• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

وكان حضرة الخليفة مسرفاً مبذراً لأموال المسلمين

قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٤٠ » : « وقد قيل : إنه لم تكن النفقات في عصر من الأعصار ولا وقت من الأوقات ، مثلَها في أيام المتوكل!
ويقال : إنه أنفق على الهاروني والجوسق الجعفري أكثر من مائة ألف ألف درهم ، هذا مع كثرة الموالي والجند والشاكرية ، ودُور العطاء لهم ، وجليل ما كانوا يقبضونه في كل شهر ، من الجوائز والهبات ».
وفي كتاب الديارات « ١ / ٣٨ » : « القادسية ، من أحسن المواضع وأنزهها ، وهي من معادن الشراب ومناخات المتطربين. جامعة لما يطلب أهل البطالة والخسارة.
وبالقادسية بنى المتوكل قصره المعروف بِبُرْكَوَار ، ولما فرغ من بنائه وهبه لابنه المعتز وجعل إعذاره « ختانه » فيه ، وكان من أحسن أبنية المتوكل وأجلها ، وبلغت النفقة عليه عشرين ألف ألف درهم.
قال : ولما صح عزمه على إعذار « ختان » أبي عبد الله المعتز ، أمر الفتح بن خاقان بالتأهب له ، وأن يلتمس في خزائن الفرش بساطاً للإيوان في عرضه وطوله ، وكان طوله مائة ذراع وعرضه خمسون ذراعاً ، فلم يوجد إلا فيما قبض عن بني أمية ، فإنه وجد في أمتعة هشام بن عبد الملك على طول الإيوان وعرضه ، وكان بساطاً إبريسماً غَرْزٌ مُذَهَّبٌ مفروز مبطَّن ، فلما رآه المتوكل أعجب به وأراد أن يعرف قيمته ، فجمع عليه التجار فذكر أنه قُوَّم على أوسط القيم عشرة آلاف دينار. فبسط في الإيوان وبسط للخليفة في صدر الإيوان سرير ، ومُدَّ بين يديه أربعة آلاف مرفع ذهب مرصعة بالجوهر ، فيها تماثيل العنبر والنِّد والكافور المعمول على مثل الصور ، منها ما هومرصع بالجوهر مفرداً ، ومنها ما عليه ذهب وجوهر ، وجعلت بساطاً ممدوداً ، وتغدى المتوكل والناس.
وجلس على السرير ، وأحضر الأمراء والقواد والندماء وأصحاب المراتب ، فأجلسوا على مراتبهم ، وجعل بين صوانيهم والسماط فُرْجة.
وجاء الفراشون بزُبُل « جمع زنبيل » قد غُشِّيت بأدَم مملوءة دنانير ودراهم نصفين ، فصبت في تلك الفرج حتى ارتفعت ، وقام الغلمان فوقها ، وأمروا الناس عن الخليفة بالشرب ، وأن يَتَنَقَّلَ « من النُّقْل وهوما يؤكل مع الخمر » كل من يشرب بثلاث حفنات ، ما حملت يداه من ذلك المال. فكان إذ أثقل الواحد منهم ما اجتمع في كمه أخرجه إلى غلمانه فدفعه إليهم وعاد إلى مجلسه ، وكلما فرغ موضع أتى الفراشون بما يملؤونه به حتى يعود إلى حاله.
وخلع على سائر من حضر ثلاث خلع كل واحد ، وأقاموا إلى أن صليت العصر والمغرب ، وحملوا عند انصرافهم على الأفراس والشهاري « البغال ».
وأعتق المتوكل عن المعتز ألف عبد ، وأمر لكل واحد منهم بمائة درهم وثلاثة أثواب. وكان في صحن الدار بين يدي الإيوان أربع مائة بلية « بالة » عليهن أنواع
الثياب ، وبين يديهن ألف نبيجة « صينية » خيزران ، فيها أنواع الفواكه من الأترج والنارنج على قلته كان في ذلك الوقت ، والتفاح الشامي والليموه ، وخمسة آلاف باقة نرجس ، وعشرة آلاف باقة بنفسج.
وتقدم إلى الفتح بأن ينثر على البليات وخدم الدار والحاشية ، ما كان أعده لهم وهوعشرون ألف ألف درهم ، فلم يُقدم أحد على التقاط شئ ، فأخذ الفتح درهماً ، فأكبت الجماعة على المال فنهب.
وكانت قبيحة « أم المعتز » قد تقدمت بأن تُضرب دراهم عليها : بركةٌ من الله ، لإعذار أبي عبد الله المعتز بالله. فضرب لها ألف ألف درهم ، نُثرت على المزين ومن في حيزه والغلمان والشاكرية وقهارمة الدار والخدم الخاصة ، من البيضان والسودان. وكان ممن حضر المجلس ذلك اليوم ، محمد المنتصر وأبو أحمد وأبوسليمان ابنا الرشيد ، وأحمد والعباس ابنا المعتصم ، وموسى بن المأمون ، وابنا حمدون النديم وأحمد بن أبي رؤيم ، والحسين بن الضحاك ، وعلي بن الجهم ، وعلي بن يحيى المنجم ، وأخوه أحمد.
ومن المغنين : عمروبن بانة ، أحمد بن أبي العلاء ، ابن الحفصي ، ابن المكي ، سلمك الرازي ، عثعث ، سليمان الطبال ، المسدود ، أبوحشيشة ، ابن القصار ، صالح الدفاف ، زنام الزامر ، تفاح الزامر.
ومن المغنيات : عريب ، بدعة جاريتها ، سراب ، شارية وجواريها ، ندمان ، منعم ، نجلة ، تركية ، فريدة ، عرفان.
وقال إبراهيم بن العباس : سألت أبا حرملة المزين في هذا اليوم ، فقلت : كم حصل لك إلى أن وضع الطعام؟ فقال : نيف وثمانون ألف دينار ، سوى الصياغات والخواتيم والجواهر العتيدات.
قال : وأقام المتوكل ببركوارا ثلاثة أيام ، ثم أصعد إلى قصره الجعفري. وتقدم بإحضار إبراهيم بن العباس ، وأمره أن يعمل له عملاً بما أنفق في هذا الإعذار ويعرضه عليه ففعل ذلك ، فاشتمل العمل على ستة وثمانين ألف ألف درهم.
وكان الناس يستكثرون ما أنفقه الحسن بن سهل في عرس ابنته بوران ، حتى أرخ ذلك في الكتب ، وسميت دعوة الإسلام ، ثم أتى من دعوة المتوكل ما أنسى ذلك. وكانت الدعوات المشهورة في الإسلام ثلاثاً لم يكن مثلها ، فمنها : دعوة المعتز هذه المذكورة ، ومنها عرس زبيدة بن جعفر بن أبي جعفر ، فإن المهدي ، زوج ابنه الرشيد بأم جعفر ابنة أخيه ، فاستعد لها ما لم يستعد لامرأة قبلها من الآلة وصناديق الجوهر والحلي والتيجان والأكاليل وقباب الفضة والذهب والطيب والكسوة ... ولم يُرَ في الإسلام مثلها ، وحشر الناس من الآفاق ، وفُرق فيهم من الأموال أمر عظيم. فكانت الدنانير تجعل في جامات فضة ، والدراهم في جامعات ذهب ، ونوافج المسك وجماجم العنبر والغالية في بواطي زجاج ، ويفرق ذلك على الناس ، ويخلع عليهم خلع الوشي المنسوجة ، وأوقد بين يديه في تلك الليلة شمع العنبر في أتوار الذهب. وأحضر نساء بني
هاشم ، وكان يدفع إلى كل واحدة منهن كيس فيه دنانير وكيس فيه دراهم وصينية كبيرة وفضة فيها طيب ، ويخلع عليها خلعة وشي مثقل.
وبلغت النفقة في هذا العرس من بيت مال الخاصة ، سوى ما أنفقه الرشيد من ماله ، خمسين ألف ألف درهم ...
ومنها عُرْسُ المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل ، بفم الصلح « قرب واسط ». وكانت النفقة عليه أمراً عظيماً. وسأل المأمون زبيدة عن تقدير النفقة في العرس ، فقالت : ما بين خمسة وثلاثين ألف ألف إلى سبعة وثلاثين ألف ألف.
ذكر ابن خرداذبه : أن المتوكل ، أنفق على الأبنية التي بناها ، وهي : بركوارا ، والشاه ، والعروس ، والبركة ، والجوسق ، والمختار ، والجعفري ، والغريب ، والبديع ، والصبيح ، والمليح ، والسندان ، والقصر ، والجامع ، والقلاية ، والبرج ، وقصر المتوكلية ، والبهو ، واللؤلؤة : مائتي ألف ألف وأربعة وسبعين ألف ألف درهم. ومن العين مائة ألف ألف دينار.
تكون قيمة الورق عيناً بصرف الوقت مع ما فيه من العين ثلاثة عشر ألف ألف دينار ، وخمس مائة ألف دينار ، وخمسة وعشرين ألف دينار.
قال : شرب المتوكل يوماً في بركوارا ، فقال لندمائه : أرأيتم إن لم يكن أيام الورد لا نعمل نحن شاذكلاه « فارسية بمعنى : طربوش الفرح » قالوا : يا أمير المؤمنين ، لا يكون الشاذكلاه إلا بالورد. فقال : بلى. أدعوا لي عبيد الله بن يحيى ، فحضر فقال : تقدم بأن تضرب لي دراهم ، في كل درهم حبتان. قال : كم المقدار يا أمير  المؤمنين؟ قال : خمسة آلاف ألف درهم. فتقدم عبيد الله في ضربها فضربت ، وعرفه الخبر. فقال : إصبغ منها بالحمرة والصفرة والسواد ، واترك بعضها على حاله. ففعل. ثم تقدم إلى الدم والحواشي ، وكانوا سبع مائة ، أن يعد كل واحد منهم قباءً جديداً وقلنسوةً على خلاف لون قباء الآخر وقلنسوته ، ففعلوا.
ثم عمد إلى يوم تحركت فيه الريح ، فنصبت له قبة لها أربعون باباً ، فاصطبح فيها ، والندماء حوله. ولبس الخدم الكسوة التي أعدها ، وأمر بنثر الدراهم كما ينثر الورد. فنثرت أولاً أولاً ، فكانت الريح تحمل الدراهم فتقف بين السماء والأرض كما يقف الورد. فكان من أحسن أيام المتوكل وأظرفه.
وكان البرج من أحسن أبنيته ، فجعل فيه صوراً عظاماً من الذهب والفضة ، وبركة عظيمة جعل فرشها ظاهرها وباطنها صفائح الفضة ، وجعل عليها شجرة ذهب ، فيها كل طائر يصوت ويصفر ، مكللة بالجوهر ، وسماها طوبى. وعمل له سرير من الذهب كبير ، عليه صورتا سَبْعَيْن عظيمين ، ودرج عليها صور السباع والنسور وغير ذلك ، على ما يوصف به سرير سليمان بن داود (ع). وجعل حيطان القصر من داخل وخارج ملبسة بالفسيفساء والرخام المذهب. فبلغت النفقة على هذا القصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار.
وجلس فيه على السرير الذهب ، وعليه ثياب الوشي المثقلة ، وأمر ألا يدخل عليه أحد إلا في ثياب وشي منسوجة ، أوديباج ظاهرة.
وكان جلوسه فيه في سنة تسع وثلاثين ومائتين ، ثم دعا بالطعام وحضر الندماء وسائر المغنين والملهين ، وأكل الناس. ورام النوم فما تهيأ له ، فقال له الفتح : يا مولاي ، ليس هذا يوم نوم ، فجلس للشرب. فما كان الليل رامَ النوم ، فما أمكنه فدعا بدهن بنفسج ، فجعل منه شيئاً على رأسه وتنشقه فلم ينفعه.
فمكث ثلاثة أيام بلياليها لم ينم ، ثم حُمَّ حُمَّى حَادَّة ، فانتقل إلى الهاروني قصر أخيه الواثق ، فأقام به ستة أشهر عليلاً ، وأمر بهدم البرج ».


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page