• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

خبر تركة الرسول وخبر شكوى فاطمة

استولى الصحابيان الخليفتان أبو بكر وعمر ( رض ) مرة واحدة على كل ما تركه الرسول من ضياع من بعده ولم يتعرضا لشئ مما اقطع منها للمسلمين عدا ما فعلا بفدك التي كان النبي اقطعها ابنته فاطمة في حياته ، فانهما استوليا عليها كما استوليا على سائر ضياع النبي ومن هنا نشأ الخلاف بين فاطمة وبينهما على ذلك ، وعلى ارثها من الرسول كما شرحته الروايات الآتية :
 أ - رواية عمر : عن عمر : لما قبض رسول الله ( ص ) جئت انا وابو بكر إلى علي فقلنا : ما تقول في ما ترك رسول الله ( ص ) ؟ قال : نحن احق الناس برسول الله ( ص ) . قال :
فقلت : والذي بخيبر ؟ قال : والذي بخيبر . قلت : والذي بفدك ؟ قال : والذي بفدك . فقلت : اما والله حتى تحزوا رقابنا بالمناشير فلا 3 .
 ب - رواية ام المؤمنين عائشة ( رض ) : في صحيح البخاري ومسلم ومسند احمد وسنن ابي داود والنسائي وطبقات ابن سعد واللفظ للاول : عن ام المؤمنين عائشة : ان فاطمة ارسلت إلى ابى بكر تسأله ميراثها من النبي ( ص ) في ما افاء الله على رسوله ( ص ) تطلب صدقة النبي التي بالمدينة 1 ، وفدك وما بقي من خمس خيبر 2 . فقال أبو بكر : ان رسول الله ( ص ) قال " لا نورث ما تركنا فهو صدقة ، انما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ليس لهم ان يزيدوا على المأكل " واني والله لا اغير شيئا من صدقات النبي التى كانت عليها في عهد النبي ( ص ) ، ولا عملن فيها بما عمل فيها رسول الله ( ص ) 3 .
في هذا الحديث سمى أبو بكر تركة الرسول : " الصدقات " استنادا إلى الرواية التى رواها هو عن الرسول بانه قال " ما تركنا فهو صدقة " ومنذ ذلك التاريخ والى يومنا هذا سميت تركة الرسول بالصدقات . اما قوله : " لاعملن فيها بما عمل رسول الله فيها " وما هو قصده من العمل الذي قال انه سيعمل فيها ، فانه يعرف من الحديث الآتي

عن ام المؤمنين عائشة : ان اول هذا الحديث كالحديث الماضي إلى قولها : " . . . فغضبت فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ، فهجرت ابا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ( ص ) ستة اشهر ، قالت عائشة : فكانت فاطمة تسأل ابا بكر نصيبها مما ترك رسول الله من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة 4 .
فابى أبو بكر عليها ذلك ، وقال : لست تاركا شيئا كان رسول الله يعمل به الا عملت به ، فاني اخشى ان تركت شيئا من امره ان ازيغ ، فاما صدقتة بالمدينة فدفعها عمر إلى على وعباس ، فاما خيبر وفدك فامسكهما عمر وقال : هما صدقة رسول الله ( ص ) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه وأمرهما إلى من ولى الامر ، قال : فهما على ذلك إلى اليوم 5 .
في حديث عائشة : الثاني هذا يصرح الخليفة بان ضياع رسول الله كانت لحقوقه التي تعروه ونوائبه وامرهما إلى من ولي الامر من بعده ، اذن فهو الذي ينفق منها لحقوقه التي تعروه ونوائبه وهذا هو معنى قوله الخليفة في الحديث الاول : لاعملن فيها بما عمل فيها رسول الله أي لانفقن منها لحقوقي التي تعرونى ونوائبي . والى هذا - ايضا - يشير في حديث عائشة الثالث الآتي في صحيح البخاري ومسلم عن عائشة : ان فاطمة ( س ) بنت النبي ( ص ) ارسلت إلى ابي بكر تسأله ميراثها من رسول الله مما افاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر 6 فقال أبو بكر : ان رسول الله قال : " لا نورث ما تركنا صدقة انما يأكل آل محمد ( ص ) في هذا المال " ، واني لا أغير شيئا من صدقة رسول الله ( ص ) عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ( ص ) ، ولاعملن فيها بما عمل به رسول الله ( ص ) فابى أبو بكر ان يدفع إلى فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على ابي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي ستة اشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ، ولم يؤذن بها أبو بكر وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة ابي بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الاشهر . . . الحديث 7 .
اقتصرت ام المؤمنين عائشة في ذكرها مورد نزاع فاطمة مع أبي بكر في أحاديثها المطولة بذكر مطالبتها اياهم ارث أبيها الرسول بينما كانت خصومتها معهم في ثلاثة امور :
 أ - منحة الرسول ، ب - ارث الرسول ، ج - سهم ذي القربى .
وفي ما يلى بيان ذلك :

 أ - في منحة الرسول

في فتوح البلدان : ان فاطمة ( رض ) قالت لابي بكر الصديق ( رض ) اعطني فدك فقد جعلها رسول الله لي ، فسألها البينة فجاءت بام ايمن ورباح مولى النبي فشهدا لها بذلك فقال : ان هذا الامر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل وامرأتين . وفي رواية اخرى : شهد لها علي بن ابي طالب فسألها شاهدا آخر فشهدت لما ام ايمن 8 .
من البديهى ان هذه الخصومة كانت بعد ان استولى ابا بكر على فدك كما استولى على ضياع رسول الله غير فدك .
وبعد رد ابي بكر شهود فاطمة في شأن فدك ثنت بخصومة اخرى في شأن ارث الرسول كما توضحه الروايات الآتية بالاضافة إلى احاديث ام المؤمنين عائشة السالفة .

 ب - خصومتها اياهم في ارث الرسول

 1 - رواية ابي الطفيل 9 : بمسند احمد وسنن ابى داود وتاريخ الذهبي وتاريخ ابن كثير وشرح النهج واللفظ للاول عن ابي الطفيل قال : لما قبض رسول الله ( ص ) ارسلت فاطمة إلى ابي بكر انت ورثت رسول الله ( ص ) ام اهله ؟ قال : فقال " لا ، بل اهله " . قالت : فاين سهم رسول الله ( ص ) 10 . قال فقال أبو بكر : اني سمعت رسول الله يقول " ان الله عزوجل إذا اطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده ، فرأيت ان ارده على المسلمين . قالت : فانت وما سمعت من رسول الله أعلم 11 . وفي شرح النهج بعد هذا : ما انا بسائلتك بعد مجلسي !
 2 - رواية ابى هريرة :
 أ - في سنن الترمذي عن ابي هريرة : ان فاطمة جاءت إلى ابي بكر وعمر ( رض ) تسأل ميراثها من رسول الله ( ص ) فقالا : سمعنا رسول الله يقول " اني لا اورث " . قالت : والله لا اكلمكما ابدا ، فماتت ولا تكلمهما 12 .
 ب - في مسند احمد وسنن الترمذي وطبقات ابن سعد وتاريخ ابن كثير واللفظ للاول عن ابى هريرة قال : ان فاطمة قالت لابي بكر : من يرثك إذا مت ؟ قال : ولدي واهلي . قالت : فما لنا لا نرث النبي ( ص ) ؟ قال : سمعت النبي ( ص ) يقول " ان النبي لا يورث " ولكني أعول من كان رسول الله ( ص ) يعول وانفق على من كان رسول الله ينفق عليه 13 .
 3 - رواية عمر في طبقات ابن سعد عن عمر قال : لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله ( ص ) بويع لابي بكر في ذلك اليوم ، فلما كان من الغد جاءت فاطمة لابي بكر معها علي فقالت : ميراثي من رسول الله ابي ( ص ) فقال أبو بكر : أمن الرثة أو من العقد ؟ قالت : فدك ، وخيبر وصدقاته بالمدينة أرثها كما ترثك بناتك إذا مت . فقال أبو بكر : ابوك والله خير مني وانت والله خير من بناتي وقد قال رسول الله ( ص ) : " لا نورث ما تركنا صدقة " يعني هذه الاموال القائمة 14 .
نرى ان تحديد عمر زمن مجيئ فاطمة إلى ابي بكر ، لا يستقيم مع مجرى الحوادث بعد السقيفة ، وانما الصواب ما قاله ابن ابي الحديد : " حديث فدك وحضور فاطمة عند ابي بكر كان بعد عشرة ايام من وفاة رسول الله 15 . "
ومهما كان من امر زمان ذلك ، فان ابا بكر منعها ارثها من الرسول بما روى هو عن الرسول " انا لا نورث ما تركنا صدقة " كما صرحت بذلك ام المؤمنين حيث قالت : واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند احد من ذلك علما ، فقال أبو بكر سمعت رسول الله ( ص ) يقول : " انا معشر الانبياء لا نورث ما تركنا صدقة " 16 .
وكذلك قال ابن ابى الحديد في شرح النهج " المشهور انه لم يرو حديث انتفاء الارث الا أبو بكر وحده " 17 . وقال : " ان اكثر الروايات انه لم يرو هذا الخبر الا أبو بكر وحده ، ذكر ذلك اعظم المحدثين حتى ان الفقهاء في اصول الفقه اطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد ، وقال شيخنا أبو على : لا يقبل في الرواية الا رواية اثنين كالشهادة ، فخالفه المتكلمون والفقهاء كلهم ، واحتجوا بقبول الصحابة رواية ابى بكر وحده : نحن معاشر الانبياء لا نورث 18 .
وفي تعداد السيوطي لروايات ابي بكر قال : " التاسع والعشرون حديث لا نورث ، ما تركناه صدقة " 19 .
قال المؤلف : مع كل هذا وضعوا احاديث اسندوا فيها إلى غير ابى بكر انه روى ذلك عن الرسول 20 .
ج - خصومتها اياهم في سهم ذي القربى لما منعوا ابنة الرسول من ارث ابيها بحديث ابي بكر ، طالبتهم بسهم ذي القربى كما روى أبو بكر الجوهري ذلك في ثلاث روايات :
 1 - عن انس بن مالك ان فاطمة ( س ) اتت ابا بكر فقالت لقد علمت الذي ظلمتنا اهل البيت من الصدقات 21 ، وما افاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوى القربى . ثم قرأت عليه قوله تعالى " واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى " الآية ، فقال لها أبو بكر : بابي انت وامي ووالد ولدك السمع والطاعة لكتاب الله ولحق رسول الله ( ص ) وحق قرابته ، وانا اقرأ من كتاب الله الذي تقرأين منه ، ولم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس مسلم اليكم كاملا ، قالت : أفلك هو ولاقربائك ؟ قال : لا ، بل انفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين ، قالت : ليس هذا حكم الله . . . الحديث .
 2 - عن عروة قال : أرادت فاطمة ابا بكر على فدك وسهم ذوي القربى فابى عليها وجعلها في مال الله تعالى .
 3 - عن الحسن بن محمد بن علي بن ابي طالب ( ع ) أن ابا بكر منع فاطمة وبنى هاشم سهم ذوي القربى ، وجعله في سبيل الله ، في السلاح والكراع 22 .
وفي كنز العمال عن ام هاني قالت : ان فاطمة اتت ابا بكر تسأله سهم ذوي القربى ، فقال لها أبو بكر : سمعت رسول الله يقول : " سهم ذوي القربى لهم في حياتي وليس لهم بعد موتي " 23 .
وفي رواية اخرى لام هاني جمعت في الذكر بين خصومتها اياهم في الارث وخصومتها في سهم ذوي القربى .
في فتوح البلدان ، وطبقات ابن سعد ، وتاريخ الاسلام للذهبي ، وشرح النهج واللفظ للاول عن ام هاني قالت : ان فاطمة بنت رسول الله اتت ابا بكر ( رض ) فقالت : من يرثك إذا مت ؟ قال : ولدي واهلي . قالت : فما بالك ورثت رسول الله دوننا ! ؟
 قال : يا بنت رسول الله ما ورثت اباك ذهبا ولا فضة . فقالت : سهمنا بخيبر و " صدقتنا 24 " فدك .
ولفظ طبقات ابن سعد : " قال ما ورثت اباك ارضا ولا ذهبا ولا فضة ولا غلاما ولا مالا . قالت : فسهم الله 25 الذي جعله لنا وصافيتنا بيدك . قال : يا بنت رسول الله سمعت رسول الله يقول : " انما هي طعمة اطعمني الله حياتي فإذا مت فهي بين المسلمين 26 .
وفي لفظ ابن ابي الحديد وتاريخ الاسلام للذهبي : قال : ما فعلت يا بنت رسول الله ( ص ) . فقالت : بلى انك عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول الله ( ص ) فاخذتها ، وعمدت إلى ما انزل الله من السماء فرفعته عنا! فقال : يا بنت رسول الله ! لم افعل، حدثني رسول الله ( ص ) ان الله تعالى يطعم النبي ( ص ) الطعمة ما كان حيا فإذا قبضه إليه رفعت . فقالت : انت ورسول الله اعلم ما انا بسائلتك بعد مجلسي ، ثم انصرفت . تقصد من سهم الله سهامهم من الخمس ، ومن الصافية صوافي رسول الله ، ومن قولها " عمدت إلى ما انزل الله من السماء فرفعته عنا " سهم ذوي القربى الذي نزل في القرآن ، وحكم الارث الذي يعم كافة المسلمين رسول الله ومن عداه .
وذكرت بعض الروايات ان العباس اشترك معها في مطالبة ارث الرسول مثل ما رواه ابن سعد في طبقاته ، وتابعه المتقي في كنز العمال واللفظ للاول قال : جاءت فاطمة إلى ابى بكر تطلب ميراثها ، وجاء العباس بن عبد المطلب يطلب ميراثه ، وجاء معه علي فقال أبو بكر : قال رسول الله : " لا نورث ما تركناه صدقة " وما كان النبي يعول فعلي . فقال علي :
" وورث سليمان داود " وقال " يرثني ويرث من آل يعقوب " . قال أبو بكر : هو هكذا وانت والله تعلم مثل ما اعلم .
فقال على : هذا كتاب الله ينطق ! فسكتوا وانصرفوا 27 .
نرى في هذه الرواية وهما من الرواة وان العباس لم يأت مع علي ليطلبا ارثا ، وانما جاءا ليعينا فاطمة . ولعل العباس طالب سهمه من الخمس ، فالتبس الامر على الرواة ، وذكروا انه جاء يطلب الميراث . لما ادلت فاطمة بكل ما لديها من دليل وشهود وابى أبو بكر ان يقبل منها ويعطيها شيئا من تركة الرسول ومنحته ، رأت ان تبسط الخصومة على ملاء من المسلمين ، وتستنصر اصحاب ابيها ، فذهبت إلى مسجده كما رواه المحدثون والمؤرخون .
في سقيفة ابي بكر الجوهرى برواية ابن ابي الحديد وبلاغات النساء لاحمد بن ابي طاهر البغدادي واللفظ للاول : لما بلغ فاطمة اجماع ابي بكر على منعها فدك ، لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت جلبابها ، واقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تظأ ذيولها ما تخرم ، مشيتها مشية رسول الله ( ص ) حتى دخلت على ابي بكر وهو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ثم انت انه اجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس ، ثم امهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ، افتتحت كلامها بالحمد لله عزوجل والثناء عليه ، والصلاة على رسول الله ثم قالت : انا فاطمة ابنة محمد ، اقول عودا على بدء ، لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريض عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم ، فان تعزوه تجدوه ابي دون آبائكم واخا ابن عمي دون رجالكم ، ثم استرسلت في خطبتها إلى قولها : ثم انتم الان ، تزعمون ان لا ارث لنا افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون ، يا ابن ابي قحافة ! أترث اباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون . ثم انكفأت إلى قبر ابيها ( ع ) تقول : قد كان بعدك انباء وهنبثة ، الابيات 28 .
قال ولم ير الناس أكثر باك ولا باكية منهم يومئذ ، ثم عدلت إلى مسجد الانصار ، فقالت : يا معشر البقية واعضاد الملة وحضنة الاسلام ، ما هذه الفترة عن
 نصرتي ، والونية عن معونتي ، والغمزة في حقي ، والسنة عن ظلامتي . اما كان رسول الله ( ص ) يقول " المرء يحفظ في ولده " سرعان ما احدثتم وعجلان ما اتيتم ، الان مات رسول الله ( ص ) امتم دينه ! ؟ ها : ان موته لعمري خطب جليل ، استوسع وهنه ، واستبهم فتقه وفقد راتقه واظلمت الارض له ، وخشعت الجبال وأكدت الآمال اضيع بعده الحريم وهتكت الحرمة وازيلت المصونة وتلك نازلة اعلن بها كتاب الله قبل موته وانبأكم بها قبل وفاته فقال : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين " . ايها بني قيلة اهتضم تراث ابي وانتم بمرأى ومسمع تبلغكم الدعوة ، ويشملكم الصوت ، وفيكم العدة والعدد ولكم الدار والجنن ، وانتم نخبة الله التي انتخب ، وخيرته التي اختار . باديتم العرب وبادهتم الامور وكافحتم البهم حتى دارت بكم رحى الاسلام ، ودر حلبه وخبت نيران الحرب وسكنت فورة الشرك وهدأت دعوة الهرج واستوثق نظام الدين أفتأخرتم بعد الاقدام ؟ ! ونكصتم بعد الشدة وجبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكصوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم " فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون " . الا وقد أرى ان قد اخلدتم إلى الخفض وركنتم إلى الدعة فجحدتم الذي وعيتم ودسعتم الذي سوغتم وان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا فان الله لغني حميد .
الا وقد قلت لكم ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم ، وخور القناة وضعف اليقين فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر ناقبة الخف باقية العار موسومة الشعار موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة فبعين الله ما تعملون وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون . قال : وحدثني محمد بن زكريا ، قال حدثنا محمد بن الضحاك ، قال حدثنا هشام بن محمد عن عوانة بن الحكم ، قال لما كلمت فاطمة ( ع ) ابا بكر بما كلمته به ، حمد أبو بكر واثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال : يا خيرة النساء وابنة خير الآباء ، والله ما عدوت رأي رسول الله ( ص ) ، وما عملت الا بامره ، وان الرائد لا يكذب اهله وقد قلت فابلغت واغلظت فاهجرت فغفر الله لنا ولك ، اما بعد فقد دفعت آلة رسول الله ودابته وحذاءه إلى علي ( ع ) ، واما ما سوى ذلك فاني سمعت رسول الله ( ص ) يقول : " انا معشر الانبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا ارضا ولا عقارا ولا دارا ، ولكنا نورث الايمان والحكمة والعلم والسنة " فقد عملت بما امرني ونصحت له وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب .
وفي رواية بلاغات النساء : ثم قالت : ايها الناس ! انا فاطمة وابي محمد ( ص ) أقولها عودا على بدأ لقد جاءكم رسول من انفسكم . . . ثم ساق الكلام على مثل ما اوردناه إلى قوله :
ثم قالت افعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول الله تبارك وتعالى :
" وورث سليمان داود " ، وقال الله عزوجل في ما قص من خبر يحيى بن زكريا : " رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " ، وقال عز ذكره : " واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله " ، وقال : " يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين " ، وقال : " ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين " ، وزعمتم ان لا حق ولا ارث لي من ابي ولا رحم بيننا افخصكم الله بآية اخرج نبيه ( ص ) منها ام تقولون : اهل ملتين لا يتوارثون . اولست انا وابي من اهل ملة واحدة لعلكم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي ( ص ) افحكم الجاهلية تبغون . . . 29 .
قال ابن ابي الحديد : وحديث فدك وحضور فاطمة عند ابي بكر كان بعد عشرة ايام من وفاة رسول الله ( ص ) ، والصحيح انه لم ينطق احد بعد ذلك من الناس من ذكر أو انثى بعد عود فاطمة ( ع ) من ذلك المجلس بكلمة واحدة في الميراث 30 .

الخلاصة :

دلت الاحاديث الواردة في هذا الباب ان خصومة ابنة الرسول معهم كانت في ثلاثة امور :
 1 - في منحة الرسول منح الرسول ابنته فاطمة فدك بعد نزول آية " وآت ذا القربى حقه " ، ولما توفي استولوا عليها مع ما استولوا عليها من تركة الرسول فخاصمتهم فاطمة في ذلك واستشهدت على صحه تصرفها بشاهد وشاهدة يشهدان على ان الرسول كان قد منحها اياها في حياته ولم يقبلوا الشهادة لانها لم تبلغ النصاب ويدل على ان فدك كانت بيدها بالاضافة إلى ما اوردناه في ما سبق قول الامام على في كتابه إلى عثمان بن حنيف واليه على البصرة . " بلى كانت في ايدينا فدك من كل ما اظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم الله " 31 .
 2 - في ارث الرسول ترك الرسول من الضياع ما يلى :
 أ - الحوائط السبعة اللاتي وهبهن مخيريق اياه .
 ب - ما وهبها الانصار اياه وهي كل ما ارتفع من اراضيهم الزراعية .
 ج - اراضي بني النضير الزراعية ونخيلها .
 د - 18 سهما من مجموع 36 سهما من اراضى خيبر وكانت ريف الحجاز .
 ه‍ـ - اراضي وادي القرى الزراعية ونخيلها .
وبعد وفاة الرسول استولى الخليفة عليهن جميعا واحتج بحديث رواه عن الرسول انه قال " لا نورث ما تركنا صدقة " . وانه قال : " ان الله عزوجل إذا اطعم نبيا طعمة ، جعله للذي يقوم من بعده " . ولم يجد نفعا ما احتج به الامام علي وفاطمة من تصريح القرآن بان الانبياء ورثوا ، وان آيات الارث عامة وغير ذلك فاستنهضت الانصار كذلك بلا جدوى فغضبت على ابي بكر وعمر ولم تكلمهما حتى توفيت واجدة عليهما .
 3 - في سهم ذي القربى طالبت فاطمة من ابي بكر سهم ذي القربى وقالت له لقد علمت الذي ظلمتنا . . . وقرأت عليه " واعلموا انما غنمتم . . . " فابى عليها ، وجعل سهم ذي القربى
في السلاح والكراع ، اي صرفه على حرب الممتنعين من اداء الزكاة إليه ، فقالت له : عمدت إلى ما انزل الله من السماء فرفعته عنا .
كان هذا خلاصة ما سبق وسيأتى مزيد بيان له في ما يلي :

 لمتابعة الموضوع اضغط على الصفحة التالية أدناه

     




______________
 1 ) مجمع الزوائد ج 9 / 39 باب في ما تركه الرسول ( ص ) عن الطبراني في الاوسط . ( * )
 2 ) تقصد من صدقته بالمدينة الحوائط السبعة اللاتي وهبها مخيريق للنبي كما شرحناه سابقا .
 3 ) تقصد ما بقي من خمس خيبر : ان رسول الله اقطع شيئا من سهمه من الخمس إلى بعض صحابته فما بقى من خمس خيبر يعني ما عدا ما اقطع .
4 ) صحيح البخاري 2 / 200 باب مناقب قرابة رسول الله من كتاب المناقب ، سنن ابي داود 2 / 49 كتاب الخراج باب صفايا رسول الله ، وسنن النسائي 2 / 179 باب قسم الفئ ومسند احمد 1 / 6 و 9 ، وطبقات ابن سعد 2 / 315 ، وج 8 منه ص 28 ومنتخب الكنز باب ما يتعلق بميراثه ج 3 / 128 .
 5 ) صحيح البخاري 2 / 124 باب فرض الخمس من كتاب الخمس ، وصحيح مسلم الحديث 54 من كتاب الجهاد . وراجع تاريخ الاسلام للذهبي ج 1 / 346 وتاريخ ابن كثير 7 / 285 باب " بيان انه عليه السلام قال لا نورث " وسنن البيهقي 6 / 300 ومسند أحمد 1 / 6 ، وطبقات ابن سعد 8 / 18 . ( * )
 6 و 7 ) راجع الهامش 4 من الصفحة السابقة .
 8 ) صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب قول النبي لا نورث ، الحديث 52 ص 1380 ،
والبخاري 3 / 38 باب غزوة خيبر ، وسنن البيهقي 6 / 300 ، ومشكل الاثار 1 / 47 . ( * )
 9 ) فتوح البلدان 1 / 34 - 35 . وام ايمن بركة الحبشية مولاة رسول الله وحاضنته ، اعتقها رسول الله واسلمت قديما وهاجرت إلى الحبشة والمدينة تزوجها عبيد الحبشي ومن بعده زيد بن حارثة . توفيت بعد رسول الله بخمسة اشهر أو ستة أو في خلافة عثمان ،اخرج ابن ماجة لها خمسة احاديث في سننه.
اسد الغابة 5 / 567 جوامع السيرة ص 289 ، وتقريب التهذيب 2 / 619 ، ورباح كان مولى اسود لرسول الله يستأذن عليه وصيره بعد قتل يسار مكانه يقوم بلقاحه اسد الغابة 2 / 160 ، وجوامع السيرة ص 27 ، والاصابة 1 / 490 .
 10 ) أبو الطفيل : عامر بن واثلة الكناني الليثي عد في صغار الصحابة ولد عام احد وكان من اصحاب على المحبين له وشهد معه مشاهده كلها وكان ثقة مأمونا الا انه كان يقدم عليا وهو آخر من مات ممن رأى النبي مات سنة 100 أو 116 . اسد الغابة 3 / 96 اخرج له اصحاب الصحاح الست تسعة احاديث . جوامع السيرة ص 286 ، وتقريب التهذيب 1 / 389 .
 11 ) لعل هذا الاحتجاج كان في امر سهم رسول الله من خمس خيبر ووادي القرى . ( * )
 12 ) مسند احمد 1 / 4 الحديث 14 ، وسنن ابي داود 3 / 50 كتاب الخراج ، وتاريخ ابن كثير 5 / 289 ،
وشرح النهج 4 / 81 نقلا عن ابي بكر الجوهري والتتمة من ص 87 منه ، وتاريخ الذهبي 1 / 346 .
 13 ) رواية ابي هريرة الاولى في سنن الترمذي 7 / 111 ابواب السير ما جاء في تركة الرسول .
 14 ) رواية ابي هريرة الثانية بمسند احمد 1 / 10 الحديث 60 ، والحديث فيه مروي عن ابى سلمة . وفى سنن الترمذي 7 / 109 باب ما جاء في تركة الرسول ، وطبقات ابن سعد 5 / 372 ، وابن كثير 5 / 289 .
 15 ) رواية عمر في طبقات ابن سعد 2 / 316 ، والرثة بوزن الهرة : متاع البيت الدون . والعقد : اصحاب الولايات على الامصار من عقد الالوية للامراء ، كذا فسرهما ابن الاثير في نهاية اللغة . ( * )
 16 ) شرح النهج 4 / 97 .
 17 ) كنز العمال ج 14 / 130 الفضائل ( الافعال ) فضل الصديق .
 18 ) شرح النهج 4 / 82 .
 19 ) شرح النهج 4 / 85 .
 20 ) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 89 .
 21 ) راجع شرح النهج 4 / 85 . ( * )
 22 ) الروايات الثلاث في شرح النهج 4 / 81 والرواية الاولى في تاريخ الاسلام للذهبي 1 / 347 . والصدقات لعل المقصود منها بعض الحوائط السبعة التي ذكر في بعض الروايات ان الرسول تصدق بها .
 23 ) رواية ام هاني الاولى بكنز العمال 5 / 367 كتاب الخلافة مع الامارة قسم الافعال ، ام هاني بنت ابي طالب اسلمت عام الفتح وماتت في خلافة معاوية اخرج لها اصحاب الصحاح الست 46 حديثا . اسد الغابة 5 / 624 ، وجوامع السيرة ص 280 ، وتقريب التهذيب 2 / 625 . ( * )
 24 ) " صدقتنا " تحريف والصواب ما في طبقات ابن سعد " صافيتنا " وذلك لان فدك كانت صافية لرسول الله قبل ان يمنحها لفاطمة .
 25 ) فتوح البلدان 1 / 35 - 36 ، وطبقات ابن سعد 2 / 314 - 315 ، وشرح النهج 4 / 81 ، والتتمة في ص 87 منه ، وتاريخ الاسلام للذهبي ج 1 / 346 .
 6 ) طبقات ابن سعد 2 / 315 ، وكنز العمال 5 / 365 كتاب الخلافة مع الامارة من قسم الافعال . ( * )
 27 ) راجع الهامش 3 من الصفحة السابقة .
 28 ) شرح النهج 4 / 87 - 79 ، وص 93 منه وبلاغات النساء ص 12 - 15 . ( * )
 29 ) بلاغات النساء ص 16 - 17 .
 30 ) شرح النهج 4 / 97 . ( * )
 31 ) عثمان بن حنيف الانصاري ثم الاوسي ولاه عمر مساحة الارض وجبايتها بالعراق وولاه علي البصرة فاخرجه طلحة والزبير منها حين قدماها في وقعة الجمل وسكن الكوفة ومات بها في زمان معاوية . شرح النهج 4 / 77 . ( * ) 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page