• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثاني : مسير الإمام إلى البصرة ووقعة الجمل :

بينما كان الإمام عليٌّ يجهِّز جيشاً إلى الشام بقيادته ؛ لكسح معاوية وبطانته الفاسدة ، أتاه الخبر عن طلحة والزبير وعائشة من مكَّة بما عزموا عليه ، فاستعدَّ لحرب الناكثين « وسار عليٌّ من المدينة في تعبئته التي تعبَّاها لأهل الشام آخر شهر ربيع الآخر سنة ستٍّ وثلاثين » (1).
رسم الإمام في سياسته الجديدة خطوط الحكم العريضة ، وكان وسامها : « لا فضل لعربي على أعجمي » ، أثارت هذه السياسة غضب المتمرِّدين على الحكم ، وكان منهم ما كان من الخروج عليه ، فلمَّا أدرك طلحة والزبير برفض الإمام أن يجعل لهما ميزة على غيرهما ، فلا ينالان الا ما ينال المسكين والفقير بعطاء متساو بعد أن أدركا كلَّ هذا سكتا على مضضٍ ، وأخذا يعملان للثورة ضدَّه ، ضدَّ الحكم الجديد ، فانضمَّا إلى الحزب الأُموي لقد كان قرار التسوية « هو السبب الخفي والحقيقي لخروج من خرج على عليٍّ ولنكوث من نكث بيعته ، وإن توارى ذلك تحت دعوى مفتعلة اسمها دم عُثمان » (2)! واستغلَّ هذا الجانب سخط عائشة على الإمام عليٍّ عليه‌السلام ومواقفها العدائية منه فلمَّا كانت بمكَّة ، وقد خرجت إليها قبل أن يُقتل عُثمان ، فلمَّا كانت في بعض طريقها راجعةً إلى المدينة لقيها ابن أمِّ كلاب ، فقالت له : ما فعل عُثمان؟
قال : قُتل! قالت : بُعداً وسحقاً ، فمن بايع الناس؟
قال : طلحة قالت : إيهاً ذو الإصبع.
ثمَّ لقيها آخر فقالت : ما فعل الناس؟ قال : بايعوا عليَّاً.
قالت : والله ما كنت أُبالي أن تقع هذه على هذه ، ثُمَّ رجعت إلى مكَّة (3).
فانصرفت إلى مكَّة وهي تقول : قُتل والله عُثمان مظلوماً ، والله لأطلبنَّ بدمه!
قيل لها : ولِمَ؟ والله إنَّ أوَّل من أمال حَرْفَه لأنتِ ، ولقد كنتِ تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر.
قالت : إنَّهم استتابوه ، ثُمَّ قتلوه ، وقد قلتُ وقالوا ، وقولي الأخير خيرٌ من قولي الأوَّل.
فقال لها ابن أمِّ كلاب :
فمنـكِ البداءُ ومنكِ الغِيـرْ                               ومنكِ الريـاحُ ومنكِ المطرْ
وأنتِ أمرتِ بقتل الإمــام                               وقلتِ لنــا : إنَّه قد كفـرْ
فَهَبْنا أطعنــاك في قتلِـه                               وقاتِلُـه عندنــا مَنْ أمـرْ
ولم يسقطِ السقفُ من فوقنا                        ولم ينكسف شمسنا والقمـرْ
وقد بايع النــاس ذا تُدرءٍ                               يزيلُ الشبا ويُقيم الصعــرْ
ويلبسُ للحربِ أثوابها                                  وما مَنْ وفى مثلُ من قد غدرْ (4)
وقبل أن يخرج موكب عائشة ويدلو بدلوه كان الإمام عليه‌السلام يقول : « أمرتُ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين » (5) فما مضت الأيَّام حتى قاتلهم ، وهذه من جملة الآيات الدالَّة عليه وقوله عليه‌السلام لطلحة والزبير لمَّا استأذناه في الخروج إلى العمرة قال : « والله والله ما تريدان العمرة وإنَّما تريدان البصرة » (6)!
وكان من نتائج هذا التمرُّد كما سنأتي عليه معركة البصرة أوَّل نكث لبيعة الإمام عليه‌السلام التي انتهت بفشل موكب عائشة وقتل طلحة والزبير وعشرات الألوف من المسلمين!
تهيَّأت عائشة للخروج إلى البصرة ، وأتت أُمُّ سلمة فكلَّمتها في الخروج معهم ، فردَّت عليها أُمُّ سلمة قائلةً : أفأُذكِّرك؟  قالت : نعم.
قالت أُمُّ سلمة : أتذكرين إذ أقبل رسول الله ونحن معه ، فخلا بعليٍّ يناجيه ، فأطال فأردتِ أن تهجمي عليهما ، فنهيتك فعصيتيني ، فهجمتِ عليهما ، فما لبثت أن رجعتِ باكية ، فقلتُ : ما شأنك؟ فقلت : إنِّي هجمت عليهما وهما يتناجيان ، فقلتُ لعليٍّ : ليس لي من رسول الله الا يوم من تسعة أيَّام ، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي! فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليَّ وهو غضبان محمرُّ الوجه ، فقال : « ارجعي وراءك ، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس الا وهو خارج من الإيمان »؟
قالت عائشة : نعم أذكر (7)  لكن لم يردعها كلام ولا رادع ، فلم تنثنِ عن عزمها ، ولم ترجع إلى عقلها ، فتجهَّزت ومن معها إلى البصرة لتؤلِّب الناس على الإمام عليٍّ عليه‌السلام فكانت أحداث معركة الجمل تحرَّك موكب الناكثين بقيادة عائشة وطلحة والزبير نحو البصرة ، وقد حفَّ به الحاقدون على الإمام عليٍّ عليه‌السلام تحت شعار : « الثأر لعثمان » ، فلمَّا بلغوا « ذات عرق » لقيهم سعيد بن العاص ومروان بن الحكم وأصحابه ، فقال لهم : أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل وراءكم؟ ـ يعني عائشة وطلحة والزبير ـ اقتلوهم ثُمَّ ارجعوا إلى منازلكم. فقالوا : نسير لعلَّنا نقتل قتلة عُثمان جميعاً (8).
ومرَّ القوم ليلاً بماء يُقال له : الحوأب فنبحتهم كلابه ، فقالت عائشة : ما هذا الماء؟ قال بعضهم : ماء الحوأب.
فقالت : إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون ، هذا الماء الذي قال لي رسول الله : « لا تكوني التي تنبحكِ كلاب الحوأب ». ثمَّ صرخت بهم : ردُّوني ردُّوني!!
فأتاها القوم بأربعين رجلاً ، فأقسموا بالله أنَّه ليس بماء الحوأب! وأتى عبدالله بن الزبير ، فحلف لها بالله لقد خلَّفتهِ أوَّل الليل ، وأتاها ببيِّنة زور من الأعراب فشهدوا بذلك (9). فكان ذلك أوَّل شهادة زور أُقيمت في الإسلام. وبلغوا البصرة ، وعامل الإمام عليها الصحابي عُثمان بن حُنيف الأنصاري ، فمنعهم من الدخول ، وقاتلهم ، ثُمَّ توادعوا الا يحدثوا حدثاً حتى يقدم عليٌّ عليه‌السلام ، ثُمَّ كانت ليلة ذات ريح وظلمة ، فأقبل أصحاب طلحة فقتلوا حرس عُثمان بن حنيف ، ودخلوا عليه ، فنتفوا لحيته وجفون عينيه ومثَّلوا به ، وقالوا : لولا العهد لقتلناك ، وأخذوا بيت المال (10). وأمّا الإمام علي فلما بلغه نبأ مسيرهم إلى البصرة ، حمد الله وأثنى عليه ، ثُمَّ قال : « قد سارت عائشة وطلحة والزبير ، كلُّ واحدٍ منهما يدَّعي الخلافة دون صاحبه ، فلا يدَّعي طلحة الخلافة الا أنَّه ابن عمِّ عائشة ، ولا يدَّعيها الزبير الا أنَّه صهر أبيها. والله لئن ظفرا بما يريدان ليضربنَّ الزبير عنق طلحة ، وليضربنَّ طلحة عنق الزبير ، يُنازع هذا على الملك هذا وقد والله علمتُ أنَّها الراكبة الجمل ، لا تحلُّ عقدةً ولا تسيرُ عقبةً ، ولا تنزلُ منزلاً الا إلى معصيةٍ ، حتى تورد نفسها ومن معها مورداً ، يُقتل ثلثهم ويهرب ثلثهم ويرجعُ ثلثهم والله إنَّ طلحة والزبير ليعلمان أنَّهما مُخطئان وما يحملان ، ولربَّما عالم قتله جهلُهُ وعلمه معه لا ينفعه. والله لينبحها كلاب الحوأب ، فهل يعتبر معتبرٌ أو يتفكَّر متفكِّرٌ »! ثمَّ قال : « قد قامت الفئة الباغية فأين المحسنون »؟ (11)
ثمَّ دعا على طلحة والزبير أمام مسلمي الكوفة فقال : « قد علمتم معاشر المسلمين أنَّ طلحة والزبير بايعاني طائعين راغبين ثُمَّ استأذناني في العمرة فأذنتُ لهما ، فسارا إلى البصرة فقتلا المسلمين وفعلا المنكر اللَّهمَّ إنَّهما قطعاني وظلماني ونكثا بيعتي وألَّبا الناس عليَّ فاحلُل ماعقدا ولا تُحكمْ ما أبرما ، وأرهما المساءة فيما عملا » (12).
***************
1) الكامل في التاريخ ٣ : ١١٤.
2) الزيدية/ د. أحمد صبحي : ٤٤ ، مؤسَّسة الزهراء للإعلام العربي ـ ١٩٨٤م.
3) الامامة والسياسة ١ : ٥٢ ، شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٢١٥ ـ ٢١٦ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٠ ، كتاب الدلائل : ٩٧.
4) الكامل في التاريخ ٣ : ١٠٠ ، الفتوح ١ : ٤٣٤ ، تاريخ الطبري ٥ : ١٧٢ ، الإمامة والسياسة ١ : ٥٢.
5) إعلام الورى ١ : ٣٣٦ ، المستدرك ٣ : ١٥٠ / ٤٦٧٤ و٤٦٧٥ ، أسد الغابة ٤ : ١٢٤ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٦٢.
6) إعلام الورى ١ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨.
7) أنظر : ابن أبي الحديد ٦ : ٢١٧ ـ ٢١٨.
8) الإمامة والسياسة ١ : ٦٣ ، وانظر الكامل في التاريخ ٢ : ١٠٢.
9) أنظر قصَّة ماء الحوأب في : تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨١ ابن أبي الحديد ٦ : ٢٢٥ ، تاريخ ابن الأثير ٢ : ١٠٣ ، مسند أحمد ٦ : ٥٢ ، ٩٧ ، المستدرك ٣ : ١١٩ ـ ١٢٠ ، كنز العمَّال ١١ ح/٣١٦٦٧.
10) أنظر : تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨١ ، تاريخ ابن الأثير ٢ : ١٠٨ ، الإمامة والسياسة : ٦٩.
11) إرشاد المفيد ١ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧.
12) إرشاد المفيد ١ : ٢٥٠ ، الطبعة الحجرية.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page