وهو نظام فريد يتخلّل نسيج الحياة كلّها ، فيجعل للقِيم السبق والأولويّة على كلّ ما عداها وإنْ تعارض الالتزام بها مع المصلحة ، كما قد يستحسنها صاحبها فرداً كان أمْ جماعة .
وهنا تتبدى الأهميّة المُطلقة لمحور القِيم في النظام الاجتماعي الإسلامي , وهو ليس كما قد يظنّ نسقاً للضبط الاجتماعي فحسب ، ولكنّه نسق حركي حي لإنشاء وخلق وتعميق الدوافع الإيجابيّة في الحياة ، أي : أنّه ليس مجرّد نظام أخلاقي ينتظم عدداً من الفضائل المبعثرة ، ولكنّه نظام متكامل ينعكس في شتّى ضروب وممارسات النشاط الإنساني على اتّساعه , ولعلّ أوضح بيان لهذا المفهوم ، هو ذلك الوصف الجامع لسلوك الرسول (صلّى الله عليه وآله) : كان خُلقه القرآن .
فالنظام الاقتصادي الإسلامي يقوم على مفهوم الاستخلاف في مال الله الذي هو مال الجماعة ؛ وهو نظام محكوم بقواعد أخلاقيّة في كليّاته وجزئيّاته على السواء ، في مجالات النشاط ، وفي أساليب الاكتساب ، وفي أوجه وحدود الإنفاق , ممّا يعني طهر المال وتحقيقه لوظيفته الاجتماعيّة فوق تحقيقه لمصلحة الفرد القائم على تثميره .
والنظام الاجتماعي الإسلامي يقوم على التوازن الدقيق بين متطلّبات الفرد ومقتضيات مصلحة الجماعة ، معتمداً على مبدأ أساسي هو المساواة بين البشر جميعاً : فـ(( الناسُ سواسيةٌ كأسنانِ المِشطِ )) .
ومعيار التفاضل الوحيد في هذا النظام هو التقوى ، أي : الالتزام بقِيم هذا النظام : ( إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ )(1) .
والعدل مبدأ أساسي وقاعدة ارتكاز النظام السياسي الإسلامي ، وهو قيمة مُطلقة على كافة مستويات الحياة ، يقول الله تعالى : ( إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ )(2) .
وروى مُسلم عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّ المُقسطين عند الله على منابرَ من نورٍ ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلّوا )) .
والوسيطة ، تعني : التوّسط والقصد في كلّ شيء ... في المتع والملذات الحسيّة ، كالطعام والشراب والجنس تماماً ، كما في عدم الغلو في الدين . ومن هنا تتّضح الصفات الفارقة للنظام الإسلامي عن كلّ نظام جاهلي :
فهنا توحيد مُطلق لله ، وتقدير لله حقّ قدره ... وهناك خلط في مفهوم الألوهيّة .
وهنا ربط كامل بين القِيم وغايات الوجود الإنساني ، وهناك الاستغراق في الحياة الماديّة .
وهنا الانتماء الأعلى والأولى والأسبق لقِيم هذا النظام ، وهناك انتماءات تتردّد بين قِبليّة وعرقيّة ونفعيّة ... .
ـــــــــــــــ
(1) سورة الحجرات / 13 .
(2) سورة النحل / 90 .
الأولويّة المطلقة للقِيم
- الزيارات: 922