يقول الله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ)(1) .
وأنت ترى كيف ربط الله عزّ وجلّ بين استحقاق إبراهيم للإمامة ، وبين إتمامه للكلمات التي ابتلي بها ، أي : تنفيذه للتكاليف من أوامر ونواهي وجميع ما شرّع له , كما يقول المفسرون : فقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : لا يكون لي إمام ظالم . وفي رواية : لا أجعل إماماً ظالماً يقتدى به.
وقال مجاهد كذلك : أمّا من كان منهم صالحاً فأجعله إماماً يُقتدى به , وأمّا مَن كان ظالماً ، فلا ولا نعمة عين .
وعن ابن عبّاس قوله : يخبره أنّه كائن في ذرّيّته ظالم لا ينال عهده ، ولا ينبغي أنْ يولّيه شيئاً من أمره .
ويعلّق ابن كثير بقوله : فهذه أقوال مفسّري السلف في هذه الآية ، وإنْ كانت ظاهرة في الخبر أنّه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالم ، ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل (عليه السّلام) أنّه سيوجد من ذرّيّتك مَن هو ظالم لنفسه , كما تقدّم عن مجاهد وغيره ، والله أعلم .
وقال ابن خويز منداد المالكي : الظالم لا يصلح أنْ يكون ؛ خليفةً ولا حاكماً ولا مفتياً ولا شاهداً ولا راوياً .
ويقول سيّد قطب(2) : الظلم أنواع وألوان : ظلم النفس بالشرك ، وظلم الناس بالبغي .. والإمامة الممنوعة على الظالمين تشمل كلّ معاني الإمامة : إمامة الرسالة ، وإمامة الخلافة ، وإمامة الصلاة ... وكلّ معنى من معاني الإمامة والقيادة . فالعدل بكلّ معانيه هو أساس استحقاق هذه الإمامة في أيّة صورة من صورها ، ومَن ظلم ـ أيّ لون من الظلم ـ فقد جرّد نفسه من حقّ الإمامة ، وأسقط حقّه فيها بكلّ معنى من معانيها .
وهذا الذي قِيل لإبراهيم (عليه السّلام) ، وهذا العهد بصيغته التي لا التواء فيها ، ولا غموض قاطع كذلك في تنحية مَن يسمّون أنفسهم المسلمين اليوم بما ظلموا ، وبما فسقوا وبما بعدوا عن طريق الله ، وبما نبذوا من شريعته وراء ظهورهم ودعواهم الإسلام ، وهم ينحون شريعة الله ومنهجه عن الحياة ، دعوى كاذبة لا تقوم على أساس من عهد الله .
ويذكر أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن : فلا يجوز أنْ يكون الظالم نبيّاً ولا خليفةً لنبيّ ، ولا قاضياً ولا مَن يلزم الناس قبول قوله في أمور الدين ، من مفتٍ أو شاهد أو مخبر عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) خبراً ، فقد أفادت الآية أنّ شرط جميع مَن كان في محلّ الائتمام به في أمر الدين : العدالة والصلاح .
ـــــــــــــــ
(1) سورة البقرة : 124 .
(2) في ضلال القرآن .
2 ـ الإمامة عهد الله لا ينالها ظالم
- الزيارات: 1030