• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مع الشعر والشعراء

لم تنص المصادر المترجمة للإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) على أنه كان ينظم
الشعر ، وإنما نصت على أنه فتح أبوابا كثيرة من العلوم ، وأسس معظم قواعدها ،
وأنه ممن أوتي الحكمة وفصل الخطاب ، غير أن قول الشعر لم يكن على الإمام
الباقر ( عليه السلام ) بعزيز ، من حيث بلاغة الإمام وفصاحته وتمكنه من علوم اللغة العربية
أولا ، وقد دلت على ذلك المجموعة الضخمة من كلماته الحكمية التي هي من
الطراز الأول في فصاحتها وبلاغتها .
وثانيا الطابع العام السائد آنذاك في الجزيرة العربية كانت آثاره وبصماته
واضحة على أفراد ذلك الجيل ، وما هذا التراث الشعري الضخم الذي وصل إلينا
إلا شاهد على سمات تلك العصور ، وأن الفرد العربي يقول الشعر بالبديهة
خاصة سكان البادية حيث اللسان العربي الفصيح وخلوه من اللحن وعوامل
البيئة كل ذلك يجعل من كلام العرب سبكا بليغا له ترنيمات خاصة هو للشعر
أقرب منه للنثر .
وسواء صح عن الإمام ( عليه السلام ) انه كان ينظم الشعر أم لم يصح فإن من
المقطوع به أنه كان في طليعة البلغاء الفصحاء الذواقين للشعر .
ومن الشواهد على معرفة الإمام الباقر ( عليه السلام ) بالشعر ، بل وتضلعه به وإجازته
عليه أن الكميت ( رحمه الله ) ( ت / 612 ه‍ ) أتى المدينة فأنشد الباقر ( عليه السلام ) قصيدته التي
يقول فيها :
من لقلب متيم مستهام * غير ما صبوة ولا أحلام
فأنصت له الإمام فلما بلغ إلى قوله :
أخلص الله لي هواي فما اغ‍ * رق نزعا ولا تطيش سهامي
قال ( عليه السلام ) قل : ( فقد أغرق نزعا وما تطيش سهامي ) فقال : يا مولاي أنت
اشعر مني في هذا المعنى ( 1 ) . وفي المناقب : بلغنا ان الكميت انشد الباقر ( عليه السلام ) : من
لقلب متيم مستهام . فتوجه إلى الكعبة فقال : اللهم ارحم الكميت واغفر له ، ثلاث
مرات ثم قال : يا كميت هذه مائة ألف قد جمعتها لك من أهل بيتي فقال
الكميت : لا والله لا يعلم أحد اني آخذ منها حتى يكون الله عز وجل يكافيني
ولكن تكرمني بقميص من قمصك فأعطاه .
وفي حديث آخر ما روي عن عبيد الله بن زرارة ، عن أبيه قال : كنا عند أبي
جعفر ( عليه السلام ) فجاء الكميت فاستأذن عليه فأذن له فأنشده : من لقلب متيم مستهام .
فلما فرغ منها قال له أبو جعفر : يا كميت ! إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لحسان بن ثابت :
إنك لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك وقلت فينا ( 2 ) .
وهذان البيتان من قصيدة طويلة للكميت وهي الميمية من هاشمياته ،
وفي البحار نقل من خط ابن فهد الحلي قيل : إن رجلا ورد على أبي جعفر الأول
بقصيدة مطلعها ( عليك السلام أبا جعفر ) فلم يمنحه شيئا فسأله في ذلك وقال
لم لا تمنحني وقد مدحتك ؟ فقال حييتني تحية الأموات اما سمعت قول
الشاعر ؟ :
الا طرقتنا آخر الليل زينب * عليك سلام هل لما فات مطلب
فقلت لها حييت زينب خدنكم * تحية ميت وهو في الحي يشرب
مع أنه كان يكفيك ان تقول : ( سلام عليك أبا جعفر ) ( 3 ) .
هذا وكانت للشاعرين الشهيرين كثير عزة ، والكميت الأسدي اتصالات
وثيقة بالإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) فكلاهما يدينان بإمامته ، ووجوب طاعته ، والانقطاع
إليه ، وقد شاع ذلك عنهما ، وعرفا به عند جميع الأوساط .
أما كثير عزة فهو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر الخزاعي ، أبو
صخر ( . . - 510 ه‍ ) ( . . - 723 م ) . عن المرزباني : كان شاعر أهل الحجاز في
الإسلام ( 4 ) .
وفي الدرجات الرفيعة : أبو حمزة الخزاعي المدني ، كان في مواهبه
الشعرية أشعر أهل الإسلام .
كان شديد الولاء لأهل البيت ( عليهم السلام ) متعصبا لهم ، ولم يخف تشيعه على
الأمويين . وكان يكن في أعماق نفسه خالص الحب والولاء للإمام أبي
جعفر ( عليه السلام ) ويدين بإمامته وفضله . ويروى أن رجلا نظر إليه وهو راكب والإمام
أبو جعفر ( عليه السلام ) يمشي ، فأنكر عليه ذلك وقال له :
أتركب وأبو جعفر يمشي ؟ ! !
فأجابه كثير جواب المؤمن بدينه ، المتبصر في عقيدته قائلا :
هو أمرني بذلك ، وأنا بطاعته في الركوب أفضل من عصياني إياه
بالمشي . . ( 5 ) .
ودلت هذه البادرة - من شاعرنا - على حسن أدبه ، وكمال عقيدته ، فإن
طاعة الإمام واجبة ليس إلى مخالفتها من سبيل .
واختص كثير ببني مروان فكانوا يعظمونه ويكرمونه ونظم في مدحهم
عدة قصائد ذكرت في ديوانه إلا أنه لم يكن في مدحه لهم جادا ، ولا مؤمنا بما
يقول ، وإنما مدحهم طمعا بأموالهم وهباتهم ، وكان يسخر منهم فكان يشبههم
بالحيات والعقارب ، فقد روى المؤرخون أنه وفد على الإمام أبي جعفر ( عليه السلام )
فقال ( عليه السلام ) له : تزعم أنك من شيعتنا ، وتمدح آل مروان ؟ ! !
فانبرى كثير قائلا :
إنما أسخر منهم ، وأجعلهم حيات ، وعقارب ، ألم تسمع إلى قولي في عبد
العزيز بن مروان :
وكنت عتبت معتبة فلجت * بي الغلواء في سن العقاب
ويرقيني لك الراقون حتى * أجابك حية تحت الحجاب
وفهم ذلك عبد الملك فقال لأخيه عبد العزيز : ما مدحك ، إنما جعلك
راقيا للحيات . ونقل لي ذلك عبد العزيز فقلت له : والله لأجعلنه حية ، ثم لا ينكر
ذلك فقلت فيه :
يقلب عيني حية بمجارة * أضاف إليها الساريات سبيلها
يصيد ويغضي وهو ليث خفية * إذا أمكنته عدوة لا يقيلها
ولما تلوت ذلك على عبد الملك أجزل لي بالعطاء ، وخفي عليه ما
قصدته .
فلم يكن كثير في مديحه لبني مروان جادا ، ولا مؤمنا بما يقول ، وإنما كان
ساخرا وهازئا ، فقد خادعهم ليكسب منهم الأموال التي اختلسوها بغير حق ، ولم
تكن له مندوحة لأخذ شئ منها إلا بهذه الوسيلة .
توفي سنة 510 ه‍ وقد توفي في اليوم الذي توفي فيه عكرمة وصلي
عليهما في موضع واحد بعد الظهر ، فقال الناس : مات أفقه الناس ، وأشعر
الناس ( 6 ) . وقد شيع بتشييع حافل ، وكان من جملة المشيعين لجنازته الإمام أبو
جعفر ( عليه السلام ) ( 7 ) .
وأما الكميت بن زيد بن خنيس الأسدي ، أبو المستهل ( 60 - 126 ه‍
680 - 744 م ) شاعر الهاشميين ، من أهل الكوفة . كان عالما بآداب العربية
ولغاتها وأخبارها وأنسابها ، ثقة في علمه ، منحازا إلى بني هاشم كثير المدح لهم .
وهو من أصحاب الملحمات . أشهر مجاميعه الشعرية الهاشميات وقد ترجمت
إلى الألمانية .
قيل : لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم .
قال عكرمة الضبي : لولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمات ( 8 ) ، ولا
للبيان لسان ( 9 ) .
ويأتي الكميت في طليعة رجال الكفر والأدب في عصره ، فقد ساهم
مساهمة ايجابية في تطور الثقافة العربية وازدهار الحركة العلمية في الإسلام .
الكوفة ، عاصمة الشيعة ، ومهد التشيع وينبوعه ، ومنجم الثورات على بني
أمية هي التي نشأ بها شاعرنا ، وتربى على تربتها ، وترعرع بين جدرانها ، فشب
على حب أهل البيت ( عليهم السلام ) فكان حبهم متأصلا في أعماق نفسه . . متجذرا عقيدة
جزلاء في مكامن روحه المتعلقة بحبال مودتهم . . وكان متبعا لهم اتباع الظل
صاحبه ، أو اتباع الفصيل اثر أمه .
لقد كان الكميت من أفذاذ التاريخ ، يتمتع بمواهب شريفة وصفات
رفيعة ، عدها بعضهم بعشر خصال قال : كان في الكميت عشر خصال لم تكن
في شاعر : كان خطيب بني أسد ؛ وفقيه الشيعة فهو أول من ناظر في التشيع ؛
حافظ القرآن العظيم ؛ ثبت الجنان ؛ كاتبا حسن الخط ؛ نسابة ؛ جزلا ؛ راميا لم يكن
في بني أسد أرمى منه ؛ فارسا شجاعا ؛ دينا ؛ وكان مشهورا في التشيع مجاهرا في
ذلك (  10 ) .
وهذه الصفات قد رفعته إلى القمة ، وميزته على جميع أدباء عصره .
أما شعره ؛ فهو من مناجم الأدب العربي ، ومن أروع ما قاله شعراء العرب
على الاطلاق ، فلم يكن في شعره يميل إلى الدعابة والمجون ، وبذلك فقد فارق
شعراء البلاط الأموي والعباسي الذين اتجهوا بمواهبهم الفكرية والأدبية إلى
اللهو والعبث وفساد الأخلاق .
لقد صرف الكميت فكره إلى ساداته من بني هاشم ، فأخذ ينشر مآثرهم ،
ويذيع فضائلهم بأروع ما نظم في الأدب العربي .
ويقول المؤرخون : كان الكميت لا يذيع شعره بين الناس حتى يرضى به ،
ويطمئن إليه ، فلذا كان شعره لوحة فنية تحكي الإبداع والفن والفكر .
أما هاشمياته فقد كبرت عن التحديد والتقييم ، وقد ضمنها الاستدلال
على مذهبه الذي لا يقبل الجدل والتشكيك ، وكانت هاشمياته احدى الوسائل
الثقافية في تلك العصور لما فيها من الخصب وغزارة الفكر والأدب ، وكانت
تروى في الأندية ، والمجالس ويحفظها الناس .
وقيل : ان الكميت لما نظم ( الهاشميات ) سترها ولم يذعها بين الناس ،
ورآى أن يعرضها على شاعر العرب الأكبر الفرزدق بن غالب ليرى رأيه فيها ،
فقصده ، وبعد أن استقر به المجلس قال له :
يا أبا فراس ، إنك شيخ مضر ، وشاعرها ، وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد
الأسدي .
أجابه الفرزدق : صدقت أنت ابن أخي فما حاجتك ؟
قال : نفث على لساني ، فقلت شعرا فأحببت أن أعرضه عليك ، فإن كان
حسنا أمرتني بإذاعته ، وإن كان قبيحا أمرتني بستره ، وكنت أول من ستره على .
وعجب الفرزدق من حسن أدبه ، فطفق يقول له :
أما عقلك فحسن ، واني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك ،
فأنشدني ما قلت .
وانبرى الكميت يتلو عليه رائعته قائلا :
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب
وقطع الفرزدق عليه كلامه قائلا : فيم تطرب يا بن أخي ؟ !
فقال : ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب ؟ !
وراح الفرزدق يقول : بلى يا بن أخي فالعب ، فإنك في أوان اللعب ، فقال :
ولم يلهني دار ولا رسم منزل * ولم يتطربني بنان مخضب
وأكبر الفرزدق هذا الشعر ، وانطلق يقول : ما يطربك يا بن أخي ؟ فقال :
ولا السانحات البارحات عشية * أمر سليم القرن أم مر أعضب ؟
فقال الفرزدق : أجل لا تتطير ، فقال الكميت :
ولكن إلى أهل الفضايل والتقى * وخير بني حواء والخير يطلب
واهتز الفرزدق من روعة هذا الأدب العالي فراح يقول :
من هؤلاء ؟ ويحك .
قال الكميت :
إلى النفر البيض الذين بحبهم * إلى الله فيما نابني أتقرب
واستولى الكميت على مشاعر الفرزدق وعواطفه فصاح :
أرحني ويحك من هؤلاء ؟ ! !
قال الكميت :
بني هاشم رهط النبي فإنني * بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب
خفضت لهم مني جناحي مودة * إلى كنف عطفاه أهل ومرحب
وملك هذا الشعر أحاسيس الفرزدق ، وانطلق يقول :
" يا بن أخي ، أذع ، ثم أذع ، فأنت والله أشعر من مضى ، وأشعر من بقي " ( 11 ) .
ويمتاز شعر الكميت بأنه كان مسرحا للقيم الدينية التي تعبر أصدق
التعبير عن عواطفه تجاه ساداته بني هاشم الذين أخلص لهم في مودته وحبه ،
فقد فرضت عليه ذلك الأدلة الشرعية التي لا تقبل الجدل والنقاش .
أما الظواهر التي امتاز بها شعره ، فمن بينها .
والإقناع .
2 - وأقام الكميت شعره في مدح بني هاشم على الاستشهاد بآيات من
القرآن الكريم تدلل على ما ذهب إليه ، يقول مخاطبا بني هاشم :
وجدنا لكم في آل حاميم آية * تأولها منا تقي ومعرب
وفي غيرها آيا وآيا تتابعت * لكم نصب فيها لذي الشك منصب
انه يشير في البيت الأول إلى قوله تعالى :
( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ( 12 ) .
وفي البيت الثاني إلى قوله تعالى :
( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( 13 )
وقوله تعالى : ( وآت ذا القربى حقه ) ( 14 ) .
وقوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول
ولذي القربى ) ( 15 ) .
لقد دعم الكميت ما ذهب إليه في فضل ساداته بني هاشم بآيات من
القرآن الكريم : ( الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) فهو حجة
قاطعة لا ريب فيه .
3 - واتسم شعر الكميت في مدحه لأهل البيت ( عليهم السلام ) بأنه صادق اللهجة ،
قوي العاطفة ، مبعثه الإيمان الخالص الذي لا يشوبه أي عرض من أعراض
الدنيا ، فقد كان يبغي فيه وجه الله والدار الآخرة ويدلل على ذلك
قوله :
إلى النفر البيض الذين بحبهم * إلى الله فيما نالني أتقرب
لقد أخلص الكميت في هواه وحبه لأهل البيت ( عليهم السلام ) لأنه لم ير وسيلة
تقربه إلى الله زلفى سوى الإخلاص في المودة لهم .
4 - والظاهرة التي يمتاز بها شعر الكميت في بني هاشم أنه لم يستند فيما
نظمه فيهم إلى ما يسمعه عنهم من المآثر والفضائل ، وانما يستند إلى مشاهداته ،
فقد عاصرهم ، ونظر إلى مثلهم العليا التي طبق شذاها العالم بأسره ، فهام بها ،
شأنه شأن الأحرار الذين يقدسون الفضيلة ، ويكبرون من اتصف بها ، لقد كان
شعر الكميت صورة حية تحكي الواقع المشرق لأهل البيت ( عليهم السلام ) الذين اذهب
الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
هذه بعض مميزات شعر الكميت ، أما الحديث عن مظاهره الفنية فإنه
يستدعي الإطناب . لذي اكتفينا بهذا القدر روما للاختصار .
كان الكميت صلب العقيدة ، راسخ الإيمان ، قد أقام عقيدته على الواقع
العلمي الذي لا يقبل الجدل والنقاش ، فهو شاعر العقيدة الشيعية ، والمعبر عن
آرائها ، ومبادئها ويجمع الرواة على أنه أول من فتق باب الاحتجاج للشيعة في
هاشمياته ، وأنه كان لسانهم ، والمدافع عنهم ، والمحتج لهم ، وقد صورت
هاشمياته الجانب الفكري ، والعقائدي للشيعة وأحاطت - بوضوح - بشؤون
الإمامة التي تعتبر من العناصر الأساسية في مبادئهم ( 16) .
كان لابد من هذه الإلمامة بالكميت وشعره من أجل الإطلال من خلالها
على أحواله ، وترسم عمق مبادئه ورسوخ عقيدته وشدة ولائه لعترة النبي
المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) . حتى إذا ما استبان لنا ذلك ، عطفنا لك بإلمامة أخرى نكشف بها
عن جوانب من علاقة الكميت بالإمام الباقر ( عليه السلام ) ولقائه به ، واستنشاد الإمام له
الشعر .
لقد اختص الكميت بالإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) فكان شاعره الخاص ، وقد تلا
عليه بعض هاشمياته وقصائده التي نظمها في حق أهل البيت ( عليه السلام ) فأخذت
موقعها من نفس الإمام ( عليه السلام ) فشكره ودعا له بالمغفرة والرضوان .
وكان الكميت لا يرى أحدا في هذه الدنيا يستحق الولاء والتقدير غير
سيده الإمام أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) فقد دخل عليه وهو يقول :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم * لم يبق الا شامت أو حاسد
وبقي على ظهر البسيطة واحد * فهو المراد وأنت ذاك الواحد ( 17 )
كان الكميت مقيما في الكوفة ، فاشتد به الوجد إلى رؤية الإمام فسافر إلى
يثرب ، ولما مثل عند الإمام تلا عليه قصيدته التي يذكر فيها تعطشه لرؤيته ، يقول
فيها :
كم جزت فيك من أحواز وايقاع * وأوقع الشوق بي قاعا إلى قاع
يا خير من حملت أنثى ومن وضعت * به إليك غدا سيري وإيضاعي
أما بلغتك فالآمال بالغة * بنا إلى غاية يسعى لها الساعي
من معشر شيعة لله ثم لكم * صور إليكم بأبصار واسماع
دعاة أمر ونهي عن أئمتهم * يوصي بها منهم واع إلى واعي
لا يسأمون دعاء الخير ربهم * أن يدركوا فيلبوا دعوة الداعي ( 18 )
وصورت هذه الأبيات عظيم ولائه للإمام ، وما عاناه من جهد الطريق ،
وعناء السفر في سبيل رؤيته والالتقاء به .
وكان الكميت قد ولد في السنة التي استشهد بها أبو الأحرار الإمام
الحسين ( عليه السلام ) ولما ترعرع ، وفهم الحياة رأى الناس قد أذهلتهم أهوال تلك
المأساة الخالدة في دنيا الأحزان ، وهم يرددون في أنديتهم ومجالسهم ما عاناه
ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من فوادح المحن والخطوب ، وقد هزت مشاعره
وعواطفه ، وملأت نفسه ألما عاصفا ، وقد رثاه بذوب روحه في كثير من شعره ،
ويقول : الرواة إنه نظم قصيدة في رثاء الحسين ووفد على الإمام أبي جعفر الباقر
أيام التشريق في منى ليتلوها عليه فلما مثل عنده قال له :
يا بن رسول الله قد قلت فيكم أبياتا من الشعر ، أفتأذن لي في إنشادها ؟
أجابه الإمام : إنها أيام البيض - التي يكره فيها إنشاد الشعر - .
قالت الكميت : هي فيكم خاصة .
قال الإمام : هات ما عندك .
فانبرى يقول :
أضحكني الدهر وأبكاني * والدهر ذو صرف وألوان
لتسعة بالطف قد غودروا * صاروا جميعا رهن أكفان
وتألم الإمام كأشد ما يكون التألم حينما سمع رثاء جده الإمام
الحسين ( عليه السلام ) ، وأغرق في البكاء وبكى معه ولده الإمام الصادق ( عليه السلام ) كما بكت
العلويات من وراء الخباء ، ولما بلغ إلى قوله :
وستة لا يتجارى بهم * بنو عقيل خير فرسان
ثم علي الخير مولاهم * ذكرهم هيج أحزاني
بكى الإمام أبو جعفر ( عليه السلام ) أشد البكاء ، وذكر له ما أعد الله من الثواب
الجزيل لمن يذكر أهل البيت ، ويحزن لحزنهم ، ولما بلغ قوله :
من كان مسرورا بما مسكم * أو شامتا يوما من الآن
فقد ذللتم بعد عز فما * أدفع ضيما حين يغشاني
أخذ الإمام ( عليه السلام ) بيد الكميت وأخذ يدعو له قائلا :
" اللهم اغفر للكميت ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
ولما بلغ قوله :
متى يقوم الحق فيكم متى * يقوم مهديكم الثاني
التفت إليه الإمام ، وعرفه بأن الإمام المهدي ( عليه السلام ) هو الإمام المنتظر الذي
يملأ الأرض عدلا وقسطا بعدما ملئت ظلما وجورا ، وسأله الكميت عن زمان
خروجه فقال ( عليه السلام ) : لقد سئل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن ذلك ، فقال : إنما مثله كمثل
الساعة لا تأتيكم إلا بغتة ( 19 ) .
وأنشد الكميت بحضرة الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) الميمية من هاشمياته ، وهي
من أروع الشعر العربي وأرقاه . فهي تصور - بوضوح - انطباعاته الخاصة عن
أهل البيت ( عليهم السلام ) تصويرا رائعا يستند إلى مشاهداته لمآثرهم الرفيعة ومثلهم
العليا ، يقول فيها :
من لقلب متيم مستهام * غير ما صبوة ولا أحلام
طارقات ولا ادكار غوان * واضحات الخدود كالآرام
بل هواي الذي أجن وأبدي * لبني هاشم فروع الأنام
للقريبين من ندى والبعيدين * من الجور في عرى الأحكام
والمصيبين باب ما أخطأ الناس * ومرسي قواعد الإسلام
والحماة الكفاة في الحرب إن * لف ضرام وقوده بضرام
والغيوث الذين إن أمحل الناس * فمأوى حواضن الأيتام
والولاة الكفاة للأمر إن طر * ق يتنا بمجهض أو تمام
والأساة الشفاة للداء ذي الري‍ * بة والمدركين بالأوغام
والروايا التي يحل بها النا * س وسوق المطبعات العظام
والبحور التي بها تكشف الحر * ة والداء من غليل الأوام
لكثيرين طيبين من النا * س وبرين صادقين كرام
واضحي أوجه كرام جدود * واسطي نسبة لهام فهام
قتلوا يوم ذاك إذ قتلوه * حكما لا كغابر الحكام
راعيا كان مسجحا ففقدنا * ه وفقد المسيم هلك السوام
وأشتت بنا مصادر شتى * بعد نهج السبيل ذي الآرام
جرد السيف تارتين من الده‍ * - ر على حين درة من صرام
في مريدين مخطئين هدى الل‍ * - ه ومستقسمين بالأزلام
وانبرى إلى ذكر الإمام الحسن سيد شباب أهل الجنة وريحانة
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قال :
ووصي الوصي ذي الخطة الفض‍ * - ل ومردي الخصوم يوم الخصام
وعرج بعد ذلك إلى ذكر مأساة الإمام الحسين ( عليه السلام ) تلك المأساة المروعة
التي تركت أعظم اللوعة والأسى في النفوس ، قال :
وقتيل بالطف غودر منه * بين غوغاء أمة وطغام
وحينما سمع الإمام أبو جعفر ( عليه السلام ) هذا البيت تناثرت دموعه ، وبكى ، وقال
له - كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لحسان بن ثابت : لا زلت مؤيدا بروح القدس ما
ذببت عنا أهل البيت ( 20 ) .
ويستمر الكميت في تلاوة رثائه للإمام الحسين ( عليه السلام ) يقول :
تركب الطير كالمجاسد منه * مع هاب من التراب هيام
وتطيل المرزآت المقالي‍ * - ت عليه القعود بعد القيام
يتعرفن حر وجه عليه * عقبة السرو ظاهرا والوسام
قتل الأدعياء إذ قتلوه * أكرم الشاربين صوب الغمام
وعرض بعد ذلك إلى محمد بن الحنيفة قال :
وسمي النبي بالشعب ذي الخي‍ * - ف طريد المحل بالإحرام
عادلا غيرهم من الناس طرا * بهم لا همام بي لا همام
لم أبع ديني المساوم بالوك‍ * - س ولا مغليا من السوام
وعبر بهذه الأبيات عن أصدق الولاء لبني هاشم ، فقد أخلص للبعيد الذي
يخلص لهم وعادى القريب الذي يعاديهم ، وكان ذلك منتهى الإيمان ، ولما بلغ
الكميت إلى قوله :
أخلص الله لي هواي فما أغ‍ * - رق نزعا ولا تطيش سهامي
قال له الإمام : قل : " فقد أغرق نزعا ولا تطيش سهامي " التفت الكميت إلى
النكتة في ذلك ، فقال للإمام : أنت أشعر مني في هذا المعنى ، ولما فرغ الكميت
من إنشاد رائعته توجه الإمام نحو الكعبة ، وأخذ يدعو له قائلا :
" اللهم ارحم الكميت ، واغفر له " .
وكرر الدعاء بالمغفرة له ثلاث مرات ، ثم قال له : يا كميت هذه مائة ألف
قد جمعتها لك من أهل بيتي ، فأبى الكميت من قبولها واعتذر بأنه يطلب
المكافأة من الله تعالى ، وطلب من الإمام ( عليه السلام ) أن يتكرم عليه بقميص من قمصه ،
فأعطاه ذلك ( 21 ) .
وخرج الكميت من الإمام فقصد عبد الله بن الحسن فأنشده رائعته
فأعجب بها عبد الله وقال له :
" يا أبا المستهل ، أتيناك بجهد المقل ، ونحن في دولة عدونا ، وقد جمعنا
هذا المال ، وفيه حلي النساء ، فاستعن به على دهرك " .
وأبى الكميت قبوله قائلا :
" بأبي أنتم وأمي قد أكثرتم ، وأطيبتم ، وما أردت بمدحي إياكم إلا الله
ورسوله ، ولم أك لآخذ ثمنا من الدنيا ، فاردده إلى أهله " .
وجهد عبد الله أن يقبل الكميت تلك الأموال فأبى وامتنع ( 22 ) .
وأنشد الكميت اللامية من هاشمياته أمام الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) وقد
أخذت منه مأخذا عظيما ، فقد تركت في نفسه أعظم الأثر ، كونه عرض فيها إلى
الأحداث السياسية المؤلمة في ذلك العصر ، وما حل بأهل البيت ( عليهم السلام ) من
صنوف التنكيل والإرهاق ، يقول في مطلعها :
ألا هل عم في رأيه متأمل * وهل مدبر بعد الإساءة مقبل
وهل أمة مستيقظون لرشدهم * فيكشف عنه النعسة المتزمل
فقد طال هذا النوم واستخرج الكرى * مساويهم لو كان ذا الميل يعدل
ودعا الكميت بهذا الأبيات المسلمين إلى اليقظة من سباتهم ، وأهاب بهم
من الجمود والخمول ، وقد حفزهم على الثورة للتخلص من ظلم الأمويين
وجورهم فقد جهدوا على الاستبداد بشؤون الناس وإرغامهم على ما يكرهون ،
ويقول الكميت في هذه الرائعة :
وعطلت الأحكام حتى كأننا * على ملة غير التي نتنحل
كلام النبيين الهداة كلامنا * وأفعال أهل الجاهلية نفعل
كأن حسينا والبهاليل حوله * لأسيافهم ما يختلي المتبقل
يخضن به من آل أحمد في الوغى * وما ظل منهم كالبهيم المحجل
وغاب نبي الله عنهم وفقده * على الناس رزء ما هناك مجلل
لقد كان الكميت صادق اللهجة والعاطفة في رثائه للحسين ( عليه السلام ) ، وقد
تركت أبياته أعظم الأثر في نفس الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) ولما انتهى الكميت إلى
هذا البيت :
يصيب به الرامون عن قوس غيرهم * فيا آخرا أسدى له الغي أول
وقد أراد الكميت بهذا البيت : أن جميع ما حل بأهل البيت ( عليهم السلام ) من الرزايا
والخطوب فإنه يستند إلى الصدر الأول ، فإنهم هم الذين سمحوا للأمويين أن
يقفزوا إلى الحكم ، ومكنوهم من رقاب المسلمين ، ولما سمع الإمام ( عليه السلام ) هذا
البيت بلغ به الحزن أقصاه ، ورفع يده إلى السماء وجعل يدعو للكميت قائلا :
" اللهم اغفر للكميت " .
إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن لامية الكميت ، وقد جاء فيها أنه قد رثى
الامام أبا جعفر ( عليه السلام ) حيث يقول :
أموتا على حق كمن مات منهم * أبو جعفر دون الذي كنت تأمل
ومن المؤكد أنه نظم هذا البيت وما بعده بعد وفاة الإمام أبي جعفر ( عليه السلام )
وألحق ذلك بلاميته .
وهذه رائعة أخرى من هاشمياته ، هي العينية ، فقد وفد على الإمام أبي
جعفر ( عليه السلام ) ليتلوها عليه فقال له : إني قد قلت شعرا إن أظهرته خفت القتل ، وإن
كتمته خفت الله تعالى ، ثم أنشد الإمام ( عليه السلام ) هذه الرائعة التي مطلعها :
نفى عن عينك الأرق الهجوعا * وهم يمتري منها الدموعا
دخيل في الفؤاد يهيج سقما * وحزنا كان من جذل منوعا
لفقدان الخضارم من قريش * وخير الشافعين معا شفيعا
لدى الرحمن يصدع بالمثاني * وكان له أبو حسن قريعا
وأصفاه النبي على اختيار * بما أعيى الرفوض له المذيعا
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا
ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطرا مبيعا
فلم أبلغ بها لعنا ولكن * أساء بذاك أولهم صنيعا
فصار بذاك أقربهم لعذل * إلى الجور وأحفظهم مضيعا
أضاعوا أمر قائدهم فضلوا * وأقومهم لدى الحدثان ريعا
تناسوا حقه وبغوا عليه * بلا ترة وكان لهم قريعا
فقل لبني أمية حيث حلوا * وإن خفت المهند والقطيعا
ألا أف لدهر كنت فيه * هدانا طائعا لكم مطيعا
أجاع الله من أشبعتموه * وأشبع من بجوركم أجيعا
إلى أن قال في الختام :
وليثا في المشاهد غير نكس * لتقويم البرية مستطيعا
يقيم أمورها ويذب عنها * ويترك جدبها أبدا مريعا
ويذكر المؤرخون أن الإمام أبا جعفر ( عليه السلام ) لما سمع هذه القصيدة العصماء
أخذ منه الإعجاب مأخذا عظيما ، وانطلق يقول :
اللهم اكف الكميت وأخذ يكررها ثلاثا ، وقد أنجاه الله تعالى ببركة هذا
الدعاء فتخلص من سجن الأمويين .
قام الكميت بدور خطير في مناهضة الأمويين ، فقد هجا حكامهم ، وعدد
مثالبهم وأبرزهم في شعره كأقذر مخلوق ، وقد حفظ الناس ما قاله فيهم ، فزهدوا
في بني أمية ، ونقموا على حكمهم وسلطانهم ، ويعتبر هجاؤه لهم من الأسباب
التي أطاحت بملكهم .
ويفر الكميت من سجن الأمويين الذي كان قد دخله بوشاية خالد
القسري . ويبقى متواريا عن أنظار السلطة متخفيا وهي تمعن بالتفتيش عنه إلا
أنها لم تهتد إلى معرفة مكانه . وقد عزم الكميت على مدح هشام وبني أمية
لينجو مما هو فيه ، وقبل أن ينظم فيهم أرسل أخاه وردا إلى الإمام أبي جعفر ( عليه السلام )
يستأذنه فيما عزم عليه ، فأذن له الإمام ( عليه السلام ) في ذلك .
وامتدح هشاما وبني أمية على مضض وحصل منه على العفو عنه وعن
امرأته التي بقيت سجينة بدلا منه . ثم وفد بعد ذلك على الإمام الباقر ( عليه السلام ) فرحب
به ، وقرب مجلسه ، وتبسم في وجهه وعاتبه عتابا رقيقا وقال له :
يا كميت أنت القائل ؟
فالآن صرت إلى أمي‍ * - ة والأمور إلى المصائر
واعتذر الكميت ، وأجاب جواب العالم الفقيه قائلا :
نعم ، قد قلت ذلك ، ولا والله ما أردت به إلا الدنيا ، لقد عرفت فضلكم .
ومنحه الإمام الباقر الرضى والقبول ، وقال له : أما أن قلت ذلك تقية ، إن
التقية لتحل ( 23 ) . لقد كان الكميت صادق المودة والولاء لأهل البيت ( عليهم السلام ) وقد
امتحن في سبيلهم كأعظم ما يكون الامتحان فتعرض لسخط الأمويين ونقمتهم ،
وقضى شطرا من حياته في السجن ، يلاحقه الفزع والرعب ، في قصة مفصلة
اعرضنا عنها روما للاختصار . وهو لم يبتغ بذلك إلا وجه الله والدار الآخرة ( 24 ) .
وأخيرا شاء الله لهذا العملاق العظيم الذي كافح عن حقوق أهل
البيت ( عليهم السلام ) أن يرزق الشهادة على يد شرار بريته ، والي العراق يوسف بن عمر .
وبعد هذه الجولة القصيرة في رحاب الشاعرين كثير عزة والكميت
الأسدي وأخبارهما مع الإمام الباقر ( عليه السلام ) أقول : ما زال النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته
يستنشدون الأشعار في مدائحهم ومراثيهم ويجيزون عليها ويدعون لقائلها
ويبشرونه بثواب الآخرة ويبكون عند سماع مراثيهم من أوليائهم ومحبيهم .
فعن عبد الرحمن بن يحيى بن سعيد قال : حدثني رجل من بني هاشم
قال : كنا عند محمد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام ) ، وأخوه زيد جالس إلى جانبه ،
فدخل رجل من أهل الكوفة فقال له محمد بن علي : أتروي شيئا من طرائف
الشعر ونوادره ؟ فقال : نعم . قال : كيف قال الأنصاري لأخيه ؟ فأنشده :
لعمرك ما كان أبو مالك * بوان ولا بضعيف قواه
ولا ما لديه نازع * يعادي أخاه إذا ما نهاه
وإن سدته سدت مطواعة * ومهما وكلت إليه كفاه
فوضع محمد بن علي يده على كتف أخيه زيد وقال : هذه صفتك يا أخي
وأعيذك بالله أن تكون قتيل أهل العراق ( 25 ) .
ومن كتاب جمعه الوزير السعيد مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد
بن محمد بن علي العلقمي ( 26 ) ، قال : ذكر الشيخ الأجل أبو الفتح يحيى بن محمد
بن خيار الكاتب ، قال : سمعت بعض أهل العلم والخير يقول : كنت بين مكة
والمدينة فإذا أنا بشبح يلوح في البرية ، فيظهر تارة ويغيب أخرى حتى قرب
مني ، فتأملته فإذا هو غلام سباعي أو ثماني ، فسلم على فرددت عليه ، فقلت : من
أين يا غلام ؟ قال : من الله . قلت : وإلى أين ؟ قال : إلى الله . قلت : فما زادك ؟ قال :
التقوى . قلت : فمن أنت ؟ قال : رجل من قريش . قلت : ابن من عافاك الله ؟ فقال :
أنا رجل علوي ثم أنشد يقول :
نحن على الحوض ذواده * نذود ويسعد وراده
فما فاز من فاز إلا بنا * وما خاب من حبنا زاده
فمن سرنا نال منا السرور * ومن ساءنا ساء ميلاده
ومن كان غاصبنا حقنا * فيوم القيامة ميعاده
ثم قال : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ،
ثم التفت فلم أره ، ولم أدر نزل في الأرض أو صعد إلى السماء ( 27 ) .
وله ( عليه السلام ) في العجب قوله :
عجبت من معجب بصورته * وكان من قبل نطفة مذرة
وفي غد بعد خسف صورته * يصير في القبر جيفة قذره
وهو على عجبه ونخوته * ما بين جنبيه يحمل العذرة ( 28 )
وله أيضا مخاطبا العصاة :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه * هذا لعمرك في الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته * إن المحب لمن يحب مطيع ( 29 )
ونقش على خاتمه :
ظني بالله حسن * وبالنبي المؤتمن
وبالوصي ذي المنن * وبالحسين والحسن ( 30 )
وأما ما قيل في مدحه من الشعر الذي وصل الينا ، فقول القرظي
فيه :
يا باقر العلم لأهل التقى * وخير من لبى على الأجبل
وقال مالك بن أعين الجهني من قصيدة يمدحه فيها :
إذا طلب الناس علم القرا * ن كانت قريش عليه عيالا
وإن قيل : أين ابن بنت * نلت بذاك فروعا طوالا
نجوم تهلل للمدلجين * جبال تورث علما جبالا ( 31 )
وللإمام الباقر ( عليه السلام ) حكمة رائعة يقول فيها : " سلاح اللئام قبيح الكلام "
نظمها شعرا بعض الشعراء بقوله :
لقد صدق الباقر المرتضى * سليل الإمام عليه السلام
بما قال في بعض ألفاظه : * قبيح الكلام سلاح اللئام ( 32 )
______________
( 1 ) إعلام الورى / الطبرسي : 270 ، كتاب الفتوح / ابن أعثم الكوفي 8 : 275 .
( 2 ) في رحاب أئمة أهل البيت / الأمين 4 : 17 .
( 3 ) الأعلام / الزركلي 5 : 219 .
( 4 ) أمالي المرتضى / الشريف المرتضى 1 : 283 .
( 5 ) وفيات الأعيان / ابن خلكان 3 : 269 .
( 6 ) حياة الامام محمد الباقر / القرشي 1 : 319 - 321 .
( 7 ) الأعلام / الزركلي 5 : 233 .
( 8 ) روضات الجنات / الخوانساري 6 : 59 .
( 9 ) خزانة الأدب / البغدادي 1 : 99 .
1 - إن شعره في بني هاشم لم يكن عاطفيا ، وإنما قام على الجدل
( 10 ) الأغاني / أبو الفرج الأصفهاني 15 : 124 .
( 11 ) سورة الشورى 42 / 23 .
( 12 ) سورة الأحزاب 33 / 33 .
( 13 ) سورة الإسراء 17 / 26 .
( 14 ) سورة الأنفال 8 / 41 .
( 15 ) حياة الامام محمد الباقر / القرشي 1 : 323 - 330 .
( 16 ) روضات الجنات / الخوانساري 6 : 56 .
( 17 ) قيل إن هذه الأبيات قالها الورد بن زيد أخو الكميت في حضرة الإمام الباقر ( عليه السلام ) .
( 18 ) الغدير / الأميني 2 : 200 .
( 19 ) قصص العرب 2 / 269 ، مروج الذهب 2 / 195 .
( 20 ) أعيان الشيعة / الأمين 1 : 655 .
( 21 ) مروج الذهب / المسعودي 2 : 195 .
( 22 ) الأغاني / أبو الفرج الأصفهاني 15 : 126 .
( 23 ) الفصول المهمة / ابن الصباغ : 216 .
( 24 ) الفصول المهمة / ابن الصباغ : 216 .
(25 ) كشف الغمة / الأربلي .
( 26 ) الفصول المهمة : 217 ، كشف الغمة / الإربلي 2 : 353 .
( 27 ) أعيان الشيعة / الأمين 1 : 659 عن أنوار الربيع .
( 28 ) تحف العقول / ابن شعبة الحراني : 294 .
( 29 ) أئمتنا / علي محمد علي دخيل 1 : 385 عن الدمعة الساكبة .
( 30 ) الارشاد / المفيد 2 : 157 .
( 31 ) الإتحاف بحب الأشراف / عبد الله الشبراوي : 146 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page