قال الله تعالى : ( وَمَا محمّد إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ )(1) .
وقال تعالى : ( كَانَ الناس أُمّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النّبِيّينَ مُبَشّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالحقّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناس فِيَما اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلّا الذينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحقّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )(2) .
وكم حذّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الناس وخاصّة أصحابه من الوقوع في الاختلاف بعده وتبديل سنّته ، وأبدى لهم أنّه لا يخشى عليهم الشرك ، ولكن من تنافسهم على حبّ الدنيا .
فقال (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّي فرطكم ، وأنا عليكم شهيد ، وإنّ موعدكم الحوض ، وإنّي لأنظر إليه ولست أخشى عليكم أنْ تشركوا )) أو قال : (( تكفروا ولكن الدنيا أنْ تنافسوا فيها )) . رواه البخاري وأحمد .
وروى البخاري : حدّثنا قال ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، أنّه كان يحدّث عن أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال : (( يرد على الحوض رجال من أصحابي فيحلّؤون عنه ، فأقول : يا ربّ أصحابي . فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقهري )) .
وروى ابن هشام(3) : أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خرج على أصحابه ، فقال لهم : (( إنّ الله بعثني رحمةً وكافةً ، فأدّوا عنّي يرحمكم الله ، ولا تختلفوا عليّ كما اختلف الحواريّون على عيسى بن مريم )) .
ويفسر سيّد قطب هذا الاختلاف بعد البينات بقوله(4) : إنّ نظرة الإسلام تقوم ابتداءً على أساس أنّ فعل الناس لشيء ، وإقامة حياتهم على شيء ، لا تحيل هذا الشيء حقّاً إذا كان مخالفاً للكتاب ، ولا تجعله أصلاً من أصول الدين ، ولا تجعله التفسير الواقعي لهذا الدين ، ولا تبرّره ؛ لأنّ أجيالاً متعاقبةً قامت عليه .
وهذه الحقيقة ذات أهميّة كبرى في عزل أصول الدين ممّا يدخله عليها الناس .
وفي التاريخ الإسلامي ـ مثلاً ـ وقع انحراف وظلّ ينمو وينمو ، فلا يُقال : إنّ هذا الانحراف متى وقع وقامت عليه حياة الناس ، فهو إذاً الصورة الواقعيّة للإسلام ؟ كلاّ , إنّ الإسلام يظلّ بريئاً من هذا الواقع التاريخي , ويظلّ هذا الذي وقع خطأ وانحرافاً لا يصلح حجّة ولا سابقة , ومن واجب من يُريد استئناف حياة إسلاميّة أنْ يُلغيه وُيبطله ، وأن ْيعود إلى الكتاب الذي أنزله الله بالحقّ ( لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ )(5) .
ولقد جاء الكتاب ، ومع ذلك كان الهوى يغلب الناس من هنا ومن هناك ، وكانت المطامع والرغائب والمخاوف والضلالات تبعد الناس عن قبول حكم الكتاب ، والرجوع إلى الحقّ الذي يردّهم إليه : ( وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلّا الذينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ )(6) .
فالبغي ... بغي الحسد ، وبغي الطمع ، وبغي الحرص ، وبغي الهوى ... هو الذي قاد الناس إلى المضي في الاختلاف على أصل التصوّر والمنهج ، والمضي في التفرّق واللجاج والعناد .
ــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران / 144 .
(2) سورة البقرة / 213 .
(3) السيرة ، مرجع سابق 4 / 607 .
(4) في ظلال القرآن ، مرجع سابق 1 / 217 .
(5) سورة البقرة / 213 .
(6) سورة البقرة / 213 .
الانقلاب احتمال وارد
- الزيارات: 846