• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

السؤال الثالث: حول عصمة الرَسول (صلى الله عليه وآله وسلم)


يقول الله سبحانه وتعالى في حقّ نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}(1).
وقال أيضاً: {وَمَا يَـنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى}(2).
وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(3).
وتدلّ هذه الآيات دلالة واضحة على عصمته المطلقة في كلّ شيء، وتَقُولون بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوم فقط في تبليغ القرآن(4)، وما عدا ذلك فهو كسائر البشر يُخطِىءُ ويُصيب، وتستدلّون على خطئه في عدّة مناسبات بأحداث تروونها في صحاحكم!
فإذا كان الأمر كذلك، فما هي حجّتكم وما هو دليلكم في ادّعائكم التمسّك بكتاب الله وسنّة نبيّه، ما دامت هذه السنّة عندكم غير معصومة، ويمكن فيها الخطأ؟
وعلى هذا الأساس فالمتمسّك بالكتاب والسنّة على حسب معتقداتكم لا يأمن من الضلالة، وخصوصاً إذا عرفنا بأنّ القرآن كُلّه مفسَّرٌ ومُبَيّنٌ بالسنّة النبويّة، فما هي حجّتكم في أنّ تفسيره وتبيانه لم يكن مخالفاً لكتاب الله تعالى؟
قال لي أحَدهُم معبّراً عن هذا الرأي: لقد خالف الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن في كثير من الأحكام حسب ما تقتضيه المصلحة.
قلتُ متعجّباً: أعطني مثلا واحداً على مخالفته.
أجاب: يقول القرآن: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة}(5)، بينما حكم الرّسول على الزاني والزانية بالرّجم، وهو غير موجود في القرآن.
قلت: إنّما الرّجم على المحصن إذا زنى، ذكراً كان أم أنثى، والجلد على الأعزب إذا زنى، ذكراً كان أم أنثى.
قال: في القرآن ليس هناك أعزب أو مُحصن; لأنّ الله لم يخصّص بل أطلق لفظ الزانية والزاني بدون تخصيص.
قلت: إذاً على هذا الأساس فكلّ حكم مطلق في القرآن خصّصه الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو مخالفٌ للقرآن؟ فأنتَ تقول بأن الرّسول خالف القرآن في أكثر أحكامه؟
أجاب متحرّجاً: القرآن وحده معصوم; لأنّ الله تكفّل بحفظه، أمّا الرّسول فهو بشر يخطىء ويصيب، كما قال القرآن في حقّه: {قُلْ إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}(6).
قلتُ: فلماذا تُصلّي الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقد أطلق القرآن لفظ الصّلاة بدون تخصيص لأوقاتها؟
أجاب: القرآن فيه: {إنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}(7)والرّسول هو الذي بيّن أوقات الصلاة.
قلت: فلماذا تُصدّقْه في أوقات الصّلاة، وتردّ عليه في حكم رجم الزاني؟
وحاول جهده أن يُقنعني بفلسفات عقيمة متناقضة لا تقوم على دليل عقلي ولا منطقي كقوله: بأنّ الصّلاة لا يمكن الشكّ فيها; لأنّ رسول الله فعلها طيلة حياته، وفي كلّ يوم خمس مرّات، أمّا الرّجم فلا يمكن الاطمئنان إليه; لأنّه لم يفعله في حياته غير مرّة أو مرّتين.
وكقوله بأنّ الرّسول لا يُخطئ عندما يأمره الله بأمره، أمّا عندما يحكمُ بفكره فهو ليس معصوم، ولذلك كان الصّحابة يسألونه في كلّ أمر: هل هومن عنده أم من عند الله؟ فإذا قال: هو من عند الله، امتثلوا بدون نقاش، وإذا قال: هو من عندي، عند ذلك يُناقشونه ويجادلونه وينصحونه، ويتقبّل نصائحهم وآراءهم، وقد ينزل القرآن أحياناً موافقاً لآراء بعض الصّحابة ومُخالفاً لرأيه، كما في قضيّة أسرى بدر، وقضايا أُخرى مشهورة.
وحاولتُ بدوري إقناعهُ ولكن بدون جدوى; لأنّ علماء أهل السنّة والجماعة مقتنعون بذلك، وصحاحُهم مشحونةٌ بمثل هذه الرّوايات التي تَخدِش في عصمة الرّسول، وتجعل منه شخصاً أقلّ مستوى من الرّجل الذكي، أو القائد العسكري، أو حتى شيخ الطريقة عند الصوفية.
ولست مبالغاً إذا قلت: أقلَّ مستوى حتى من الرجل العادي، فإذا ما قرأنا بعض الرّوايات في صحاح أهل السنّة والجماعة، يتبينُ لنا بوضوح إلى أيّ مدى وصل التأثير الأموي في عقول المسلمين من عهدهم، وبقيتْ آثاره حتى يوم الناس هذا.
وإذا ما بحثنا الغرض أو الهدف من ذلك، فسوف نخرجُ بنتيجة حتمية ومُرّة، ألا وهي: إنّ أُولئك الّذين حكموا المسلمين في عهد الدولة الأموية، وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، لم يعتقدوا يوماً من الأيّام بأنّ محمّداً ابن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هو مبعوث برسالة من عند الله أو هو نبىّ الله حقّاً.
وأغلب الظن أنّهم كانوا يعتقدون بأنّه كان سَاحِراً(8)، وقد تغلّب على النّاس وشيّد ملكه على حساب المستضعفين من النّاس، وبالخصوص العبيد الذين أيّدوا دعوته وناصروه.
وليس هذا مجرّد ظنّ فإنّ بعض الظنّ إثم، ولكن عندما نقرأ في كتب التاريخ لنتعرف على شخصيّة معاوية وأحواله، وما فعله طيلة حياته خصوصاً مدّة حُكمه فالظنّ يصبحُ حقيقة لا مفرَّ منها.
فكلّنا يعرفُ من هو معاوية، ومن هو أبوه أبو سفيان، ومن هي أمّهُ هند، فهو الطّليق ابن الطّليق الذي قضى شبابه في رحاب أبيه، وفي تعبئة الجيوش لمحاربة رسول الله والقضاء على دعوته بكلّ جهوده، حتّى إذا ما فشلت جميع محاولاته، وتغلّب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه وعلى أبيه استسلم للأمر الواقع في غير قناعة، ولكن الرّسول لكرمه ولعظمة خُلقه عفى عنه وسمّاه الطّليق.
وبعد موت صاحب الرسالة حاول أبوه إثارة الفتنة والقضاء على الإسلام، وذلك عندما جاء في اللّيل للإمام علىّ يحرّضه على الثورة ضد أبي بكر وعمر، ويمنّيه بالمال والرجال، ولكن الإمام علي سلام الله عليه عرف قصده فطرده، وبقي يعيش حاقداً على الإسلام والمسلمين طيلة حياته حتى آلت الخلافة إلى ابن عمّه عثمان، عند ذلك أظهر ما في نفسه من كفر ونفاق، فقال: "تلقّفوها تلقّف الكرة يا بني أُمية، فوالذي يحلف به أبو سفيان ليس هناك جنّة ولا نار"(9).
وأخرج ابن عساكر في تاريخه من الجزء السادس في صفحة 407 عن أنس: أنّ أبا سفيان دخل على عثمان بعدما عمي فقال: هل هنا أحد؟ فقالوا: لا. فقال: اللّهم اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أميّة(10).
وأما ابنهُ معاوية وما أدراك ما معاوية، فحدّث ولا حرج، وما فعله بأُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة ولايته في الشّام، ثمّ بعد تسلّطه على الخلافة بالقهر والقوة، وما ذكره المؤرّخون من هتكه للقرآن والسنّة، وتعدّيه كلّ الحدود التي رسمتها الشريعة، والأعمال التي يتنزّه القلم عن كتابتها، واللّسان عن ذكرها لقُبحها وفحشها، وقد ضربنا عنها صفحاً مُراعاةً لعواطف إخواننا من أهل السنّة والجماعة، والذين أشربوا في قلوبهم حبّ معاوية والدفاع عنه.
ولكن لا يفوتنا أن نذكر هنا نفسيات الرجل، وعقيدته في صاحب الرسالة، فهي لا تبعد عن عقيدة أبيه، وقد رضعها من حليب أُمّه آكلة الأكباد، والمشهورة بالعهر والفجور(11)، كما ورثها عن أبيه شيخ المنافقين الذي ما عرف الإسلام يوماً إلى قلبه سبيلا.
وكما عرفنا نفسية الأب، فها هو الابن يعبّر بنفس التعبير، ولكن على طريقته في الدّهاء والنّفاق.
فقد روى الزبير بن بكار، عن مطوف بن المغيرة بن شعبة الثقفي قال: دخلت مع أبي على معاوية، فكان أبي يأتيه يتحدّث عنده ثمّ ينصرف إلىّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب ممّا يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء فرأيته مغتمّاً، فانتظرته ساعة وظننتُ أنّه لشيء حدث فينا أو في عملنا، فقلتُ له: ما لي أراك مُغتمّاً منذ الليلة؟
قال: يا بني إنّي جئتُ من عند أخبث الناس، قلتُ له: وما ذاك، قال: قلتُ لمعاوية وقد خلوتُ به: إنّك قد بلغتَ مُناك يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيراً، فإنّك قد كبرتَ، ولو نظرتَ إلى إخوتك من بني هاشم فوصلتَ أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه.
فقال لي: هيهات هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه؟ ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما غدا أن هلك فهلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثمّ ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: عمر، ثمّ ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه، فعمل ما عمل وعُمل به، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فُعل به، وإن أخا هاشم يصرخ به في كلّ يوم خمس مرّات: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، فأيّ عمل وأي ذكر يبقى مع هذا لا أمّ لك؟ والله إلاّ دفناً دفناً(12).
خسئتَ وَخبتَ وأخزاك الله يا من أردت دفنَ ذكر رسول الله بكلّ جهودك، وأنفقت في سبيل ذلك كلّ ما تملكه، ولكنّ جهودك كلّها باءتْ بالفشل، لأنّ الله سبحانه لك بالمرصاد، وهو القائل لرسوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}(13).
فلستَ أنت بقادر على دفن ذكره الذي رفعه ربّ العزّة والجلالة، فكدْ كيدك، واجمع جمعك، فأنت غير قادر على إطفاء نور الله بفيك، والله متمّ نوره رغم نفاقك، فها قد مَلكْتَ الأرض شرقاً وغرباً، وما إن هلكْتَ حتّى هلك ذكرك، إلاّ أن يذكرك ذاكر بأفعالك الشنيعة التي أردْتَ بها هدم الإسلام، كما جاء ذلك على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(14).
وبقي ذكر محمّد بن عبد الله بن هاشم عبر القرون والأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كلّما ذكره ذاكر إلاّ صلّى عليه وعلى آله وسلّم رغم أنفك، وأُنوف بني أُميّة الذين حاولوا بقيادتك وزعامتك القضاء عليهم وعلى فضائلهم، فما زادهم ذلك إلاّ رفعة وسمّواً، وسوف تلقون الله يوم القيامة غاضباً عليكم لما أحدثتموه في شريعته، فيجزيكم بما تستحقّون.
وإذا ما أضفنا إلى هؤلاء فرخهم يزيد بن معاوية الماجن الفاسق، شارب الخمور، والمجاهر بالفسق والفجور، فسوف نجده هو الآخر يحمل نفس العقيدة التي ورثها عن أبيه معاوية وجدّه أبي سفيان، كما ورث عنهم الخسّة والدناءة، وشرب الخمر، ومعاقرة العاهرات، ولعب القمار.
ولو لم يرث كلّ هذه الصفات البشعة لما أورثه أبوهُ معاوية الخلافة، وسلّطه على رقاب المسلمين، وكلّهم يعرفوه حقّ معرفته، وفيهم فضلاء الصحابة كالحسين بن علي سيّد شباب أهل الجنة. ولا أشكّ في أنّ معاوية قضى حياته، وأنفق ماله الذي اكتسبه من حرام في سبيل القضاء على الإسلام والمسلمين الحقيقيين.
ولقد رأينا كيف كان يريد دفن ذكر محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما قدر على ذلك، فأشعلها حرباً على ابن عمّه علي وصىّ النّبي، حتى إذا ما قضى عليه ووصل للخلافة بالقهر والغش والنفاق سنَّ سُنّته المشؤومة، وأمر عمّاله في كلّ الأقطار بلعن علي وأهل البيت النّبوي على كلّ المنابر وفي كلّ صلاة، وهو بذلك يريد سبّ ولعن رسول الله(15)، ولما أعيته الحيل، وأدركه الأجل، ولم يصل إلى مأربه، إنتدب ابنه وولاّه على الأُمة ليواصل ذلك المخطط الذي رسمه هو وأبوه أبو سفيان، ألا وهو القضاء على الإسلام وإعادة الأمر إلى الجاهلية.
فاستلم ذلك الماجن الفاسق الخلافة، وشمّر سواعده للقضاء على الإسلام حسب رغبة أبيه، فبدأ باستباحة مدينة الرسُول (صلى الله عليه وآله وسلم) لجيشه الكافر، ففعل فيها ما فعل طيلة ثلاثة أيّام، وقتل فيها عشرة آلاف من خيرة الصحابة، بعد أن قتل سيّد شباب أهل الجنة وريحانة النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلّ أهل البيت النّبوي، وهم أقمار الأمّة، حتّى أخذت حرائر أهل البيت سبايا،فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولو أنّ الله لم يقصف عمره لتمكّن ذلك الوغد اللئيم من القضاء على الإسلام والمسلمين. والذي يهمّنا في هذا البحث هو الكشف عن عقيدته هو الآخر، كما كشفنا عن عقيدة أبيه وجدّه.
فقد حدّث المؤرخون أنّه بعد وقعة الحرّة المشؤومة، وقتل عشرة آلاف من خيرة المسلمين سوى النساء والصبيان، وأفتضّ فيها نحو ألف بكر، وحبلتْ ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج، ثمّ بايع من بقيَ من النّاس على أنّهم عبيد ليزيد ومن امتنع قتل، ولمّا بلغ يزيد خبر تلك الجرائم والمآسي التي يندى لها الجبين، ولم يشهد لها التاريخ مثيلا حتى عند المغول والتتار وحتى عند الإسرائيليين فرح بذلك وأظهر الشماتة بنبىّ الإسلام، وتمثّل بقول ابن الزبعّرى الّذي أنشده بعد موقعة أحد قائلا:

ليتَ أشياخي ببدر شهدوا    جزع الخزرج من وقع الأسلْ
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً    ثمّ قالوا: يا يزيد لا تشلْ
قد قتلنا القرم من ساداتهم    وعدلنا ميل بدر فاعتدلْ
لست من خندف إن لم أنتقم    من بني أحمد ما كان فعلْ
لعبت هاشم بالملك فلا    خبرٌ جاء ولا وحىٌ نزلْ(16)

فإذا كان الجدّ أبو سفيان العدوّ الأوّل لله ورسوله يقول صراحة:
"تلقّفوها يا بني أُمية تلقّف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان فما من جنّة ولا نار".
وإذا كان الأب معاوية العدوّ الثاني لله ورسوله يقول صراحة، عندما يسمع المؤذن يشهد أنّ محمّداً رسول الله: "أيّ عمل وأيّ ذكر يبقى مع هذا لا أمَّ لك؟ والله إلاّ دفناً دفناً".
وإذا كان الابن يزيد العدوّ الثالث لله ورسوله يقول صراحة:
لعبت هاشم بالملك فلا    خبرٌ جاء ولا وحىٌ نزلْ
وإذا ما نحنُ عرفنا عقيدة هؤلاء في الله ورسوله وفي الإسلام، وإذا ما نحن عرفنا أعمالهم الشنيعة التي أرادوا بها هدم أركان الإسلام، والإساءة إلى نبي الإسلام، والتي لم نذكر منها إلاّ النزر اليسير روماً للاختصار، ولو أردنا التوسّع لملأنا مجلداً ضخماً في أعمال معاوية وحده التي بقيت عليه عاراً وشناراً وفضيحة مدى الدهر، ولو تجنّد لتغطيتها وسترها بعض علماء السّوء الذين كان لبني أُمية عليهم أيادي وعطايا أعمت عيونهم، فباعوا آخرتهم بدنياهم وألبسوا الحقّ بالباطل وهم يعلمون، وبقي أغلب المسلمين ضحية هذا الدسّ والتزوير، ولو علم هؤلاء الضحايا الحقيقة، لما ذكروا أبا سفيان ومعاوية ويزيد إلاّ باللّعن والبراءة.
[إذا ما عرفنا كلّ ذلك عرفنا منزلة هؤلاء، وعرفنا أنّهم لا يستحقّون إلاّ الذمّ والتبرّي منهم ومن أعمالهم، لا اتّباعهم وتبرير أفعالهم](17).
ولكن الذي يهمّنا في هذا البحث الوجيز هو التوصّل إلى مدى تأثير هؤلاء وأشياعهم وأتباعُهم الذين حكموا المسلمين طيلة مائة عام، ولمّا يزل في خطواته الأولى.
ولا شكّ في أنّ تأثير هؤلاء المنافقين كان كبيراً على المسلمين، فغيّر عقيدتهم، وغيّر سلوكهم، وأخلاقهم، ومعاملاتهم، وحتى عباداتهم، وإلاّ كيف يمكن لنا تفسير قعود الأُمة عن نصرة الحقّ وخذلان أولياء الله والوقوف مع أعداء الله، ورسوله؟!
وكيف يمكن لنا أن نفسِّر وصول معاوية الطّليق ابن الطّليق واللّعين ابن اللّعين إلى الخلافة التي تمثّل مرتبة وخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! وفي الوقت الذي يموّه علينا المؤرّخون بأنّ النّاس كانوا يقولون لعمر بن الخطاب: "لو رأينا فيك إعوجاجاً لقوّمناك بسيوفنا" نراهم يتحدّثون عن معاوية وهو يعتلي منصّة الخلافة بالقهر والقوة، وأوّل خطبة يقولها في جميع الصّحابة: "إنّي ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولكن لأتأمّر عليكم، وها أنا ذا أميرٌعليكم"(18)فلا يحرّك منهم أحدٌ ساكناً ولا يعارضوه، بل يَجْرُوا في ركابه حتى يسمّوا ذلك العام الذي استولى فيه معاوية على الخلافة بعام الجماعة، في حين أنّه كان بحقّ عام الفرقة.
ثمّ نراهم بعد ذلك يقبلون منه أن يولّي عليهم ابنه الفاسق يزيد المعروف لديهم جميعاً، فلا يثورون ولا يتحرّكون إلاّ ما كان من بعض الصلحاء الذين قتلهم يزيد في وقعة الحرّة، وأخذ ممّن بقي منهم البيعة على أنّهم له عبيد، فكيف لنا تفسير كلّ ذلك؟! على أننا نجدُ بعد ذلك أنّه وصل للخلافة باسم إمارة المؤمنين الفسّاق من بني أميّة كالوزغ مروان بن الحكم، والوليد بن عقبة وغيرهم.
ووصل الأمر بأمراء المؤمنين أن يستبيحوا مدينة رسول الله، ويفعلوا فيها الأفاعيل، وتُهتكُ فيها الحرمات، بل ويحرقوا بيت الله الحرام، ويقتلوا في الحرم خيار الصحابة!! ووصل الأمر بأمراء المؤمنين أن يسفكوا دماء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك بقتلهم ريحانة رسول الله وذريته، ويستبيحوا سبي بناته، فلا يحرّك أحدٌ من الأُمة ساكناً، ولا يجد سيّد شباب أهل الجنة ناصراً!!
ووصل الأمر بأُمراء المؤمنين أن يمزّقوا كتاب الله، ويقولون له:

إذا لقيت ربّك يوم حشر    فقل يا رب مزّقني الوليد

كما فعل الوليد الأموي.
ووصل الأمر بأمراء المؤمنين أن يلعنوا على المنابر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ويأمروا الناس بلعنه في كلّ الأقطار(19)، وهم لا يقصدون بذلك غير لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(20)، فلا يحرّك منهم أحدٌ ساكناً، ومن امتنع قُتِلَ وصُلب ومُثّل به.
ووصل الأمر بأُمراء المؤمنين أن يتجاهروا بشرب الخمر، والزنا، واللهو بالطرب والغناء، والرقص و.. و.. وحدّث ولا حرج!
فإذا كان أمرُ الأُمّة الإسلاميّة قد وصل إلى هذا الحدّ من الانحطاط في الأخلاق والذلّ والاستكانة، فلا بدّ أنّ هناك عوامل أثّرتْ في عقيدتها، وهذا ما يهمّنا في هذا البحث; لأنّه يتعلّق بموضوع العصمة وشخصية الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأوّل ما يُلفتُ انتباهنا هنا هو أنّ الخلفاء الثّلاثة أبو بكر وعمر وعثمان منعوا كتابة حديث النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بل وحتى التحدّث به.
فهذا أبو بكر يجمع النّاس في خلافته ويقول لهم: "إنّكم تحدّثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والنّاس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه"(21).
كما أنّ عمر بن الخطاب هو الآخر منع أن يتحدّثْ الناس بحديث الرسول، قال قرظة بن كعب: لما سيّرنا عمر بن الخطاب إلى العراق مشى معنا وقال: أتدرون لما شيعتكم؟ قالوا: تكرمة لنا، قال: ومع ذلك إنّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النّحل، فلا تصدّوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جوّدوا القرآن، وأقلّوا الرواية عن رسول الله، وأنا شريككم.
يقول هذا الراوي: فلم أنقل حديثاً قط بعد كلام عمر، ولمّا قدم العراق هرع النّاس إليه يسألونه عن الحديث، فقال لهم قرظة: نهانا عن ذلك عمر(22).
كما أنّ عبد الرحمن بن عوف قال بأنّ عمر بن الخطّاب جمع الصّحابة من الآفاق لمنعهم من التحدّث بأحاديث رسول الله في النّاس وقال لهم: أقيموا عندي ولا تفارقوني ما عشتُ، فما فارقوه حتى مات(23).
كما يذكر الخطيب البغدادي والذهبي في تذكرة الحفاظ بأنّ عمر بن الخطّاب حبس في المدينة ثلاثة من الصّحابة، وهم أبو الدرداء، وابن مسعود، وأبو مسعود الأنصاري بذنب الإكثار من نقل الحديث(24). كما أنّ عمر أمر الصّحابة أن يحضروا ما في أيديهم من كتب الحديث، فظنّوا أنّه يريد أن يُقوّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها كلّها في النّار(25).
ثمّ أتى بعده عثمان فواصل المشوار، وأعلن للنّاس كافة أنّه "لا يحل لأحد أن يروي حديثاً لم يسمع به على عهد أبي بكر ولا عهد عمر"(26).
ثمّ بعد هؤلاء جاء دور معاوية بن أبي سفيان، لمّا اعتلى منصّة الخلافة صعد على المنبر وقال: "أيّها الناس إيّاكم والحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلاّ حديثاً يذكر على عهد عمر"(27).
فلا بدّ أنّ هناك سرّاً لمنع الأحاديث التي قالها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتي لا تتماشى وما جرت عليه المقادير في ذلك العصر، وإلاّ لماذا يبقى حديث الرّسول ممنوعاً طوال هذه المدّة الطويلة، ولا يُسمح بكتابته إلاّ في زمن عمر بن عبد العزيز؟!!.
ولنا أن نستنتج طبقاً لما سبق من الأبحاث بخصوص النصوص الصريحة في الخلافة، والّتي أعلنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رؤوس الأشهاد بأنّ أبا بكر وعمر منعا من الرواية والحديث عن النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) خوفاً أن تَسْرِيَ تلك النّصوص في الأقطار أو حتى في القرى المجاورة، فتكشف للنّاس بأنّ خلافته وخلافة صاحبه ليست شرعية، وإنّما هي اغتصاب من صاحبها الشرعي علي بن أبي طالب. وقد تكلّمنا في هذا الموضوع، وكشفنا عن هذه الحقيقة في كتابنا "لأكون مع الصّادقين" فليراجع لمزيد الاطمئنان.
والعجيب في أمر عمر بن الخطاب هو مواقفه المتناقضة بالخصوص في كلّ ما يتعلّق بأمر الخلافة; ففي حين نجده هو الذي ثبّت بيعة أبي بكر، وحملَ الناس عليها قهراً، يحكم عليها بأنّها فلتةً وقى الله شرّها(28). وفي حين يختار هو ستّة للخلافة نراه يقول: لو ولّوها الأجلح (يقصد علي بن أبي طالب) لحملهم على الجادّة(29). فما دام يعترف بأن علياً هو الشخص الوحيد الذي يحمل النّاس على الجادّة، فلماذا لم يعيّنه وينتهي الأمر، ويكون بذلك قد بذل النصح لأُمّة محمّد؟!.
ولكنّا نراه بعد ذلك يتناقض فيرجّح كفّة عبد الرحمن بن عوف، ثمّ يتناقض مرّة أُخرى فيقول: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لولّيته عليكم(30).
والأعجب من ذلك في أمر أبي حفص هو منعه الحديث عن النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحبسه الصّحابة في المدينة ومنعهم من الخروج منها، ونهيَه المبعوثين من قِبله إلى الأقطار بأن لا يحدّثوا الناس عن السنّة النبويّة، وحرقه للكتب التي كانت بأيدي الصّحابة، وفيها أحاديث النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)!!
ألم يفهم عمر بن الخطّاب بأنّ السنّة النبويّة هي تبيان للقرآن الكريم؟ أوَلم يقرأ قوله سبحانه وتعالى: {وَأنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ}(31)! أم أنّه فهم من القرآن ما لم يفهمه صاحب الرسالة الذي أُنزل عليه القرآن؟
وهذا ما يحاوله بعض المهوّسين الذين يقولون بأنّ القرآن كثيراً ما ينزل موافقاً لآراء عمر، ومخالفاً لآراء النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم). كبرت كلمة تخرج من أفواههم إنّهم لا يفقهون.
وكنت دائماً أتعجّب عندما أقرأُ في البخاري رفض عمر قبول رواية عمّار بن ياســر بخصـوص تعليم النبي له كيفية التيمّم، كما أتعجّبُ من قول عمّار: إن شئتَ لا أُحدّثُ به(32)، مخافة من عمر!! فيتبيّن بوضوح بأنّ عمر بن الخطّاب كان شديداً على كلّ من يروي أحاديث الرّسول فيلحقه الأذى.
وإذا كان الصحابة من قريش يخافون من الخليفة فلا يخرجون من المدينة، وحتى الذين يخرجون منها يمتنعون عن نقل الأحاديث النبويّة، ثمّ يحرق لهم كتبهم التي جمعوا فيها الأحاديث فلا يتكلّم منهم أحدٌ، فما قيمة عمّار بن ياسر الغريب البعيد، والبغيض لقريش لوقوفه مع علي بن أبي طالب وحبّه إيّاه؟
وإذا ما رجعنا قليلا بالبحث، وبالضّبط يوم الخميس الذي سبق وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والذي سمّاه ابن عبّاس يوم الرّزية، وذلك عندما أمر رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحاضرين أن يأتوه بالكتف والدواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً، نرى في ذلك اليوم أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي اعترض على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واتّهمه بالهجر ـ أي الهذيان ـ والعياذ بالله، وقال: "حسبُنا كتاب الله يكفينا"(33)، وقد أخرج هذه الحادثة البخاري، ومسلم، وابن ماجة، والنسائي، وأبو داود، و... أحمد، وغيرهم من المؤرّخين كثير.
فإذا كان عمر يمنعُ رسول الله من كتابة أحاديثه، وبمحضر كثير من الصحابة وأهل البيت، ويتّهمه بالهجر بتلك الجُرأة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا، فليس غريباً ولا عجيباً أن يشمّر عن ساعديه بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليمنع النّاس من نقل أحاديث الرسول بكلّ جهوده، وهو الخليفة القوي الذي يملك الحول والطول، ولا شكّ أنّ له في الصّحابة أنصاراً كثيرين من سُراة قريش الذين لهم نفوذ في القبائل والعشائر، والذين كانوا يصحبون النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إمّا طمعاً أو خوفاً أو نفاقاً.
وقد رأينا هؤلاء على كثرتهم يؤيّدون قولة عمر بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يهجُر، ويشاركونه في منع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتابة الكتاب، وأعتقد بأنّ ذلك كان هو السبب الرئيسي في سكوت النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الكتابة; لأنّه علم بوحي ربّه بأنّ المؤامرة قوية، وقد تهدّدُ مسيرة الإسلام بكامله إذا ما كُتب ذلك الكتاب.
ذلك الكتاب الذي أراد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحصين أُمّته من الدخول في الضّلالة، فإذا بالمتآمرين يقلّبون الموقف، ويصبح ذلك الكتاب (إذا ما كُتبَ) سبب الضلالة والانقلاب عن الإسلام.
فكيف لا يُغيّر رسول الله ـ بأبي هو وأُمّي ـ وهو على تلك الحال من المرض على فراش الموت رأيهُ، وبوحي من ربّه الذي يرنّ في أُذنيه، ويملأُ قلبه حسرة وأسى على أُمّته المنكوبة، قوله: {أفَإنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ}(34).
ولم تنزل هذه الآية عفوية، بل هي نتيجة حتمية لما علمه الله سبحانه من دسائسهم ومؤامراتهم ومكرهم، فهو يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، والذي يُعزّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ ربّه أعْلمه عن كلّ ذلك وسلاّه، وأجزاه خير ما يجزي نبي عن أُمّته، ولم يحمّله مسؤولية ارتداد الأُمة وانقلابها، بل قال له مسبقاً:
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلا * لَقَدْ أضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنسَانِ خَذُولا * وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً *وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ المُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً}(35).
والذي لا مفرّ منه في هذا البحث هو النتيجة المؤلمة التي وصلنا إليها، وهو أنّ أبا سفيان ومعاوية ما كانا ليتجرّآ على صاحب الرسالة لولا مواقف عمر السّابقة، وجرأته على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبحضرته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخصوصاً إذا بحثنا مواقفه طيلة حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومعارضته إياه في كثير من المواقف.
والاستنتاج الذي لا بدّ منه هو أنّ هناك مؤامرة كبرى حيكت للنّيل من شخصية الرسول الأكرم، وانتقاصه وتصويره للناس الذين لم يعرفوه بأنّه شخصٌ عادىٌ أو أقلّ من ذلك، فقد تأخذه العاطفة ويميل مع هواه ويزيغ عن الحقّ، كلّ ذلك ليموّهوا على الناس بأنّه ليس معصوماً، والدليل أنّ عمر عارضه عدّة مرّات، والقرآن ينزل بتأييد ابن الخطّاب، حتّى وصل الأمر بأن يهدد الله نبيّه صلّى الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيبكي ويقول: لو أصابنا الله بمصيبة لم ينجُ منها إلاّ ابن الخطّاب(36)في قضية أسرى بدر.
أو أنّ عمر كان يأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يحجُب نساءه، ولم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يفعل ذلك حتى نزل القرآن بتأييد عمر، وأمر نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحجب نساءه(37).
أو أنّ الشيطان لا يخاف من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكنّه يخاف ويهرب من عمر(38)، إلى غير ذلك من الروايات المخزية التي تحطّ من قيمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وترفع من قيمة الصحابة.
ولكن عمر ضرب الرقم القياسي في هذا الصدّد حتى رووا (أخزاهم الله) بأنّ رسول الله كان يشكّ في نبوّته، وذلك لحديث يروونه بأنّه قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "ما أبطأ عني جبرئيل إلاّ ظننت أنّه ينزل على عمر بن الخطّاب"!!
وأنا أعتقد بأنّ هذه الأحاديث وأمثالها وُضعتْ في زمن معاوية بن أبي سفيان، لمّا أعيته الحيلة في طمس حقائق علي بن أبي طالب، فلجأ إلى إطراء أبي بكر وعمر وعثمان، واختلاق الفضائل لهم كي يرفعهم في نظر النّاس على مقام علي سلام الله عليه، ويرمي من ذلك إلى هدفين:
الهدف الأوّل: تصغير شأن ابن أبي طالب (أبو تراب)، كما يُسمّيه هو للتمويه على النّاس، واعتبار الخلفاء الثّلاثة الذين سبقوه أفضل منه.
والهدف الثاني لوضعه الأحاديث هو: لكي يتقبّل الناس تجاوز أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصاياه في أمر الخلافة في أهل بيته، خصوصاً الحسنين (عليهما السلام) اللذين كانا يعاصران معاوية، فإذا كان من الممكن أن يتجاوز الثلاثة أوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام)، لِمَ لا يمكن أن يتجاوز معاوية (الرابع) أوامره (صلى الله عليه وآله وسلم) في أولاد علي (عليه السلام)؟!
وقد نجح ابن هند في مخطّطه نجاحاً كبيراً، والدليل أنّنا اليوم عندما نتحدث عن علم علي وشجاعته وقرابته وأفضاله على الإسلام والمسلمين يقفُ في وجوهنا من يقول: قال رسول الله: لو وزن إيمانُ أُمّتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر.
ويقف في وجوهنا من يقول: عمر الفاروق هو الذي يفرقْ بين الحقّ والباطل.
ويقف في وجوهنا من يقول: عثمان ذو النورين الذي استحت منه ملائكة الرحمن.
والمتتّبع لهذه الأبحاث يجد أنّ عمر بن الخطّاب أخذ نصيب الأسد في باب الفضائل، وليس ذلك من باب الصدفة، كلاَّ ولكن لمواقفه المعارضة والمتعدّدة تجاه صاحب الرسالة أحبّتْهُ قريش، وخصوصاً للدور الذي لعبه عمر في إقصاء أمير المؤمنين وسيّد الوصيين علي بن أبي طالب عن الخلافة، وإرجاع الأمر إلى قريش تتحكّم فيه كيف شاءتْ، ويطمع فيه الطلقاء والملعونون من بني أُميّة، وقريش كلّها وعلى رأسهم أبو بكر يعرفُون بأنّ الفضل كلّه يرجع لعمر في تسلّطهم على رقاب المسلمين.
فعمر هو بطل المعارضة لرسول الله، وعمر هو المانع لرسول الله بأن يكتب الخلافة لعلىّ، وعمر هو الذي هدّد الناس وشكّكهم في موت نبيّهم حتّى لا يسبقوه بالبيعة لعلي، وعمر هو بطل السّقيفة، وهو الذي ثبّت بيعة أبي بكر، وعمر هو الذي هدّد المتخلّفين في بيت علي بأن يحرق عليهم الدار بمنْ فيها إن لم يبايعوا أبا بكر.
وعمر هو الذي حمل الناس على بيعة أبي بكر بالقوّة والقهر، وعمر هو الذي كان يعيّن الولاة، ويعطي المناصب في خلافة أبي بكر، بل لسنامبالغين إذا قلنا بأنّه هو الحاكم الفعلي حتّى في خلافة أبي بكر نفسه، فقد حكى بعض المؤرّخين بأنّ المؤلّفة قلوبهم لما جاؤوا لأبي بكر لأخذ سهمهم الذي فرضه الله لهم جرياً على عادتهم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكتب لهم أبو بكر بذلك، فذهبوا إلى عمر ليتسلّموا منه فمزّق الكتاب وقال: لا حاجة لنا بكم فقد أعزّ الله الإسلام وأغنى عنكم، فإن أسلمتم وإلاّ فالسيف بيننا وبينكم، فرجعوا إلى أبي بكر، فقالوا له: أنت الخليفة أم هو؟ فقال: بل هو إن شاء الله تعالى، وأمضى ما فعله عمر(39).
ومرّة أُخرى كتب أبو بكر لصحابيين قطعة من الأرض وأرسلها لعمر ليمضي فيه، فتفل فيه عمر ومحاه، فشتماه ورجعا لأبي بكر يتذمّران فقالا: ما ندري أأنت الخليفة أم عُمر؟! فقال: بل هو، وجاء عمر مغضباً إلى أبي بكر وقال له: ليس من حقّك إعطاء الأرض إلى هذين، فقال أبو بكر: لقد قلتُ لك بأنّك أقوى منّي على هذا الأمر ولكنّك غلبتني(40).
ومن هنا يتبيّن لنا سرّ المكانة التي حظي بها عمر بن الخطّاب لدى قريش عامة ولدى بني أُمية خاصّة حتّى سمّوه بالعبقري، وبالملهم، وبالفاروق، وبالعدل المطلق، إلى أن فضّلوه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد رأينا عقيدة عمر في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من يوم صلح الحديبية إلى يوم الرّزية، أضف إلى ذلك أنّه منع الصحابة من التبرّك بآثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقطع شجرة بيعة الرضوان(41)، كما توسّل بالعبّاس عمّ النبىّ ليُشعرَ الناس بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مات وانتهى أمره، فلا فائدة حتى في ذكراه، فلا لوم على الوهابية الذين يقولون بهذه المقالات، فهي ليستْ جديدة كما يتوهّم البعض.
ومن هنا فُتح الباب إلى أعْداء الإسلام والمستشرقين ليستخلصوا بأنّ محمّداً رجلٌ عبقري عرف أنّ قومه وثنيّين تربّوا على عبادة الأصنام فأزال الأصنام، ولكنّه أبدلهم بذلك حجراً أسوداً.
ونرى بعد كلّ هذا عمر هو بطل المعارضة لكتابة الأحاديث النبويّة، حتّى يحبس الصحابة في المدينة، ويمنع آخَرين من الحديث، ويحرق كتب الحديث حرصاً منه بأن لا تتفشّى السنّة النبوية بين النّاس.
ونفهم أيضاً من خلال ذلك لماذا بقي علي حَبيس الدّار لا يخرج إلاّ عندما يُدعى لحلّ معضلة عجز عنها الصّحابة، ولم يُشركه عمر في منصب ولا في ولاية ولا في مسؤولية ولا في بعث، وحُرم حتّى من ميراث فاطمة، وليس عنده ما يُطمع الناس فيه.
ولذلك يذكر المؤرّخون بأنّه اضطرّ للبيعة بعد موت الزهراء سلام الله عليها لمّا رأى تحوّل وجوه الناس عنه.
لك الله يا أبا الحسن فكيف لا يبغضُك الناس، وقد قتلتَ أبطالهم، وفرّقتَ جموعهم، وسفّهت أحلامهم، وما تركتَ لهم في سوق الفضائل فضيلة، ولا في ميدان الحسنات حسنةً، ومع ذلك فأنت ابن عمّ المصطفى، وأقربهم إليه، وزوج فاطمة سيّدة نساء العالمين، وأبو السبطين سيّدي شباب أهل الجنّة، وأوّلهم إسلاماً، وأكثرهم علماً.
وعمّك حمزة سيد الشهداء، وجعفر الطيار ابن أُمّك وأبيك، وأبو طالب سيّد البطحاء وكفيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أبوك، والأئمة الميامين كلّهم من صُلبك.
سبقت السَّابقين ونأيت عن اللاّحقين، فكنت أسد الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكنت سيف الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وكنت أمين الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما بعثك (صلى الله عليه وآله وسلم) ببراءة ولم يأتمن عليها غيرك.
وكنت أنت الصّديقُ الأكبر لا يقولها بعدك إلاّ كذّابٌ، وكنت الفاروق الأكبر الذي يسير الحقّ في ركابه، فيُعرف الحقُ به من بين ركام الباطل، وكنت العلم الظاهر، والمنار الساطع، يُعرفُ بحبّه إيمان المؤمن وببغضه نفاق المنافق. وكنتَ الباب لمدينة العلم، من أتاك أتاها، فقد كذب من زعم الدخول من غيرك، والوصول بدونك.
فمن منهم له سهم كسهمك يا أبا الحسن؟ ومن منهم له فضلٌ كفضلك؟
فإن كان للشرف دليلا فأنت دليله، وأنت مبتدأه ومنتهاه، لقد حسدوك على ما أتاك الله من فضله، ولقد أبعدوك لمّا خصّك الله من قُربه، فسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.
لقد شطّ بنا القلم إلى مناجاة أمير المؤمنين المظلوم حيّاً وميّتاً، وله في أخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أُسوة حسنة، فهو أيضاً مظلوم حيّاً وميّتاً; لأنّه قضى حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) مجاهداً ناصحاً حريصاً على المؤمنين بهم رَؤوف رحيم.
وقابلوه في آخر لحظة بالكلام القبيح، ورموه بالهجر، وجابهوه بالعصيان والتمرّد في تأميره أُسامة، وهرعوا للسقيفة من أجل الخلافة، وتركوه جثة هامدة، ولم يشتغلوا حتى بتجهيزه وغسله وتكفينه بأبي هو وأُمّي، وبعد وفاته عملوا على انتقاصه في أعين الناس، والحط من قيمته، وتجريده من العصمة التي يشهد بها القرآن والوجدان، كلّ ذلك من أجل حكم زائل ودنيا فانية.
وإذا عرفنا من خلال البحث، موقف بعض الصحابة تجاه شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجل الوصول للخلافة.
فإنّ حكام بني أُميّة ـ على رأسهم معاوية بن أبي سفيان ـ جاءتهم الخلافة بالوراثة واطمأنّوا لها، ولم يكن يدور في خلدِ أحد منهم بأنّها في يوم من الأيام سوف تخرج منهم، فلماذا استمرّ بنوا أُميّة في انتقاص شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتزوير الرّوايات للحطّ من قيمته؟
وأعتقد بأنّ هناك سببين رئيسيين، وهما:


السبب الأوّل: إنّ في الحطّ من قيمة رسول الله هو إرغام أُنوف بني هاشم
الذين نالوا عزّاً وشرفاً بين كلّ القبائل العربية لوجود النبي منهم، وخصوصاً إذا عرفنا أنّ أُمية كان ينافس أخاه هاشماً ويحسده، ويعمل كلّ ما في وسعه للقضاء عليه.
زد على ذلك بأنّ عليّاً هو سيّد بني هاشم بعد الرسول من غير منازع، وقد عرف الخاص والعام بغض معاوية لعلي، والحروب التي شنّها ضدّه لانتزاع الخلافة منه، وبعد مقتله أولغ في سبّه ولعنه على المنابر، فالحطّ من شخصية الرسول بالنسبة لمعاوية هو تحطيم شخصية علي، كما أن سبّ ولعن علي هو في الحقيقة موجّهٌ لرسول الله.

السبب الثاني: إنّ في الحطّ من قيمة رسول الله فيه تبرير لما يقوم به حكّام بني أُمية من أعمال مخزيّة، وقبائح شنيعة سجّلها لهم التاريخ، فإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ كما يصوّره بني أُمية ـ يميل مع هواه ويحبّ النّساء إلى درجة أنّه ينسى واجباته، ويميل إلى إحداهن إلى درجة أنّه لا يعدل بينهن حتى يبعثن له يطالبنه بالعدل(42)، فلا لوم بعد ذلك على البشر العاديين أمثال معاوية ويزيد وأضرابهم.
وتكمن الخطورة في السبب الثاني في أنّ الأمويين اختلقوا روايات وأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصبحت أحكاماً يُعمل بها في الإسلام، والمسلمون يأخذونها مُسلّمة على أنّها من أقوال وأفعال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتصبح عندهم سنّة نبويّة.
وأضرب لذلك بعض الأمثلة من الأحاديث المخزية التي وُضعت للنيل من شخصية الرسول، والحطّ من قيمته، ولا أُريد أن أتوسّع في هذا الموضوع، وسوف أقتصر فقط على ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما (روايات مخزية للطّعن في النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)).

1 ـ أخرج البخاري في كتاب الغسل في باب إذا جامع ثمّ عاد، قال أنس: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدور على نسائه في السّاعة الواحدة من اللّيل والنّهار وهنّ إحدى عشرة، قال: قلت لأنس: أو كان يُطيقهُ؟ قال: كنا نتحدّثُ أنّه أُعطِيَ قوّةَ ثلاثين.
أُنظر معي أيّها القارئ إلى هذه الرواية المخزية التي تصوّر لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على هَذا النهم من الجماع، فيجامع إحدى عشرة زوجة في ساعة واحدة، ويجامعهنّ في الليل أو النهار وبهذه السرعة، ومن غير أن يغتسل من الأُولى فيجامع الثانية بماء الأُولى.
وما عليك أيّها القارئ إلاّ أن تتصوّر وتتخيّل كيف يرتمي إنسان على زوجته كالحيوان بدون مقدّمات ولا تهيئة، وقد شاهدنا أنّه حتّى عند الحيوانات تستغرق عملية الجماع مدة طويلة وتتطلّب مقدّمات وتهيأ، فكيف بهذا الرسول العظيم يفعل مثل هذا؟ قاتلهم الله ولعنهم أنّي يؤفكون.
ولأنّ العرب في ذلك العهد والرجال حتى في هذا العهد ما زالوا يفتخرون بقوّة الجماع، ويعتبرون ذلك علامة الرجولة، فوضعوا هذه القصة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحاشاه وهو الذي كان يقول: "لا ترتموا على نسائكم كالبهائم واجعلوا بينكم وبينهنّ رسولا".
فبمثل هذه الروايات يتحامل أعداء الإسلام على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويصفونه بأنّه رجل يتهالك على الجنس والجماع وحبّ النساء إلى غير ذلك من التّهم.
وهل لنا أن نسأل أنس بن مالك راوي هذه القصّة، مَن أخبره بها؟ من أعلمه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُجامع نساءه في ساعة واحدة وهنّ إحدى عشرة؟
هل النبي هو الذي حدّثه بذلك؟ فهل يليق بأحدنا أن يحدّث الناس على مجامعته لزوجته؟ أمْ أنّ زوجات النبي هنّ اللاتي حدّثنه بذلك؟ فهل يليق بالمرأة المسلمة أن تحكي للرجال عن جماع زوجها لها؟ أم أنّ أنس هو الذي تجسّس على النبي، وتتبّع خلواته مع زوجاته، وتفرّج عليه من ثقوب الأبواب؟ أستغفر الله من همزات الشياطين ولعن الله الكذّابين.
ولا أشكّ في أنّ الحكّام الأمويّين والعباسيين الذين اشتهروا بكثرة النساء والجواري، هم الذين وضعوا مثل هذه القصّة لتبرير أعمالهم.

2 ـ أخرج البخاري في صحيحه من الجزء الثالث صفحة 132، وكذلك مسلم في صحيحه من الجزء السابع في صفحة 136، قالا: قالت عائشة: أرسل أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى رسول الله، فاستأذنت عليه وهو مُضطجع معي في مِرطي، فأذنَ لها، فقالت: "يا رسول الله إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدْلَ في ابنةِ أبي قُحافة"، وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "أي بُنيّة ألست تُحبّين ما أحبُّ"؟ فقالت: "بلى"، قال: "فأحبّي هذه".
ثمّ تمضي الرواية فتقول إلى أن يبعث أزواج النبي مرّة ثانية بزينب بنت جحش زوج النبي ينشدنّهُ العدل في بنت أبي قحافة، فتدخل هي الأُخرى على رسول الله وهو مضطجع مع عائشة ولابس مرطها على الحالة التي دخلت عليه فاطمة، فتنشد الرسول العدل في بنت أبي قحافة على لسان أزواج النبىّ، ثمّ تقع في عائشة وتسبّها، فتنتصر عائشة لنفسها وتقع هي الأُخرى في زينب حتّى تسكتها، فيبتسم عند ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقول: "إنها ابنة أبي بكر"!!
فما عساني أن أقول في هذه الرواية المنكرة التي تجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يميل مع هواه ولا يعدل بين زوجاته، وهو الذي جاء القرآن على لسانه: {فَإنْ خِفْتُمْ ألا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ}(43)؟!
ثمّ كيف يأذن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لابنته فاطمة سيّدة النساء لتدخل عليه وهو على تلك الحالة مضطجع مع زوجته ولابس مرطها، فلا يجلس ولا يقوم ويبقى مضطجعاً حتى يقول، "أي بنيّة، ألست تحبّين ما أحبّ"؟ وكذلك عندما تدخل عليه زوجته زينب وتطالبه بالعدل، يبتسم ويقول: "إنّها ابنة أبي بكر"؟!!
أُنظر أيّها القارئ الكريم إلى هذه المخازي التي يُلصقونها برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رمز العدالة والمساواة، في حين أنّهم يقولون: مات العدل مع عمر ابن الخطّاب، ويصوّرون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شخصاً مستهتراً بالقيم الأخلاقية، فلا يعرف الحياءُ ولا المروءة.
ولهذه الرواية نظائر كثيرة في صحاح السنّة، والتي يقصد الرّواة من ورائها إبراز فضيلة لصحابي أو لعائشة بالذات لأنّها ابنةُ أبي بكر، فينتقصون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وكما قدّمت في البحث بأنّ هذه الرّوايات موضوعة للنيل من شخصيّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإليك الرواية الثالثة وهي شبيهة بهذه.

3 ـ أخرج مسلم في صحيحه في باب فضائل عثمان بن عفّان، عن عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعثمان حدّثا: أنّ أبا بكر استأذن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مضطجع على فراشِهِ لابسٌ مِرَط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثمّ انصرف، ثمّ استأذن عمر فأذنَ له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته ثمّ انصرف.
قال عثمان: ثمّ استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: "أجمعي عليك ثيابك"، فقضيتُ إليه حاجتي ثمّ انصرفتُ، فقالت عائشة: يا رسول الله مالي لم أرك فزعْتَ لأبي بكر وعُمر رضي الله عنهما كما فزعتَ لعثمان؟! قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ عثمان رجلٌ حَيىٌّ، وإنّي خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلُغ إلىّ في حاجته"!
وهذه الرواية أيضاً هي الأُخرى شبيهة بما أخرجه البخاري ومسلم في فضل عثمان بن عفّان، ومفادها بأنّ رسول الله كان كاشفاً عن فخذيه، فاستأذن أبو بكر فلم يغطّي رسول الله فخذيه، وكذلك فعل مع عمر، فلمّا استأذن عثمان غطّى رسول الله فخذيه وسوّى ثيابه، ولمّا سألته عائشة عن ذلك قال لها: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة"(44)!
قاتل الله بني أُميّة الذين ينتقصون رسول الله لرفع مكانة سيّدهم.

4 ـ أخرج مسلم في صحيحه في باب وجوب الغسل بالتقاء الختانين عن عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الرّجل يجامع أهله ثمّ يكسل هل عليهما الغسْلُ ـ وعائشة جالسة ـ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّني لأفعل ذلك أنا وهذه ثمّ نغتسلُ"!!
وأترك لك أيّها القارئ أن تُعلّق بنفسك على هذه الرواية، فقد بلغ من تدليل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لزوجته عائشة أن يحدّث بجماعها الخاصّ والعامّ من الناس، وكم لعائشة بنت أبي بكر من أمثال هذه الروايات التي فيها مسّ من كرامة الرسول والحطّ من قيمته.
فمرة تروي بأنّه يضع خدّه على خدّها لتتفرّج على رقص السودان، ومرّة يحملها على كتفه(45)، ومرّة يتسابق معها فتغلبه وينتظر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى تسمن فيسابقها ويقول هذه بتيك(46)، ومرّة يستلقي على ظهره والنساء يضربن بالدفوف ومزمارة الشيطان في بيته فينتهرها أبو بكر(47).
وكم في كتب الصحاح أمثال هذه الروايات المخزية التي لا يُقصَدُ منها إلاّ انتقاص نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله)، كالروايات التي تقول بأنّ الرسول سُحر حتّى لا يدري ما يفعل وما يقول، وحتى يخيّل له أنّه يأتي نساءه ولا يأتيهنّ(48)، وكالروايات التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصبح في رمضان جنباً(49)، وأنّه ينام حتى يغطّ في نومه ثمّ يقوم فيصلّي بغير وضوء(50).
ويسهو في صلاته فلا يدري كم ركعة صلّى(51)، ولا يدري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما هو مصيره يوم القيامة وما يُفعل به(52)، وأنّه يبول قائماً والصحابي يبتعد عنه، فيناديه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليقترب منه حتى يفرغ من بوله(53).
نعم، لقد بلغ من تدليل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زوجته عائشة بنت أبي بكر أنّه يحبس نفسه ويحبس المسلمين معه ليبحثوا عن عقد ضاع من عائشة، وليس معهم ماء حتّى أنّ الناس يشتكون من عائشة لأبي بكر، فيأتي أبوها يوبّخها ويلومها، كلّ ذلك ورسول الله مشغول بالنوم في حجر زوجته، وإليك الرواية بالتفصيل!
أخرج البخاري في صحيحه في باب التيمّم، ومسلم في صحيحه في باب التيمّم أيضاً عن عائشة أنّها قالت: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض أسفاره حتّى إذا كنّا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء.
فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعتْ عائشة، أقامت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟!
فجاء أبو بكر، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبستِ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والناسَ، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرّك إلاّ مكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على فخذي، فنام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمّم فتيمّموا.
فقال أسيد بن الحُضير وهو أحد النقباء: ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه، فوجدنا العقد تحته(54).
فهل يُصدّق مؤمن عرف الإسلام بأنّ رسول الله يتهاون في أمر الصلاة إلى هذه الدرجة، ويحبس المسلمين وهم على غير ماء وليس عندهم ماء، كلّ ذلك من أجل البحث على عقد زوجته الذي ضاع منها، ثمّ يترك المسلمين يتحسّرون على الصلاة ويشتكون إلى أبي بكر، وهو يذهب فينام على فخذ زوجته، ثمّ يستغرق في نوم لا يشعر معه بدخول أبي بكر وتوبيخه عائشة وطعنها في خاصرتها؟! 
وكيف يجوز لهذا الرسول أن يترك النّاس يموجون من أجل الماء، واقتراب وقت الصلاة وينام هو في حجر زوجته.
ولا شكّ بأنّ هذه الرواية وضعت في زمن معاوية بن أبي سفيان ولا أساس لها، وإلاّ كيف نفسّر حادثة مثل هذه حضرها كلّ الصحابة، وتغيب عن عمر بن الخطّاب فلا يعرفها عندما يسئل عن التيمّم، كما أخرج ذلك البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب التيمّم.
والمهم في كلّ هذه الأبحاث هو أن نعرف بأنّ المؤامرة ضدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت مؤامرة خسيسة ودنيئة، تعمل على الانتقاص من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتحطّ من قيمته إلى درجة أنّ أحدنا اليوم ـ ورغم كلّ الفساد الذي عمّ البرّ والبحر ـ لا يرضى لنفسه مثل هذه المواقف والأفعال، فما بالنا بأعظم شخصية عرفها تاريخ البشرية، والذي يشهد له ربّ العزّة والجلالة بأنّه على خلق عظيم!!
وقد بدأت المؤامرة ـ حسب اعتقادي ـ بعد حجّة الوداع، وبعد تنصيب الرسول (صلى الله عليه وآله) للإمام علي خليفة له يوم غدير خم، وبذلك عرف الطامعون في الرئاسة أن ليس أمامهم إلاّ المعارضة والتمرّد على هذا النصّ، كلّفهم ذلك ما كلّفهم، ولو أدّى إلى الانقلاب على الأعقاب.
وبذلك يستقيم تفسير الأحداث التي بدأت بمعارضة الرسول (صلى الله عليه وآله) في كلّ أوامره من كتابة الكتاب، إلى تأمير أُسامة، إلى عدم الذهاب في الجيش الذي عبّأه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه.
وكذلك الأحداث التي أعقبت وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) من حمل الناس على البيعة بالقوّة، وتهديد المتخلّفين بالحرق، وفيهم علي وفاطمة والحسنين.
إلى منع الناس من نقل أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحرق الكتب التي فيها سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحبس الصحابة لئلاّ يتحدّثوا بأحاديث النبي.
إلى قتل الصحابة الذين امتنعوا عن أداء الزكاة لأبي بكر; لأنّه ليس هو الخليفة الذي بايعوه على عهد نبيّهم.
إلى اغتصاب حقّ فاطمة الزهراء من فدك والإرث وسهم الخمس وتكذيبها في دعواها.
إلى إبعاد الإمام علي (عليه السلام) عن كلّ مسؤولية، وتولية الفسّاق والمنافقين من بني أُمية على رقاب المسلمين.
إلى منع الصحابة من التبرّك بآثار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومحاولة محو اسمه من الأذان.
إلى إباحة مدينته المنورة للجيش الكافر يفعل فيها ما يشاء.
إلى ضرب البيت الحرام بالمنجنيق وحرقه وقتل الصحابة في داخله.
إلى قتل عترة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسبّهم ولعنهم وحمل الناس على ذلك.
إلى قتل وتشريد من يحبّ أهل البيت ويتشيّع لهم.
إلى أن أصبح دين الله لعباً وهزؤاً، والقرآن يُمزّق ويُعبث به.
والمؤامرة ما زالت حتى اليوم، وآثارُها ومفعولها يسري في الأُمة الإسلامية، وما دام هناك في المسلمين من يترضّى عن معاوية ويزيد، ويبّرر أفعالهم بأنّها اجتهاد ولهم بها أجرٌ عند الله، وما دام هناك من يكتب الكتب والمقالات ضد شيعة أهل البيت، ويرميهم بكلّ شتيمة وشنيعة، وما دام هناك من يستبيح قتل شيعة أهل البيت في بيت الله الحرام وفي موسم الحجّ;
فالمؤامرة ما زالت متواصلة، وستبقى متواصلة إلى أن يشاء الله.
وأنا لست بقادر على كشفها كلّها، أو الإحاطة بكلّ تفاصيلها وجوانبها، ولكنّي أُحاول بجهدي المتواضع أن أُنزّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الروايات المخزية التي أُلصقتْ بحضرته، وأُدافع عنه وعن عصمته، وأحاول إقناع المسلمين المثقّفين والمتحرّرين بأنّ هذا الرسول الذي أرسله الله لهداية البشرية جميعاً، وجعله قمراً وسراجاً مُنيراً هو أجلّ وأعظم وأسمى وأظهر وأنقى وأكمل إنسان خلقه الله تعالى، فـلا يمكن لنا أن نسْكُتَ على مثل هذه الروايات التي لم يقصد من ورائها إلاّ النّيل من كرامته، والحطّ من قيمته.
فلا ولن نرضى بهذه الروايات، ولو اتّفق عليها أهل السنّة والجماعة، وأخرجوها في صحاحهم ومسانيدهم، لا بل ولو اتفق عليها أهل الأرض كافّة، فقوله سبحانه وتعالى: {وَإنَّكَ لَعَلى خُـلُق عَـظِيم}(55)هو القول الفصل والحكم الأصل، وليس بعده إلاّ الأباطيل والأوهام.

____________
1- المائدة: 67.
2- النجم: 3 ـ 4.
3- الحشر: 7.
4- لا يقال: إنّ أهل السنّة يعتقدون بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله) في تبليغ السنّة والقرآن معاً، فإنّه يقال: نعم، هذا هو معتقدكم عند التنظير، ولكن الواقع العملي وتبريركم ودفاعكم عن الخليفة الثاني عندما نسب النبي (صلى الله عليه وآله) بالهجر ـ كما أقرّه ابن تيمية في منهاج السنة 6: 24 و315 وغيره ـ يخالف ذلك التنظير ويردّه، إذ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أراد أن يتحف الأُمة بشيء هام جداً يعصمهم من الضلالة، ولكن اعتقاد الخليفة واعتقاد من يبرّر عمله بعدم عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) في تبليغ السنّة، حرم الأُمة الإسلامية منها، فكيف يجرأون بعد هذا التفوّه بعصمته (صلى الله عليه وآله) في تبليغ الرسالة؟!
5- النور: 2.
6- الكهف: 110.
7- النساء: 103.
8- قال الدكتور الرحيلي في كتابه "الانتصار للصحب والآل" ص175 تعليقاًعلى كلام المؤلف: "فهذا حكم خطير على المسلمين الذين جاءوا بعد الخلفاء الراشدين واستغرق حكمهم جلّ قرن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو خير القرون، والثلث الأوّل من القرن المفضل الثاني.. واشتهر من أخبارهم في العدل والتقوى والصلاح بين الأُمّة.. خصوصاً ما ثبت من ذلك في حق الصحابي الجليل معاوية ابن أبي سفيان!!".
وهذا الكلام لا يتفّوه إلاّ من أُشرب حبّ البيت الأموي، ورضع من بقاياه من أهل النصب، فأيّ جلالة لمعاوية؟ وأيّ عدل قام به؟ وأيّ تقوى فعلها؟
فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه" ولهذا الحديث عدّة طرق:

1 ـ رواه جماعة من الثقات عن علي بن زيد بن جد عان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري (تاريخ ابن عساكر 59/155 ـ 156).

2 ـ روي عن ابن مسعود من أربعة طرق (ابن حبان في المجروحين 2/172، وابن عدي في الكامل 2/209، الذهبي في سير أعلام النبلاء 3/149).

وهناك طرق أُخرى للحديث وبعضها قوّي صحيح الإسناد.
وورد في حقّ معاوية أيضاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "لعن الله الراكب والقائد والسائق" ولهذا الحديث طرق عديدة وهو صحيح، وارجع إلى مسند البزار 9/286، أنساب الأشراف 129، المعجم الكبير للطبراني 3/71، وابن عساكر في تاريخ دمشق 59/204، وهناك طرق أخرى كثيرة.
وورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّ معاوية قوله: "يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملّتي" قال: وكنت تركت أبي قد وضع له وضوء، فكنت كحابس البول، مخافة أن يجي، قال: فطلع معاوية! فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "هذا هو".
كتاب البلاذري 2/449، وقعة صفين لنصر بن مزاحم: 217.
إلى غير ذلك من الروايات الواردة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّ معاوية وبني أُمية، مضافاً إلى وصفه بالباغي على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث "عمّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار" والحديث أخرجه البخاري 4: 27 في كتاب الصلح، والترمذي في المناقب 2773 وقال عنه: "حسن صحيح".
فمعاوية ملعون، ومستحقّ للقتل، وهو من البغاة الّذين يدعون إلى النار، وممّن لم يسلم ويدخل الايمان قلبه..كلّ هذه الأوصاف قالها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّ معاوية بن أبي سفيان، فكيف يتجرّأ الدكتور الرحيلي ويقول: انّه صحابي جليل عادل متقي؟!! أليس هذا ردّاً على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتحكيم الأهواء الأموية على الأحاديث النبوية؟!
وهذا يدلّل على أنّ عصر الطلقاء لم ينته بعد، وإنّما هناك طلقاء في كل مكان وزمان يتقوّلون على الله ورسوله بما تمليه عليهم الأهواء وأصحاب المطامع.
9- تاريخ الطبري 8: 185، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9: 53.
10- تاريخ دمشق 23: 471، وفي كتاب النزاع والتخاصم للمقريزي: 31 قال: "إنّ أبا سفيان دخل على عثمان رضي الله عنه حين صارت الخلافة إليه فقال: قد صارت إليك بعد تيم وعدي فادرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أُمية، فإنّما هو الملك، ولا أدري ما جنّة ولا نار ".
11- قال الزمخشري في ربيع الأبرار 3: 551 باب القرابات والنسب: "وكان معاوية يُعزى إلى أربعة..."، وقال السبط ابن الجوزي في التذكرة: 202: "إنّ معاوية كان يقال: إنّه من أربعة من قريش..."، وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 1: 111: "كانت هند تُذكر في مكة بفجور وعهر".
ومن هذا يتضح أنّ المؤلف لم يرمِ هند أُمّ معاوية زوراً وبهتاناً، وإنمّا ذكر هذا الكلام ولديه دليله، وهو ما ذكرته المصادر السنيّة المتقدّمة، وسيرة هند معلومة لكلّ مسلم، بل هي نارٌ على منار، فهي التي لاكت كبد حمزة عمّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدما استشهد في معركة أُحد، ولقّبت بآكلة الأكباد لأجل ذلك، وبقي هذا اللقب يطاردها في كلّ مكان، وهي التي ولدت معاوية الذي قاتل علياً (عليه السلام) وسبّه على منابر المسلمين، وهو والد يزيد الذي قتل ريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسين بن علي (عليهما السلام)، فالمدافع عنهم ما هو إلاّ مكمل لذلك الخطّ الأموي المعروف بالنصب والعداء والمعلوم لكلّ أحد حتى عند ابن تيمية المتعصّب، ومن هذا تعرف أنّ ما ذكره عثمان الخميس في كشف الجاني: 129 ناشي من الجهل وعدم المعرفة بحال المسلمين وما دوّنوه في مصادرهم، أو من التعصب الأعمى!
وقد ذكر هناك عدّة افتراءات على الشيعة كذباً وزوراً، وهي مأخوذة من المصادر السنيّة وإليك بيانها; فقد ذكر هناك عدة نقاط فقال:
1ـ "يروون عن علي بن أبي طالب أنّه كان ينام مع عائشة في فراش واحد".
وهذا افتراء وبهتان تبرّأ منه الشيعة، ويعجز عثمان وغيره عن إثبات ذلك، بل الشيعة تنزّه علي بن أبي طالب وتنزّه عائشة من ذلك، وهم أكثر من غيرهم دفاعاً عن أعراض الأنبياء (عليهم السلام)، وأنّ الذي رمى عائشة بالافك ما هم إلاّ الصحابة الذين يدافع عنهم عثمان وأمثاله، ومن أُولئك الصحابة:
حسان بن ثابت فقد رمى عائشة بالافك وكانت تقرأ عليه قوله تعالى: (اُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أليم)، وقوله تعالى: (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عظيم)، وتعني العمى الذي أصابه. راجع سير أعلام النبلاء 2: 512 ـ 517، ترجمة 106.
مسطح بن أثاثة، حيث شارك في قصة الافك، وكان أبو بكر ينفق عليه وقطع النفقة بعد الحادثة.. وقد ذكر ذلك البخاري في صحيحه 3: 157 كتاب الشهادات، حديث الافك. راجع ترجمته في سير أعلام النبلاء 1: 187، ترجمة 20. بل إنّ أهل السنّة هم الّذين رووا في كتبهم ما يدلّ على الطعن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجاته، فقد رووا عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: "أرسلني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غداة باردة، فأتيته وهو مع بعض نسائه في لحافه، فأدخلني في اللحاف، فصرنا ثلاثة" مستدرك الحاكم 3: 410، وصحّحه، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك، السنة لابن أبي عاصم 2: 597.
ومع ذلك يحكم عثمان وأمثاله بعدالة هؤلاء، ويرمي الشيعة بتهم رخيصة تبرأ منها براءة أخي يوسف من السرقة.

2ـ "يروون أنّ عمر بن الخطاب كان مصاباً بداء في دبره..." ونسب ذلك إلى كتاب "الأنوار النعمانية".
وهذا جهل من عثمان الخميس وتدليس على القارئ; لأنّ صاحب "الأنوار النعمانية" نقل هذا الكلام عن مصدر سنّي إذ قال: (وأمّا أفعاله ـ يعني عمر ـ الجميلة فقد نقل منها متابعوه ما لم ينقله أعداؤه، منها ما نقله صاحب الاستيعاب...ومنها: ما قاله المحقّق جلال الدين السيوطي في حواشي القاموس عند تصحيح لغة (الأبْنَة)، وقال هناك: "وكانت في جماعة في الجاهلية، أحدهم سيّدنا عمر".
وأقبح منه ما قاله الفاضل وابن الأثير، وهما من أجلاّء علمائهم قال: "زعمت الروافض أنّ سيّدنا عمر كان مخنّثاً، ولكن كان به داء دواؤه ماء الرجال".
وغير ذلك ممّا يستقبح نقله، وقد قصّروا في إضاعة مثل هذا السرّ المكنون المخزون، ولم أرَ في كتب الرافضة مثل هذا.. وقد نقلت أهل السنّة ها هنا عن
إمامهم ما هو أقبح من هذا، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم" الأنوار النعمانية 1: 63.

3ـ "كان عثمان ممّن يلعب به..."، وهذا من خيانة النقل والتقول على الآخرين بما لم يذكروه، فإنّ المؤلّف نقل هذا الكلام عن الكلبي في كتابه مثالب العرب، فذكر فيه مثالب قريش ومنهم عثمان (الصراط المستقيم 2: 334).
ومسألة اللعب بعثمان لا كما فهمه عثمان الخميس حيث فسّر اللعب بما ذكره الطبرى في تاريخه: "قال علي: عياذ الله ياللمسلمين اني قعدت في بيتي قال لي عثمان: (تركتني وقرابتي وحقي)، وأنّي إن تكلّمت فجاء ما يريد يلعب به مروان، فصار سيّقه له يسوقه حيث شاء بعد كبر سنه.." تاريخ الطبري 3: 390.
فاللعب به: يعني عليه فيما يصدره ويفعله في خلافته من أوامر وأحكام وتصرّفات. وأمّا لفظ (المخنث) فلم يذكر في مصدر شيعي أو سنّي وهو من افتراءات عثمان الخميس وتقولاته الفاسدة.
وهذه الأُمور التي ذكرها عثمان والأُمور الأُخرى كلّها لا تؤمن بها الشيعة ولا تعتقد، بها، بل هي تنزّه ألسنتها عن نسبة التهم بالفحشاء إلى الآخرين، مضافاً إلى أنّ ما ذكره من أمثلة كلّها واردة في كتب لا تعتّد الشيعة بمؤلّفيها أو بالكتاب الذي نقل هذه المسائل عن مصادر أهل السنّة.
وأمّا هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان فقد ذكرنا المصادر السنّية التي ذكرت هذا الأمر في حقّها، وأمّا كلامها التي ردّت فيه على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقولها: (أو تزني الحرّة)، فهذا لا يدلّ على عدم ركوبها لهذا الفعل، إذ كيف يستدلّ بكلامها على نفي الفعل عنها؟ إذ من الواضح أنّ الإنسان لا يفشي سرّه ولا يبيّنه للآخرين، وهل يطلب عثمان الخميس من هند أن تقرّ بالزنا وتعترف به أمام الناس؟!.
12- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 5: 130، مروج الذهب 3: 454 في نداء المأمون بسب معاوية.
13- الشرح: الآية 4.
14- كتاب صفين: 44.
15- أخرج ابن عبد ربّه في العقد الفريد 5: 114 في أخبار معاوية، قال: إن معاوية لعن علياً على المنبر وكتب إلى عمّاله أن يلعنوه على المنابر ففعلوا، فكتبت أمّ سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) إلى معاوية: إنّكم تلعنون اللّه ورسوله على منابركم. وذلك أنّكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبّه، وأنا أشهد أنّ اللّه أحبّه ورسوله، فلم يلتفت معاوية إلى كلامها. (المؤلّف).
وفي سنن ابن ماجة 1: 56، ح121 قال: "حدّثنا علي بن محمّد، حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا موسى بن مسلم، عن ابن سابط ـ وهو عبد الرحمن ـ عن سعد بن أبي وقّاص قال: لما قدم معاوية في بعض حجاته فدخل عليه، فذكروا علياً، فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) يقول: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، وسمعته يقول: "أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي"، وسمعته يقول: "لأعطين الراية اليوم رجلا يحب اللّه ورسوله". وصحح الحديث الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1: 72 ح120، وعلّق عليه بقول: "قوله: فنال منه، أي نال معاوية من علي وتكلّم فيه".
وفي عون المعبود بشرح سنن أبي داود 12: 312 ح4636: "حدّثنا ابن العلاء عن ابن ادريس، أنبأنا حصين عن هلال بن يساف.. عن عبد اللّه بن ظالم المازني قال: ذكر سفيان رجلا فيما بينه وبين عبد اللّه بن ظالم المازني قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال: لمّا قدم فلان إلى الكوفة أقام فلان خطيباً، فأخذ بيدي سعيد بن زيد فقال: ألا ترى إلى هذا الظالم، فاشهد على التسعة أنّهم في الجنّة..".
قال العظيم آبادي في شرح الحديث: (لمّا قدم فلان إلى الكوفة أقام فلان خطيباً)، قال في فتح الودود: "ولقد أحسن أبو داوود في الكناية عن اسم معاوية والمغيرة بفلان ستراً عليهما في مثل هذا المحل.. قال بعض العلماء: كان في الخطبة تعريضاً بسبّ علي (رضي الله عنه)..").
وقد صحّح الحديث الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 3: 130 ح4648، وفي صحيحته 2: 531 ح875.
فمعاوية مؤسّس الدولة الأموية من أوّل يوم لدولته وتشكيلته الحكومية باشر هذا الفعل، وهو سبّ علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وإخفاء فضائل أهل البيت (عليهم السلام)، وإعطاء الأموال لإضفاء فضائل مزيفة له، والتحديث بتنقيص علي وآل علي، وهذا أمرٌ واضح من سيرة معاوية، ومن سيرة ولاته الذين نصبهم على البلاد والعباد، ومن يدافع عن بني أُمية ومعاوية ما هو إلاّ متبع لهوىً أو متعصب لدين الأجداد والآباء.
16- أنظر: تاريخ الطبري 8: 187، الأخبار الطوال للدينوري: 267، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 15: 178، وقال ابن كثير في البداية 8: 155: "ثم أباح مسلم بن عقبة الذي يقول فيه السلف مسرف بن عقبة ـ قبّحه الله من شيخ سوء ما أجهله ـ المدينة ثلاثة أيام كما أمره يزيد ـ لا جزاه الله خيراً ـ، وقتل خلقاً من أشرافها وقرّائها، وانتهب أموالا كثيرة منها، ووقع شرّ عظيم وفساد عريض... ووقعوا على النساء، حتى قيل: إنّه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج".
وقال ابن حجر العسقلاني في الإصابة 6: 232 رقم 8434: "مسلم بن عقبة بن أسعد.. المري أبو عقبة، الأمير من قبل يزيد بن معاوية على الجيش الذين غزوا المدينة يوم الحرة، ذكره ابن عساكر وقال: أدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشهد صفين مع معاوية.. وقد أفحش مسلم القول والفعل بأهل المدينة، وأسرف في قتل الكبير والصغير حتى سمّوه مسرفاً، وأباح المدينة ثلاثة أيام لذلك العسكر، ينهبون ويقتلون ويفجرون، ثمّ رفع القتل وبايع من بقي على أنهم عبيد ليزيد بن معاوية، وتوجّه بالعسكر إلى مكة ليحارب ابن الزبير لتخلّفه".
وقال النووي في شرحه لحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ولا يريد أحدٌ أهل المدينة بسوء إلاّ أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء)، "قال: لمن أرادها في الدنيا فلا يمهله الله ولا يمكن له سلطان، بل يذهبه عن قرب، كما انقضى شأن من حاربها أيام بني أُمية مثل مسلم بن عقبة، فإنّه هلك في منصرفه عنها، ثمّ هلك يزيد بن معاوية مرسلة على ذلك" شرح مسلم، النووي 9: 138.
وراجع ذلك أيضاً في المصادر التالية: سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 322، المستدرك للحاكم النيسابوري 3: 550، الثقات لابن حبان 2: 312، أُسد الغابة لابن الأثير 4: 397، فتح الباري لابن حجر 8: 245 و499 و13: 60، الديباج على مسلم للسيوطي 3: 407، فيض القدير في شرح الجامع الصغير 1: 57، الطبقات الكبرى لابن سعد 5: 39، تاريخ خليفة بن الخياط 147، تهذيب التهذيب لابن حجر 11: 316.
وغيرها من المصادر الكثيرة المتعرضة لهذه الواقعة المفجعة التي قتل خلق كثير فيها من الصحابة والتابعين، واستبيحت فيها نساؤهم وبناتهم وولدن الكثير من السفاح، حتى أنّ من صار منهم يسمّون أولاد الحرّة لعدم معرفة آبائهم، وأنّ الرجل بعد وقعة الحرّة كان يزّوج ابنته من دون أن يضمن بكارتها.
والملفت للنظر في هذا الأمر أنّ قائد الجيش الذي فعل هذه الأفعال الشنيعة في المدينة ـ وهو مسلم بن عقبة المري ـ ذكره بعضهم كابن حجر العسقلاني وغيره أنّه صحابي كما تقدّم، فعند ذلك يقع تضارب واضح بين من يؤمن بعدالة جميع الصحابة وأنّهم في الجنّة وبين الحديث المتقدّم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "ولا يريد أحدٌ أهل المدنية..." مع أفعال هذا الصحابي الشنيعة، فهل هذا عادل؟! وهل هو في الجنّة، لأنّه صحابي ولا يضّره ما فعل؟!
17- أضيفت لعدم استقامة الجملة بدونها.
18- راجع: تاريخ دمشق 59: 150، سير أعلام النبلاء 3: 147، البداية والنهاية 8: 140.
19- سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 31 ترجمة المغيرة بن شعبة الذي كان والياً لمعاوية على الكوفة، وكان ينال في خطبته من علي، وأقام خطباء ينالون منه.
20- راجع ما تقدّم من حديث أُم سلمة الذي نقلناه آنفاً.
21- تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 2 و3.
22- راجع: السنن لابن ماجة 1: 12، المعجم الأوسط 6: 164، تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 7، المستدرك للحاكم 1: 203 كتاب العلم، بألفاظ مختلفة، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك.
23- تاريخ دمشق 40: 500، كنز العمال 10: 293 ح29479.
24- تذكرة الحفاظ 1: 12.
25- تقييد العلم: 52، القسم الثاني، باختلاف.
26- الطبقات الكبرى 2: 336، كنز العمال 10: 295 ح29490.
27- المعجم الكبير للطبراني 19: 370.
28- صحيح البخاري 8: 26 كتاب المحاربين، باب رجم الحبلى.
29- الطبقات الكبرى 3: 342، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12: 260، كنز العمال 12: 671 ح36044. وقال: (ابن سعد والحارث، حل واللالكائي في السنّة وصحح).
30- وهذا الحديث اتخذه أبو حنيفة حجّة على جواز الخلافة للموالي، وخالف بذلك الصريح من حديث النبي (صلى الله عليه وآله) بأنّ الخلافة لا تكون إلاّ في قريش، ومن أجل ذلك اعتنق الأتراك مذهب أبي حنيفة عندما استولوا على الخلافة، وسمّوا أبا حنيفة الإمام الأعظم (المؤلف).
والنصّ في: تاريخ ابن خلدون 1: 194، أسد الغابة 2: 246.
31- النحل: 44.
32- النصّ في صحيح مسلم 1: 194، كتاب الحيض باب التيمّم، البخاري 1: 87، كتاب التيمّم باب التيمم للوجه والكفّين والوارد فيه: "الم تر عمر لم يقنع بقول عمّار".
33- راجع: صحيح البخاري 5: 138، كتاب العلم، باب كتابة العلم، وفي كتاب الجهاد والسير، باب هل يستشفع إلى أهل الذمّة وغيرها، صحيح مسلم 5: 76، كتاب الوصيّة، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، مسند أحمد 1: 325، السنن الكبرى للنسائي 3: 433 ح5852، المصنّف لعبد الرزاق 5: 439، صحيح ابن حبان 14: 562، وغيرها من المصادر.
أما عن اتهام عمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالهجر فراجع: سرّ العالمين للغزالي: 40، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 65، النهاية لابن الأثير 5: 245، السقيفة وفدك للجوهري كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 51، منهاج السنة لابن تيمية 6: 24 و 315.
34- آل عمران: 144.
35- الفرقان: 27 ـ 31.
36- نحوه الرياض النضرة 1: 249 ح609، تفسير الدر المنثور للسيوطي 3: 202، أسباب النزول للواحدي 242، تفسير القرطبي 8: 31، روح المعاني للآلوسي 5: 231.
37- صحيح البخاري 1: 46، باب خروج النساء إلى البراز.
38- البخاري 4: 96، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر، صحيح مسلم 4: 1485، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر.
39- بدايع الصنائع لأبي بكر الكاشاني 2: 45، النصّ والاجتهاد لشرف الدين: 43.
40- الإصابة 4: 640، ترجمة عيينة بن حصن.
وجاء في السيرة الحلبية 3: 512: "وفي كلام سبط ابن الجوزي أنّه [أي أبو بكر] كتب لها بفدك، ودخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها، فقال: مما تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى، ثمّ أخذ عمر الكتاب فشقه".
وفي المصنّف لأبن أبي شيبة 7: 641 "اقطع أبو بكر طلحة أرضاً وكتب له بها كتاباً وأشهد به شهوداً منهم عمر، فأتى طلحة عمر بالكتاب فقال: اختم على هذا، قال: لا أختم عليه، هذا لك دون الناس؟ فانطلق طلحة وهو مغضب، فأتى أبا بكر فقال: والله ما أدري أأنت الخليفة أو عمر، قال: لا بل عمر لكنّه أبى".
وفي كنز العمال 12: 583: "إن عمر مزّق الكتاب ومحاه".
41- المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي 2: 269 وسنده صحيح، فتح الباري لابن حجر العسقلاني 7: 345.
42- صحيح مسلم 4: 1507 كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة.
43- النساء: 3.
44- صحيح مسلم 4: 1486، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عثمان.
45- صحيح البخاري 2: 3، كتاب الجهاد، باب الدرق.
46- مسند أحمد 6: 39 وأشار محقّق الكتاب أحمد حمزة الزين إلى صحة الحديث. وقال الشيخ الألباني في صحيحته 1: 254 ح131 بعد أن ذكر الحديث: "أخرجه الحميدي في مسنده ق 42/2، وأبو داود: 2578، والنسائي في عشرة النساء ق 74/1 والسياق له، وابن ماجة: 1979 مختصراً وأحمد 6: 39/264"، السنن الكبرى للنسائي 5: 303 ح8942.
47- صحيح البخاري 2: 11 كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي وأصحابه المدينة.
48- البخاري 4: 68 و7: 29 كتاب الطب، باب هل يستخرج السحر.
49- البخاري 2: 234، كتاب الصوم، باب الصائم يصبح جنباً وما بعده.
50- البخاري 1: 44 و171، كتاب الوضوء، باب التخفيف، صحيح مسلم 1: 442، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل.
51- البخاري 1: 123، 2: 65، كتاب السهو.
52- البخاري 2: 71 كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا اُدرج في أكفانه.
53- صحيح مسلم 1: 157، كتاب الطهارة، باب المسح على الخفّين.
54- صحيح البخاري 1: 86، كتاب التيمم، باب التيمم، وأيضاً في كتاب فضائل أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، باب فضل أبي بكر بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وصحيح مسلم 1: 191 كتاب الطهارة، باب التيمّم.
55- القلم: 4.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page