قلتم في ص59: "نحن نحب أن لا يكون بيننا وبين الشيعة خلاف ونتمنى أن ينحصر الخلاف فيما بيننا وبينهم، ليكون مثل ما بين المالكية والأحناف أو أي مذهبين من مذاهب السنة".
ثم قلتم في الصفحة ذاتها: "والمطلع على كتب الشيعة القديمة يرى أن هناك فرقاً كبيراً بين الشيعة وأهل السنة، بل يرى اتجاهين لا يلتقيان أبداً.
وكتب الشيعة الأصول مملوءة بما يقرر عدة عقائد كل واحدة كافية لجعل الشيعة مذهباً خارجاً في نظر السنة عن الإسلام".
قلت: إنّ شعار (أهل السنّة والجماعة) الذي رفعتموه وجعلتموه ذريعة تلمزون به الشيعة وتخرجون أتباع أهل البيت(عليهم السلام) عن ربقة الإسلام، ما هو إلا خدعة كاذبة قد تنطلي على البسطاء من الناس، ممن ليس له نصيب من المعرفة الكافية في مجال البحوث الدينية والعقدية.
ولكن الذي يتابع ويطالع كتب الفرق والملل والمذاهب والمجامع الحديثية سرعان ما ينكشف زيف ذلك الشعار المهلهل، وتسفر الحقيقة عن واقع التشرذم والتمزق الذي يسود الطوائف السنية، وقد تجاوزت فرق السنة حدّ العدّ والإحصاء، ووقع بينها صراعات مريرة واختلافات واسعة تناولت معظم مسائل الدين والعقيدة بما في ذلك مباحث التوحيد، حتى صار ذلك سبباً ومدعاة للتراشق فيما بينها بعبارات التكفير والتبديع والتضليل، فأصبحت كل فرقة تدعي أنها (أهل السنّة والجماعة) وغيرها خارج عن ذلك العنوان، والأمثلة في هذا المجال كثيرة نشير إلى بعضها على سبيل الإشارة والاختصار:
1ـ تكفير غير الأشاعرة من المسلمين
قال أبو إسحاق الشيرازي إمام الشافعية في عصره: "فمن اعتقد غير ما أشرنا إليه من اعتقاد أهل الحق المنتسبين إلى الإمام أبي الحسن الأشعري ـ رضي الله عنه ـ فهو كافر"(1).
2ـ تكفير غير الحنابلة من المسلمين
أورد الذهبي في التذكرة عن أبي حاتم بن خاموش الحافظ بالري والذي كان مقدّم أهل السنة فيها، قوله: "فكل من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم"(2).
3ـ تكفير الشافعية للحنابلة
قال ابن عساكر: "إن جماعة من الحشوية والأوباش الرعاع المتوسمين بالحنبلية أظهروا ببغداد من البدع الفضيعة والمخازي الشنيعة ما لم يتسمح به ملحد فضلاً عن موحد"(3).
4 ـ تكفير أبي حنيفة وأتباعه
عن سفيان الثوري قال: "استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين"(4)، وفي الانتقاء لابن عبد البر: "وقال نعيم عن الفزاري: كنت عند سفيان بن عيينة، فجاء نعي أبي حنيفة، فقال: لعنه الله كان يهدم الإسلام عروة عروة، وما ولد في الإسلام مولود أشر منه"(5).
وروى الخطيب البغدادي بإسناده عن الحنيني، قال: "سمعت مالكاً يقول: ما ولد في الإسلام مولود أشأم من أبي حنيفة"(6).
روى الخطيب البغدادي بسنده عن أبي بكر السجستاني يقول لأصحابه: "ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا له: يا أبا بكر، لا تكون مسألة أصح من هذه، فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل أبي حنيفة"(7).
وفي كتاب السنة عن سفيان أنه ذكر أبا حنيفة، فقال: "استتيب أصحابه من الكفر غير مرة"(8)،
وعن شريك كان يقول: "لأن يكون في كل حي من الأحياء خمّار خير من أن يكون فيه رجل من أصحاب أبي حنيفة"(9).
ومسألة تكفير أبي حنيفة وأتباعه وتضليلهم وتبديعهم مما امتلأت بها كتب الرجال والدراية والمجامع الحديثية.
____________
(1) أبو إسحاق الشيرازي، شرح اللمع: ج1 ص111.
(2) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج3 ص1187، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
(3) ابن عساكر، تبيين كذب المفتري: ص310، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
(4) عبد الله بن أحمد بن حنبل، كتاب السنة: ص72، دار البصيرة ـ مصر.
(5) ابن عبد البر، الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء: ص149، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(6) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج13 ص401، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(7) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج13 ص382.
(8) عبد الله بن أحمد بن حنبل، كتاب السنة: ص72.
(9) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج13 ص397.
التكفير المتبادل بين الجماعات السنية
- الزيارات: 689