أقول: إنّ كان المراد من قولكم: أنّ الشيعة تعتقد بأنّ رسول اللّه قد بعث إلى عليّ وحده دون غيره، فهو باطل لم يذهب له أحد حتّى العوام من الشيعة.
وإنّ كان المراد بأنّ عليّاً هو الذي تربّى على يدي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، وهو ثمرة جهوده ومستودع علومه وتعاليمه والمتّبع لسننه وآدابه، فكان وصيّه والقائم مقامه من بعده فهذا هو الحقّ الذي تدلّ عليه الأخبار النبويّة الصحيحة والآثار الثابتة عن الصحابة فقد وصف فيها بالوصاية والوراثة وإليكم نماذج منها:
روى الطبراني بإسناده عن سلمان، قال: "قلت يا رسول اللّه: إنّ لكلّ نبي وصيّاً فمن وصيّك؟ ـ إلى أن قال: ـ فإنّ وصيّي وموضع سرّي وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني، عليّ بن أبي طالب"(1).
وروى أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك، عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، قال: "قال وصيّي، ووارثي، يقضي ديني، وينجز موعدي، عليّ بن أبي طالب"(2). روى ابن عساكر عن بريدة، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): "لكلّ نبيّ وصيّ ووارث، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي"(3).
روى الطبراني عن الحسن بن علي (عليهما السلام)، قال: "خطب الحسن بن علي بن أبي طالب فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر أمير المؤمنين عليّاً(رضي الله عنه)خاتم الأوصياء ووصيّ خاتم الأنبياء"(4).
رواه الهيثمي، وتعقبّه قائلاً:ورواه أحمد باختصار كثير وإسناد أحمد وبعض طرق البزّار والطبراني في الكبير حسان(5) وروى قريباً منه أبو نعيم عن أنس(6).
وروى الطبراني عن علي بن علي الهلالي، عن أبيه، قول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): "ووصيّي خير الأوصياء وأحبّهم إلى اللّه وهو بعلك"(7).
قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه الهيثم بن حبيب قال أبو حاتم: منكر الحديث وهو متّهم بهذا الحديث"(8).
وقال في حديث آخر فيه الهيثم: "وأمّا الهيثم بن حبيب فلم أر من تكلّم فيه غير الذهبي اتّهمه بخبر رواه وقد وثّقه ابن حبان"(9).
فيقع التعارض بين جرح أبي حاتم ـ وتبعه الذهبي ـ وتوثيق ابن حبان; لأنّ الذهبي قال في أبي حاتم:وإذا ليّن رجلاً أو قال فيه: لا يحتجّ به، فتوقّف حتّى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثّقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم، فإنّه متعنت في الرجال(10).
مضافاً إلى أنّ التضعيف الذي لم يذكر له مستند فغير مقبول.
كما قال النووي:ولا يقبل الجرح إلاّ مفسّراً، وهو أن يذكر السبب الذي به جرح، ولأنّ الناس يختلفون فيما يفسق به الإنسان، ولعلّ من شهد بفسقه شهد على اعتقاده(11). وقريب منه عن ابن قدامة(12).
قال ابن حجر بعد تضعيف الدارقطني، يزيد بن أبي مريم: "هذا جرح غير مفسّر، فهو مردود"(13).
قال الخطيب: "سمعت القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد اللّه بن طاهر الطبري يقول: لا يقبل الجرح إلاّ مفسّراً وليس قول أصحاب الحديث فلان ضعيف، وفلان ليس بشي، ممّا يوجب جرحه وردّ خبره، وإنّما كان كذلك لأنّ الناس اختلفوا فيما يفسق به، فلابدّ من ذكر سببه لينظر هل هو فسق أم لا؟ قلت: وهذا القول هو الصواب عندنا وإليه ذهب الأئمّة من حفّاظ الحديث ونقّاده مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري وغيرهما"(14).
____________
(1) المعجم الكبير: ج6 ص221، مجمع الزوائد: ج9 ص113، فتح الباري: ج8 ص114.
(2) فضائل الصحابة: ج2 ص615 ح 1052، نشر جامعة أمّ القرى ـ بمكّة المكرّمة.
(3) تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص392، المناقب للخوارزمي: 42، و85.
(4) المعجم الأوسط: ج2 ص336.
(5) مجمع الزوائد: ج9 ص146.
(6) حلية الأولياء: ج1 ص63، المناقب للخوارزمي: 42، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص386.
(7) المعجم الأوسط: ج6 ص327. المعجم الكبير: ج3 ص57، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص130.
(8) مجمع الزوائد: ج9 ص166.
(9) مجمع الزوائد: ج3 ص190.
(10) سير أعلام النبلاء: ج13 ص260، وكذا قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري: 441.
(11) المجموع: ج20 ص136 ونحوه في شرح مسلم: ج10 ص181.
(12) المغني: ج11 ص423.
(13) مقدمة فتح الباري: 453.
(14) الكفاية في علم الرواية: 135.
حديث الوصاية تثبت منهج الإمامية
- الزيارات: 1040