إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لمّا رأى أنّ قلوب بعض الناس امتلأت حقداً وحسدًا تجاه عليّ (عليه السلام) ، وأنّ الإعلان عن كون الحقّ معه لا يزيدهم إلاّ بعداً عنه واشمئزازاً منه ، فالتجأ إلى الاستفادة من الأُسلوب اللامباشر ، كي تتمّ الحجّة على هؤلاء من كلّ جهة ، فبيّنه من طريق الملازمين لعليّ (عليه السلام) .
فقال (صلى الله عليه وآله) : » إذا اختلف الناس بينهم ، كان ابن سميّة على الحقّ ، وما خُيِّرَ ابن سميّة بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما «(1) .
هكذا ذكره الدارقطني في العلل من حديث ابن مسعود ، وذكر طرقه إليه ، فراجع . وذكره غيُرُه بصورة مقطّعة ؛ فقد ذكر بعضهم الفقرة الأُولى منه فقط ، وبعضهم ذكر الفقرة الثانية ، فلاحظ :
[الطبراني] : ثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا ضرار بن صرد ، ثنا عليّ ابن هاشم ، عن عمّار الدُّهْني ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن علقمة ، عن عبد الله ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، قال : »إذا اختلف الناس ، كان ابن سميّة مع الحقّ « .
و[أيضاً] : ثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا أبوكريب ، ثنا معاوية بن هشام ، عن عمّار الدُّهْني ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، مثله . ولم يذكر علقمة(2).
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة ؛ عن وكيع ، والحاكم بسنده عن وكيع أيضاً ، عن سفيان ، عن عمّار بن معاوية الدُّهْني ، عن سالم بن أبي الجعد الأشجعي ، عن عبد الله بن مسعود - واللفظ لابن أبي شيبة - قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : » ابن سميّة ما خُيِّرَ بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما« .
ثمّ قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين - إن كان سالم بن أبي الجعد سمع من عبد الله بن مسعود - ولم يخرجاه . ووافقه الذهبي(3).
وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم والخطيب بأسانيدهم عن عبد العزيز بن سياه ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عطاء بن يسار ، عن عائشة - واللفظ للترمذي والحاكم - قالت : فقال (صلى الله عليه وآله) : » ما خُيِّرَ عمّار بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما« .
وأورده المزّي في التحفة ، والتبريزي في المشكاة ، والألباني في الأحاديث الصحيحة ، ثمّ قال بالنسبة لعبد العزيز بن سياه : وهو ثقة من رجال الشيخين(4).
[أحمد] : ثنا أبو أحمد ، ثنا عبد الله بن حبيب ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عطاء بن يسار ، قال : جاء رجل ، فوقع في عليّ وفي عمّار عند عائشة ، فقالت : أمّا عليّ ، فلست قائلة لك فيه شيئاً ، وأمّا عمّار ؛ فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : » لا يُخَيَّر بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما« .
وصحّحه حمزة أحمد الزين, وذكره الألباني في الأحاديث الصحيحة ، وقال بالنسبة لعبد الله بن حبيب :{وهو ثقة أيضاً من رجال مسلم ، فالإسناد صحيح ، لولا عنعنة حبيب ، فقد رمي بالتدليس ، ولكنّه صحيح قطعاً بما بعده}(5) .
وهذا قد يكون كافياً للإشارة إلى الأُسلوب غير المباشر للنبيّ (صلى الله عليه وآله) للإعلان عن الحقّ . وقد تفطّن بعض الصحابة لواقع الأمر ، فلاذ إلى استعمال هذا الأسلوب أيضاً .
[الطبراني] : عن سيّار أبي الحكم ، قال : قالت بنو عبس لحذيفة : إنّ أمير المؤمنين عثمان قد قتل ، فما تأمرنا ؟ قال : آمركم أن تلزموا عمّاراً . قالوا : إنّ عمّاراً لايفارق عليّاً ؟! قال : إنّ الحسد هو أهلك الجسد ، وإنّما ينفرّكم من عمّار قربه من عليّ ، فوالله لَعليّ أفضلُ من عمّار ، أبعد ما بين التراب والسحاب ، وإنّ عمّاراً لمن الأحباب ، وهو يعلم أنّهم إن لزموا عمّاراً كانوا مع عليّ .
أورده الهيثمي في المجمع ، وقال : رواه الطبراني ، ورجاله ثقات ، إلاّ أنّي لم أعرف الرجل المبهم(6).
وقد يتعجّب المرء من الحقد والحسد ، كيف يصل إلى درجة يغمض الشخص عينه فيها من الشمس ، فيستدلّ على طلوعها بوجود الظلّ ؟! .
________________
(1) العلل للدارقطني : 5 / 233 - 234 س 843 .
(2) المعجم الكبير : 10 / 95 - 96 ح : 10071 ، 10072 ، مجمع الزوائد : 7 / 243 ، وفي طبع : 7 / 488 ح : 12059 .
(3) مسند أحمد : 1 / 389 ، 445 وفي طبع : 3 / 548 - 549 ح : 3693 ، وفي آخر : 6 / 220 ح : 3693 ، المصنّف لابن أبي شيبة : 6 / 388 ح : : 32236 ، المستدرك: 3 / 388 وفي طبع : 4 / 476 ح : 5718 .
(4) الجامع الكبير : 6 / 133 ح : 3799 ، سنن ابن ماجه : 1 / 63 ح : 148 ، السنن الكبرى للنسائي : 5 / 75 ح : 8276 ، المستدرك : 3 / 388 ، وفي طبع : 4 / 476 - 477 ح : : 5719 ، تاريخ بغداد : 11 / 286 م : 6055 ، تحفة الأشراف : 12 / 242 ح : 17397 ، المسند الجامع : 20 / 341 ح : 17220 ، مشكاة المصابيح : 3 / 390 ح : 6236 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة : 2 / 489 - 490 ح : 835 .
(5) مسند أحمد : 6 / 113 وفي طبع : 17 / 437 ح : 24701 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة : 2 / 489 - 490 ح : 835
(6) مجمع الزوائد : 7 / 243 .
الأُسلوب غير المباشر لبيان الحقّ
- الزيارات: 680