ( الغرر والدرر ) وهي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع في الاطلاع على العلوم وذكره ابن بسام في أواخر كتاب الذخيرة فقال :
كان هذا الشريف إمام أئمة العراق اليه فزع علماؤها ومنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها وجماع شاردها وأنسها ، ممن سارت أخباره وعرفت به أشعاره وتصانيفه في أحكام المسلمين ممن يشهد انه فرع تلك الأصول ومن ذلك البيت الجليل ، وأورد له عدة مقاطيع. اقول وأمه هي فاطمة بنت الحسين ابن احمد بن الحسن بن الناصر الاصم وهو ابو محمد الحسن بن علي بن عمر الأشرف ابن علي بن أبي طالب وهي ام اخيه ابي الحسن الرضي.
حكي عن القاضي التنوخي صاحب السيد المرتضى انه قال : إن مولد السيد سنة ٣٥٥ وخلف بعد وفاته ثمانين الف مجلد من مقررآته ومصنفاته ومحفوظاته ومن الأموال والأملاك ما يتجاوز عن الوصف ، وصنف كتاباً
يقال له الثمانين وخلّف من كل شيء ثمانين وعمّر احدى وثمانين سنة من أجل ذلك سمي الثمانيني وبلغ في العلم وغيره مرتبة عظيمة قُلّد نقابة الشرفاء شرقاً وغرباً وإمارة الحاج والحرمين والنظر في المظالم وقضاء القضاء وبلغ على ذلك ثلاثين سنة. انتهى.
وفي أمل الآمل مولده في رجب وتوفي في شهر ربيع الأول ، وفي روضات الجنات لخمس بقين منه وذكر قسماً من مؤلفاته ومنها : التنزيه في عصمة الأنبياء ، الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة ، إنقاد البشر من القضاء والقدر وقال :
وذكره الشيخ في الفهرست واثنى عليه وذكر من مؤلفاته ثمانياً وثلاثين وكذلك النجاشي والعلامة.
وقال صاحب روضات الجنات : كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلا وعلما وكلاماً وحديثاً وشعراً وخطابة وجاها وكرماً الى غير ذلك. قرأ هو وأخوه الرضى على ابن نباتة صاحب الخطب وهما طفلان ، ثم قرأ كلاهما على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس‌سره وكان المفيد رأى في منامه أن فاطمة الزهراء عليها‌السلام دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولدها الحسن والحسين عليهما‌السلام وهما صغيران فسلّمتهما اليه وقالت : علّمهما الفقه ، فانتبه الشيخ وتعجب من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها علي المرتضى ومحمد الرضي صغيرين فقام اليهما وسلّم عليهما فقالت له : ايها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما اليك لتعلمهما الفقه فبكى الشيخ وقصّ عليه المنام وتولى تعليمهما وأنعم الله عليهما وفتح الله لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر.
وكان رحمه‌الله نحيف الجسم حسن الصورة كما في روضات الجنات وقال :
انت وفاته رحمه‌الله لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة وصلى عليه ابنه ابو جعفر محمد ، وتولى غسله أبو الحسين أحمد بن الحسين النجاشي ومعه الشريف ابو يعلى محمد بن جعفر الجعفري وسلار بن عبد العزيز الديلمي ودفن أولا في داره ثم نقل الى جوار جده الحسين ودفن في مشهده المقدس مع أبيه وأخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة.
وقال سيدنا العلامة الطباطبائي في كتابه ( الفوائد الرجالية ) عند ذكره للسيد المرتضي بعد التعظيم له. وفي زهر الرياض للحسين بن علي بن شدقم الحسيني المدني صاحب مسائل شيخنا البهائي قال : وبلغني ان بعض قضاة الاروام وأظنه سنة ٩٤٢ نبش قبره فرأه كما هو لم تغيّر الأرض منه شيئاً وحكى مَن رأه أن أثر الحِنّاء في يديه ولحيته وقد قيل ان الارض لا تغيّر أجساد الصالحين.
قلت والظاهر أن قبر السيد وقبر أبيه وأخيه في المحل المعروف بإبراهيم المجاب وكان ابراهيم هذا هو جد المرتضى وحفيد الإمام موسى عليه‌السلام ، وصاحب أبي السرايا الذي ملك اليمن والله أعلم. أنتهى.
قال يذكر جده الحسين عليه‌السلام ومن قتل معه :
يا دارُ دارَ الصَوم القُوّم
كيف خلا أفقك من أنجم
عهدي بها يرتع سكّانُها
في ظلّ عيشٍ بينها أنعَم
لم يُصبحوا فيها ولم يغبُقوا
إلا بكأسى خمرَة الأنعَم
بكيتها من أدمُعٍ لو أبَت
بكيتها واقعة من دم
وعُجت فيها راثياً أهلها
سَواهم الأوصال والمَطلم
نَحَلن حتّى حالهنّ السُرى
بعض بقايا شَطَنٍ مُبرَم
لم يدعِ الإسآدُ هاماتها
إلا سقيطاتٍ على المَنسٍم
يا صاحبي يوم أزالَ الجَوى
لحمى بخّدى عن الأعظم
« داويت » ما أنت به عالمٌ
ودائي المعضل لم تعلم
ولستُ فيما أنا صَبّ به ،
مَن قَرَن الساليَ بالمُغرَم؟
وَجدى بغير الظن سيّارةً
من مَخرِم ناء إلى مَخرم
ولا بلفّاء هضيم الحشا
ولا بذات الجيد والمعصَم
فاسمع زفيرى عند ذكر الأُلى
بالطفّ بين الذئب والقشعم
طَرحى فإمّا مقعَص بالقنا
أو سائل النفس على مخذَم
نَثرٌ كدُرٍ بَدَدٍ مُهمَلٌ
لغفلة السلك فلم يُنظَم
كأنّما الغَبراء مَرميّة
من قبل الخضراء بالأنجُم
دُعوا فجاءوا كَرَماً منهم
كم غرّ قوماً قَسَم المُقسم
حتى رأوها أخريات الدجى
طوالعاً من رَهَجٍ أقتَم
كأنهم بالصّم مطرورة
لمنجد الأرض على مُتهِم
وفوقها كلّ مغَيظ الحشا
مُكتَحل الطرف بلون الدم
كأنه من حَنَقٍ أجدَلٌ
أرشده الحرص إلى مَطعم
فاستقبلوا الطعنَ إلى فتيَةٍ
خوّاض بحرالحذر المفعَم
من كلّ نهّاضٍ بثقل الأذى
موكّل الكاهل بالمُعظَم
ماضٍ لِما أمّ فلو جاد في الـ
ـهيجاء بالحوباء لم يَندم
وكالفٍ بالحرب لو أنه
أُطعم يوم السّلم لم يطعمِ
مثلّم السيف ومن دونه
عرض صحيح الحد لم يثلم
فلم يزالوا يُكرعون الظبا
بين تراقي الفارس المُعلم
فمثخَنٌ يحملُ شهّاقة
تحكى لراءِ فُغرةَ الاعلم
كأنما الوَرس بها سائل
أو أنبتت من قُضُبِ العَندَم
ومستزلّ بالقنا عن قَرا
عبل الشوى أو عن مَطا أدهم
لو لم يكيدوهم بها كيدة
لانقلبوا بالخزى والمرغم
فاقتضبت بالبيض أرواحهم
في ظل ذاك العارض الأسحم
مصيبةٌ سيقت إلى أحمدٍ
ورَهطِهِ في الملأ الاعظم
رزءٌ ولا كالرُزء من قبله
ومؤلمٌ ناهيك من مؤلم
ورميةٌ أصمت ولكنها
مصميةٌ من ساعدٍ أجذم
قل لبني حربِ ومن جمعوا
من جائرٍ عن رشده أوعم
وكلّ عان في إسارى الهوى
يُحسب يَقظان من النوم
لا تحسبوها حُلوةً إنها
أمرّ في الحلق من العلقم
صرّعهم أنهم أقدموا
كم فُدي المحجم بالمقدم
هل فيكم إلا أخو سَوءَةٍ
مُجرّحُ الجلد من اللُوّم
إن خاف فقراً لم يجُد بالندى
أو هاب وشكَ الموت لم يُقدم
يا آل ياسين ومَن حُبهم
منهجُ ذاك السنن الأقوم
مهابطُ الأملاكِ أبياتهم
ومُستقر المنزل المُحكم
فأنتم حُجة رب الورى
على فصيح النطق أو أعجم
وأين؟ إلا فيكم قُربةٌ
الى الاله الخالق المنعم
والله لا أخليتُ من ذكركم
نَظمي ونثري ومرامي فمي
كلا ولا أغبَبتُ أعداءكم
من كّلمي طوراً ومن أسهمي
ولا رُئي يوم مصاب لكم
منكشفاً في مشهدٍ مَبسمي
فإن أرغب عن نصركم برهة
بمرهفات لم أغب بالفم
صلى عليكم ربّكم وارتوت
قبوركم من مسبل مُثجم
مقعقع تُخجل اصواته
أصوات ليث الغابة المرزم
وكيف أستسقي لكم رحمة
وأنتم رحمة للمجرم؟
وقال يرثي جده الحسين عليه‌السلام ويذكر آل حرب :
خذوا من جفوني ماءها فهي ذُرّف
فما « لكم » إلا الجوى والتلهُّف
وإن أنتما استوقفتما عن مَسيلها
غُروب مآقينا فما هنّ وقف
كأن عيوناً كن زوراً عن البكا
غصون مَطيرات الذُرى فهي وكفّ
دعا العذل والتعنيف في الحزن والأسى
فما هجر الأحزان إلا المعنّف
تقولون لي صبرا جميلاً وليس لي
على الصبر إلا حسرة وتلهف
وكيف أطيق الصبر والحزن كلما
عنفتُ به يقوى عليّ وأضعف
ذكرت بيوم الطف أوتاد أرضه
تهبّ بهم للموت نكباء حرجف
كرامٌ سُقوا ماء الخديعة وارتووا
وسيقوا الى الموت الزُؤام فأوجفوا
فكم مُرهَفٍ فيهم ألم بحدّه
هنالك مسنونُ الغرارين مُرهفُ
ومعتدل مثل القناة مثقفٍ
لواه الى الموت الطويل المثقّف
قَضَوا بعد أن قضّوا منىً من عدوّهم
ولم ينكلوا يوم الطعان ويضعفوا
وراحوا كما شاء لهم أريحيّهٌ
ودَوحَةُ عزٍّ فرعُها متعطّف
فإن ترهم في القاع نَثراً فشملهم
بجنّات عدنٍ جامعٌ متألّف
إذا ما ثنوا تلك الوسائد مُيّلاً
أديرَت عليهم في الزجاجة قرقف
وأحواضهم مورودة فغدّوهم
يُحَلا واصحاب الولاية ترشُف
فلو أنّني شاهدتهم أو شَهِدتهم
هناك وأنياب المنيّةِ تَصرف
لدافعت عنهم واهباً دونهم دمي
ومَن وهب النفس كريمة منصف
ولم يك يخلو من ضرابي وطعنتي
حسامٌ ثليمٌ أو سِنانٌ مقصّفٌ
فيا حاسديهم فضلَهم وهو باهر
وكم حسد الأقوام فضلاً وأسرفوا!
دعوا حلباتِ السبق تمرح خيلُها
وتغدو على مضمارها تتغطرف
ولا تزحفوا زحف الكسير إلى العلا
فلن تلحقوا وللصّلال « التزحف »
وخلوا التكاليف التي لا تفيدكم
فما يستوي طبعٌ نبا وتكلّف
فقد دام إلطاطٌ بهم في حقوقهم
وأعوز إنصاف وطال تحيف
تناسيتم ما قال فيهم نبيّكم
كأن مقالاً قال فيهم محرّف
فكم لرسول الله في الطف من دمٍ
يراق ومن نفس تمات وتتلف
ومن ولدٍ كالعين منه كرامةً
يقاد بأيدي الناكثين ويعسف
عزيزٌ عليه أن تُباع نساؤه
كما بيع قطع في عكاظ وقرطف
يُذَدن عن الماء الرواءِ وترتوى
من الماء أجمالٌ لهم لا تكفكف
فيا لعيونٍ جائرات عن الهدى
ويا لقلوبٍ ضغنها متضعّف
لكم أم لهم بيتٌ بناه على التبقى
وبيتٌ له ذاك الستار المسجّف
به كل يوم من قريشٍ وغيرها
جهيرٌ ملبٍّ أو سريع مطوّف
إذا زارَه يوماً دلوحٌ بذنبهِ
مضى وهو عريانُ الفرا متكشّف
وزمزم والركُب الذي يمسحونه
وأيمانهم من رحمة الله تنطف
ووادي منى تهدى إليه نحائرٌتكبّ على الأذقان قسراً فتحتف (١)
وجمعٌ وما جمعٌ لمن ساف تُربه
ومن قبله يوم الوقوف المعرّف
وأنتم نصرتم أم هم يوم خيبرٍ
نبيّكم حيث الأسنة ترعف؟
فررتم وما فرّوا وحدتم عن الردى
وما عنه منهم حائد متحرّف
فحصنٌ مشيدٌ بالسيوف مهدّم
وبابٌ منيع بالأنامل يُقذَف
توقفتم خوف الردى عن مواقف
وما فيهم من خيفةٍ يتوقّف
لهم دونكم في يوم بَدرٍ وبعدها
بيوم حنين كلّما لا يزحلف
فقل لبني حرب وإن كان بيننا
ن النسب الداني مرائر تحصف
أفي الحقّ أنّا مخرجوكم إلى الهدى
وأنتم بلا نهجٍ إلى الحق يعرف؟
وإنّا شَببنا في عِراص دياركم
ضياءً وليل الكفر فيهنّ مُسدف
وإنّا رفعناكم فأشرف منكم
بنا فوق هامات الأعزّة مِشرف
وها أنتم ترموننا بجنادل
لها سُحُبُ ظلماؤها لا تُكشّف
لنا منكم في كلّ يومٍ وليلة
قتيل صريع أو شريد مخوّف
فخرتم بما ملّكتموه وإنكم
سِمان من الأموال إذ نحن شُسّف (١)
وما الفخر ـ يا مَن يجهل الفخر للفتى ـ
قميص موشّى أو رداءٌ مفوّف
وما فخرنا إلا الذي هبطت به الـ
ـملائك أو ما قد حوى منه مُصحف
يقرّ به مَن لا يطيق دفاعَه
ويعرفه في القوم مَن يتعرّف
ولمّا ركبنا ما ركبنا من الذُرا
وليس لكم في موضع الردف مردف
تيقنتم أنّا بما قد حويتم
حقّ وأولى في الأنام وأعرف
لكن أمراً حاد عنه محصّل
وأهوى إليه خابط متعسف
وكم من عتيقٍ قد نبا بيمينه
حسامُ وكم قطّ الضريبة مقرف (١)
فلا تركبوا أعوادَنا فركوبها
لمن يركب اليوم العبوس فيوجف
ولا تسكنوا أوطاننا فعراصنا
ميل بكم شوقاً إلينا وترجف
ولا تكشفوا ما بيننا من حقائد
طواها الرجال الحازمون ولفّفوا
وكونوا لنا إمّا عدوّاً مجملاً
وإما صديقاً دهره يتلطف
فللخير إن آثرتم الخير موضعٌ
وللشرّ إن أحببتم الشر موقف
عكفنا على ما تعلمون من التقى
وأنتم على ما يعلم الله عكّف
لكم كل موقوذ بكظّة بطنه
وليس لنا إلا الهضيم المخفف
الى كم أداري مَن أُداري من العِدا
وأهدن قوماً بالجميل وألطف؟
تلاعب بي ايدي الرجال وليس لي
من الجور مُنجٍ لا ولا الظلم منصف
وحشو ضلوعي كل نجلاءَ ثرّةٍ
متى ألّفوها اقسمت لا تألف
فظاهرها بادي السريرة فاغرٌ
وباطنها خاوي الدخيلةِ أجوف
إذا قلتُ يوماً قد تلاءم جرحها
تحكك بالأيدي عليّ وتقرف
فكم ذا ألاقي منهم كل رابح
وما أنا إلا أعزل الكف أكتف
وكم أنا فيهم خاضعٌ ذو استكانة
كأني ما بين الأصحّاء مُدنف
اقاد كأني بالزمام مُجلّب
بطيء الخطا عاري الأضالع أعجف
وأرسِف في قيد من الحزم عنوةً
ومن ذيدَ عن بسط الخطا فهو يرسف
ويلصق بي من ليس يدري كلالة
وأحسَبُ مضعوفاً وغيري المضعّف
وعدنا بما منّا عيون كثيرة
شخوص الى إدراكه ليس تطرف
وقيل لنا حان المدا فتوكفوا
فيا حججاً لله طال التوكف
فحاشا لنا من ريبةٍ بمقالكم
وحاشا لكم من أن تقولوا فتخلفوا
ولم أخشَ إلا من معاجلة الردى
فأصرف عن ذاك الزمان وأُصدف
قال رضي‌الله‌عنه يرثي الحسين عليه‌السلام في يوم عاشوراء « سنة ٤٢٧ »
أما ترى الربع الذي اقفرا
عراهُ من ريب البلى ما عَرا؟
لو لم أكن صبّا لسكانه
لم يجر من دمعي له ما جرى
رأيته بعد تمامٍ له
مقلباً أبطنه أظهرا
كأنني شكا وعلماً به
أقرأ من أطلاله أسطرا
وقفت فيه أينقاً ضمّراً
شذّب من أوصالهن السُرى
لي بأناس شُغلٌ عن هوى
ومعشري أبكى لهم معشرا
أجل بأرض الطف عينيك ما
بين أناس سربلوا العثيرا
حكّم فيهم بغيُ أعدائهم
عليهم الذًُؤبان والأنسرا
تخال من لألاء أنوارهم
ليل الفيافي لهم مقمرا
صرعى ولكن بعد أن صَرّعوا
وقطّروا كلّ فتىً قطّرا
لم يرتضوا درعاً ولم يلبسوا
بالطعن إلا العَلَق الأحمرا
من كلّ طيّان الحشا ضامرٍ
يركب في يوم الوغى ضمّرا
قل لبني حربٍ وكم قولةٍ
سطّرها في القوم من سطرا
تهتم عن الحق كأن الذي
أنذركم في الله ما أنذرا
كانّه لم يقركم ضُلّلا
عن الهدى القصد بأمّ القرى (١)
ولا تدرّعتم بأثوابه
من بعد أن أصبحتم حُسرا
ولا فريتم أدماً « مرّةً »
ولم تكونوا قط ممن فرى
وقلتم : عنصرنا واحدٌ ؛
هيهات لا قربى ولا عنصرا!
ما قدم الأصل أمرءاً في الورى
أخرّه في الفرع ما أخّرا
غرّكم بالجهل إمهالكم
حلأتم بالطف قوماً عن الـ
ـماء فحلّئتم به الكوثرا
فإن لقوا ثَمّ بكم منكراً
فسوف تلقون بهم منكرا
في ساعة يحكم في أمرها
جدُهم العدل كما أُمّرا
وكيف بعتم دينكم بالذي أسـ
نزره الحازم وأستحقرا
لولا الذي قدّر من أمركم
وجدتم شأنكم احقرا
كانت من الدهر بكم عثرةٌ
لا بد للسابق أن يعثرا
لا تفخروا قطّ بشيء فما
تركتم فينا لكم مفخرا
ونلتموها بيعةً فلتةً
حتى ترى العين الذي قدّرا
كأنني بالخيل مثل الدبى
هبّت به نكباؤه صرصرا
وفوقها كل شديد القوى
تخاله من حنق قسورا
لا يمطر السُمر غداة الوغى
الا برشّ الدم إن أمطرا
فيرجع الحق الى أهله
ويقبل الأمر الذي أدبرا
يا حجج الله على خلقه
ومَن بهم أبصر من أبصرا
أنتم على الله إليكم كما
علمتم المبعثَ والمحشرا
فإن يكن ذنبٌ فقولوا لمن
شفعكم في العفو أن يغفرا
إذا توليتكم صادقاً
فليس مني منكر منكرا
نصرتكم قولاً على أنني
لآملٌ بالسيف أن أنصرا
وبين أضلاعي سرّ لكم
حوشي أن يبدو وأن يظهرا
أنظر وقتاً قيل لي بُح به
وحق للموعود أن ينظرا
وقد تبصرتُ ولكنني
قد ضقتُ أن أكظم أو أصبرا
وأيُ قلبٍ حملت حزنكم
جوانح « منه » وما فُطّرا
لا عاش من بعدكم عائش
فينا ولا عُمّر من عمّرا
ولا استقرت قدمٌ بعدكم
قرارة مبدي ولا محضَرا (١)
ولا سقى الله لنا ظامئاً
من بعد أن جنّبتم الأبحرا
ولا علَت رجل وقد زحزحت
أرجلكم عن متنه مِنبرا (١)
وقال رثاء جده الحسين عليه‌السلام :
حلفت بمن لاذت قريش ببيته
وطافوا به يوم الطواف وكبّروا
وبالحصيات اللات يقذفن في منى
وقد أم نحو الجمرة المتجمّر
وواد تذوق البزل فيه حمامها
فليس به إلا الهديّ المعفّر
وجمعٍ وقد حطّت إليه كلا كل
طلائح أضنتها التنائف ضمّر
يخلن عليهنّ الهوادج في الضحى
سفائن في بحر من الآل يزخر
ويوم وقوف المحرمين على ثرىً
تطاح به الزلات منهم وتغفر
أتوه أسارى الموبقات وودّعوا
وما فيهم إلا الطليق المحرّر
لقد كُسرت للدين في يوم كربلا
كسائر لا توسى ولا هي تجبر
فإمّا سبيّ بالرماح مسوّق
وإمّا قتيل في التراب معفّر
وجرحى كما اختارت رماح وأنصل
وصرعى كما شاءت ضباع وأنسر
لهم والدجى بالقاع مرخٍ سدوله
وجوه كأمثال المصابيح تزهر
تراح بريحانٍ وروحٍ ورحمةٍ
وتوبّل من وبل الجنان وتمطر
فقل لبني حربٍ وفي القلب منهم
دفائن تبدو عن قليلٍ وتظهر
ظننتم وبعض الظن عجز وغفلة
بأن الذي أسلفتم ليس يذكر
وهيهات تأبى الخيل والبيض والقنا
مجاري دمٍ للفاطميين يُهدر
ولستم سواءً والذين غلبتم
ولكنها الاقدار في القوم تُقدر
وإن نلتموها دولةً عجرفيّة
فقد نال ما قد نال كسرى وقيصر
وليس لكم من بعد أن قد غدرتم
بمن لم يكن يوماً من الدهر يغدر
سوى لائماتٍ آكلاتٍ لحومكم
وإلا هجاء في البلاد مُسيّر
تقطَع وصل كان منّا ومنكم
ودانٍ من الأرحام يثنى ويسطر
وهل نافع أن فرّقتنا أصولكم
أصول لنا نأوى إليها وعنصر
وعضو الفتى إن شلّ ليس بعضوه
وليس لربّ السرّب سرب مُنَفّر
ولا بد من يومٍ به الجو أغبر
وفيه الثرى من كثرة القتل أحمر
وأنتم بمجتاز السيول كأنكم
هشيم بأيدي العاصفات مطير
فتهبط منكم أرؤوس كنّ في الذُرا
ويخبو لكم ذاك اللهيب المسعّر
ويثأر منكم ثائرٌ طال مطله
وقد تظفر الأيام من ليس يَظفر (١)
وقال يرثي جده الحسين عليه‌السلام ومن قتل من أصحابه :
هل أنت راث لصب القلب معمود
دَوي الفؤاد بغير الخرّد الخود؟
ما شفّه هجر أحبابٍ وإن هجروا
من غير جرمٍ ولا خُلف المواعيد
وفي الجفون قذاة غير زائلةٍ
وفي الضلوع غرامٌ غير مفقود
يا عاذلي ـ ليس وجدٌ بتّ أكتمه
بين الحشى ـ وجد تعنيف وتفنيد
شربي دموعى على الخدين سائلة
إن كان شربك من ماء العناقيد
ونم فإن جفوناً لي مسهدة
عمر الليالي ولكن أي تسهيد؟
وقد قضيتُ بذاك العذل « مأربة »
لو كان سمعي عنه غير مسدود
تلومني لم تصبك اليوم قاذفتي
ولم يعدك كما يعتادني عيدي
فالظلم عذل خليّ القلب ذا شجن
وهجنةٌ لومُ موفور لمجهود
كم ليلة بتّ فيها غير مرتفق
والهمّ ما بين محلول ومعقود
ما إن أحنّ اليها وهي ماضية
ولا أقول لها مستدعياً : عودي
جاءت فكانت كعوّار على بصر
وزايلت كزيال المائد المودي (٢)
فإن يود أناس صبح ليلهم
فإن صبحي صبح غير « مودود »
عشيةٌ هجمت منها مصائبها
على قلوب عن البلوى محاييد
يا يوم عاشور كم طأطأت من بصر
بعد السمو وكم أذللت من جيد
يا يوم عاشورا كم أطردت لي أملاً
قد كان قبلك عندي غير مطرود
أنت المرنق عيشي بعد صفوته
ومولج البيض من شيبي على السود
جُز بالطفوف فكم فيهن من جبل
خر القضاء به بين الجلاميد
وكم جريح بلا آسٍ تمزقه
إما النسور وإما أضبع البيد (١)
وكم سليب رماح غير مستتر
وكم صريع حمام غير ملحود
كأن أوجههم بيضاً « ملألئة »
كواكب في عراص القفرة السود
لم يطعموا الموتَ إلا بعد أن حطموا
بالضرب والطعن أعناق الصناديد
ولم يدعُ فيهم خوف الجزاء غداً
دماً لترب ولا لحماً إلى سيد (٢)
من كل أبلج كالدينار تشهده
وسط النديّ بفضل غير مجحود
يغشى الهياج بكف غير منقبض
عن الضراب وقلب غير مزءود
لم يعرفوا غير بثّ العرف بينهم
عفواً ولا طبعوا إلا على الجود
يا آل أحمد كم تلوى حقوقكم
لي الغرائب عن نبت القراديد (٣)
وكم أراكم بأجواز الفلا جزراً
مبددين ولكن أي تبديد؟
لو كان ينصفكم من ليس ينصفكم
ألقى إليكم مطيعاً بالمقاليد
حُسدتم الفضل لم يحرزه غيركم
والناس « ما » بين محروم ومحسود
جاءوا إليكم وقد أعطوا عهودهم
في فيلق كزهاء الليل ممدود
مستمرحين بأيديهم وأرجلهم
كما يشاءون الركض الضمّر القود (٤)
تهوي بهم كل جرداء مطهمةٍ
هويّ سجل من الأوذام مجدود (٥)
مستشعرين لأطراف الرماح ومن
حدّ الظبا أدرعاً من نسج داود
كأن أصوات ضرب الهام بينهم
أصوات دوحٍ بأيدي الريح مبرود
حمائم الأيكِ تبكيهم على فَنَن
مرنح بنسيم الريح أُملود
نوحي فذاك هدير منك محتسب
على حسين فتعديد كتغريد
أُحبكم والذي طاف الحجيج به
بمبتنى بإزاء العرش مقصود
وزمزمٍ كلما قسنا مواردها
أوفى وأربى على كل المواريد
والموقفين وما ضحوا على عجلٍ
عند الجمار من الكوم « المقاحيد » (١)
وكل نسك تلقاه القبول فما
أمسى وأصبح إلا غير مردود
وارتضى أنني قد متّ قبلكم
في موقف بالردينيات مشهود
جمّ القتيل فهامات الرجال به
في القاع ما بين متروك ومحصود
فقل لآل زياد أيّ معضلة
ركبتموها بتخبيب وتخويد
كيف استلبتم من الشجعان أمرهم
والحربُ تغلي بأوغاد عراديد؟
فرقتم الشمل ممن لف شملكم
وأنتم بين تطريد وتشريد
ومَن أعزكم بعد الخمول ومن
أدناكم مِن أمان بعد تبعيد؟
لولاهم كنتم لحماً لمزدرد
أو خُلسة لقصير الباع معضود
أو كالسقاء يبيساً غير ذي بلل
أو كالجناء سقيطاً غير معمود
أعطاكم الدهر ما لا بد « يرفعه »
فسالب العود فيها مورق العود
ولا شربتم بصفو لا ولا علقت
لكم بنان بأزمان أراغيد
ولا ظفرتم وقد جنّت بكم نوب
مقلقلات بتمهيد وتوطيد
وحوّل الدهر رياناً الى ظمأ
منكم وبدّل محدوداً بمجدود
قد قلت للقوم حطوا من عمائمهم
تحققاً بمصاب السادة الصيد
نوحوا عليه فهذا يوم مصرعه
وعددوا إنها أيام تعديد
فلي دموعٌ تُباري القطر واكفةٌ
جادت وإن لم أقل يا أدمعي جودي (٢)
وقال يرثي الحسين عليه‌السلام في يوم عاشوراء سنة خمس وثلاثين وأربعمائة :
يا ديار الأحباب كيف تحوّلـ
ـتِ قفاراً ولم تكوني قفارا؟
ومحت منك حادثات الليالي
رغم أنفي الشموس والأقمارا
واسترد الزمان منك « وماسا
ور » في ذاك كلّه ما أعارا
ورأتكِ العيون ليلاً بهيماً
بعد أن كنت للعيون نهارا
كم لياليّ فيك همّا طوال
ولقد كنّ قبل ذاك قصارا
لِمَ أصبحت لي ثماداً وقد كنـ
ـتِ لمن يبتغي نداكِ بحارا؟
ولقد كنتِ برهةً لي يميناً
ما توقعتُ أن تكوني يَسارا
إن قوماً حلوك دهراً وولَّوا
أوحشوا بالنوى علينا الديارا
زوّدونا ما يمنع الغمضَ للعين
ـن وينبي عن الجنوب القرار
يا خليلي كن طائعاً لي مادمت
ـت خليلاً وإن ركبتَ الخطارا
ما أبالي فيك الحذار فلا تخشن
إذا ما رضيت عنك حذارا
عُج بأرض الطفوف عيسك وأعقلهن
ـهن فيها ولا تجزهن دارا
وابكِ لي مُسعداً لحزني وأمنحني
ـني دموعاً إن كن فيك غزارا
فلنا بالطفوف قتلى ولا ذنبَ
سوى البغى من عدى وأُسارى
لم يذوقوا الردى جُزافاً ولكن
بعد أن أكرهوا القنا والشّفارا
وأطاروا فَراشَ كلّ رؤوس
وأماروا ذاك النجيع المسمارا
إن يوم الطفوف رنّحنى حُز
ناً عليكم وما شربتُ عقارا
وإذا [ ما ] ذكرتُ منه الذي ما
كنتُ أنساه ضيق الأقطارا
ورمى بي على الهموم وألقى
حَيَداً عن تنعمي وأزورارا
كدتُ لما رأيت إقدامهم فيه
عليكم أن أهتك الأستارا
وأقول الذي كتمتُ زماناً
وتوارى عن الحشا ما توارى
قل لقوم بنوا بغير أساس
في ديارٍ ما يملكون مَنارا
واستعاروا من الزمان وما زا
لت لياليه تستردّ المعارا :
ليس أمرٌ غصبتموه لزاماً
لا ولا منزل سكنتم قرارا
أيّ شيء نفعاً وضراً على ما
عوّد الدهر لم يكن أطوارا؟
قد غدرتم كما علمتم بقومٍ
لم يكن فيهم فتى غرارا
ودعوتم منهم إليكم مجيباً
كرماً منهم وعوداً نضارا
أمنوكم فما وفيتم وكم ذا
آمن من وفائنا الغدارا
ولكم عنهم نجاءٌ بعيد
لو رضوا بالنجاء منكم فرارا
وأتوكم كما أردتم فلما
عاينوا عسكراً لكم جرارا
وسيوفاً طووا عليها أكفّا
وقناً في أيمانكم خطارا
علموا أنكم خدعتم وقد يُخد
عُ مكراً مَن لم يكنَ مكارا
كان من قبل ذاك ستر رقيق
بيننا فاستلبتم الأستارا
وتناسيتم وما قدمَ العهـ
ـد عهوداً معقودة وذمارا
ومقالاً ما قيل رجماً محالاً
وكلاماً ما قيل فينا سرارا
قد سبرناكم فكنتم سراباً
وخبرناكم فكنتم خَبارا (١)
وهديناكم إلى طرق الحق
فكنتم عنا غفولاً حيارى
وأردتم عزاً عزيزاً فما أزدد
تم بذاك الصنيع إلا صغارا
وطلبتم ربحاً وكم عادت الأربا
ح ما بيننا فعدن خسارا
كان ما تضمرون فينا من الشر
ضماراً ، فالآن عاد جهارا
في غدٍ تبصر العيون إذا ما
حُلن فيكم إقبالكم إدبارا
وتودّون لو يفيد تمنٍّ
أنكم ما ملكتم دينارا
لا ولا حزتم بأيديكم في
الناس ذاك الإيراد والإصدارا
عدّ عن معشر تناءوا عن
الحق وعن شعبه العزيز مزارا
لم يكونوا زيناً لقومهم الغُرّ
ولكن شيناً طويلاً وعارا
وكأنّي أثنيكم عن قبيح
بمقالي أزيدكم إصرارا
قد سمعتم ما قال فينا رسول
ـله يتلوه مرة ومرارا
وهو الجاعل الذين تراخوا
عن هوانا من قومه كفارا
وإذا ما عصيتم في ذويه
حال منكم إقراركم إنكارا
ليس عذر لكم فيقبله الـ
الله غداً يوم يقبل الأعذارا
وغررتم بالحلم عنكم وما زيـ
ـدَ جهول بالحلم إلا اغترارا
وأخذتم عما جرى يوم بدر
وحنين فيما تخالون ثارا
حاشَ لله ما قطعتم فتيلاً
لا ولا صرتم بذاك مصارا
إن نور الاسلام ثاوٍ وما اسطا
عَ رجال أن يكسفوا الأنوارا
قد ثللنا عروشكم وطمسنا
بيد الحق تلكم الآثارا
وطردناكم عن الكفر
بالله مقاماً ومنطقاً وديارا
ثم قدناكم إلينا كما قا
دت رعاة الأنعام فينا العشارا
كم أطعتم أمراً لنا واطرحنا
ماتقولون ذلة واحتقارا
وفضلناكم وما كنتم قطّ عن
الطائلين إلا قصارا
كم لنا منكم جروح رغاب
وجروح لما يكنّ جبارا
وضِرارٌ لولا الوصية بالسلـ
ـم وبالحلم خاب ذاك ضرارا
وادعيتم الى نزارٍ وأنى
صدقكم بعد أن فضحتم نزارا
واذا ما الفروع حدنَ عن الأصـ
ـل بعيدا فما قربن نجارا
إن قوماً دنوا إلينا وشبوا
ضَرماً بيننا لهم وأوارا
ما أرادوا إلا البوار ولكن
كم حَمى الله مَن أراد البوارا
فإلى كم والتجرباتُ شعاري
ودثاري الابس الاغمار (١)
وبطيئين عن جميل فإن عنّ
قبيحٌ سعوا له إحضارا
قسماً بالذي تساق له البد
ن ويكسى فوق الستار ستارا
وبقوم أتوا منى لا لشيء
غير أن يقذفوا بها الأحجارا
وبأيد يُرفعن في عرفات
داعيات مخوّلاً غفارا
كم أتاها مخيّب ما يرجى
فانثنى بالغاً بها الأوطارا
والمصلين عند جمع يُرجّو
ن الذي ما استجير إلا أجارا
فوق خوص كللن من بعد أن
بلّغنَ تلك الآماد والأسفارا
وأعاد الهجير والقر والروحا
تُ منها تحت الهجار هجارا
يا بني الوحي والرسالة والتطـ
ـهير من ربهم لهم إكبارا
إنكم خير من تكون له الخضـ
ـراء سقفاً والعاصفات إزارا
وإذا ما شفعتم من ذنوب الـ
ـخلق طراً كانت هباء مطارا
ولقد كنتم لدين رسول
الله فينا الأسماعَ والأبصارا
كم أداري العدا فهل في غيوب
الله يوم أخشى به وأدارى؟
وأصادي اللئامَ دهري فهل يقـ
يقضى بأن بتّ للأكارم جارا؟
وأقاسي الشدات بُعداً وقرباً
وأخوض النغمار ثم الغمارا
وأموراً يعيين للخلق لولا
أنني كنتُ في الاذى صبارا
أنا ظام وليس أنقع أن أبـ
ـصر في الناس ديمة مدرارا
وطموح الى الخيار فما تبـ
صر عيني في الخلق الا الشرارا
ليت أني طِوال هذي الليالي
نلتُ فيهن ساعة إيثارا
وإذا لم أذق من الدهر إحلا
ءً مدى العمر لم أذق إمراراً
مِيّ أنى ليَ أن أقصر اليوم عن كل
الأماني إن أملك الإقصارا؟ (١)
سالياً عن غروس أيدي الليالي
كيف شاءت وقد رأيت الثمارا
أيُ نفعٍ في أن أراها دياراً
خاليات ولا أرى دَيّارا
وسُكارى الزمان بالطمع الكا
ذب فيه أعيوا عليّ السكارى
فسقى الله ما نزلتم من الأر
ض عليه الأنواءَ والأمطارا
وإذا ما اغتدى اليها قطار
فثنى الله للرواح قطارا
ما حدا راكب بركب وما
دبّ مطيّ الفلاة فيها وسارا
لست أرضى في نصركم وقد
حتجتم الى النصر مني الأشعارا
غير أني متى نصرتم بطعن
أو بضربٍ أسابق النصارا
والى أن يزول عن كفي المنـ
ـع خذوا اليوم من لساني انتصارا
واسمعوا ناظرين نصر يميني
بشبا البيض فحليَ الهدّار
فلساني يحكي حسامي طويلاً
بطويل وما الغِرار غِرارا
وأمرنا بالصبر كي يأتي الأمـ
ـر وما كلنا يطيق اصطبارا
وإذا لم نكن صبرنا اختياراً
عن مراد فقد صبرنا اضطرارا
أنا مهما جريت في مدحكم شأ
واً بعيداً فلن أخاف العثارا
وإذا ما رثيتكم بقوافيّ
سراعاً فمُرجَل الحي سارا
عاضني الله في فضائلكم علـ
ـماً بشكٍّ وزادني استبصارا
وأراني منكم وفيكم سريعاً
كل يوم ما يُعجب الأبصارا (١)
وقال يرثي جده الحسين عليه‌السلام في عاشوراء :
يا يوم أيُ شجىً بمثلك ذاقه
عصب الرسول وصفوة الرحمن؟
جرعتهم غصص الردى حتى أرتووا
ولذعتهم بلواذع النيران
وطرحتهم بدداً بأجواز الفلا
للذئب آونةً وللعقبان
عافوا القرارَ وليس غير قرارهم
أو بردهم موتاً بحدّ طعان
منعوا الفرات وصرّعوا من حوله
من تائق للوردِ أو ظمآن
أوَ ما رأيت قراعهم ودفاعهم؟
قدماً وقد أُعروا من الأعوان
متزاحمين على الردى في موقف
حشي الظبا وأسنّة المران
ما إن به إلا الشجاع وطائرٌ
عنه حذار الموت كل جبان
يوم أذلّ جماجماً من هاشمٍ
وسرى الى عدنان أو قحطان
أرعى جميم الحق في أوطانهم
رعي الهشيم سوائم العدوان
وأنار ناراً لا تبوخ وربما
قد كان للنيران لون دخان
وهو الذي لم يبق من دين لنا
بالغدر قائمة من البنيان
يا صاحبيّ على المصيبة فيهم
ومشاركيّ اليوم في احزاني
قوماً خذا نار الصلا من أضلعي
إن شئتما « والماء » من أجفاني
وتعلّما أن الذي كتّمته
حذر العدا يابى على الكتمان
فلو أنني شاهدتهم بين العدا
والكفر مُعلولٍ على الإيمان
لخضبتُ سيفي من نجيع عدوهم
ومحوت من دمهم حجول حصاني
وشفيت بالطعن المبرح بالقنا
داءَ الحقود ووعكة الأضغان
ولبعتهم نفسي على ضننٍّ بها
يوم الطفوف بأرخص الأثمان
وقال يرثي جده الحسين عليه‌السلام :
عرّج على الدارسة القَفر
ومُر دموع العين أن تجري
فلو نهيت الدمع عن سَحّه
والدار وحش لم تطع أمري
منزلة أسلمها للبلى
« عَبرُ » هبوب الريح والقطر
فجِعتُ في ظلمائها عنوةً
بطلعة الشمس أو البدر
لهفان لا من حرّ جمرِ الجوى
سكران لا من نشوَة الخمر
كأنني في جاحمٍ من شجىً
ومن دموع العين في بحر
عُجتُ بها أُنفقُ في آيها
ما كان مذخوراً من الصبر
في فتيةٍ طارت بأوطارهم
« في ذيلهم » أجنحةُ الدهر
ضيموا وسُقّوا في عِراض الأذى
ما شاءت الأعداء من مُرّ
كلّ خميص البطن بادي الطوى
ممتلئ الجلد من الضر
يَبري لِحا صَعدته عامداً
بَريَ العَصا من كان لا يبري
كأنّه من طول أحزانه
يُساق من امنٍ إلى حِذر
أو مفرد أبعده أهله
عن حَيّه من شفق العُر (١)
يا صاحبي في قعر مطويةٍ
لو كان يرضى لي بالقعر
أما تراني بين أيدي العدا
ملآن من غيظ ومن وتر
تسرى إلى جلدي رقش لهم
والشر في ظلمائها يسري
مردّد في كل مكروهةٍ
أنقلٌ من نابٍ إلى ظفر
كأنني نصل بلا مقبض
أو طائر ظل بلا وكر
بالدار ظلماً غير سكانها
وقد قرى من لم يكن يَقري
والسرح يرعى في حميم الحمى
ما شاء من أوراقه الخضر
وقد خبالي الجمرَ في طيّه
لوامعٌ ينذرن بالجمر
لا تبك إن أنت بكيت الهدى
إلا على قاصمة الظهر
وأبكِ حسيناً والأولى صرّعوا
أمامَه سطراً إلى سطر
ذاقوا الردى من بعد ما ذوقوا
أمثاله بالبيض والسُمر
قتل وأسر بأبي منكم
مَن نيل بالقتل وبالأسر
فقل لقومٍ جئتهم دارهم
على مواعيدٍ من النصر
قروكم لمّا حللتم بها
ولا قرى أوعيةَ الغدر
وأطرحوا النهج ولم يَحلفوا
بما لكم في محكم الذكر
واستلبوا إرثكم منكم
من غير حقٍ بيد القسر
كسرتم الدين ولم تعلموا
وكسرة الدين بلا جبر
فيالها مظلمةً أو لجت
على رسول الله في القبر
كانه ما فك أعناقكم
بكفه من ربقِ الكفر!
ولا كساكم بعد أن كنتم
بلا رياشٍ حِبرَ الفخر
فهو الذي شاد بأركانكم
من بعد أن كنتم بلا ذكر
وهو الذي أطلع في ليلكم
من بعد يأس غرّة الفجر
يا عُصب الله ومَن حبهم
مخيّم ما عشت في صدري
ومن أرى « ودهم » وحدَه
« زادي » إذا وُسّدتُ في قبري
وهو الذي أعددته جُنتي
وعصمتي في ساعة الحشر
حتى إذا لم أكُ في نصرةٍ
من أحدٍ كان بكم نصري
بموقف ليس به سلعة
لتاجر أنفق من بِرّ
في كل يوم لكم سيدٌ
يُهدى مع النيب الى النحر
كم لكم من بعد « شمرٍ » مرى
دمائكم في الترب من شمر
ويح « ابن سعدٍ عمرٍ » إنه
باع رسول الله بالنزر
بغي عليه في بني بنته
واستلّ فيهم أنصل المكر
فهو وإن فاز بها عاجلاً
من حطب النار ولا يدري
متى أرى حقّكم عائداً
إليكم في السر والجهر؟
حتى متى أُلوى بموعودكم
أمطل من عام الى شهر؟
لولا هَناتٌ هنّ يلوينني
لبُحتُ بالمكتوم من سرّي
ولم أكن أقنع في نصركم
بنظم أبياتٍ من الشعر
فإن تجلت غمم ركّدٌ
تركنني وعراً على وعَر
رأيتموني والقنا شرّعٌ
أبذل فيهنّ لكم نحري
على مطا طِرفٍ خفيف الشوى
كأنه القِدح من الضُمرِ (١)
تخاله قد قدّ من صخرةٍ
اوجيب اذ حبيب من الحضر (٢)
أعطيكم نفسي ولا أرتضي
في نصركم بالبذل للوفر
وإن يدم ما نحن في أسره
فالله أولى فيه بالعذر
قال في يوم عاشرواء من « سنة ٤٣٠ ».
يا خليلي ومعيني
كلما رمت النُهوضا
داوِ دائي أو فعدني
مع عوّادي مريضا
فقبيح بك أن تَر
فضَ من ليس رفوضا
قد أتى من يوم عاشو
راء ما كان بغيضا
دَع نشيجي فيه يعلو
ودموعي أن تفيضا
وبناني قد خضبن الـ
ـدم من سني عضيضا
وكن الناهض للحر
بِ متى كنت نهوضا
وأجعل الجيب لدمع
من مآقيك مغيصا
إنه يوم سقينا
من نواحيه مضيضا
هزل الدين ومن فيـ
ـه وقد كان نحيضا
ورمت مجهضة من
كان في البطن جهيضا
ودع الأطراب وأسمع
من مراثيه « القريضا »
لا ترد فيه وقد أد
نسنا ثوباً رحيضا
قل لقوم لم يزالوا
في الجهالات ربوضا
غرّهم أنهم سا
دوا وما شادوا بعوضا
في غدٍ بالرغم منكم
ستردّون القروضا
سوف تلقون بناءً
لكم طال نقيضا
والذي يحلو بأفوا
هكم اليوم حميضا
وقباباً أنتم فيـ
ـها وهاداً وحضيضا
واراها عن قريبٍ
كالدبى سوداً وبيضا
وترى للبيض والبيـ
ـض عليهن وميضا
وعلى أكتادها كل
فتىً يلفى جريضا (١)
فبهم يطمع طرف
كان بالامس غضيضا
وبهم يبرأ من كا
ن ـ وقد ضيموا ـ المريضا
وبهم يرقد طرف
لم يكن وجداً غموضا
لأباةٍ دمهم سا
لَ على الأرض غريضا
رفع الرأس على عا
لي القنا يحكي الوميضا
وأنثنى الجسم الجرد الـ
ـخيل بالعَدوِ رضيضا
حاش لي أن أن أتخلى
منهم أو أستعيضا
فسقى الله قبوراً
لهم العذب الغضيضا
وأبت إلا ثرى الأخـ
ـضر والروض الأريضا
وإليهنّ يشدّ الـ
ـقوم هاتيك الغروضا
مانحوهنّ لندب
إنما قضوا فروضا
وحَيوهنّ استلاماً
يترك الأفواه فوضى
وقال يذكر بني أمية ويرثي جده الحسين عليه‌السلام ( وقد سقط أولها ) :
كأنّ معقري مهجٍ كرامٍ
هنالك يعقرون بها العباطا
فقل لنبي زياد وآل حرب
ومَن خلطوا بغدرهم خلاطا :
دماؤكم لكم ولهم دماء
ترويها سيوفكم البَلاطا
كلوها بعد غصبكم عليها انـ
ـتهاباً وازدراداً واستراطا
فما قدّمتم إلا سَفاهاً
ولا أُمرتم إلا غلاطا
ولا كانت من الزمن المُلحّى
مراتبكم به إلا سفاطا
أنحو بني رسول الله فيكم
تقودون المسوّمة السلاطا؟
تثار كما أثرتَ الى معينٍ
لتكرع من جوانبه الغَطاطا
وما أبقَت بها الروحات إلا
ظهوراً أو ضلوعاً او ملاطا
وفوق ظهورها عُصَبٌ غضابٌ
إذا أرضيتم زادوا اختلاطا
كل مرفّع في الجو طاطٍ
ترى أبداً على كنفيه طاطا (١)
إذا شهد الكريهة لا يبالي
أشاط على الصوارم أم أشاطا
وما مد القنا إلا وخيلت
على آذان خيلهم قِراطا
وكم نِعَم لجدّهم عليكم
لقينَ بكم جحوداً أو غماطا
هُم أتكوا مرافقكم وأعطوا
جنوبكم النمارقَ والنماطا
وهم نشطوكم من كل ذُل
حَللتم وسط عَقوتِه انتشاطا
وهم سدوا مخارمكم ومدوا
على شجرات دوحكم اللياطا
ولولا أنهم حدبوا عليكم
لما طُلتم ولا حزتم ضغاطا (٢)
فما جازيتم لهم جميلاً
ولا أمضيتم لهم اشتراطا
وكيف جحدتم لهم حقوقاً
تبين على رقابكم اختطاطا؟
وبين ضلوعكم منهم تراتٌ
كمرخِ القيظِ أُضرم فاستشاطا
ووتر كلما عمدت يمين
لرقعِ خروقِه زدن انعطاطا
فلا نسبٌ لكم أبداً اليهم
وهل قربى لمن قطع المناطا؟
فكم أجرى لنا عاشور دمعاً
وقطّع من جوانحنا النياطا
وكم بتنا به والليل داج
نُميط من الجوى ما لن يُماطا
يُسقّينا تذكره سماماً
ويولجنا توجّعه الوراطا
فلا حديت بكم أبداً ركابٌ
ولا رُفعت لكم أبدا سياطا
ولا رفع الزمان لكم أديماً
ولا ازددتم به إلا نحطاطا
ولا عرفت رؤوسكم ارتفاعاً
ولا ألِفت قلوبكم اغتباطا
ولا غفر الإله لكم ذنوباً
ولا جُزتم هنالِكم الصراطا
وقال يذكر مناقب أهل البيت عليهم‌السلام :
يا آل خير عباد الله كلّهم
« ومَن لهم فوق » أعناق الورى مننُ
كم تُثلمون بأيدي الناس كلهم
وكم تُعرّس فيكم دهرها المحن (١)
وكم يذودُكم عن حقّكم حنقاً
مُمَلأ الصدر بالأحقاد مُضطغن
إن الذين نضوا عنكم تراثكم
لم يغبنوكم ولكن دينهم غَبَنوا
باعوا الجنان بدارٍ لا بقاء لها
وليس لله فيما باعه ثمن
احبّكم والذي صلى الجميع له
عند البناء الذي تُهدى له البُدن
وأرتجيكم لما بعد الممات إذا
وارى عن الناس جَمعاً أعظم جبن
وإن يضلّ أناسٌ عن سبيلهم
فليس لي غير ما أنتم به سَنَن
وما أبالي اذا ما كنتم وضحاً
لناظريّ ، أضاء الخلق ام دجنوا
وأنتم يوم أرمي ساعدي ويدي
وأنتم يوم يرميني العِدا الجَنن
وقال في التوسل الى الله تعالى بأهل البيت صلوات الله عليهم :
أقلني ربي بالذين أصطفيتهم
وقلتَ « لنا » : هم خيرُ من أنا خالقُ
وإن كنت قد قصرتُ سعياً إلى التقى
فإني بهم « إن » شئتَ عندك لاحق
هم أنقذوا لمّا « فزعتُ » إليهم
وقد صمّمت نحوى « النيوب » العوارق
وهم « جذبوا » ضبعى » إليهم من الأذى
وقد طرقت « بابي » الخطوب الطوارق
ولولاهم « مانلتُ » في الدين « حُظوةً »
ولا اتّسَعَت فيه عليّ المضائق
ولا سيّرت فضلي إليها مغاربٌ
ولا طيّرته بينهنّ مشارق
ولا صيّرت قلبي من الناس كلهم
لها وطناً تأوي إليه الحقائق
وقال يفتخر بابائه عليهم‌السلام :
لو لم يعاجله النوى لتحيرا
وقصاره وقد انتأوا أن يقصرا
أفكلما راع الخليط تصوبت
عبرات عين لم تقلّ فتكثرا؟
قد أوقدت حرق « الفراق » صبابة
لم تستعر ومرين دمعاً ما جرى
« شعفٌ » يكتمه الحياء ولوعة
خفيت وحق لمثلها أن يظهرا
« وأبى » الركائب لم يكن « ماعلنه »
صبراً ولكن كان ذاك تصبّرا
لبين داعية النوى فاريننا
بين القباب البيض موتاً أحمرا
وبعدن بالبين المشتت ساعة
« فكأنهن » بعدن عنا أشهرا
عاجوا على ثمد البطاح وحبهم
أجرى العيون غداة بانوا أبحرا
وتنكبوا وعرَ الطريق وخلفوا
ما في الجوانح من هواهم أوعرا
أما السلو فإنه لا يهتدى
قصد القلوب وقد حشين تذكرا
قد رمت ذاك فلم أجده وحق من
فقد السبيل إلى الهدى أن يعذرا
أهلاً بطيف خيال مانعة « الحبا »
يقظى ومفضلة علينا في الكرى
ما كان أنعمنا بها من زورة
لو باعدت وقت الورود المصدرا!
جزعت لوخطات المشيب وإنما
بلغ الشباب مدى الكمال فنوّرا
والشيب إن « فكرت » فيه موردٌ
لا بدّ يورده الفتى إن عمّرا
يبيضّ بعد سواده الشعر الذي
لو لم يزره الشيب واراه الثرى
زمن الشبيبة لاعدتك تحيةٌ
وسقاك منهمر الحيا ما استغزرا
فلطالما اضحى ردائي ساحباً
في ظلك الوافي وعودي اخضرا
أيام يرمقني الغزال إذا رنا
شعفاً ويطرقني الخيال إذا سرى
ومرنّحٍ في الكور يحسب أنه اصطبح
العقار وإنما اغتبق السُرى
طل صفاه للخداع مزلّةٌ
فإذا مشى فيه الزماع تغشمرا (١)
« إما » سألت به فلا تسأل به
« ناياً » يناغي في البطالة مزمرا
أسأل به الجرد العتاق مغيرةً
يخطبن هاماً أو يطأن سنّورا
يحملن كل مدججٍ يقرى الظبا
علقاً وأنفاس السوافي عثيرا
قومي الذين وقد دجت سبُل الهدى
تركوا طريق الدين فينا مقمرا
غلبوا على الشرف التليد وجاوزوا
ذاك التليد تطرفاً وتخيرا
كم فيهم من قسورٍ متخمطٍ
يردى إذا شاء الهزبر القسورا
متنمرٍّ والحرب إن هتفت به
دّته بسام المحيّا مسفرا
وملوّم في بذله ولطالما
أضحى جديراً في العلا أن يشكرا
ومرفع فوق الرجال تخاله
يوم الخطابة قد تسنم منبرا
جمعوا الجميل إلى الجمال وإنما
سائل بهم بدراً وأحداً والتي
ردّت جبين بني الضلال معفّرا
لله درّ فوارسٍ في خيبر
حملوا عن الاسلام يوماً منكرا
عصفوا بسلطان اليهود وأولجوا
تلك الجوانح لوعة وتحسرا
واستلحموا أبطالهم واستخرجوا
لأزلام من أيديهم والميسرا
وبمرحبٍ ألوى فتىً ذو جمرة
لا تصطلي وبسالةٍ « لا تُعترى »
إن حزّ حزّ مطبقاً أو قال قا
 مصدّقاً أو رام رام « مطهّرا »
فثناه مصفرّ البنان كأنما
لطخ الحمامُ عليه صبغاً أصفرا
« تهفوا » العقاب بشلوه ولقد هفت
زمناً به شم الذوائب والذرا
أما الرسولُ فقد أبان ولاءَه
لو كان ينفع « جائراً » أن ينذرا
أمضى مقالاً لم يقله معرّضاً
وأشاد ذكراً لم يشده « مُغرّرا »
وثنى اليه رقابهم وأقامه
علماً على باب النجاة مشهرا
ولقد شفى « يوم الغدير » معاشراً
ثلجت نفوسهم « وأدوى » معشرا
« قلقت » بهم أحقادهم فمرّجعٌ
نفسأً ومانع أنةٍ أن تجهرا
يا راكباً رقصت به مهريةٌ
أشبت بساحته الهموم فاصحرا
عج « بالغريّ » فإن فيه ثاوياً
جبلاً تطأطأ فاطمأن به « الثرى »
واقرا السلام عليه من كلفٍ به
كشفت له حجاب الصباح فأبصرا
فلو استطعت جعلت دار إقامتي
تلك القبور الزُهر حتى أقبرا
ومن روائعه قوله :
ومن السعادة أن تموت وقد مضى
من قبلك الحُساد والأعداء
فبقاءُ مَن حُرِمَ المراد فناؤه
وفناء من بلغ المراد بقاء
والناس مختلفون في أحوالهم
وهم إذا جاء الردّى أكفاء
وطلاب ما تفنى وتتركه على
من ليس يشكر ما صنعت عناء
وقوله :
أحب ثرى نجد ونجد بعيدة
ألا حبذا نجد وإن لم تفد قربا
يقولون نجد لست من شعب أهلها
وقد صدقوا لكنني منهم حُبّا
كأني وقد فارقت نجداً شقاوة
فتى ضل عنه قلبه ينشد القلبا
وقوله في اخرى :
ولقد زادني عشية جمع
منكم زائر على الآكام
بات أشهى الى الجفون وأحلى
في منامي غبّ السرى من منامي
كدتُ لما حللتُ بين تراقيه
حراماً أحل من إحرامي
وسقاني من ريقه فسقاني
من زلال مصفق بمدام
صدّ عني بالنزر إذ أنا يقظان
وأعطى كثيره في المنام
والتقينا كما اشتهينا ولا عيب
سوى أن ذاك في الأحلام
واذا كانت الملاقاة ليلاً
فالليالي خيرٌ من الأيام
ومن قوله في قصيدة طويلة :
أترى يؤب لنا الأبيرق
والمنى للمرء شغل
طلل لَعزة لا يزال
على ثراه دم يُطلّ
فتلوا وما قتلوا وعند
هم لنا قَودٌ وعقل
قل للذين على مواعدهم
لنا خُلفٌ ومطل
كم ضامني من لا أضيم
وملّني مَن لا أمَلّ
يا عاذلاً لعتابه
كَلّ على سمعي وثِقل
ان كنت تأمر بالسلو
فقل لقلبي كيف يسلو
قلبي رهين في الهوى
ان كان قلبك منه يخلو
ولقد علمتُ على الهوى
أنّ الهوى سقمٌ وذلٌ
وتعجبتُ جَملٌ لشيب
مفارقي وتشيبُ جمل
ورأت بياضاً في سواد
ما رأته هناك قَبل
كذُبالة رفعت على
الهضبات السارين ضلّوا
لا تنكريه ـ ويب غيرك
فهو للجُهلاء غُلّ (١)
وله قدس الله سره :
مولاي يا بدر كل داجية
خذ بيدي قد وقعت في اللجج
حسنك ما تنقضي عجائبه
كالبحر حدّث عنه بلا حرج
بحق من خط عارضيك ومَن
سلّط سلطانها على المهج
مدّ يديك الكريمتين معاً
ثم ادع لي من هواك بالفرج
وقوله :
ولما تفرقنا كما شاءت النوى
تبيّن ودّ خالصٌ وتوددُ
كأني وقد سار الخليط عشيةً
أخو جنّةٍ مما أقوم وأقعد
وله من قصيدة :
الا يا نسيم الريح من أرض بابل
تحمّل الى أهل الخيام سلامي
وقل لحبيب فيك بعض نسيمه
أما آن تسطيع رجع كلامي
رضيت ولولا ما علمتم من الجوى
لما كنتُ أرضى منكم بلمام
واني لأرضى أن اكون بأرضكم
على أنني منها استفدت سقامي
وقوله :
بيني وبين عواذلي
في الحب أطراز الرماح
أنا خارجي في الهوى
لا حكم إلا للملاح
وقوله :
قل لمن خده من اللحظ دامٍ
رقّ لي من جوانح فيك تُدمى
يا سقيم الجفون من غير سقم
لا تلمني إن مُتّ منهن سقما
أنا خاطرت في هواك بقلب
ركب البحر فيك إما وإما
وقوله من قصيدة :
قل لمعزٍّ بالصبر وهو خليٌ
وجميل العذول ليس جميلا
ما جهلنا أن السلو مريح
لو وجدنا الى السلو سبيلا
وقوله من مقطوع في الشيب :
يقولون لا تجزع من الشيبب ضِلّة
وأسهمه إياي دونهم تُصمي
وقالوا أتاه الشيب بالحلم والحجى
فقلتُ بما يَبرى ويعرق من لحمي
وما سرني حلم يفيء الى الردى
كفاني ما قبل المشيب من الحلم
اذا كان يعطيني من الحزم سالباً
حياتي فقل لي كيف ينفعني حزمي
وقد جرّبت نفسي الغداة وقاره
فما شدّ من وهنى ولا سدّ من ثلمي
وإني مذ أضحى عذاري قرارُه
أُعادُ بلا سُقم وأُجفى بلا جُرم
وسيّان بعد الشيب عند حبائبي
وقفن عليه أم وقفن على رسمي


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page