كفّار مكّة بعد أن نجا منهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبعد أن حاربوه في بدر وأُحد والأحزاب ـ وكلّها مشاهد ما جلاّها ولا كشف غمّتها عن وجه رسول الله إلاّ سيف أمير المؤمنين علي ـ بعد أن يئست قريش من أن تهدم الإسلام من خارجه، رأت أن تهدمه من داخله، واستغلّت الخُلُق العظيم للنبي الكريم الرؤوف الرحيم ـ لأنّه ليس نبي انتقام ـ فجاؤوا يوم فتح مكة وشهدوا على أنفسهم وشهد عليهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأنّهم ما دخلوا الإسلام وإنّما أخذوا عفواً نبويّاً، عفو القائد المنتصر الرحيم عن المنهزمين، وصُوِّب هذا العفو في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذهبوا فأنتم الطلقاء "(1).
هؤلاء الطلقاء الذين يقطع القرآن بعدم إيمان بعضهم ـ لا أقول كلّهم ـ لأنّ الآية في سورة يس تقول ذلك وتقطع بأنّ قريشاً قوم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حقّ عليهم القول: (لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلَى أكثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنونَ)(2) إلى قوله تعالى: (وَسَوَاءٌ عَلَيهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنونَ)(3).
فالطلقاء تسرّبوا، وما فتئوا يتآمرون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والقرآن يقول لرسول الله موقفك من هؤلاء الاستمرار في الدعوة والصبر: (فَاصبِرْ إنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَإمَّا نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أوْ نَتَوَفَيَنَّكَ فَإلَينَا يُرجَعُونَ)(4)، يعني العبرة ليس بالدنيا، العبرة بالمرجع إلى الله عزّ وجلّ، قدّر الله عزّ وجلّ أن يستتمّ الإسلام حجّته بنزول القرآن.
____________
1 - السيرة النبوية لابن كثير: 3 / 570، تاريخ ابن خلدون: 3 / 3.
2 - يس: 7.
3 - يس: 10.
4 - غافر: 77.
محاولة كفّار مكّة هدم الإسلام من داخله
- الزيارات: 858