• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تكامل الخلق وسمو الذات

لقد تميزت صفات الأئمة ( عليهم السلام ) وأحوالهم عن سائر الخلائق بهالة من
السمو والقدسية ، لما حباهم الله تبارك وتعالى وخصهم بالإمامة والسيادة
على الناس كافة . وسيرة حياة أهل البيت ( عليهم السلام ) تعطينا النبأ اليقين عنهم . .
فهم لا يخالفون الحق ، ولا يفارقونه طرفة عين . . وهم مع الحق والحق
معهم ، وهم يعرفون الحق معرفة كاملة ، ويعملون به ، وتلك المعرفة السامية
جعلتهم الركائز الثابتة الراسخة التي يقوم عليها صرح الإسلام بعد رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ومعارفهم الفذة ، وأخلاقهم المحمدية القرآنية ، جعلتهم قبلة
المسلمين ، يرجع إليهم علماؤهم وفقهاؤهم في كل شأن من شؤون التشريع
الإسلامي ، فيفيضون عليهم من الشرح ، والتحليل ، والتعليل ، ما تطيب به
نفوسهم ، وتهش له قلوبهم .
وإمامنا الباقر ( عليه السلام ) أحد أولئك الأفذاذ الذين تقصر عند أعتابهم كلمات
الثناء والمديح . فعنه يقول ابن شهرآشوب في المناقب : كان أصدق الناس لهجة ،
وأحسنهم بهجة ، وأبذلهم مهجة ، فإنه يرسم لنا صورة مشرقة بالنضارة والطهارة
عن أهل البيت .
هم شجرة النبوة الرفيعة والدوحة الهاشمية الباسقة ، وعندهم من العلم
جواهره ، وعليهم تتنزل الملائكة والروح ، وهم الذين استودعهم جدهم رسول
الله مخزون أسرار الملك ، والملكوت ، وهم الذين فرض الله ولايتهم على كل
مسلم ومسلمة ، فمن أطاع الله ورسوله فيهم ، ظفر بالروح والريحان ، ومن نكث
فإنما ينكث على نفسه ويصلى في جحيم النيران .
لنستمع إلى كلماته بأعيانها [ الرائعة ] : " نحن شجرة النبوة ، وبيت الرحمة ،
ومفاتيح الحكمة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وموضع
سر الله ، ونحن وديعة الله في عباده ، ونحن حرم الله الأكبر ، ونحن عهد الله ، فمن
وفى بذمتنا فقد وفى بذمة الله ، ومن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله ، ومن خفرنا
فقد خفر ذمة الله " ( 1 ) .
ومما جاء عن معالي أخلاقه ( عليه السلام ) وسموها أنه كان إذا ضحك قال : اللهم لا
تمقتني . وجاء في نثر الدرر للآبي : كان إذا رأى مبتلى أخفى الاستعاذة ، وكان لا
يسمع من داره يا سائل بورك فيك ، ولا يا سائل خذ هذا . وكان يقول لأهل بيته :
سموهم بأحسن أسمائهم ( 2 ) .
ويروى أن رجلا من أهل الشام كان قد سكن المدينة المنورة ، وكان يتردد
كثيرا على دار الإمام ( عليه السلام ) ويقول له : يا محمد ، ألا ترى أني إنما أغشى مجلسك
حياء مني لك ، ولا أقول : إن في الأرض أحدا أبغض إلى منكم أهل البيت ، وأعلم
أن طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم ؟ ولكن أراك رجلا
فصيحا ، لك أدب وحسن لفظ ، وإنما الاختلاف إليك لحسن أدبك ، وكان أبو
جعفر ( عليه السلام ) يقول له خيرا ، ويقول : لن تخفى على الله خافية .
فلم يلبث الشامي إلا قليلا حتى مرض واشتد وجعه ، فلما ثقل دعا وليه ،
وقال له : إذا أنت مددت على الثوب في النعش ، فأت محمد بن على وأعلمه أني
أنا الذي أمرتك بذلك .
قال : فلما أن كان في نصف الليل ظنوا أنه قد برد وسجوه ، فلما أن أصبح
الناس خرج وليه إلى المسجد ، فلما أن صلى محمد بن علي ( عليه السلام ) وتورك - وكان
إذا صلى عقب في مجلسه - .
قال له : يا أبا جعفر ، إن فلانا الشامي قد هلك ، وهو يسألك أن تصلي
عليه .
فقال أبو جعفر : كلا ، إن بلاد الشام بلاد صر وبلاد الحجاز بلاد حر
ولحمها شديد ، فانطلق فلا تعجلن على صاحبك حتى آتيكم ؛ ثم قام من
مجلسه ، فأخذ وضوءا ، ثم عاد فصلى ركعتين ، ثم مد يده تلقاء وجهه ما شاء الله
ثم خر ساجدا حتى طلعت الشمس .
ثم نهض فانتهى إلى منزل الشامي ، فدخل عليه ، فدعاه فأجابه ، ثم أجلسه
فسنده ، ودعا له بسويق فسقاه .
فقال لأهله : املأوا جوفه ، وبردوا صدره بالطعام البارد ؛ ثم انصرف ، فلم
يلبث إلا قليلا حتى عوفي الشامي ، فأتى أبا جعفر ( عليه السلام ) فقال : أخلني ؛ فأخلاه ،
فقال : أشهد أنك حجة الله على خلقه ، وبابه الذي يؤتى منه ، فمن أتى من غيرك
خاب وخسر وضل ضلالا بعيدا .
قال له أبو جعفر ( عليه السلام ) : وما بدا لك ؟ قال : أشهد أني عهدت بروحي
وعاينت بعيني ، فلم يتفاجأني إلا ومناد ، أسمعه بأذني وما أنا بالنائم : ردوا عليه
روحه ، فقد سألنا ذلك محمد بن على .
فقال له أبو جعفر ( عليه السلام ) : أما علمت أن الله يحب العبد ويبغض عمله ،
ويبغض العبد ويحب عمله ؟ قال : فصار بعد ذلك من أصحاب أبي
جعفر ( عليه السلام ) ( 3 ) .
ومما يروى أيضا أن نصرانيا قال للإمام ( عليه السلام ) : أنت بقر ؟
قال : لا أنا باقر .
قال : أنت ابن الطباخة ؟
قال : ذاك حرفتها .
قال : أنت ابن السوداء الزنجية البذية ؟
قال : إن كنت صدقت غفر الله لها ، وإن كنت كذبت غفر الله لك .
فأسلم النصراني ( 4 ) لما رأى من خلق الإمام الرفيع وعدم انفعاله ،
وحسن جوابه رغم استفزازه بالأسئلة المقرفة ، وجواب الإمام ( عليه السلام ) عنها برد
جميل .
وروي عن زرارة قال :
حضر أبو جعفر ( عليه السلام ) جنازة رجل من قريش وأنا معه وكان فيها عطاء
فصرخت صارخة ، فقال عطاء : لتسكتن أو لنرجعن .
قال : فلم تسكت ، فرجع عطاء ، قال : فقلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : إن عطاء قد
رجع ، قال : ولم ؟ قلت صرخت هذه الصارخة .
فقال لها : لتستكن أو لنرجعن فلم تسكت فرجع .
فقال : امض بنا فلو أنا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا له الحق ، لم
نقض حق مسلم .
قال : فلما صلى على الجنازة قال وليها لأبي جعفر : ارجع مأجورا رحمك
الله فإنك لا تقوى على المشي فأبى أن يرجع .
قال : فقلت له : قد أذن لك في الرجوع ولي حاجة أريد أن أسألك عنها .
فقال : امض فليس باذنه جئنا ولا باذنه نرجع ، إنما هو فضل وأجر طلبناه
فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك ( 5 ) .
وجاء في البحار أيضا :
عن يونس بن يعقوب ، عن بعض أصحابنا ، قال : كان قوم أتوا أبا
جعفر ( عليه السلام ) فوافقوا صبيا له مريضا فرأوا منه اهتماما وغما وجعل لا يقر .
قال فقالوا : والله لئن أصابه شئ إنا لنتخوف أن نرى منه ما نكره .
قال : فما لبثوا أن سمعوا الصياح عليه فإذا هو قد خرج عليهم منبسط
الوجه في غير الحال التي كان عليها .
فقالوا له : جعلنا الله فداك لقد كنا نخاف مما نرى منك أن لو وقع أن نرى
منك ما يغمنا .
فقال لهم : إنا لنحب أن نعافى فيمن نحب ، فإذا جاء أمر الله سلمنا فيما
يحب ( 6 ) .
وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : أعتق أبو جعفر ( عليه السلام ) من غلمانه
عند موته شرارهم وأمسك خيارهم ، فقلت : يا أبت تعتق هؤلاء وتمسك هؤلاء ؟
فقال : إنهم قد أصابوا مني ضربا فيكون هذا بهذا ( 7 ) .
_____________
( 1 ) أهل بيت رسول الله في دراسة حديثة / محمد علي أسير : 16 - 17 .
( 2 ) في رحاب أئمة أهل البيت / الأمين 4 : 6 .
( 3 ) الأمالي / الطوسي : 410 - 411 .
( 4 ) بحار الأنوار / المجلسي 46 : 289 .
( 5 ) المصدر السابق / 300 .
( 6 ) المصدر السابق / 301 .
( 7 ) المصدر السابق / 300 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page