إنّ من تمام الوفاء بالعهد لهم عليهمالسلام زيارة قبورهم .. رغبةً في زيارتهم ، وتصديقاً لما رغبوا فيه ، كما ورد عن الاِمام الرضا عليهالسلام في ما تقدّم ، من أجل ذلك ، وحفظاً لسنن الشريعة وآدابها ، لا نجد واحداً منهم عليهمالسلام إلاّ وقد ورد في آداب زيارته وما يقال عنده ما فيه غنىً لقاصديهم ، تعليماً وتأديباً ، وما في حفظه براءة من كلّ محدَثٍ مبتَدع من الاَمور التي قد تصدر هنا أو هناك عن بعض زوار القبور ، لجهالة أو لغفلة ، وفيه البراءة أيضاً من كل ما لا يليق بمقاماتهم الشريفة .. ولكون هذه الآداب والتعاليم متشابهة ، نكتفي بذكر القليل منها :
١ ـ في زيارة أمير المؤمنين عليهالسلام ، عن أبي عبدالله عليهالسلام : « إذا أردت زيارة قبر أمير المؤمنين عليهالسلام فتوضّأ واغتسل وامشِ على هنيئتك ، وقل : الحمد لله الذي أكرمني بمعرفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن فرض طاعته ، رحمةً منه وتطوّلاً عليَّ بالاِيمان ..
الحمد لله الذي سيّرني في بلاده ، وحملني على دوابه ، وطوى لي البعيد ودفع عني المكروه حتى أدخلني حرم أخي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ... الحمد لله الذي جعلني من زوّار قبر وصي رسول الله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده ، وأشهد أنّ علياً عبد الله وأخو رسوله.
ثمَّ تدنو من القبر وتقول : السلام من الله والتسليم على محمد أمين الله ... » ثمَّ ذكر تسليماً يعدِّد فيه خلال وخصال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الحميدة ، ثمَّ التسليم على أمير المؤمنين بنحو ذلك ويكثر من الصلوات عليهما وعلى آلهما ، في ذكر طويل (١).
غير انّ هناك نصّاً آخر مختصراً جامعاً لزيارته عليهالسلام روي عن الاِمامين الصادق والكاظم عليهماالسلام ، جاء فيه :
« تقول عند قبر أمير المؤمنين عليهالسلام : السلام عليك يا ولي الله ، أنت أول مظلوم ، وأول من غُصِبَ حقّه ، صبرت واحتسبت حتى أتاك اليقين .. وأشهد أنّك قد لقيت الله وأنت شهيد .. عذَّب الله قاتلك بأنواع العذاب وجدد عليه العذاب .. جئتك عارفاً بحقّك ، مستبصراً بشأنك ، معادياً لاَعدائك ومن ظلمك ، ألقى على ذلك ربّي إن شاء الله ، يا ولي الله إنّ لي ذنوباً كثيرةً فاشفع لي إلى ربّك عزّوجلّ ، فإنّ لك عند الله مقاماً محموداً ، وأنّ لك عند الله جاهاً وشفاعةً ، وقال تعالى : ( ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ) » (2).
فالاغتسال قبل الدخول ، ثمَّ الدخول بوقار واحترام وتواضع ، والوقوف أولاً عن بعد وأداء السلام اللائق بعد تقديم الحمد لله تعالى والثناء عليه بما هو أهله ، ثمَّ الدنو من القبر ، وتجديد السلام بأليق الاَلفاظ وأجمعها لخصاله ، ثمَّ الاِستشفاع به إلى الله تعالى على هذا النحو المذكور ، وما يدور في مضمونه ، تلك هي صورة الزيارة التي نقرأها في تراث أهل البيت عليهمالسلام ، مع ما ورد من جواز مس القبر تبركاً به.
ثمَّ يحسن بعد ذلك أداء الوداع لصاحب القبر المزور قبل الخروج ، كما يودّع لو كان حياً ، وفيه من حسن الاَدب ما لا يخفى ، ومما يقال فيه بعد تجديد السلام والعهد بالولاء : « اللهم إنّي أسألك أن تصلّي على محمّدٍ وآل محمّدٍ ، ولا تجعله آخر العهد من زيارته ، فإن جعلته فاحشرني مع هؤلاء الميامين الاَئمّة » (3).
٢ ـ وهكذا ورد أيضاً مع كل زيارة ، فبعد أداء الزيارة للاِمام الحسن عليهالسلام : « تقف عند قبره كوقوفك عليه عند الزيارة ، وتقول : السلام عليك يا ابن رسول الله ، السلام عليك يا مولاي ورحمة الله وبركاته ، استودعك الله وأسترعيك ، وأقرأ عليك السلام ، آمنّا بالله وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين .. ثمَّ تسأل الله حاجتك وأن لا يجعله آخر العهد منك » (4).
٣ ـ وفي زيارة قبر الاِمام الحسين سيد الشهداء عليهالسلام ورد التأكيد أوّلاً على الاغتسال بماء الفرات ، ثمَّ تراعى الخطوات الآنفة ، مع ملاحظة ما يخصّه عليهالسلام من وقائع وأحداث : « إذا أتيت قبر الحسين عليهالسلام فائت الفرات واغتسل بحيال قبره ، وتوجّه إليه وعليك السكينة والوقار حتى تدخل إلى القبر ، من الجانب الشرقي ، وقل حين تدخله : السلام على ملائكة الله المنزلين » ويكرر السلام على ملائكة الله ببعض خصالهم « فإذا استقبلت قبر الحسين عليهالسلام ، فقل : السلام على رسول الله » ويستغرق في السلام والصلاة عليه ، ثمَّ على أمير المؤمنين عليهالسلام ، ثمَّ الاِمام الحسن عليهالسلام ، ثمَّ الاِمام الحسين عليهالسلام ، ثمَّ سائر الاَئمة « ثمَّ تأتي قبر الحسين فتقول : « السلام عليك يا ابن رسول الله » ويستغرق في التسليم عليه بأجمل خصاله ، وكل خصاله جميلة ، ويؤكد الولاء له ، والبراءة من أعدائه « ثمَّ اجلس عند رأسه وقل : صلّى الله عليك ، أشهد أنّك عبدالله وأمينه ، بلّغت ناصحاً وأدّيت أميناً ، وقُتلت صدّيقاً ، ومضيت على يقين ، ولم تؤثر عمىً على هدى ، لم تَمِلْ من حقٍّ إلى باطل .. أشهد أنّك قد أقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، واتّبعت الرسول وتلوت الكتاب حق تلاوته ، ودعوت إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة ... » « ثمَّ تحوّل عند رجليه وتخيّر من الدعاء ، وتدعو لنفسك ».
« ثمَّ تحوّل عند رأس علي بن الحسين » وتسلّم عليه بما يليق بشأنه « ثمَّ تأتي قبور الشهداء وتسلّم عليهم » « ثمَّ ترجع إلى القبر ـ قبر الحسين عليهالسلام ـ ... وإذا أردت أن تودعه فقل : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، أستودعك الله وأقرأ عليك السلام .. اللهم لا تجعله آخر العهد منّا ومنه » ثمَّ يدعو له بالدرجة العالية الرفيعة (5).
وعلى هذا النحو سار أئمّة أهل البيت عليهمالسلام في تعليم المسلمين سنن الزيارة وآدابها بعد أن كانوا قد علّموهم فضيلتها ، ورغَّبوهم فيها ، وحثّوهم عليها.
فحريٌّ بنا التزام هذه السنن والآداب ، والحذر من مجاوزتها وفقاً لذوقٍ خاصٍّ او استحسانٍ عقلي ، فكثيراً ما ينزلق الذوق الخاص والاستحسان بصاحبه إلى ما لا أصل له في الشريعة ، وأحياناً إلى ما يتناقض مع سنن الشريعة وآدابها ، ولنا في ما ثبت عنهم عليهمالسلام كفاية في نيل فضيلة الزيارة وشرفها ، فلو كانوا يرون في غير ذلك فضلاً لذكروه ، وكفى بهذا حجَّةً للمتمسِّك بالسنن ، وكفى به زاجراً للخارج عنها.
___________
(١) تهذيب الاَحكام ٦ : ٢٥.
(2) تهذيب الاَحكام ٦ : ٢٨.
(3) تهذيب الاَحكام ٦ : ٣٠.
(4) تهذيب الاَحكام ٦ : ٤١.
(5) انظر : الكافي ٤ : ٥٧٢ ـ ٥٧٥ ، من حديث الاِمام الصادق عليهالسلام.
في آداب زيارة مراقد الاَئمة عليهمالسلام
- الزيارات: 3107