لقد كان موقف عمر وأبي بكر من بضعة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في منتهى الجفاء والتحدِّي متجاهلين مقامها الرفيع الشأن من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لاسيَّما وأنَّهما قد سمعا قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنَّ الله يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ ».
ثمَّ جاء عمر وأبو بكر إليها يلتمسان رضاها فقالت لهما : « نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبَّ فاطمة ابنتي فقد أحبَّني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني!؟ » فقالا : نعم ، سمعناه من رسول الله.
فقالت : « فإنِّي أُشهد الله وملائكته أنَّكما أسخطتماني ، وما أرضيتماني ، ولئن لقيتُ النبيَّ لأشكونَّكما إليه » (١). فمازالت غضبى عليهما حتى توفِّيت (٢).
وعن ابن قتيبة قال : وخرج عليٌّ كرَّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على دابَّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة. فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أنَّ زوجك وابن عمِّك سبق إليها قبل أبي بكر ما عدلنا به.
فيقول عليٌّ كرَّم الله وجهه : « أفكنت أدعُ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيته لم أدفنه ، وأخرج أُنازع الناس سلطانه »؟!
فقالت فاطمة : « ما صنع أبو الحسن الا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم » (٣).
أمَّا عليٌّ عليهالسلام ، فقد خاصمهم بقوله : « الله الله يا معشر المهاجرين ، لاتُخرجوا سلطان محمَّد عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، ولاتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقِّه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحنُ أحقُّ الناس به ، لأنَّا أهل البيت ، ونحنُ أحقُّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا : القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ، المضطلع بأمر الرعيَّة ، القاسم بينهم بالسويَّة ، ووالله إنَّه لفينا ، فلا تتَّبعوا الهوى فتضلُّوا عن سبيل الله ، فتزدادوا من الحقِّ بعداً ».
فلمَّا سمعوا منه هذا الكلام قال بشير بن سعد الأنصاري ـ الذي أقرَّ بنود السقيفة ـ : لو كان هذا الكلام سِمِعتْه الأنصارُ منك قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان (4).
وأنشد عليهالسلام معرِّضاً بأبي بكر :
فإن كنتَ بالشورى ملكتَ أمورَهـم فكيـف بهـذا والمشيــرون غُيَّبُ
وإن كنتَ بالقُربى حججتَ خصيمهم فغيــرُك أولـى بالنبيِّ وأقربُ (5)
وله عليهالسلام كلام واسع وخطب عدَّة يصف فيها أمر الخلافة والتفضيل محفوظ في كتاب نهج البلاغة وقد اقتطفنا من احدى خطبه المعروفة بالشقشقية مقاطع منها :
« أما والله لقد تقمَّصها فلان وانَّه ليعلم أنَّ محلِّي منها محلَّ القطب من الرَّحَا ، ينحدر عنِّي السيل ، ولا يرقى إليَّ الطير »
« فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته!! لشدَّ ما تشطَّرا ضرعيها فصبرتُ على طول المدَّة وشدَّة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنِّي أحدُهم! فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر! » (6).
ولمَّا بلغه عليهالسلام احتجاج قريش بأنَّهم قوم النبيِّ وأولى الناس به قال : « احتجَّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة » (7).
**************
١) الإمامة والسياسة : ١٣.
٢) صحيح البخاري ٥ : ٢٨٨/٢٥٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٨/٥٢.
٣) الإمامة والسياسة ١ : ١٢ وكذا شرح النهج ٢ : ٤٧.
4) الإمامة والسياسة : ١٢.
5) نهج البلاغة : ٥٠٣/١٩٠.
6) نهج البلاغة ، الخطبة الثالثة بتصرف.
7) نهج البلاغة : الخطبة ٦٧ ، وانظر : الإمامة والسياسة : ١١.
موقف فاطمة عليهاالسلام من البيعة :
- الزيارات: 736