قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : جرى حوار بيني وبين أحد الأصدقاء حول عصمة الإمام ، قال لي : أنتم مغالون تبالغون في حبِّ أهل البيت(عليهم السلام)حتى ادّعيتم أنهم معصومون ، ومفوَّضون بالتشريع ، ونحن لا نرى سوى عصمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .
قلت : أولا : أهل السنة والجماعة لا يقولون بأن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوم في كل شيء ، بل في أمر التبليغ فقط ، ولا ندري كيف يحدِّدون ويصنّفون الأمور الواردة عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أيٌّ منها من الدين ، وأيٌّ من غيره ، وذلك بخلاف قول الشيعة الذين يقولون بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المطلقة ، ولا فرق في ذلك بين أمور التشريع وغيرها .
أمَّا عصمة أهل البيت(عليهم السلام)فالآية واضحة في دلالتها ، يقول تعالى : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}(1) الآية(2) .
أضف إلى ذلك مجموعة الأحاديث التي نستشفُّ منها بوضوح دلائل العصمة ، وحسبك في ذلك حديث الثقلين(3) ، بعد أن ثبتت صحّته لدى جمهور المسلمين سنَّةً وشيعةً .
قال : هذا الحديث لا يدلُّ على العصمة ، فهو فقط يخبرنا بالرجوع لأهل البيت(عليهم السلام) .
قلت : بل الحديث أوضح من أن يبحث فيه عن العصمة ; إذ أن صحّة الحديث يؤكِّد عصمتهم ، وإليك البيان ، وسألته : ما قولك في القرآن ؟
قال : ماذا تقصد ؟!
قلت : هل يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ؟
قال : لا .
قلت : إن اقتران أهل البيت(عليهم السلام)بالكتاب ، والتصريح بعدم الافتراق عنه يدلُّ على عصمتهم ; إذ أن صدور أيِّ مخالفة للشريعة منهم سواء كان عمداً أم سهواً أم غفلة يعتبر افتراقاً عن القرآن ، لو قلنا بأنهم يفترقون عنه ولو للحظة فهذا تكذيب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الذي أخبر عن الله عزَّوجلَّ بعدم وقوع الافتراق ، وتجويز الكذب على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) متعمِّداً مناف لعصمته حتى في مجال التبليغ ، وقد أكَّد على الحديث في أكثر من موضع .
أضف إلى ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اعتبر التمسُّك بهم عاصماً من الضلالة دائماً وأبداً ، كما هو مقتضى ما تفيده كلمة لن التأبيديَّة ، فإذا كان هنالك مجال لضلالتهم ولو للحظة فكيف يكون التمسُّك بهم عاصماً ؟!
هذا عن العصمة ، أمَّا ما قلته عن التفويض فلا أحد من الشيعة يقول به ، إنما هو قول أعداء الدين الذين حاولوا تشويه الصورة النقيَّة للتشيُّع ، وأنت إذا أردت أن تتعرَّف على معتقدات الشيعة فيجب عليك الاطّلاع عليها من كتبهم وأقوال علمائهم ، لا من كتب وأقوال المناوئين لهم ، الذين لا يتورَّعون عن الكذب والافتراء ، ومعروف عند الشيعة أن الأئمة يقولون بما قاله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وها هو الإمام أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) يقول : علَّمني رسول الله ألف باب من العلم ، يفتح لي من كل باب ألف باب(4) .
فهم لا يقولون بالتفويض ، بل أهل السنة والجماعة هم الذين فوَّضوا الصحابة في التشريع ، حتى أمضوا اجتهادات الصحابة الواضحة مقابل النصوص المؤكَّدة .
بعد هذا الحوار أخذ صاحبي يبحث له عن مخرج ، وبدأ يقفز بالحديث هنا وهناك ، ويحاول أن يجد ثغرة يصطادني بها ، وعندما لم يجد قال لي : يا أخي ! أنا مفوِّض أمري إلى الله ، نحن أهل تسليم .
قلت : التسليم لا يكون إلاَّ للحقِّ ، أمَّا التفويض لله فلا يلغي إرادتك ويجمِّد عقلك ، إذا كنت تصبو إلى الحقيقة واصل بحثك عنها ، ثمَّ فوِّض الأمر إلى الله يهديك إلى الصراط المستقيم ، أمَّا أن تكون لا تدري أعلى حقٍّ أنت أم على غيره ، ثمَّ تفوِّض الأمر ، هذا تبرير لا يقبل شرعاً ولا عقلا ... وتركته وذهبت(5) .
____________
1- سورة الأحزاب ، الآية : 33 .
2- روى الحاكم النيسابوري ، عن أم سلمة قالت : في بيتي نزلت : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) قالت : فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : هؤلاء أهل بيتي .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه . المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 3/146 .
3- تقدَّم مع تخريجاته .
4- تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/385 ، ينابيع المودة ، القندوزي : 1/231 ح71 ، نظم درر السمطين ، الزرندي : 113 .
5- بنور فاطمة (عليها السلام) اهتديت ، عبد المنعم حسن : 142 ـ 144 .
مناظرة الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعض أصدقائه حول العصمة في حديث الثقلين
- الزيارات: 962