• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الرابع : شرائط وخصوصيات الإمام والإمامة

        درجة عالية كإمامة الدين ، ومنصب ربّاني كخلافة رسول ربّ العالمين ، بديهي أن تكون لها شرائط وقيود وخصوصيّات ، يلزم توفّرها لتحرّز اللياقة معها .. وإلاّ لكان كلّ أحد نائلا لكلّ منصب ، وهو خلاف السداد بل معقّب للفساد ..
    وقد دلّ الشرع المبين أنّ عهد الله لا ينال الظالمين وبيّن أنّه ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) (1) فخليفة الله والإمام المعهود من الله لابدّ وأن يكون من المعصومين ، كما عرفت ذلك من الكتاب والسنّة والعقل في مبحث عصمة الأنبياء (عليهم السلام) .
    فالعصمة والأعلمية والأفضلية ونحوها من الشرائط الآتية لابدّ وأن تكون شرطاً في الإمامة كما يأتي في دليل العصمة في هذا الفصل ، ودلّ عليها برهان الأفضلية المتقدّم في الفصل الأوّل ، بل يدعو إليها وحي الفطرة القاضية بتقدّم الأفضل وتقديمه .
    ومعلوم أنّ تلك الخصوصيات والشرائط إنّما هي متوفّرة بالنحو الأعلى في أئمّة الهدى (عليهم السلام) ، بنحو قطعي ، معترف به عند صديقهم وعدوّهم ، لم ينكر ذلك فيهم ألدّ أعدائهم بشكل صار من الاُمور الواضحة التي لا تحتاج إلى إقامة الأدلّة .
    ثمّ أنّه قد ذكر في حقّ اليقين (2) انّ مجموع ما يشترط في الإمام اُمور هي :
    أوّلا : العصمة .. لأنّ الإمام حافظ للشرع فحاله حال النبي ويلزم عصمته .
    ثانياً : الأفضلية من جميع الاُمّة في جميع الجهات خصوصاً العلم حتّى لا يلزم تقديم المفضول على الفاضل المحكوم بالقبح العقلي .
    ثالثاً : أن يكون منصوصاً على إمامته لما عرفت من كون تعيين الإمام بيد الله تعالى .
    رابعاً : أن يكون هاشمياً لما ثبت من كون الأئمّة منهم .
    خامساً : العلم بجميع ما تحتاج إليه الاُمّة من اُمور الدين والدنيا لأنّ الغرض من وجود الإمام لا يحصل بدون وجود ذلك .
    سادساً : كونه أشجع الاُمّة لدفع الفتن وإستئصال أهل الباطل ، ونصرة الحقّ ، ولأنّ جبن الرئيس يستلزم ضرراً جسيماً ووهناً عظيماً للرعيّة .
    سابعاً : أن يكون مبرّءاً من جميع العيوب الخَلقِيَّة الموجبة للنفرة ، كالعمى والجذام والبرص ، ومن جميع العيوب الخُلُقية كالبُخل والحرص وسوء الخُلُق ، ومن دناءة النسب والتولّد من الزنا .. وذلك لمنافاتها مع اللطف ، بل منافاة بعضها مع العصمة .
    ثامناً : أن يكون أزهد الناس وأورعهم وأطوعهم لله تعالى وأقربهم منه ، وأفضلهم في صفات الكمال لئلاّ يلزم من تقديمه تقديم المفضول القبيح عقلا .
    تاسعاً : أن يكون صاحب المعاجز التي يعجز عنها البريّة وتكون آية للمنزلة
الربّانية ودليلا على إمامته وشاهداً على منصبه ومميّزاً لشخصيّته .. فيحكم العقل بعد معجزته بصحّة إمامته .
    عاشراً : أن تكون إمامته عامّة للجميع لا خاصّة بفئة لئلاّ يظهر الفساد في سائر الفئات .
    وتلاحظ الجامع من صفات الإمام وشرائط الإمام في المجلّد الخامس والعشرين من بحار الأنوار على مؤلّفها رحمة الله الغفّار ، في أبواب علامات الإمام وصفاته وشرائطه ، صفحة 115 إلى 175 ، ذكر فيها إشتراط كون الإمام أعلم الناس وأتقاهم وأعرفهم بكتاب الله ، منصوصاً عليه معصوماً ، له المعجز والدليل .. إلى غير ذلك من الخصوصيات .
    ونحن قد ذكرنا هذه الخصوصيات مع مناقب الأئمّة الهداة ، مبرهنةً بالدلائل الظاهرات في شرح نصوص زيارتهم الجامعة لفضائلهم ، ونكتفي هنا رعاية للإختصار بذكر الخصوصية والشرط الأوّل فقط للإمامة وهي العصمة ، وبها كمال الميزة ، وأتمّ الإمتياز لمنصب الإمامة عن غيرها ، ولشخص الإمام عن غيره ، ومنه نطلب العون والإعانة .
العصمة
    من أهمّ الشروط والمميّزات التي يلزم وجودها في الإمام والخليفة ، كما كان يلزم توفّرها في النبي والرسول ، هي ملكة العصمة .
    وهي الصفة الأساسيّة الضرورية التي يحكم بلزومها البرهان ، ويؤكّدها الوجدان ..
    فلنذكر دليل إعتبارها كبرويّاً ، ثمّ دليل وجودها في أئمّتنا الهداة (عليهم السلام) صغرويّاً بعد بيان معناها وحقيقتها تفصيلا ، فنقول :
    العصمة في أصل اللغة بمعنى الوقاية والمنع والدفع والحفظ والحماية .
    قال في العين : « العصمة : أن يعصمك الله من الشرّ ، أي يدفع عنك » (3).
    وقال في المجمع : « عصمة الله للعبد ، منعه عن المعصية ، وعَصَمه الله من المكروه : حفظه ووقاه .. والمعصوم : الممتنع عن محارم الله » (4).
    وقال في المفردات : « عصمة الأنبياء : حفظه ـ أي حفظ الله ـ إيّاهم بما خصّهم به » (5).
    وقال في اللسان : « العصمة في كلام العرب : المنع ، وعصمة الله عبده : أن يعصمه ممّا يوبقه .. عصمه يعصمه عصماً : منعه ووقاه » (6).
    وقال في النهاية : « العصمة : المَنْعَة ، والعاصِم : المانع الحامي » (7).
    وقال في القاموس : « عَصَم يَعْصِمُ : مَنَع ووقى » (8).
    وقال في التاج : « العصمة بالكسر : المنع .. وقال الزجّاج : أصل العصمة الحبل ، وكلّ ما أمسك شيئاً فقد عصمه .. وقال المناوي : العصمة ملكة اجتناب المعاصي مع التمكّن منها » (9).
    وقال في المصباح : « عصمه الله من المكروه يعصمه من باب ضرب : حفظه ووقاه ، واعتصمت بالله : امتنعت به » (10).
    والعصمة في الإصطلاح العلمي هي : « قوّة العقل بحيث لا يُغلب مع كونه قادراً على المعاصي كلّها » .
    وليس معنى العصمة أنّ الله تعالى يجبره على ترك المعصية ، بل يفعل به ألطافاً يترك المعصوم معها المعصية باختياره .. بواسطة قوّة عقله وكمال فطنته وذكائه ونهاية صفاء نفسه ، وشدّة اعتنائه بطاعة الله تعالى كما أفاده السيّد الشبّر (قدس سره) (11).
    وبتعبير آخر في تعريف العصمة أنّها هي : « روحية قدسيّة مانعة عن مخالفة التكاليف اللزومية شرعية وعقليّة مع القدرة عليها » (12).
    وبالتعبير المنصوص عليه في حديث هشام قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما معنى قولكم إنّ الإمام لا يكون إلاّ معصوماً ؟ فقال (عليه السلام) :
    « المعصوم هو الممتنع بالله عن جميع محارم الله » (13).
    هذا معنى العصمة .. وأمّا برهان إشتراطها في الإمامة وإعتبارها في الأئمّة فهو ما يأتي في الدليل العقلي .
    فانّ العقل حاكم بأنّ أهل البيت (عليهم السلام) معصومون مطهّرون ، وقد ثبتت عصمتهم الكبرى بالأدلّة الأربعة : الكتاب والسنّة والإجماع والعقل .
    ولعلّ من المستحسن أن نقول بدواً أنّ العصمة ملكة لها مراتبها العالية الثلاثة كما يستفاد من مجموع أدلّة العصمة والمعصومين وهي :
    1 ـ العصمة الثبوتية : وهي ترك المعاصي وفعل الواجبات إستمراراً وعدم مفارقة طريق العدل والطاعة أبداً ، وعدم السلوك في طريق القبيح والمعصية إطلاقاً ، كما هي موجودة في الذرّية الخاصّة للمعصومين (عليهم السلام) .. ويأتي ذكرها في آخر البحث .
    2 ـ العصمة الإثباتية : وهي الروحية القدسية الموجودة في الممتنع بالله عن جميع محارم الله .. مع إمكان ترك الأولى في غير اُولي العزم منهم ، لعدم منافاته للعصمة ، وتكون هذه العصمة في الأنبياء الكرام ، وقد مرّ بحثها في النبوّة .
    3 ـ العصمة الكبرى : وهي نفس العصمة الإثباتية .. مضافاً إلى عدم ترك الأولى وعدم السهو ، وعدم الخطأ فيها .. وتكون في المعصومين الأربعة
عشر (عليهم السلام) ..
    وهذه العصمة هي عنوان بحثنا هنا في مبحث الإمامة ..
    وعصمتهم كما قلنا ثابتة بدليل الكتاب والسنّة والإجماع والعقل بالبيان التالي :
    دليل الكتاب :
    أمّا دليل الكتاب على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) ، فآيات كثيرة نختار منها آية واحدة وهي آية التطهير أي قوله تعالى :
    ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (14).
    ولا شبهة في نزول هذه الآية الكريمة في أهل بيت النبي الخمسة الطيّبين باتّفاق جميع الاُمّة المسلمين كما في مجمع البيان (15).
    وقد أجمع عليه المفسّرون ، كما في دلائل الصدق (16).
    وأمّا نزولها وإختصاصها بأهل البيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والصدّيقة الزهراء والإمامين الحسن والحسين (عليهم السلام) ، فقد نقله من علماء العامّة فقط تسعون عالماً في مئة كتاب ، كما تلاحظ التفصيل في إحقاق الحقّ (17).
    وقد تواترت فيها روايات الفريقين بطرق عديدة في أحاديث كثيرة ، فمن الخاصّة بأربعة وثلاثين طريقاً ، ومن العامّة بواحد وأربعين طريقاً تلاحظها في
    فمن طرق الخاصّة ، مثل حديث ابن بابويه بسنده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) : عن علي (عليه السلام) قال :
    « دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت اُمّ سلمة وقد نزلت عليه هذه الآية : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي ! هذه الآية فيك وفي سبطيّ والأئمّة من ولدك فقلت : يا رسول الله ! وكم الأئمّة بعدك ؟ قال : أنت يا علي ، ثمّ الحسن والحسين ، وبعد الحسين علي إبنه ، وبعد علي محمّد إبنه ، وبعد محمّد جعفر إبنه ، وبعد جعفر موسى إبنه ، وبعد موسى علي إبنه ، وبعد علي محمّد إبنه ، وبعد محمّد علي إبنه ، وبعد علي الحسن إبنه ، والحجّة من ولد الحسن هكذا أسماؤهم مكتوبة على ساق العرش فسألت الله تعالى عن ذلك فقال : يا محمّد ! هذه الأئمّة بعدك مطهّرون معصومون وأعداؤهم ملعونون » (18).
    ومن طريق العامّة ، مثل حديث البخاري بسنده عن عائشة :
    قالت عائشة : خرج النبي (صلى الله عليه وآله) غداة غد وعليه مَرَط مرجّل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثمّ جاء الحسين فدخل معه ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ثمّ جاء علي فأدخله ثمّ قال :
    ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (19).
    مضافاً إلى بيان شأن نزولها في حديث الكساء الشريف المتّصل بسند صحيح
إلى جابر بن عبدالله الأنصاري ، كما تلاحظ السند في الإحقاق والعوالم (20).
    وقد أفادت هذه الآية المباركة ، إرادة الله تعالى الذي إذا أراد شيئاً فإنّما يقول له كن فيكون ، بالإرادة التكوينية التي لا يتخلّف مراده عنه ، إذهاب الرجس عنهم (عليهم السلام) أي مطلق الرجس : القذارات والمآثم والأعمال القبيحة والاُمور الشيطانية والشكّ والأخلاق الذميمة بتصريح أهل اللغة في معنى الرجس .
    مع تفسيره في القاموس بكلّ ما استقذر من العمل (21).
    وتفسيره في العين بكلّ قَذَر (22)..
    ومعلوم أنّ دفع جنس الرجس يكون بدفع جميع أفراده .
    خصوصاً مع التصريح بعد دفع الرجس بالطهارة في نفس الآية بقوله : ( َيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )فهذه الجملة تفيد دفع جميع الأرجاس عنهم .. وذلك ضرورة عدم حصول التطهير بدفع بعض الأقذار دون بعض .
    فيلزم أن يكون الذاهب جميع الأرجاس خصوصاً مع التأكيد بعد « يطهّركم » بقوله : ( تَطْهِيراً ) والتطهير هو التنزّه والخلوص عن لوث جميع الأرجاس والأنجاس والمعاصي والخبائث وغيرها من المعايب والنقائص الظاهرية والباطنية ، كما أفاده في المشكاة (23).
    وخصوصاً مع الإتيان بصيغة المضارع التي تفيد الإستمرارية في عدم الرجس ووجود التطهير في جميع مدّة حياتهم .
فتكون هذه الآية الشريفة صريحة في عصمتهم العظمى ، كما بيّنه في مصباح الهداية (24).
    علماً بأنّ إذهاب الرجس عنهم (عليهم السلام) إنّما هو بمعنى دفعه والنزاهة عن وجوده لا بمعنى رفعه بعد وجوده وذلك لما يلي :
    أوّلا : إنّ المناسب مع غاية التطهير المستفادة من « ويطهّركم تطهيراً » هي النزاهة عن الرجس أساساً ، لا وجوده ثمّ رفعه بعداً .. وهذه قرينة داخلية .
    ثانياً : إنّ الثابت بالأدلّة العقلية ، والنصوص المتواترة النقلية هي عصمتهم من أوّل عمرهم وقد ثبت من طريق الفريقين أنّ الملكين حافظي علي (عليه السلام) ليفتخران على سائر الملائكة بأنّهما لم يصعدا إلى الله تعالى قطّ بشيء يسخطه (25)وهذه قرينة خارجية .
    ثالثاً : إنّ باب الإفعال بل خصوص الإذهاب جاء لغة وشرعاً بمعنى الدفع كقولهم : « أذهب الله عنك كلّ مرض وسقم » أي صرفه عنك .. لا بمعنى ذهاب الأمراض والأسقام بعد وجودها فيك .
    والإستعمالات الشرعية للإذهاب بهذا المعنى في أحاديث الفريقين كثيرة وشايعة كما في مثل :
    1 ـ قوله (صلى الله عليه وآله) :
    « من أطعم أخاه حلاوةً أذهب الله عنه مرارة الموت » .
    2 ـ قول أمير المؤمنين (عليه السلام) :
« من بدأ بالملح أذهب الله عنه سبعين داءاً ما يعلم العباد ما هو » .
    3 ـ حديث الإمام الكاظم (عليه السلام) :
    « إذا أصبحت فتصدّق بصدقة تُذهب عنك نحس ذلك اليوم ، وإذا أمسيت فتصدّق بصدقة تُذهب عنك نحس تلك الليلة » .
    .. إلى غير ذلك من الشواهد التي أحصاها بمصادرها كتاب آية التطهير (26).
    ولنعم ما أفاده شيخنا المفيد (قدس سره) بقوله : « وليس يقتضي الإذهاب للرجس وجوده من قبل .. والإذهاب عبارة عن الصرف ، وقد يُصرف عن الإنسان ما لم يعتره كما يصرف عنه ما اعتراه .. ألا ترى أنّه يقال في الدعاء : « صَرَف الله عنك السوء » ، فيُقصد إلى المسألة منه تعالى عصمته من السوء ، دون أن يُراد بذلك الخبر عن سوء به » .
    كما وأنّ التطهير أيضاً إنّما هو بمعنى الإبعاد والنزاهة عن الرجس لا الطهارة بعد النجاسة كما يشهد به نفس الإستعمال القرآني في مثل قوله تعالى : ( رَسُولٌ مِنْ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً ) (27) ، وقوله تعالى : ( لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ) (28).
    وقد جاء التصريح بهذا المعنى في اللغة أيضاً كما تلاحظه في مثل العين (29) والقاموس (30).
    ثمّ إنّ هذه الآية الشريفة صريحة في إختصاصها بالأنوار الخمسة الطيّبة ، كما هو مقتضى حاصريّة كلمة « إنّما » ، وإختصاصية أهل البيت مضافاً إلى شأن نزولها فيهم باتّفاق الاُمّة وبإجماع المفسّرين .
    فهي مختصّة بهم صلوات الله عليهم ، كما اعترف به أبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وواثلة بن الأسقع ، وعائشة ، واُمّ سلمة ، كما في مجمع البيان (31).
    ثمّ تجري هذه الآية الشريفة في الأئمّة الطاهرين الإثني عشر ، كما صرّحت به أحاديث تفسيره التي تلاحظها من الفريقين في غاية المرام (32) ، وتلاحظ إحصاءها عن الطرفين في كتاب آية التطهير (33).
    مثل حديث الصدوق بإسناده عن عبدالرحمن بن كثير قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما عنى الله بقوله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (34) ؟
    قال :
    « نزلت في النبي ( (صلى الله عليه وآله وسلم) ) وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام) ، فلمّا قبض الله عزّ وجلّ نبيّه (صلى الله عليه وآله) كان أمير المؤمنين إماماً ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ وقع تأويل هذه الآية ( وَأُوْلُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ ) (35) وكان علي بن الحسين (عليه السلام) إماماً ثمّ جرت في الأئمّة من ولد الأوصياء (عليهم السلام) فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله عزّ وجلّ » (36).
    كما فسّر الأهل بالأئمّة (عليهم السلام) في حديث الإمام الصادق (عليه السلام) في معاني الأخبار (37).
    وعليه فأهل البيت في آية التطهير هم الخمسة الطيّبة النازلة فيهم الآية ثمّ أولادهم المعصومون ، وقد نصبت على الإختصاص .
    ولا تجري في غيرهم كالزوجات .. بل لا يمكن أن تجري في الزوجات ، وذلك لما يلي :
    1 ـ لكلمة « إنّما » في صدر الآية التي تفيد الإختصاص ، ونفي الحكم عمّن عدا من تعلّقت الآية به ، كما أفاده السيّد المرتضى في الذخيرة (38).
    2 ـ لعدول السياق عن خطاب الجمع المؤنث للزوجات إلى خطاب الجمع المذكر لأهل البيت ، ثمّ العود إلى الجمع المؤنث للزوجات أيضاً ، ممّا يفيد أنّ المخاطب مختلف في الخطابين كما أفاده الشيخ الطوسي في التبيان (39).
    3 ـ لتغيير اُسلوب الكلام في الآيات المتقاربة وتبدّل لحن الخطاب والفرق بين آيات الزوجات وبين آية أهل البيت .. فمخاطبة الزوجات مشوبة بالتهديد والتأنيب ، بينما مخاطبة أهل البيت مُحلاّة بالتلطّف والتكريم ، فهذه دقيقة تفيد أنّ أهل البيت في محلّ والزوجات في محلّ آخر ، كما أفاده السيّد القاضي نور الله
في إحقاق الحقّ (40).
    4 ـ لتنصيص النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) حين نزول الآية على خروج الزوجات في أحاديث الخاصّة بل العامّة أيضاً كما في مسند أحمد بن حنبل (41) ، وتفسير الطبري (42) ، وقد نقل في تفسير الطبري أحاديث العامّة باختصاص الآية بالخمسة الطيّبة في خمسة عشر طريقاً .
    5 ـ لأنّ نفس الرسول الأعظم فسّر العترة بأهل البيت في حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين الذي تقدّم مع مصادره .
    فقال : « عترتي أهل بيتي » ، ولم يجعل العترة بعض أهل البيت فيقول : عترتي من أهل بيتي ، ولو كان أهل البيت أعمّ من العترة لكان يلزم التبعيض ، فيكون أهل البيت بياناً وتفسيراً للعترة ومبيّناً لتمام معناه ، ومعلوم أنّ العترة منحصرة في آل الرسول دون زوجاته .
    6 ـ لعدم ثبوت عصمة الزوجات ، بل ثبوت عصيان عائشة وحفصة ببيان نفس القرآن الكريم الذي بيّن مخالفتهما للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله تعالى : ( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (43).
    حيث بيّنت الآية الشريفة أنّهما صغت قلوبهما أي زاغت ومالت إلى الإثم ، وتظاهرا على النبي وتعاونا عليه بالإيذاء له .. كما اعترف بنزول الآية فيهما أكابر
العامّة في أحاديثهم المتظافرة الواردة في صحيح البخاري (44) ، وصحيح مسلم (45) ، وسنن الترمذي (46) ، ومسند أحمد بن حنبل (47) ، وتفسير الطبري (48) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (49) ، وكنز العمّال للمتّقي الهندي (50) ، وسنن النسائي (51) ، وسنن البيهقي (52) ، وسنن الدارقطني (53) ، كما تلاحظ تفصيل الآيات والأسناد المتعلّقة بذلك في السبعة من السلف للسيّد الفيروزآبادي (قدس سره) (54).
    فلا يمكن أن تشمل آية التطهير عائشة وحفصة للزوم التهافت في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بينه ولا من خلفه وحاشاه عن ذلك .
    وما ظنّك بحكم مَن صدر منها إيذاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ هل تكون معصومة ؟ وهل تكون من أصحاب آية التطهير ؟ أم تندرج تحت قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (55).
    وعليه فآية التطهير المباركة دالّة بالصراحة على عصمة أهل البيت خاصّة ..
مضافاً إلى ما تقدّم من دلالتها بالإلتزام على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لأنّه ذكر الخلافة لنفسه وصدّقته فاطمة الزهراء والحسنان ، وهم معصومون ولا يكونون كاذبين أبداً ; لأنّ الكذب من الرجس الذي أذهبه الله تعالى عنهم وطهّرهم تطهيراً ، فيصدق قولهم في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، كما أفاده السيّد شرف الدين (قدس سره) في الكلمة الغرّاء (56).
    هذا من الإستدلال القرآني لعصمة أهل البيت (عليهم السلام) مضافاً إلى الآيات الاُخرى التي تستفاد منها العصمة بالملازمة كآية الإطاعة والكون مع الصادقين ; فإنّ الأمر بإطاعة اُولي الأمر يلازم عصمة المطاع ، كما وأنّ الأمر بالكون مع الصادقين ملازم لعصمة المتَّبع وإلاّ كان إغراء بإطاعة ومتابعة العاصي وهو قبيح .
    دليل السنّة :
    وأمّا دليل السنّة على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) ، فمئات الأحاديث ومستفيض الآثار ومتواتر الأخبار التي تدلّ على عصمتهم وطهارتهم ونزاهتهم ، ممّا تلاحظها في مثل اُصول الكافي (57) ، وتفسير البرهان (58) ، وبحار الأنوار (59) ، وغاية المرام (60) ، وأبواب فضائل الرسول والآل الطاهرين التي هي غنيّة بأحاديث العصمة والطهارة ، وموجبة لحصول القطع واليقين بعصمة الهداة الطاهرين الأئمّة الإثنى عشر ، والصدّيقة الزهراء اُمّ الأئمّة الغرر ، وسيّدهم رسول الله النبي الأكبر (صلى الله عليه وآله) .
    ونحن نتبرّك بذكر حديث واحد إختصاراً ، وهو ما رواه الفريقان بأسانيدهما المتّصلة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال :
    « أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهَّرون معصومون » (61).
    .. إلى غير ذلك من الأحاديث التي جاء فيها تصريح الرسول الأعظم بعصمة الأئمّة الإثني عشر التي تلاحظها في المصادر المتقدّمة والتي رواها جمع من الصحابة فيهم عبدالله بن عبّاس ، وأبو ذرّ الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، واُمّ سلمة ، وأبو سعيد الخدري ، وزيد بن أرقم ، وأبو أيّوب الأنصاري ، وسعد بن مالك ، وأنس بن مالك ، وواثلة بن الأسقع ، وعمران بن حصين ..
    كما وأنّ عصمة سيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) أيضاً ثابتة بالكتاب والسنّة مضافاً إلى دليل الإجماع والعقل الآتيين والدالّين على عصمة أهل البيت جميعاً (عليهم السلام) نذكرهما ثمّ نستمرّ في الإستدلال :
   أمّا الكتاب :
    فيكفيك منه آية التطهير (62) المتقدّمة التي عرفت اتّفاق الخاصّة والعامّة بأحاديثهم المتواترة على شمولها لفاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وتصريحها بإذهاب الرجس عنها ، ونزولها في أهل البيت التي هي سيّدتهم .. سلام الله عليها ، فتدلّ الآية على عصمتها الكبرى .
    وأمّا السنّة :
    فمن وجوه عديدة نكتفي منها بعشرة كاملة هي :
    1 ـ نصّ حديث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) :
    « منّا خمسة معصومون ، قيل : يا رسول الله ! من هم ؟
    قال : أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) » .
    ومثله حديث الإمام الباقر (عليه السلام) وقد روى كليهما القاضي في المناقب (63).
    2 ـ وجوب إطاعة جميع الخلق لها حتّى المعصومين المستلزم لعصمتها كما في حديث الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) .
    « ولقد كانت (عليها السلام) مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة » (64).
    3 ـ أفضليتها وسيادتها على نساء الأوّلين والآخرين ونساء الجنّة حتّى مريم (عليها السلام) وهو يستلزم عصمتها وإلاّ لم تكن غير المعصومة أفضل من المعصومة ..
ففي حديث الإمام الصادق (عليه السلام) :
    « ... وإنّ الله عزّ وجلّ جعلكِ سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين » (65).
    وفي حديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) :
    « ... وابنتي فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة من الخلق أجمعين » (66).
    4 ـ عدم تكافؤ أحد معها إلاّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يكن لها كفؤ غيره حتّى من الأنبياء المعصومين .
    ففي حديث المفضّل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
    « لولا أنّ الله تعالى خلق أمير المؤمنين لم يكن لفاطمة كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه » (67).
    وفي حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) :
    « ... ولولا علي ما كان لفاطمة كفو أبداً » (68).
    5 ـ كونها حجّة على الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) المفيدة لمعصوميتها بل كبرى عصمتها كما في حديث الإمام العسكري (عليه السلام) :
    « إنّ فاطمة حجّة علينا » (69).
    6 ـ كونها بضعة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المقتضي لأن تكون كالأصل معصومة ، بل هي مهجة قلب النبي وروحه التي بين جنبيه في الأحاديث الواردة عن الفريقين :
    « فاطمة بضعة منّي ، وهي مهجة قلبي ، وهي روحي التي بين جنبيَّ » (70).
    7 ـ كونها اُسوة لحجّة الله الإمام المهدي أرواحنا فداه ، ومعلوم أنّ اُسوة المعصوم لابدّ أن يكون معصوماً كما تلاحظ ذلك في حديث توقيع الشيخ الجليل العمري :
    « وفي إبنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لي اُسوة حسنة » (71).
    8 ـ لزوم معرفتها على القرون الاُولى والأنبياء السلف المستلزم لأفضليتها من جميع الجهات ومنها جهة العصمة ، وإلاّ فلا معنى للزوم معرفة غير المعصوم على المعصوم ، ففي حديث أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) :
    « ... هي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى » (72).
    9 ـ أنّ الله تعالى يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، ولا يكون ذلك إلاّ فيمن عصمه الله تعالى لا من كان عاصياً أو ساهياً أو مخطئاً ، ففي الحديث المتّفق عليه بين الفريقين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :
    « إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها » (73).
    10 ـ شأنها العالي ومقامها الرفيع المستفاد من محوريتها للمعصومين أبيها وبعلها وبنيها في حديث الكساء الشريف (74).
    وتستفاد العصمة أيضاً من أسمائها عند الله تعالى مثل الطاهرة ، وكذا ألقابها المنصوصة مثل المطهّرة والحوراء (75).
    ومن بدء خلقها وكيفية خلقتها وتكوّنها من ثمرة الجنّة (76).
    ومن سدّ الأبواب كلّها عن مسجد الرسول إلاّ باب بيتها (77).
    .. وغير ذلك من آيات طهارتها ونزاهتها الكاشفة عن عصمتها ، والدالّة على كونها في أعلى مراتب عصمة الله تعالى .
    دليل الإجماع :
    وأمّا دليل الإجماع على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) فهو قائم على وجوب عصمة النبي وخليفته صلوات الله عليهما وآلهما ، وتحقّق عصمة أهل البيت (عليهم السلام) ، ونزول آية التطهير فيهم بلا خلاف بينهم ، بل باتّفاقهم وقيام الإجماع عندهم ، بل هو من معتقدات الإماميّة الحقّة كما تستفيد ذلك من الشيخ الصدوق في الإعتقادات (78) ، والشيخ المفيد في الفصول المختارة (79) ، والسيّد المرتضى في
الذخيرة (80) ، والشيخ الطوسي في التلخيص (81) متناً وهامشاً ، والعلاّمة الحلّي في كشف الحقّ (82) ، والحرّ العاملي في إثبات الهداة (83) ، والعلاّمة المجلسي في بحار الأنوار (84) ، والسيّد الشبّر في حقّ اليقين (85).
    فالإجماع على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) ثابت محقّق بلا كلام ، وفاطمة الزهراء (عليها السلام) منهم بلا خصام .
    دليل العقل :
    وأمّا دليل العقل على عصمتهم فإنّه حاكم بعصمة أهل البيت (عليهم السلام) وطهارتهم بعد استقراء أحوالهم واستقصاء حالاتهم وتتبّع شؤونهم وملاحظة أنّه لم يأخذ العقلاء عليهم زلّةً قطّ مدّة حياتهم وفي حياة جميعهم ، ولم يسجّل عليهم صديق ولا عدوّ خطيئة أبداً في جميع أعمارهم ، ولم يَرَ منهم معاشروهم الأقارب والأباعد قبيحاً واحداً في مدى وجودهم ..
    حتّى أنّ عدوّهم اللدود معاوية الذي شهر عليهم سيف البغي وشرع عليهم السبّ واللعن لم يستطع أن يحصي عليهم صغيرةً ولا أدنى من صغيرة ، وإلاّ لكان ينادي بها على المنابر ، بل على العكس اعترف بغاية الفضل والتقوى في أمير المؤمنين بعد توصيف عدي بن حاتم عليّاً ، حيث قال معاوية : يرحم الله أبا الحسن كان كذلك (86).
    واعترف أعداؤهم بعصمتهم ونزاهتهم وورعهم مضافاً إلى سائر فضائلهم كما تلاحظه في كلمات ابن أبي الحديد المعتزلي حيث قال في شرح نهج البلاغة : « نصّ أبو محمّد بن متويه في كتاب الكفاية على أنّ علياً (عليه السلام) معصوم ... أدلّة النصوص دلّت على عصمته ، والقطع على باطنه ومغيبه » (87).
    ومن ذلك قول عمر بن عبدالعزيز : « ما علمنا أحداً كان في هذه الاُمّة أزهد من علي بن أبي طالب بعد النبي » .
    وقال ابن عيينة : « أزهد الصحابة علي بن أبي طالب » .
    وروى سفيان بن عيينة : « ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ) (88) علي بن أبي طالب (عليه السلام) خاف فانتهى عن المعصية ونهى عن الهوى نفسه » .
    وروى قتادة : « علي بن أبي طالب (عليه السلام) سيّد من اتّقى عن إرتكاب الفواحش » .
    وروى أبو يوسف : « من اتّقى الذنوب علي بن أبي طالب والحسن والحسين » .
    ممّا يحكم العقل ويقطع العقلاء ويجزم كلّ ذي مسكة بعد ملاحظة هذا أنّهم معصومون طاهرون ، وعن الذنوب والخطايا بعيدون .
    وحيث كان هذا جارياً في جميعهم ومستمرّاً في جميع حياتهم ينكشف كون العصمة ملكة فيهم .
    وكيف يصدر الذنب ممّن أمر الله بطاعتهم ودعى إلى مودّتهم ، وعبّر عنهم بالصادقين ، وجعلهم من المطهّرين ؟!
    وكيف يمكن الخطأ ممّن جُعلوا على لسان الشارع الأعظم مع الحقّ وجُعل الحقّ معهم ، يدور معهم الحقّ حيثما داروا ، وكانوا محور الحقّ إلى يوم القيامة ؟!
    وهل يخالف حكم العقل حكم الشرع ؟
    وكيف يقع الظلم والعصيان ممّن يُقسم بالله وهو الصادق الصدّيق ويقول إنّه :
    « لو اُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت » (89).
    وعلى الجملة ; فإنّ العقل حاكم بلزوم عصمة الإمام وكذا النبي ، والعقلاء يقضون بحتميّة عصمة النبي وخلفائه الأئمّة ، والبرهان يفضي إلى تأكّد وجود العصمة في خلفاء الرسول ..
    هذا ، والأدلّة العقليّة على لزوم عصمتهم ـ التي تجري في البابين ، النبوّة والإمامة ـ كثيرة جدّاً نوّهنا عنها سابقاً ، ونختار منها ما يلي :
    1 ـ أنّه لو لم يكن النبي أو الإمام معصوماً لانتفى الوثوق بقوله ، والإعتماد على وعده ووعيده فلا يطاع ولا تثمر أقواله .. ويصير نصبه عبثاً .
    2 ـ أنّه يلزم علينا شرعاً وعقلا اتّباعهما للأمر بالإطاعة والإمتثال ، فلو جاز عليهم الكذب والخطأ والسهو للزم متابعتهم فيها ، ومن المعلوم أنّ الأمر باتّباع الخطأ والكذب والإشتباه قبيح بفطرة العقل .
    3 ـ أنّ من الوجوه العقلية للإحتياج إليهما هو اللطف وتسديد الخلق .. فلو جاز عليهما الخطأ لاحتاجا إلى من يسدّدهما ويمنعهما من الخطأ ، وذلك المسدّد
إمّا أن يكون معصوماً فيثبت المطلوب ، أو لا يكون معصوماً فيتسلسل إلى ما لا نهاية وهو باطل عقلا .
    4 ـ أنّ من أغراض النبوّة والإمامة ومن فوائد النبي والإمام إقامة العدل ومنع الظلم ، وإحقاق الحقّ وإبطال الباطل ، وحسم مادّة الفتن ، وحمل الناس على الطاعة ، ومنعهم عن المعصية ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ..
    فلو جاز صدور المعصية منهما لانتفت تلك الفوائد ، وإرتفعت تلك العوائد وناقضت أفعالهما مع أغراضهما .. وبالتالي سقطت وفاتت المصالح الأساسية المقتضية لنصب النبي أو الإمام بعد النبي .
    5 ـ أنّه لو عصى النبي أو الإمام لاُقيمت عليهما الحدود ، ووجب إستنكار الرعيّة إيّاهما وسقط محلّهما من القلوب .. فلا ينقاد الناس لهما في الاُمور وتسقط فائدة البعثة والوصاية .
    6 ـ أنّ الأنبياء والأئمّة حفظة للشرع الأقدس والدين المقدّس ، وخلفاء الله في أرضه ، وحجج الله تعالى على خلقه بأقوالهم وأفعالهم .. فلو جاز عليهم الخطأ والخطيئة والسهو لأدّى ذلك إلى التضليل والتبديل والإغراء بالجهل وهو قبيح قطعاً .. لا يفعله حكيم أبداً ، فلا ينصبهم الله يقيناً .
    لذلك أفاد شيخنا الصدوق في الإكمال : « أنّه يجب عصمة الإمام (عليه السلام) لقوله عزّ وجلّ : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَْرْضِ خَلِيفَةً ) (90) والله تعالى لا يستخلف إلاّ من له نقاء السريرة ليبعد عن الخيانة ; لأنّه لو إختار من لا نقاء له في السريرة كان قد خان خلقه .. وحاشاه عن ذلك ! وهو الذي لا يهدي كيد الخائنين » (91).
    7 ـ أنّه إذا جاز صدور المعصية منهم أمكن صدور أي معصية كانت حتّى القتل والنهب والغصب ، وذلك فساد عظيم يردّه العقل ، ويأباه العقلاء فيمن يكون خليفة الله أو وصيّاً لخليفة الله .
    8 ـ أنّ صدور الذنب من الراعي أفحش من صدور الذنب من الرعية ، وزلّة العالِم زلّة العالَم ، فيلزم من عصيانه أن يكون الراعي أسوء حالا من الرعيّة وأدون مرتبة من آحاد الاُمّة وهو مستهجن جدّاً .. لا يمكن أن يكون في مقام النبوّة والإمامة .
    9 ـ أنّه لو صار النبي أو الإمام عاصياً صار ظالماً ، ولو صار ظالماً لبطلت نبوّته أو إمامته اللتين هما من عهد الله .. لصريح قوله عزّ إسمه : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (92).
    10 ـ لو كان النبي أو الإمام مثل الاُمّة يمكن عليهما الخطأ والنسيان والسهو والعصيان لكانت رئاستهما وترجيحهما على الاُمّة من هذه الجهة ترجيحاً بلا مرجّح وهو قبيح .. بل الأنبياء والأئمّة أفضل من الاُمم من جميع الجهات .. العلم والحلم ، والنزاهة والتقوى ، والفضل والفضيلة ، والعدل والمروءة ..
    فيلزم رجحانهم على الاُمّة من جميع الجهات ومنها النزاهة والعصمة حتّى يكونوا أولياءهم وحجج الله على سائر الطبقات منهم ..
    فيكون وصف العصمة في النبي والإمام حتميّاً إلزامياً ..
    هذا فيما يخصّ شرط العصمة في الإمامة كبرويّاً ، مع ما عرفت من وجودها في أئمّتنا الطاهرين وأهل البيت صغروياً بالأدلّة الأربعة المتقدّمة .
    وهنا إستدلال عقلي آخر جامع أيضاً في عصمة الإمام (عليه السلام) يحسن بيانه ، وقد نقله الصدوق في العلل والعيون والمعاني والأمالي بسنده عن ابن أبي عمير أنّه قال : ما إستفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي إيّاه شيئاً أحسن من هذا الكلام في صفة عصمة الإمام ، فإنّي سألته يوماً عن الإمام أهو معصوم ؟ قال : نعم ، قلت له : فما صفة العصمة فيه ؟ وبأي شيء تُعرف ؟
    قال : إنّ جميع الذنوب لها أربعة أوجه : الحرص ، والحسد ، والغضب ، والشهوة ، فهذه منتفية عنه ..
    لا يجوز أن يكون ـ الإمام ـ حريصاً على هذه الدنيا وهي تحت خاتمه ; لأنّه خازن المسلمين فعلى ماذا يحرص ؟
    ولا يجوز أن يكون حسوداً ; لأنّ الإنسان إنّما يحسد من هو فوقه ، وليس فوقه أحد فكيف يحسد من هو دونه ؟
    ولا يجوز أن يغضب لشيء من اُمور الدنيا إلاّ أن يكون غضبه لله عزّ وجلّ فإنّ الله قد فرض عليه إقامة الحدود ، وأن لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا رأفة في دينه حتّى يقيم حدود الله عزّ وجلّ .
    ولا يجوز أن يتّبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة ; لأنّ الله عزّ وجلّ حبّب إليه الآخرة كما حبّب إلينا الدنيا ، فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا .. فهل رأيت أحداً ترك وجهاً حسناً لوجه قبيح ؟ وطعاماً طيّباً لطعام مرّ ؟ وثوباً ليّناً لثوب خشن أو نعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية (93) ؟
    وعلى الجملة ; فبالأدلّة الأربعة نستنتج بنحو القطع واليقين عصمة أهل البيت الطاهرين وسيّدهم الرسول الأمين وأولادهم الأئمّة المهديين صلوات الله عليهم أجمعين ، وأنّهم معصومون مطهّرون مبرّؤون من كلّ ذنب وقذارة ، وخطأ     حتّى بالنسبة إلى الشكّ والسهو .. لا يشكّون ولا يسهون أبداً ، لمنافاتهما للعصمة وإستلزامهما المحاذير العقلية المتقدّمة ، ومنافاة السهو لعلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام (عليه السلام) ; لأنّ السهو في الشيء تركه عن غير علم كما فسّره في المجمع (94).
    فلا يمكن الموافقة مع القول الشاذّ الضعيف القائل بسهو النبي الشريف (صلى الله عليه وآله وسلم) إستناداً إلى بعض الأخبار الضعيفة التي لا يمكن العمل بها ، كما تلاحظه في كتاب الفقيه (95).
    وإنّما لا يمكن قبول هذا القول لإستناده إلى أخبار آحاد لا تثمر علماً ولا توجب عملا ، كما أفاده الشيخ المفيد في رسالة عدم سهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (96).
    وكذا أبطله العلاّمة (قدس سره) ـ كما تلاحظه في هامش الفقيه ـ من حيث إنّ راوي خبر السهو هو ذو الشمالين الذي قُتل يوم بدر في السنة الثانية من الهجرة ، والراوي عنه هو أبو هريرة الذي لم يدركه ; لأنّه أسلم بعد الهجرة بسبع سنين فكيف يروي عنه ؟
    بل هذا الخبر مضافاً إلى ضعف السند ضعيف متناً لأنّه يخالف الكتاب الكريم ، والسنّة الصحيحة ، والأدلّة العقلية المتقدّمة ، وضرورة المذهب ، وإجماع الشيعة المحقّة ، كما أفاده السيّد الشبّر (قدس سره) (97).
    وكيف يتلائم هذا القول مع الكتاب العزيز الذي قال في حقّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :
( وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى ) (98) وقال في شخصه : ( سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنسَى ) (99).
    أم كيف يتلائم مع الأخبار الصحيحة والمعتبرة الصريحة التي دلّت على نفي السهو والشكّ والنسيان عنهم (عليهم السلام) مثل :
    1 ـ حديث العيون :
    « أنّ الإمام مؤيّد بروح القدس ... ولا ينسى ولا يسهو » (100).
    2 ـ حديث الكافي :
    « أنّ الله عزّ وجلّ أدّب نبيّه فأحسن أدبه ، فلمّا أكمل له الأدب قال : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم ) (101) ثمّ فوّض إليه أمر الدين والاُمّة ليسوس عباده ، فقال عزّ وجلّ : ( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (102) وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مسدّداً موفّقاً مؤيّداً بروح القدس لا يزلّ ولا يخطئ في شيء ممّا يسوس به الخلق » (103).
    3 ـ حديث تفسير النعماني في بيان صفات الإمام :
    « ... ولا يسهو ولا ينسى ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا » (104).
    ثمّ إنّه يحسن التعرّض هنا بالمناسبة لوجه الإستغفار من الذنوب الذي تجده
في أدعية الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم مع أنّهم أصحاب العصمة الكبرى ، ولا يصدر منهم حتّى ترك الأولى ، ولا يعملون إلاّ بما يشاء الله ويرضاه ، فقد عصمهم الله من الزلل ، وحفظهم من المزالق حتّى أنّهم لا يتركون مستحبّاً ولا يفعلون مكروهاً إلاّ لوجه مبرّر رافع للحزازة ..
    فاستغفارهم هذا ليس لفعل الذنب إطلاقاً ..
    بل إنّ إستغفاراتهم مضافاً إلى كونها في مقام التضرّع الذي هو محبوب ذاتاً وتكون للحياء والرجاء والإنابة والرغبة والرهبة والطاعة والإخلاص والتقوى والتوكّل ونحو ذلك من مقتضيات الإستغفار التي تلاحظها في دعاء الزيارة الرضوية المباركة.. مضافاً إلى هذه الاُمور تكون إستغفاراتهم لوجوه حكيمة منها :
    1 ـ إنّ الرسول وأهل البيت (عليهم السلام) هم الذين علّمونا التكلّم مع ملك الملوك وعظيم العظماء ( الله جلّ جلاله ) ، ولولاهم لم نعرف الطريقة المثلى والنهج الأفضل الذي ينبغي للعبد الإبتهال به إلى الله تعالى والسؤال منه عزّ إسمه وطلب المغفرة منه جلّ جلاله ..
    فإحدى جهات أدعيتهم هو تعليمنا ذلك ، فجرى وجوه الإستغفار على لسانهم الطاهر حتّى يجري على لساننا نحن العصاة ; لنستقيل من ذنوبنا ونتوب من خطايانا ، وننال برد العفو وحلاوة الرحمة من المولى الغفور الرحيم ، كما إستفدنا هذا الوجه من شيخنا الاُستاذ (قدس سره) .
    2 ـ إنّ النبي والآل سلام الله عليهم أوقاتهم مشغولة بالله تعالى ، وقلوبهم مملوءة بالتوبة إليه ، وخواطرهم متعلّقة بالملأ الأعلى ، ونفوسهم مقبلة بكلّها إليه ، كلّ منهم يرى نفسه حاضراً عند الله ويرى الله ناظراً إليه .. فيرون إشتغالهم بالمباحات المحلّلة كالمآكل والمشارب والمناكح إنحطاطاً عن تلك المراتب
العالية ، والمنازل الرفيعة ..
    فيعدّونه ذنباً ويعتقدونه خطيئة فيستغفرون لأجل ذلك من كلّ ما جرى على لسانهم ، أو سمعوه بآذانهم ، أو رأوه بأبصارهم كما ترى في إستغفار الإمام الكاظم (عليه السلام) في سجدة الشكر .. ويستفاد هذا الوجه من الشيخ الإربلي في كشف الغمّة كما نقله في البحار (105).
    3 ـ إنّ رسول الله وآله صلوات الله عليهم لمّا كانوا في غاية المعرفة الإلهيّة لمعبودهم ، فكلّ ما أتوا به من الحسنات وعملوه من الصالحات رأوها قاصرة عن أن تليق بجناب ربّ العزّة .. فعدّوا طاعاتهم من المعاصي ، واستغفروا كما يستغفر المذنبون ، وعدّوا أنفسهم مقصّرين ، كما أفاده العلاّمة المجلسي (قدس سره) (106).
    فعصمة أهل البيت (عليهم السلام) ونزاهتهم وطهارتهم عن جميع الذنوب والعيوب لا يدانيها ريب ولا يداخلها عيب ، بعد ما عرفت ثبوتها بالأدلّة الأربعة .
    بل لا ينبغي الشكّ في العصمة الثبوتية بمعنى عدم المفارقة عن طريق العدل والطاعة ، وعدم السلوك في طريق القبيح والمعصية في ذرّيتهم الطاهرة المنتجبة (107) مثل سيّدنا أبي الفضل العبّاس ، وعقيلتنا زينب الكبرى ، وسيّدنا علي الأكبر وكريمة أهل البيت فاطمة المعصومة وأمثالهم سلام الله عليهم كسيّدنا حمزة ابن عبدالمطّلب ، بل بعض خُلّص الأصحاب مثل سلمان المحمّدي ممّن أدركوا الدرجة العليا في معرفة الله تعالى ولزموا طريق رضاه ومرضاته ..
    غير أنّ العصمة في الحجج المعصومين (عليهم السلام) إستكفائية ، أي غير محتاجة إلى الغير ، بينما العصمة في هؤلاء الكرام غير إستكفائية ، أي محتاجة إلى الحجّة كما سمّي بذلك .
    ويشهد لعصمة سيّدنا العبّاس بن أمير المؤمنين بهذا المعنى يعني ملازمة الطاعة وعدم سلوك المعصية اُمور عديدة :
    أوّلا : قول الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارته الشريفة :
    « لعن الله اُمّة إستحلّت منك المحارم وإنتهكت في قتلك حرمة الإسلام » (108).
    فإنّ حرمة دين الإسلام لا تنهتك بقتل أي مسلم مهما كان عظيماً إلاّ أن يكون سيّداً للدين الإسلامي وإماماً معصوماً أو تالياً للمعصوم .
    ثانياً : قول الإمام السجّاد (عليه السلام) في الحديث :
    « وإنّ لعمّي العبّاس منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء والصدّيقين يوم القيامة » (108).
    فإنّ قوله (عليه السلام) : جميع الشهداء والصدّيقين خصوصاً بأداة التأكيد الجمعي يشمل كلّ شهيد وكلّ صدّيق حتّى المعصومين من الشهداء والصدّيقين كالأنبياء الكرام والشهداء من الأنبياء .
    ولو لم يكن العبّاس معصوماً لم يتمّ غبطة المعصوم لدرجته ، لأنّ المعصوم أعظم درجة من الجميع فلا يغبط غير المعصوم ، فلابدّ وأن يكون العبّاس معصوماً حتّى يغبطه الشهداء والصدّيقون والمعصومون على درجاته العالية ومقاماته الرفيعة .
وثالثاً : تصدّي دفنه من قِبل الإمام السجّاد (عليه السلام) كدفن الإمام الحسين (عليه السلام) وهو من خصوصيات المعصومين (عليهم السلام) ، فانّ المعصوم لا يدفنه إلاّ المعصوم ، مع قول الإمام السجّاد (عليه السلام) عند ذلك : « انّ معي من يُعينني » في حديث الإيقاد الذي نقله السيّد المقرّم (قدس سره) في كتاب العبّاس (عليه السلام) (109).
    مضافاً إلى قول الإمام الحسين (عليه السلام) له لمّا زَحَف الأعداء على مخيّمه عشيّة التاسع من المحرّم :
    « اِركب بنفسي أنت يا أخي » (110).
    الذي يفيد تفدية نفسه المطهّرة له ، ولا يناسب تفدية المعصوم إلاّ للمعصوم .
    مع ما ذكر في بعض المقاتل من تقبيل الإمام الحسين (عليه السلام) يديه الطاهرتين بعد إنقطاعهما .
    بل تقبيل أمير المؤمنين (عليه السلام) لهما حين أجلس أبا الفضل على فخذه وشَمَّر عن ساعديه وقبّلهما (111) ممّا يكشف عن نزاهة تلك الأيدي الطاهرة وترفّعها عن المعاصي والقبائح .
    ولنعم ما أفاد الشيخ العلم الشيخ محمّد طه نجف (قدس سره) في رجاله حين ذكر العبّاس (عليه السلام) حيث قال : « هو أجلّ من أن يُذكر في المقام ، بل المناسب أن يذكر عند ذكر أهل بيته المعصومين عليه وعليهم أفضل التحيّة والسلام » (112).
كما وأنّه يشهد لعصمة سيّدتنا زينب الكبرى سلام الله عليها بالمعنى المتقدّم :
    أوّلا : أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) حمّلها مقداراً من ثقل الإمامة أيّام مرض الإمام السجّاد (عليه السلام) ، وأوصى إليها بجملة من وصاياه ، وأنابها الإمام السجّاد (عليه السلام) نيابة خاصّة لبيان أحكام الدين وآثار الولاية ، كما تلاحظه في حديث إكمال الدين للصدوق (113) ، والغيبة للشيخ الطوسي (114) ، الذي جاء فيه : « إنّ الحسين بن علي أوصى إلى اُخته زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الظاهر وكان ما يخرج من علي بن الحسين يُنسب إلى زينب بنت علي تستّراً على علي بن الحسين (عليهما السلام) » (115).
    وثانياً : قول الإمام السجّاد (عليه السلام) لها بعد خطبة الكوفة في حديث حزيم بن شريك الأسدي في الإحتجاج :
    « أنتِ بحمد الله عالمة غير معلّمة وفَهِمة غير مفهّمة » .
    فإنّ هذا العلم غير المحتاج إلى التعليم هو من شأن المعصوم فيكشف علمها عن عصمتها (116).
    كما وأنّه يشهد لعصمة سيّدتنا فاطمة المعصومة سلام الله عليها بالمعنى المتقدّم أيضاً :
    أوّلا : الحديث الوارد في ناسخ التواريخ عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال :
« من زار المعصومة بقم [ كان ] كمن زارني » (117).
    ومن المعلوم أنّ إسمها سلام الله عليها هي فاطمة فتوصيفها بالمعصومة على لسان المعصوم في هذا الحديث يدلّ على عصمتها .. بناءً على هذه النسخة في الحديث .
    وثانياً : علمها في صغر سنّها مع تصديق أبيها وتفدّيه إيّاها ، كما تلاحظه في القضيّة المنقولة عن كشف اللئالي لابن العرندس أعلى الله مقامه على التفصيل الذي جاء في كتاب كريمه اهل بيت (عليهم السلام) (118) فراجع للإطّلاع .
    كما وأنّه يشهد لمقام سيّدنا حمزة في العصمة خلقته من الطينة المرحومة التي خلق منها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأنّه سيّد الشهداء في الجنّة كما في حديثي الخصال (119).
    كما يشهد لرفيع مقام سلمان المحمّدي كونه من أهل البيت (عليهم السلام) ومن الأبواب إلى الله تعالى كما في حديثي الرجال (120) فلاحظ .
________________________________________
(1) سورة البقرة : (الآية 229) .
(2) حقّ اليقين : (ج1 ص140) .
(3) العين : (ج1 ص313) .
(4) مجمع البحرين : (مادّة ـ عصم ـ ) .
(5) المفردات للراغب : (ص337) .
(6) لسان العرب : (ج12 ص403) .
(7) النهاية الأثيرية : (ج3 ص249) .
(8) القاموس المحيط : (ج4 ص151) .
(9) تاج العروس : (ج8 ص399) .
(10) المصباح المنير : (مادّة ـ عصم ـ ) .
(11) حقّ اليقين : (ج1 ص90) .
(12) أنوار الهداية : (ص56) .
(13) معاني الأخبار : (ص132 ح2) ، ومشكاة الأنوار : (ص163) .
(14)    سورة الأحزاب : (الآية 33) .
(15) مجمع البيان : (ج8 ص356) .
(16) دلائل الصدق : (ج2 ص94) .
(17) إحقاق الحقّ : (ج2 ص502) ، ثمّ أفاد المحشّي أنّ الأحاديث في ذلك تربو على الألف .
(18)    غاية المرام (1).
(19) غاية المرام : (ص287 ـ 300 ب1 و2) .
(20) غاية المرام : (288 ب1 ح11 و ص293 ب2 ح6) .
(21) سورة الأحزاب : (الآية33) .
(22) إحقاق الحقّ : (ج2 ص554) ، والعوالم : (ج11 القسم الثاني ص930) .
(23) القاموس المحيط : (ج2 ص219) .
(24) ترتيب كتاب العين : (ج1 ص657) .
(25) مشكاة الأنوار : (ص150) .
(26) مصباح الهداية : (ص172) .
(27) معالم الزلفى : (ص32 ب43 الأحاديث من الخاصّة) ، وإحقاق الحقّ : (ج6 ص97 الأحاديث من العامّة) .
(28) آية التطهير للسيّد الأبطحي : (ص60) .
(29) سورة البيّنة : (الآية 2) .
(30) سورة النساء : (الآية 57) .
(31) ترتيب كتاب العين : (ج2 ص1097) .
(32) القاموس المحيط : (ج2 ص79) . (1) مجمع البيان : (ج8 ص358) .
(33) غاية المرام : (ص293) .
(34) آية التطهير : (ج2 ص251 ـ 276) .
(35) سورة الأحزاب : (الآية 33) .
(36) سورة الأنفال : (الآية 75) ، وسورة الأحزاب : (الآية 6) .
(37) غاية المرام : (ص293 ب2 ح7) .
(38) معاني الأخبار : (ص94 ح3) .
(39) الذخيرة : (ص479) .
(40) تفسير التبيان : (ج8 ص340) .
(41) إحقاق الحقّ : (ج2 ص566) .
(42) مسند أحمد بن حنبل : (ج1 ص331) .
(43) تفسير الطبري : (ج2 ص5) .
(44) سورة التحريم : (الآية 4) .
(45) صحيح البخاري : (ج6 ص377 كتاب التفسير ب2 ح4913) .
(46) صحيح مسلم : (كتاب الرضاع باب الإيلاء) .
(47) سنن الترمذي : (ج2 ص231) .
(48) مسند أحمد بن حنبل : (ج1 ص33) .
(49) تفسير الطبري : (ج28 ص104) .
(50) الطبقات الكبرى : (ج8 ص138) .
(51) كنز العمّال : (ج1 ص209) .
(52) سنن النسائي : (ج2 ص140) .
(53) سنن البيهقي : (ج7 ص353) .
(54) سنن الدارقطني : (كتاب الطلاق ص442) .
(55) كتاب السبعة من السلف : (ص135) .
(56) سورة التوبة : (الآية 61) .
(57) الكلمة الغراء : (ص217) .
(58) اُصول الكافي : (ج1 ص202) .
(59) تفسير البرهان : (ج2 ص843) .
(60) بحار الأنوار : (ج25 ص191 ب5 الأحاديث ، وج35 ص206 ب5 الأحاديث ، وج38 ص62 ب59 الأحاديث) .
(61) غاية المرام : (ص287 ـ 300) .
(62) جاء في إكمال الدين وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) ورواه عنهما في البحار : (ج25 ص201 ب5 في عصمة الأئمّة (عليهم السلام) ح13) ، وذكره في إحقاق الحقّ : (ج13 ص60) نقلا عن الحمويني في فرائد السمطين ، والقندوزي في ينابيع المودّة ، والهمداني في مودّة القربى .. ونحوه في الإحقاق : (ج20 ص530) عن المردي الحنفي في « آل محمّد » .
(63) سورة الأحزاب : (الآية 33) .
(64) العوالم : (ج11 القسم الأوّل ص86 ب7 ح1 و2) .
(65) دلائل الإمام للطبري : (ص28) ، عنه فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى (صلى الله عليه وآله) : (ص87) .
(66) علل الشرائع : (ص182 ب146 ح1) .
(67) إحقاق الحقّ : (ج5 ص41 ح65) نقلا عن ابن حسنويه الحنفي في بحر المناقب .
(68) بحار الأنوار : (ج43 ص107 ب5 ح22) .
(69) إحقاق الحقّ : (ج19 ص117) نقلا عن كتاب أهل البيت لتوفيق أبو علم ، ونحوه في أحاديث العامّة الاُخرى المنقولة في الإحقاق : (ج1 ص1) عن ابن شيرويه في الفردوس ، والخوارزمي في المقتل ، والترمذي في المناقب ، والقندوزي في الينابيع ، والمناوي في الكنوز .
(70) تفسير أطيب البيان : (ج3 ص235) .
(71) تلاحظ أحاديثه من طرق الخاصّة في بحار الأنوار : ج43 ص39 ـ 80 ب3) ، ومن طرق العامّة في إحقاق الحقّ : (ج9 ص198 ، وج10 ص184 ، وج13 ص77) .
(72) الغيبة للشيخ الطوسي : (ص184) ، والإحتجاج للطبرسي : (ج2 ص279) .
(73) بحار الأنوار : (ج43 ص105 ب5 ح19) .
(74) لاحظ الحديث من الخاصّة في البحار : (ج43 ص53) ، ومن العامّة فيما حكاه في إحقاق الحقّ : (ج10 ص116 و122 ، وج19 ص54 و56) .
(75) العوالم : (ج11 القسم الثاني ص933) .
(76) بحار الأنوار : (ج43 ص10 ب2 الأحاديث) .
(77) بحار الأنوار : (ج43 ص18 ب2 ح17) .
(78) إحقاق الحقّ : (ج4 ص408) ، وغاية المرام : (ص639 ـ 642) .
(79) إعتقادات الشيخ الصدوق : (ص98) .
(80) الفصول المختارة : (ص53) .
(81) الذخيرة : (ص479) .
(82) التلخيص : (ج1 ص194) .
(83) كشف الحقّ المطبوع مع دلائل الصدق : (ج2 ص30) .
(84) إثبات الهداة : (ج1 ص14) .
(85) بحار الأنوار : (ج25 ص209) .
(86) حقّ اليقين : (ج1 ص91) .
(87) سفينة البحار : (ج6 ص185) .
(88) نقلا عن بحار الأنوار : (ج40 ص318 ب98 الأحاديث) .
(89) سورة النازعات : (الآية 40) .
(90) نهج البلاغة : (ص243 الخطبة 224 من الطبعة المصرية) .
(91) سورة البقرة : (الآية 30) .
(92) إكمال الدين : (ص10) .
(93) سورة البقرة : (الآية 124) .
(94)    بحار الأنوار : (ج25 ص192 ب5 ح1) .
(95)    ومعصية ، وإثم وقبيح ، وزلّة ورذيلة ، وشكّ وسهو ..
(96) مجمع البحرين : (ص48) .
(97) من لا يحضره الفقيه : (ج1 ص359) .
(98) رسالة عدم سهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ص20) .
(99) حقّ اليقين : (ج1 ص93) ، ومصابيح الأنوار : (ج2 ص133) .
(100) سورة النجم : (الآيتان 3 و4) .
(101) سورة الأعلى : (الآية 6) .
(102) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : (ج1 ص170 ب19 ح2) .
(103) سورة القلم : (الآية 4) .
(104) سورة الحشر : (الآية 7) .
(105) اُصول الكافي : (ج1 ص266 ح4) .
(106) بحار الأنوار : (ج25 ص351) .
(107) بحار الأنوار : (ج25 ص203) .
(108) بحار الأنوار : (ج25 ص210) .
(109) غير خفي أنّ المراد بعصمتهم هو هذا المعنى لا العصمة الإثباتية أو العصمة الكبرى فتنبّه .
(110) المزار للشيخ المفيد : (ص124) ، وكذا في زيارته في يوم عرفة .
(111) الخصال للشيخ الصدوق : (ص68 ح101) .
(112) العبّاس بن الإمام أمير المؤمنين (عليهما السلام) : (ص129) .
(113) العبّاس بن الإمام أمير المؤمنين (عليهما السلام) : (ص127) .
(114) كتاب قمر بني هاشم : (ص21) .
(115) إتقان المقال : (ص75) .
(116) إكمال الدين : (ص45 ح27) .
(117) الغيبة : (ص138) .
(118) تنقيح المقال : (ج3 ص79) .
(119) الخصائص الزينبية : (ص25) .
(120) ناسخ التواريخ : (ج7 الإمام الكاظم (عليه السلام) ص337) .
(121) كريمه اهل بيت (عليهم السلام) : (ص63) ، ولاحظ ترجمة ابن العرندس وجلالة قدره في الغدير : (ج7 ص13) .
(122) الخصال : (ص204 ح20 ، وص575 ح1) .
(123) رجال الكشي : (ص18 و20) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page