• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الحجاج يرمي الكعبة ثانية

قال ابن الأثير وغيره : أرسل عبد الملك بن مروان الحجاج لحرب ابن الزبير بمكة فنزل الطائف وأمده بطارق فقدم المدينة في ذي القعدة سنة 72 ه‍ وأخرج عامل ابن الزبير عنها وجعل عليها رجلا من أهل الشام اسمه ثعلبة ، فكان ثعلبة يخرج المخ على منبر النبي ( ص ) يأكله ويأكل عليه التمر ليغيظ أهل المدينة ( 1 ) .
وقال الدينوري : فقال الحجاج لأصحابه : تجهزوا للحج وكان ذلك في أيام الموسم ثم سار من الطائف حتى دخل مكة ونصب المنجنيق على ابي قبيس فقال الاقيشر الاسدي :

لم أر جيشا غر بالحج مثلنا * ولم أر جيشا مثلنا غير ما خرس
دلفنا لبيت الله نرمي ستوره * بأحجارنا زفن الولائد في العرس
دلفنا له يوم الثلاثاء من منى * بجيش كصدر الفيل ليس بذي رأس
فإلا ترحنا من ثقيف وملكها * نصل لأيام السباسب والنحس

فطلبه الحجاج فهرب وأناخ الحجاج بابن الزبير ، وتحصن منه ابن الزبير في المسجد واستعمل الحجاج على المنجنيق ابن خزيمة الخثعمي فجعل يرمى أهل المسجد ويقول :

خطارة مثل الفنيق الملبد * نرمى بها عواذ أهل المسجد ( 2 )

قال المسعودي : وكتب الحجاج إلى عبد الملك بحصار ابن الزبير وظفره بأبي قبيس فلما ورد كتابه كبر عبد الملك ، فكبر من معه في داره ، واتصل التكبير بمن في جامع دمشق فكبروا ، واتصل ذلك بأهل الأسواق فكبروا ، ثم سألوا عن الخبر فقيل لهم : ان الحجاج حاصر ابن الزبير بمكة وظفر بأبي قبيس ، فقالوا : لا نرضى حتى يحمله إلينا مكبلا على رأسه برنس على جمل يمر بنا في الأسواق هذا الترابي الملعون ( 3 ) !
كان " أبو تراب " كنية الإمام علي كناه بها رسول الله فاتخذها بنو أمية نبزا للإمام وسموا شيعته ترابيا بهذا المناسبة ، وأصبح هذا اللقب في عرف آل أمية وشيعتهم طعنا فنبزوا بها ابن الزبير أيضا .
قال ابن الأثير : قدم الحجاج مكة في ذي القعدة وقد أحرم بحجة فنزل بئر ميمون وحج بالناس في تلك السنة الحجاج الا أنه لم يطف الكعبة ولا سعى بين الصفا والمروة ، منعه ابن الزبير من ذلك . قال : ولم يحج ابن الزبير ولا أصحابه لانهم لم يقفوا بعرفة ولم يرموا الجمار . قال : ولما حضر الحجاج ابن الزبير ، نصب المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة وكان عبد الملك ينكر ذلك أيام يزيد بن معاوية ، ثم أمر به ، فكان الناس يقولون خذل في دينه( 4 ) .
وقال الذهبي : وألح عليه الحجاج بالمنجنيق وبالقتال من كل وجه وحبس عنهم الميرة فجاعوا ، وكانوا يشربون من زمزم فتعصبهم وجعلت الحجارة تقع في الكعبة ( 5 ) .
قال ابن كثير : وكان معه خمس مجانيق فالح عليها بالرمي من كل مكان . ثم ذكر مثل قول الذهبي ( 6 ) .

احتراق الكعبة ونزول الصواعق :

وفي تاريخ الخميس بسنده قال : ان الحجاج رمى الكعبة بالحجارة والنيران حتى تعلقت بأستار الكعبة واشتعلت فجاءت سحابة من نحو جدة مرتفعة يسمع منها الرعد ويرى فيها البرق واستوت فوق الكعبة والمطاف فأطفأت النار وسال الميزاب في الحجر ثم عدلت إلى أبي قبيس فرمت بالصاعقة وأحرقت منجنيقهم قدر كوة وأحرقت تحته أربعة رجال ، فقال الحجاج لا يهولنكم هذا فانها أرض صواعق فأرسل الله صاعقة أخرى ، فأحرقت المنجنيق وأحرقت معه أربعين رجلا ( 7 ) .
وقال الذهبي : وجعل الحجاج ، يصيح بأصحابه : يا أهل الشام ، الله الله في الطاعة ( 8 ) .
وروى الطبري وغيره عن يوسف بن ماهك قال : رأيت المنجنيق يرمى به فرعدت السماء وبرقت وعلا صوت الرعد والبرق على الحجارة فاشتمل عليها فأعظم ذلك أهل الشام ، فأمسكوا بأيديهم فرفع الحجاج بركة قبائه فغرزها في منطقته ورفع حجر المنجنيق فوضعه فيه ، ثم قال ارموا ورمى معهم ، قال : ثم أصبحوا فجاءت صاعقة تتبعها أخرى فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا فانكسر أهل الشام فقال الحجاج : يا أهل الشام ! لا تنكروا هذا فاني ابن تهامة هذه صواعق تهامة هذا الفتح قد حضر فابشروا ان القوم يصيبهم مثل ما أصابكم فصعقت من الغد فأصيب من أصحاب ابن الزبير عدة فقال الحجاج : ألا ترون أنهم يصابون وأنتم على الطاعة وهم على خلاف الطاعة ( 9 ) .
وجاء في تاريخ ابن كثير بعده : وكان أهل الشام يرتجزون وهم يرمون بالمنجنيق ويقولون : مثل الفنيق المزبد ، نرمى بها أعواد هذا المسجد . فنزلت صاعقة على المنجنيق فأحرقته فتوقف أهل الشام عن الرمي والمحاصرة فخطبهم الحجاج ، فقال : ويحكم ! ألم تعلموا أن النار كانت تنزل على من قبلنا فتأكل قربانهم إذا تقبل منهم ؟ فلولا ان عملكم مقبول ما نزلت النار فأكلته ( 10 ) .
وفي فتوح أعثم : أمر الحجاج أصحابه أن يتفرقوا من كل وجه من ذي طوى ، ومن أسفل مكة ، ومن قبل الابطح ، فاشتد الحصار على عبد الله بن الزبير وأصحابه فنصبوا المجانيق وجعلوا يرمون البيت الحرام بالحجارة وهم يرتجزون بالأشعار .
وتقع الحجارة في المسجد الحرام كالمطر ، وكان رماة المنجنيق إذا ونوا وسكتوا ساعة فلم يرموا يبعث إليهم الحجاج فيشتمهم ، ويتهددهم بالقتل ، فأنشأ بعضهم يقول :

لعمر أبي الحجاج لو خفت ما أرى * من الأمر ما أمسيت تعذلني - الأبيات

نشيد الحجاج عند ما رأى البيت يحترق :

قال : فلم يزل الحجاج وأصحابه يرمون بيت الله الحرام بالحجارة حتى انصدع الحائط الذي على بئر زمزم عن آخره ، وانتقضت الكعبة من جوانبها .
قال : ثم أمرهم الحجاج فرموا بكيزان النفط والنار حتى احترقت الستارات كلها فصارت رمادا ، والحجاج واقف ينظر في ذلك كيف تحترق الستارات وهو يرتجز ويقول :

أما تراها ساطعا غبارها * والله في ما يزعمون جارها
فقدوهت وصدعت أحجارها * ونفرت ، منها معها أطيارها
وحان من كعبتها دمارها * وحرقت منها معا أستارها

لما علاها نفطها ونارها ( 11 ).
قال الطبري وغيره واللفظ للطبري : فلم تزل الحرب بين ابن الزبير والحجاج حتى كان قبيل مقتله ، وقد تفرق عنه أصحابه ، وخرج عامة أهل مكة إلى الحجاج في الأمان وخذله من معه خذلانا شديدا ، حتى خرج إلى الحجاج نحو من عشرة آلاف ، وفيهم ابناه حمزة وخبيب فأخذا منه لأنفسهما أمانا .

 نهاية أمر ابن الزبير وإرسال الرؤوس إلى يزيد :

فقاتل قتالا شديدا حتى قتل وبعث الحجاج برأس ابن الزبير و عبد الله بن صفوان وعمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة فنصبت بها ، ثم ذهب بها إلى عبد الملك ابن مروان ( 12 ) .
وفي تاريخ ابن كثير : وأرسل بالرؤوس مع رجل من الأزد وأمرهم إذا مروا بالمدينة أن ينصبوا الرؤوس بها ثم يسيروا بها إلى الشام ففعلوا ما أمرهم وأعطاه عبد الملك خمسمائة دينار ، ثم دعا بمقراض فأخذ من ناصيته ونواصي أولاده فرحا بمقتل ابن الزبير ! قال : ثم أمر الحجاج بجثة ابن الزبير فصلبت على ثنية كذا عند الحجون ، يقال : منكسة : ثم أنزل عن الجذع ودفن هناك ( 13 ) .
قال الذهبي : واستوثق الأمر لعبد الملك بن مروان واستعمل على الحرمين الحجاج بن يوسف ،فنقض الكعبة التي من بناء ابن الزبير وكانت تشعثت من المنجنيق وانفلق الحجر الاسود من المنجنيق فشعبوه ( 14 ).

الحجاج يختم أعناق أصحاب النبي ( ص ) :

وقال الطبري بعده : ثم انصرف إلى المدينة في صفر فأقام بها ثلاثة أشهر يتعبث بأهل المدينة ويتعنتهم وبنى بها مسجدا في بني سلمة فهو ينسب إليه واستخف فيها بأصحاب رسول الله ( ص ) فختم في أعناقهم ، وكان جابر بن عبد الله مختوما في يده وأنس مختوما في عنقه يريد أن يذله بذلك .
وأرسل إلى سهل بن سعد فدعاه فقال : ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، قال : قد فعلت ، قال : كذبت ثم أمر به فختم في عنقه برصاص ( 15 ) .

انتهاء ثورة الحرمين وقيام ثورات أخرى :

هكذا انتهت ثورة الحرمين وثارت معها وبعدها بلاد أخرى ، مثل ثورة التوابين في سنة خمس وستين في الكوفة الذين خرجوا ينادون : يا لثارات الحسين ! وقاتلوا جيش الخلافة بعين الوردة حتى استشهدوا ، ثم ثورة المختار في الكوفة سنة ست وستين ، وقيامه بقتل قتلة الحسين ( ع ) .
ثم ثورات العلويين مثل زيد الشهيد وابنه يحيى ( 16 ) وأخيرا ثورة العباسيين وقيامهم باسم الدعوة لآل محمد ، وتهديمهم الخلافة الأموية وإقامتهم الخلافة العباسية بهذا الاسم ، فقد كان أبو سلمة الخلال يسمى : وزير آل محمد ، وأبو مسلم : أمير آل محمد ! ولما قتل أبو سلمة ، قال الشاعر :

ان الوزير وزير آل محمد * أودى فمن يشناك كان وزيرا ( 17 )
الثائرون أضعفوا الخلافة والأئمة ( ع ) أعادوا أحكام الإسلام :

وقعت كل تلكم الثورات اثر استشهاد الحسين ( ع ) ومن قبل القائمين بها في جانب .
وفي جانب آخر استطاع الأئمة على اثر استشهاد الحسين أن يجددوا شريعة جدهم سيد الرسل بعد اندراسها ونشطت مدرستهم في نشر أحكام الإسلام كما يأتي بيانه في الباب التالي .

للمتابعة اضغط على الصفحة التالية أدناه




_________
1 ) تاريخ ابن الأثير 3 / 135 .
2 ) الأخبار الطوال ص 314 .
3 ) مروج الذهب 3 / 113 ( * ).
4 ) تاريخ ابن الأثير 4 / 136 .
5 ) تاريخ الإسلام للذهبي 3 / 114 .
6 ) ابن كثير 8 / 329 .
7 ) الطبري 7 / 202 في ذكر حوادث سنة 73 ه‍ .
7 ) الذهبي ، تاريخ الإسلام 3 / 114 ( * ) .
9 ) الطبري ط / اروبا 2 / 844 - 845 ، ابن كثير 8 / 329 . 2 ) تاريخ الخميس 2 / 305 . ( * )
10 ) فتوح ابن أعثم 6 / 275 - 276 .
11 ) تاريخ الطبري 8 / 202 - 205 .
12 ) تاريخ ابن كثير 8 / 332 ، وفى فتوح ابن أعثم 6 / 279 أكد انه صلبه منكوسا .
13 ) تاريخ الإسلام للذهبي 3 / 115 ( * ) .
14 ) تاريخ الطبري 7 / 206 في ذكر حوادث سنة 74 ه‍ .
15 ) راجع تاريخ الطبري ، وابن الأثير ، وابن كثير في ذكرهم حوادث سنى 65 و 66 - 67 و 121 - 122 و 125 .
16 ) تاريخ اليعقوبي 2 / 345 و 352 - 353 ، وابن الأثير 5 / 144 و 148 في ذكر حوادث سنة 130 ه‍ ، ومروج الذهب 3 / 286 ( * ) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page