• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أولاً: الآيات الذامة لبعض الصحابة


إنّ قولكم: "فإن الصحابة "رض" قد مدحهم الله عز وجل" ليس دقيقاً؛ لأن الآيات الواردة في مدح الصحابة مجملة، والمدح فيها مشروط باستمرارهم على الإيمان والطاعة والإتباع للرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وسيأتي تفصيل الكلام في هذه النقطة لاحقاً.
وأما قولك: "بأن الله تعالى لم يذم الصحابة" فهو خلاف التحقيق والتتبع؛ إذ أن الآيات المباركة التي تعرضت لذم بعض الصحابة كثيرة جداً مع تنوع واختلاف ألفاظ الذم والتقريع، ونشير فيما يلي إلى بعض تلك الآيات تاركين التفصيل إلى الكتب التي اختصت بهذا المجال(1):

1ـ قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فإن أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}(2)، فإن هذه الآية المباركة نزلت في بعض من أسلم ورأى رسول الله(صلى الله عليه وآله).
ذكر ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي حاتم، بسنده عن ابن عباس قال: "كان ناس من الأعراب يأتون النبي(صلى الله عليه وآله) فيسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن، قالوا: إن ديننا هذا لصالح تمسكوا به، وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا: ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله على نبيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فإن أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ}"(3)، وقد أخرج هذه الحادثة البخاري أيضاً في صحيحه بألفاظ أخرى(4).
ومن الواضح أن أولئك الأعراب هم من الصحابة؛ لكونهم مشمولين بتعريف البخاري وأحمد والنووي وابن حجر وغيرهم؛ وذلك لأنهم كانوا يأتون إلى النبي(صلى الله عليه وآله) ويرونه ويسلمون ويهتدون على يديه، وهذا القدر كاف في احتساب الشخص من صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) بحسب تعريف هؤلاء الأعلام.
قال البخاري في صحيحه: "ومن صحب النبي(صلى الله عليه وآله) أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه"(5).
وقال أحمد بن حنبل: "كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة ورآه فهو من أصحابه له الصحبة"(6).
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: "فأما الصحابي فكل مسلم رأى رسول الله ولو لحظة، هذا هو الصحيح في حده، وهو مذهب أحمد بن حنبل وأبي عبد الله البخاري في صحيحه والمحدثين كافةٌ"(7).
ولا شك أن الآية المباركة واضحة في أشد أنواع الذم والتقريع والتوبيخ على عبادتهم السطحية ومعرفتهم الساذجة عن الإسلام، بل الآية صريحة في ارتداد أولئك الصحابة من الأعراب والحكم عليهم بالخسران المبين في الدنيا والآخرة.

2ـ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}(8)، ولا يخفى أن المقت هو أشد البغض والغضب والبعد عن رحمة الله تعالى، كما هو صريح كلمات اللغويين(9) والمفسرين(10)، وهل هناك تعبير أدل على الذم والتوبيخ من التعبير بألفاظ البغض والغضب والطرد عن الرحمة الإلهية؟!
والآية المباركة كما هو صريح كلمات المفسرين وغيرهم قد نزلت في بعض الصحابة الذين كانوا يقولون ما لا يفعلون، ولاشك أن هذه صفة ذميمة من صفات المنافقين.
قال الطبري في تفسيره:
"واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية، فقال بعضهم: أنزلت توبيخاً من الله لقوم من المؤمنين تمنوا معرفة أفضل الأعمال فعرفهم الله إياه، فلما عرفوا، فعوتبوا بهذه الآية... وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في توبيخ قوم من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان أحدهم يفتخر بفعل من أفعال الخير التي لم يفعلها، فيقول: فعلت كذا، وكذا، فعذلهم الله على افتخارهم بما لم يفعلوا كذباً"(11)، وهذا البيان الذي ذكره الطبري، من أن الآية دالة على توبيخ الصحابة وأنه عتاب وعذل من الله تعالى، دال بوضوح على أن العتاب قد يتضمن التوبيخ، بل أشد أنواع الذم كما هو واضح من معنى المقت الذي أشرنا إليه.
وقال ابن كثير في هذا المجال:
"عن ابن عباس في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله عز وجلّ دلّنا على أحبّ الأعمال إليه فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال: إيمان به لا شك فيه وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به، فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره، فقال الله سبحانه وتعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}" وهذا اختيار ابن جرير".
وقال مقاتل بن حيان:
"قال المؤمنون لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملنا به، فدلّهم الله على أحب الأعمال إليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} فبيّن لهم فابتلوا يوم أحد بذلك، فولّوا عن النبي(صلى الله عليه وآله) مدبرين، فأنزل الله في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}"(12).
واختار ابن جرير في تفسيره أن الآية نزلت في المؤمنين دون المنافقين، معللاً ذلك بقوله: "لأن الله جل ثناؤه خاطب بها المؤمنين، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} ولو كانت نزلت في المنافقين لم يسموا ولم يوصفوا بالإيمان"(13).

3ـ قوله تعالى: { إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا}(14).
قال القرطبي في تفسيره للآية وبيان سبب نزولها:
"وذلك أن طعمة بن أبيرق ومعتب بن قشير وجماعة نحو من سبعين رجلاً قالوا يوم الخندق: كيف يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا يستطيع أحدنا أن يتبرز؟"(15).
وقد عدّ أصحاب التراجم طعمة بن أبيرق الأنصاري من الصحابة وذكروا أن معتب بن قشير ممن شهد بدراً وأحداً وأدرجوه في عداد الصحابة أيضاً(16).
فإن كان أولئك الصحابة من المنافقين، فذمهم وتقريعهم في القرآن لا يحتاج إلى بيان، فقد ذمهم الله في مواضع عديدة في كتابه العزيز، بل أنزل الله تعالى سورة كاملة في ذمهم ومسمّاة باسمهم، وإن كانوا من الذين في قلوبهم مرض، فقد قال الله تعالى في حقهم: {وَإذا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ}(17)، ولا نجد أصرح في الذم من هذا البيان الوارد في الآية المباركة.

4 ـ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا}(18).
فهل يعد هذا البيان في الآية مجرد عتاب خال من كل أشكال القدح والذم والتأنيب؟
قال البغوي في تفسيره للآية: "نزلت في رجل من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) قال: لئن قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأنكحن عائشة، قال مقاتل بن سليمان: هو طلحة بن عبيد الله، فأخبره الله عز وجل أن ذلك محرّم، وقال: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} أي: ذنباً عظيماً"(19).
وقال الآلوسي في تفسيره للآية:
"{أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} أي: تفعلوا في حياته فعلاً يكرهه ويتأذى به.... {وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا} من بعد وفاته أو فراقه، وهو كالتخصيص بعد التعميم، فإن نكاح زوجة الرجل بعد فراقه إياها من أعظم الأذى"(20).
إذن كان بعض الصحابة ممن كانت له صحبة طويلة وهجرة وجهاد كطلحة وغيره يؤذون النبي(صلى الله عليه وآله) بأقوالهم وأفعالهم، مما أدى إلى نزول قرآن وآياتٍ مباركة توبخهم على ذلك، وقد ذمت آيات قرآنية أخرى الذين يؤذون النبي(صلى الله عليه وآله) ولعنتهم وتوعدتهم بالعذاب المهين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} (21).
هذه بعض الآيات المباركة التي ذمت ووبخت جملة من الصحابة، وهناك آيات كثيرة أخرى ذكرت بعضها في الرسالة التي بعثتها إليك وهي مرفقة في هذا الكتاب، كما أن هناك آيات وافرة في هذا المجال سنذكرها في الأجوبة اللاحقة، مضافاً إلى ما نزل بحق المنافقين الذين سنبين أنهم من الصحابة أيضاّ، وآيات ذم المنافقين لا تخفى على سعادتكم.
ويضاف إلى ذلك كلّه جملة من الروايات المتضافرة والأحداث التاريخية الحافلة بتجاوزات بعض الصحابة وإيذائهم للنبي(صلى الله عليه وآله) وما بدر من ذمّ وتقريع شديدين من قبله(صلى الله عليه وآله) لهم، فإن إنكار ذلك لا يخلو عن مكابرة وتعنت.

____________
(1) راجع: الصحبة والصحابة، حسن بن فرحان المالكي؛ نظرية عدالة الصحابة أحمد حسين يعقوب؛ الصحابة في حجمهم الحقيقي، الهاشمي بن علي.
(2) الحج: 11.
(3) ابن كثير، القرآن العظيم: ج3 ص219، دار المعرفة ـ بيروت.
(4) البخاري، صحيح البخاري: ج3 ص224، كتاب، التفسير باب، 190، دار الفكر ـ بيروت.
(5) البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص406، كتاب، الفضائل، باب التفسير، دار الفكر ـ بيروت.
(6) أحمد بن حنبل، أصول السنة: ص40، دار المنار ـ السعودية.
(7) النووي، شرح صحيح مسلم: ج1 ص35ـ 36، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
(8) الصف: 2ـ3.
(9) انظر: الجوهري، الصحاح: ج1 ص266، دار العلم للملايين؛ لسان العرب: ج2 ص90، دار صادر.
(10) الطبري، جامع البيان: ج22 ص172، دار الفكر ـ بيروت؛ معاني القرآن، النحاس: ج5 ص462، جامعة أم القرى ـ السعودية.
(11) ابن جرير الطبري، جامع البيان: ج28 ص107.
(12) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: ج4 ص382ـ 383، دار المعرفة ـ بيروت.
(13) ابن جرير الطبري، جامع البيان: ج28 ص108.
(14) الأحزاب: 10ـ12.
(15) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج14 ص147، مؤسسة التاريخ العربي ـ بيروت.
(16) لاحظ: الإصابة في تمييز الصحابة: ج3 ص420؛ الطبقات، ابن سعد: ج3 ص463.
(17) التوبة: 124ـ 125.
(18) الأحزاب: 53.
(19) البغوي، تفسير البغوي: ج3 ص541.
(20) الآلوسي، روح المعاني: ج22 ص72.
(21) الأحزاب: 57.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page