وقد شاع ذلك عنه وذاع ، وروت المصادر أنه أراد أن إجبار الإمام الهادي (ع) على أن يشرب معه فامتنع ، ووعظه بشعر فأبكاه!
وممن رواه الذهبي في تاريخه « ١٨ / ١٩٩ » قال : « كان قد سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم ، ومن نيته التوثب. فكَبَسَ بيته ليلاً ، فوُجد في بيت عليه مِدْرَعَةُ صوف ، متوجهٌ إلى ربه ، يترنمُ بآيات ، فأُخذ كهيئته إلى المتوكل وهويشرب ، فأعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس ، فقال : ما خامر لحمي ودمي قط ، فاعفني منه ، فأعفاه وقال : أنشدني شعراً ، فأنشده :
باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ
غُلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ
واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن مَعَاقِلهمْ
فأُودعُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزلوا
ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا
أينَ الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ
أينَ الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً
من دونها تُضرُب الأستارُ والكِللُ
فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهمْ
تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتِل
قد طالَ ما أكلُوا دهراً وما شربوا
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا
وطالما عَمروا دوراً لتحصنهمْ
ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا
وطالما كنزوا الأموالَ وادَّخروا
فخلَّفُوها على الأعداء وارتحلوا
أضحت مَنازِلُهم قَفْراً مُعَطَّلَةً
وساكِنُوهَا إلى الأجْدَاثِ قد رَحَلُوا »
لكن بكاء المتوكل من ذكر الموت وخوفه من الله تعالى كان آنياً ، فقد بقي كل عمره يشرب ويسرف في الشرب ، حتى قُتل وهوسكران!
قال نديمه علي بن الجهم : « كنت يوماً عند المتوكل وهويشرب ونحن بين يديه ، فدفع إلى محبوبة تفاحة مغلَّفة فقبَّلتها ، وانصرفت عن حضرته إلى الموضع الذي كانت تجلس فيه إذا شرب ». « الأغاني : ٢٢ / ٤٠٨ ».
وقال الثعالبي في ثمار القلوب « ١ / ١٥٥ » : « كان بنانُ وزَنَامُ مُطْرِبَيْ المتوكل ، وكان كل منهما منقطع القرين فى طبقته ، فإذا اجتمعا على الضرب والزمر أحسنا وفَتَنَا وأعْجَبَا وعَجَّبا ، وكان المتوكل لا يشرب إلا على سماعهما ».
وقال ابن كثير الناصبي في النهاية « ١٠ / ٣٤٣ » : « شرب ليلةً مع المتوكل ، فعربد عليه المتوكل فهمَّ إيتاخ بقتله ، فلما كان الصباح اعتذر المتوكل إليه وقال له : أنت أبي وأنت ربيتني ، ودسَّ اليه من يشير إليه بأن يستأذن للحج .. ».
وروى الشابستي في الديارات خبر مجالس خمر كثيرة للمتوكل ، قال « ١ / ٣٧ » : « اجتمع مشايخ الكتاب بين يدي المتوكل ، وكان فيهم يحيى بن خاقان ، وابنه عبيد الله إذ ذاك الوزير ، وهوواقف موقف الخدم بقباء ومنطقة ، وكان يحيى لايشرب النبيذ فقال المتوكل لعبيد الله : خذ قدحاً من تلك الأقداح واصبب فيه نبيذاً وصيَّر على كتفك منديلاً ، وامض إلى أبيك يحيى فضعه في كفه. قال ففعل ، فرفع يحيى رأسه إلى ابنه فقال المتوكل : يا يحيى لاترده. قال : لا يا أمير المؤمنين ، ثم شربه وقال : قد جَلَّتْ نعمتك عندنا يا أمير المؤمنين فهنأك الله النعمة ولاسلبنا ما أنعم به علينا منك. فقال : يا يحيى ، إنما أردت أن يخدمك وزير بين يدي خليفة ».
وفي تاريخ بغداد « ١٣ / ٤٥٤ » : « حدثني أبوالعباس بن طومار قال : كنتُ أنادمُ المتوكل فكنت عنده يوماً ومعنا البحتري وكان بين يديه غلام حسن الوجه يقال له راحْ. فقال المتوكل للفتح : يا فتح إن البحتري يعشق راحاً ، فنظر إليه الفتح وأدمن النظر ، فلم يره ينظر إليه ، فقال له الفتح : يا أمير المؤمنين أرى البحتري في شغل عنه ، فقال : ذاك دليلي عليه ، ثم قال المتوكل : يا راح خذ رطل بلور فاملأه شراباً وادفعه إليه ، ففعل .. ».
وفي ديوان الصبابة « ١ / ٢١ » : « كان للمتوكل غلامٌ إسمه شفيع ، وكان من أحسن الفتيان ، فكان المتوكل يجن به جنوناً ، فأحب يوماً أن ينادم حسين بن الضحاك وأن يرى ما بقي من شهوته ، وكان قد أسن فأحضره فسقاه حتى سكر ، وقال لشفيع : إسقه فسقاه وحياه بوردة ، وكانت على شفيع ثياب موردة ، فمد حسين يده إلى ذراع شفيع فقال المتوكل : أتخمش أخمص قدمي بحضرتي ، فكيف لوخلوت به ، ما أحوجك إلى الأدب. وكان المتوكل قد غمز شفيعاً على العبث به فدعا بدواة فكتب .. ».
وفي جمع الجواهر للحصري « ١ / ١١٤ » : « شرب ابن حمدون النديم مع المتوكل وبحضرته غلامٌ مليح الوجه ، فتأمله ابن حمدون تأملاً شديداً ، وقد حمل الشراب إليه. فقال المتوكل : يا ابن حمدون ، ما الحكم في الرجل إذا نظر إلى غلامِ فتى؟ قال : أن تقطع أذنه. قال : ليُحكم عليك بحكمك .. ».
أقول : يقصد المتوكل أن غلامه كزوجته ، والناظر اليه ناظر الى عرضه! فاعجب لمن يدعي أنه خليفة النبي (ص) ويتجاهر بالفاحشة ، ويطبق شرائع الجاهلية في الغلمان
وكان حضرة الخليفة خَمَّاراً يهوى الغلمان!
- الزيارات: 1141