• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

شجرة أنساب كنانة (1)


ولكن ابن خلدون يأتينا بتفسير لاشتراط القرشيّة باعتبار المقصد الشرعي منه ، وهو اجتماع كلمة الاُمّة دون المزاحمة والخلاف , وما يضمن ذلك ـ من وجهة نظره ـ هو شوكة العصبيّة المتوفّرة في قريش دون سائر العرب . يقول ابن خلدون(2) : إنّ الأحكام الشرعيّة كلّها لا بدّ لها من مقاصد وحكم تشتمل عليها وتشرع لأجلها ، ونحن إذا بحثنا عن الحكمة في اشتراط النسب القرشي وقصد الشارع منه لمْ يقتصر فيه على التبرّك بوصلة النبي (صلّى الله عليه وآله) كما هو في المشهور ، وإنْ كانت تلك الوصلة موجودة والتبرّك بوصلة النبي (صلّى الله عليه وآله) كما هو في المشهور ، وإنْ كانت تلك الوصلة موجودة والتبرّك بها حاصلاً ، لكن التبرّك ليس من المقاصد الشرعيّة كما علمت ، فلا بدّ إذاً من المصلحة في اشتراط النسب وهي المقصودة من مشروعيّتها .
وإذا سبرنا وقسّمنا لمْ نجدها إلاّ اعتبار العصبيّة التي تكون بها الحماية والمطالبة ، ويرتفع الخلاف والفرقة بوجودها لصاحب المنصب ، فتسكن إليه الملّة وأهلها ، وينتظم حبل الألفة فيها ؛ وذلك أنّ قريشاً كانوا عُصبة مضر وأصلهم وأهل الغلب منهم ، وكان لهم على سائر مضر العزّة بالكثرة والعصبيّة والشرف , فكان سائر الناس يعترف لهم بذلك ويستكينون لغلبهم ، فلو جُعل الأمر في سواهم لتوقّع افتراق الكلمة بمخالفتهم وعدم انقيادهم .
وواضح من كلام ابن خلدون ، أنّه أمعن في اعتماد المفهوم القبلي المؤسّس على العصبيّة وشوكتها ، وكأنّه يتحدّث عن مجتمع لا صلة له بالإسلام ، وإنْ كسا تفسيره بحلّة المقصد الشرعي .
والجواب على بطلان ما ذهب إليه ابن خلدون من عدّة وجوه :

أ ـ اختلف العرب في أيٍّ من قبائلهم وبطونهم كانت السيادة والشرف , ولمْ يحدث أنْ اجتمعوا قط على أنّها كانت في قريش على حدّ زعم ابن خلدون .
فهذا نسّاب(3) يُجيب معاوية عندما سأله : أخبرني عن أشرف بيت في العرب ؟ قال : بنو أسد . وبنو أسد هم بنو خزيمة بن عامر بن إلياس بن مضر ، وليسوا من بني النضر بن كنانة ، فليسوا إذاً من قريش على من حصر قريش في ولد النضر ، فضلاً عن أنْ يكونوا من ولد فهر بن مالك .
وقال آخرون(4) : إنّ أشرف بيت في مضر غير مدافع في الجاهليّة ، بيت بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم .
وتميم من مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر , وهؤلاء ، كبني أسد في اختلافهم عن قريش .
وعندما سأل(5) عبد الملك بن مروان يوماً جلساءه : أخبروني عن حيّ من أحياء العرب فيهم أشدّ الناس ، وأسخى الناس وأخطب الناس ، وأطوع الناس في قومه وأحلم الناس ، وأحضرهم جواباً . قالوا : يا أمير المؤمنين ، ما نعرف هذه القبيلة ولكن ينبغي لها أنْ تكون في قريش . قال : لا . فقالوا : ففي حِمير وملوكها ؟ قال : لا . قالوا : ففي مضر ؟ قال : لا . قال مصقلة بن رقية العبدي : فهي إذاً في ربيعة ونحن هم . قال : نعم .
وربيعة هؤلاء ، هم : بنو نزار بن معد بن عدنان ، وهم أبعد عن قريش من أسد .
وإذا اطلعت على منازل هؤلاء وهؤلاء ، لوجدتها بعيدة كلّ البعد عن مكّة ، فلمْ يكونوا إذاً من سكّان حرم الله . وإذا أُدخل البعض تميماً في قريش ـ على ما سبق بيانه ـ فإنّها تنزل كذلك بعيداً عن مكّة ، ويُشاركها في منازلها ويُتاخمها غيرها من القبائل , فهل من سبب يُعقل إذاً ليميزها مع المتميّزين في جعل الإمامة فيهم ، على من جعل الفضل في ساكني مكّة من قريش ؟
إنّك لا تجد ردّاً على ذلك أبلغ من قول صعصعة بن صوحان لمعاوية : فلعمري ما الأرض تقدّس الناس ، ولا يقدّس الناس إلاّ أعمالهم .
ثمّ اقرأ شعر الفرزدق(6) ، ترَ أنّه يميّز تميماً من قريش ، ويُفاخر بها :
فإن تغضب قريش أو تغضّب      فـإن  الأرض تـوعبها تميم
هـم  عـدد النجوم وكل حي      سـواهـم لا تـعدله نـجوم
وكذلك يدحض زعم ابن خلدون ، ما جاء على ألسنة المسيّرين عنوة من الكوفة إلى الشام في عهد عثمان بن عفّان , لمّا قال سعيد بن العاص عامل عثمان على الكوفة ـ وقد سبق ذكره(7) ـ : إنّما هذا السواد بستان لقريش . فردّ عليه مالك الأشتر مقالته . ولمّا سيّروا إلى معاوية ، قال لهم : قد بلغني أنّكم نقمتم قريشاً ، وإنّ قريشاً لو لمْ تكن ، عدّتم أذلّة كما كنتم . فقال صعصعة من المسيّرين : أمّا ما ذكرت من قريش ، فإنّها لمْ تكن أكثر العرب ، ولا أمنعها في الجاهليّة فتخوّفنا .
فإذا كان الأمر كذلك ، فمن أين أتى ابن خلدون بزعمه : أنّ قريشاً كانت أكثر العرب وأشدّها عصبيّة ؟!

ب ـ ولو أنّ مدار الأمر على الشوكة العصبيّة كما يزعم ابن خلدون ، واعتباره أنّ ذلك ممّا يتوسّل به الشرع لاجتماع الكلمة ، فكيف يبرز إذاً مال الأمر إلى أبي بكر وعمر ، مع ما هو معلوم أنّهما لمْ يكونا ذوي عصبيّة تقارن بأصحاب العصبيّات الأشدّ في مجتمعهم .
وآية ذلك نظرة المعاصرين أنفسهم لتلك الأحداث , فهذا أبو سفيان ـ مع أسبابه الخاصّة ـ يقول(8) عقب تولية أبي بكر : ما بال هذا الأمر في أقلّ حيّ من قريش ! والله ، لئن شئت لأملأنّها عليه خيلاً ورجالاً .
ثمّ يقول : والله ، إنّي لأرى عجاجة لا يطفئها إلاّ دم ! يا آل عبد مناف ، فيمَ أبو بكر من أموركم ؟
ثمّ قالها بعد تولية عثمان : فيم تيم وعدي من أموركم ؟
بل إنّ أبا قحافة والد أبي بكر ، وهو العليم بالتضاريس القبليّة ، عجب لتولّي ابنه الخلافة بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ؛ إذ قال لمّا سمع هذا الخبر(9) : أمر جلل ، فمَن قام بالأمر بعده ؟ قالوا : ابنك . قال : فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة ؟ قالوا : نعم . قال : لا واضع لمَا رفعت ، ولا رافع لمَا وضعت .
ثمّ لعلّ الدليل التاريخي أدحض لرأي ابن خلدون من غيره ، فإنّه ما أنْ تولّى أبو بكر حتّى انتفضت العرب قاطبة إلاّ قليلاً منهم ، وتمردت على حكم قريش الذي زعم ابن خلدون ، أنّه ادعى لاجتماع الكلمة . يذكر الطبري(10) : لمّا مات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وفُصل اُسامة ارتدّت العرب خواصّ أو عوامّ .

ت ـ ثمّ بماذا يُفسّر ابن خلدون ، قول الله تعالى :
( وَنُرِيدُ أَنْ نّمُنّ عَلَى الذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ )(11) .
ثمّ هذا هو رسول الله لوط (عليه السّلام) ، يظنّ أنّ المنعة في العشيرة في قول الله تعالى حكاية عنه : ( قَالَ لَوْ أَنّ لِي بِكُمْ قُوّةً أَوْ آوِي إِلَى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ )(12) . فيروي المفسّرون أنّ الملائكة وجدت عليه لقوله ذاك ، وقالوا : إنّ ركنك لشديد وهو الله عزّ وجلّ .
 ويروي البخاري قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( يرحم الله لوطاً ، لقد كان يأوي إلى ركن شديد )) .
ويتساءل رشيد رضا في معرض استنكاره لرأي ابن خلدون، قائلاً(13) : ألمْ يكن جلّ اضطهاده (صلّى الله عليه وآله) وصدّه عن تبليغ دعوة ربّه من رؤساء قريش؟ ألمْ يكونوا هم الذين ألجؤوه إلى الهجرة ؟

ـــــــــــــــ
(1) عن أطلس تاريخ الإسلام ، مرجع سابق .
(2) المقدمة ، مرجع سابق / 162 .
(3) العقد الفريد ، مرجع سابق 3 / 79 .
(4) المرجع السابق
(5) المرجع السابق / 99 .
(6) الأغاني ، مرجع سابق 21 / 297 .
(7) الطبري ، مرجع سابق ، أحداث عام 33 هـ  .
(8) المرجع السابق 3 / 209 .
(9) تاريخ الخلفاء ، مرجع سابق / 72 .
(10) مرجع سابق 3 / 242 .
(11) سورة القصص / 5 .
(12) سورة هود / 80 .
(13) الخلافة ، مرجع سابق / 149 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page