• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثاني: التوسُّل بالاَنبياء والصالحين

تقدّم أنّ هذا القسم من التوسُّل ينقسم إلى ثلاثة أقسام ، كما تقدّم بحث القسم الاَول منه وهو التوسُّل بدعائهم في حياتهم ،ويتكفّل هذا الفصل بحث القسمين الآخرين :
القسم الاَول : التوسُّل بالاَنبياء والصالحين في حياتهم المراد هنا التوسُّل بالاَنبياء والصالحين بأنفسهم وذواتهم ، لما لهم عند الله من شأن ومنزلة ، وأمثلته مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته كثيرة.
ـ فقد تقدّم قول الاَعرابي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( فإنّا نستشفع بك على الله ، ونستشفع بالله عليك ) وردَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه قوله الاَخير
( نستشفع بالله عليك ) مقرّاً قوله الاَول ( فإنّا نستشفع بك على الله ). وهو صريح في جواز الاستشفاع بالنبي نفسه إلى الله تعالى ، لمنزلته الشريفة عنده ومقامه المحمود لديه.
ـ كما تقدّم ذكر أبيات أبي طالب في الاستشفاع بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، وليس بدعائه وحسب ، وإقرار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الاَبيات واستبشاره بها.
ـ وفي الصحيح الثابت أيضاً توسُّل الاَعمى بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دعاء علَّمه إيّاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه ..
عن عثمان بن حنيف : إنّ رجلاً ضريراً أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ادعُ الله أن يعافيني.
فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن شئت دعوتُ ، وإن شئت صبرتَ ، وهو خير لك ».
قال : فادعه.
إلى هنا يظهر من الحديث أنّ الرجل كان يتوسَّل بدعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ، غير أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سينقله إلى أُسلوب آخر من أساليب التوسُّل ، فبدلاً من أن يدعو له بالشفاء ، علَّمه دعاءً يدعو به صاحب الحاجة نفسه ..
يقول الحديث : فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ائتِ الميضأة فتوضَّأ ، ثمَّ صلِّ ركعتين ، ثمّ قل : اللّهم إنّي أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك محمدٍ نبيِّ الرحمة ، يا محمد ، إنّي أتوجَّه بك إلى ربِّي فيجلِّي لي عن بصري ، اللّهم فشفِّعه فيَّ ».
قال عثمان بن حنيف : فوالله ما تفرَّقنا ، وما طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنَّه لم يكن به ضرٌّ قط (١).
ابن تيمية روى هذا الخبر عن البيهقي ، ثمَّ قال :
( قال البيهقي : ورواه أحمد بن شبيب بن سعيد ، عن أبيه ، بطوله. ورواه أيضاً هشام الدستوائي عن أبي جعفر ، عن أبي أمامة بن سهل ، عن عمِّه عثمان بن
حنيف ). ثمَّ واصل ابن تيمية قائلاً : ( قلتُ : وقد رواه ابن السُنّي في كتاب عمل اليوم والليلة ، من طريقين ، وشبيب هذا صدوق روى له البخاري ) (2).
وقال أيضاً : ( وقد روى الطبراني هذا الحديث في المعجم ) ثمَّ ذكر الحديث بطوله بإسناد آخر إلى أن قال : ( قال الطبراني : روى هذا الحديث شعبة ، عن أبي جعفر ـ واسمه عُمير بن يزيد ـ وهو ثقة ، تفرَّد به عثمان بن عمير عن شعبة ، قال أبو عبدالله المقدسي : والحديث صحيح ). قال : ( قلتُ : والطبراني ذكر تفرُّده بمبلغ علمه ، ولم تبلغه رواية روح بن عبادة عن شعبة ، وذلك إسناد صحيح يبيِّن أنّه لم ينفرد به عثمان بن عمير ) (3).
لكنّه مع هذا كلّه ، ومع وضوح النص النبوي ، يقول : فهذا طلبَ من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره أن يسأل الله أن يقبل شفاعة النبي له في توجّهه بنبيِّه إلى الله ، وهو كتوسُّل غيره من الصحابة به إلى الله ، فإنّ هذا التوجّه والتوسُّل هو توجّه وتوسُّل بدعائه وشفاعته! (4).
ويستنتج من ذلك وأمثاله ممّا تقدّم ذكره أنّ الصحابة كانوا يطلبون من النبي الدعاء ، وهذا مشروع في الحيّ (5).
وفي هذا مصادرة على الحقيقة غير خافية ، ففرق كبير بين أن يطلب أحد الدعاء من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيدعو له ، وبين أن يطلب منه الدعاء ، فيعلّمه أن يدعوا بنفسه ويتوسَّل في دعائه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيلةً وشفيعاً. ففي الاَوَّل يتولَّى النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدعاء للسائل الذي توسَّل بدعائه له ، وهو مرتبة من مراتب التوسُّل ، وفي الثاني يتولَّى المرء نفسه الدعاء متوسِّلاً بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه.
والاَمر واضح ، لاسيما وفي الحديث عبارة صريحة تقول : « يا محمّد يا رسول الله ، إنّي أتوجّه بك إلى ربِّي في حاجتي ».
فهو توجّه صريح بمحمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، وتوسل به نفسه إلى الله تعالى ، ولا يؤثر على هذا المعنى ما جاء بعده من قوله « اللّهم فشفّعه فيَّ » لاَنّ هذه هي غاية التوسُّل والتوجُّه والاستشفاع ، سواء كان توسُّلاً بالدعاء ، أو كان توسُّلاً بذات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.
كما أنّ قول الاَعرابي المتقدّم الذكر ( ادعُ لنا ) الذي يفيد التوسُّل بدعائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يلغي دلالة قوله : ( فإنّا نستشفع بك على الله ) بعد إقرار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا القول الذي هو صريح بالتوسُّل بذاته الشريفة.
ومثله في صراحة التوسُّل بذاته الشريفة قول أبي طالب الذي استبشر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمالُ اليتامى عصمةٌ للاَراملِ ومثل هذا في الدعاء كثير ، نكتفي منه بما أثبته ابن تيمية نفسه من حديث ابن ماجة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه ذكر في دعاء الخارج للصلاة ، أن يقول : « اللّهم إنِّي أسألك بحقِّ السائلين عليك ، وبحقِّ ممشاي هذا ، فإنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا رياءً ولا سمعةً ، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، أسألك أن تنقذني من النار ، وأن تغفر لي ذنوبي فإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت ».
ثمّ نقل بعض أهل العلم أنّهم قالوا : ففي هذا الحديث أنّه سأل بحقِّ السائلين عليه وبحقِّ ممشاه إلى الصلاة ، والله تعالى قد جعل على نفسه حقّاً ، قال الله تعالى : ( وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين ) (6) ونحو قوله : ( كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً ) (7).
وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : « يا معاذ أتدري ما حقُّ الله على العباد؟ ».
قال : الله ورسوله أعلم.
قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حقُّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، أتدري ما حقُّ العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ فإنّ حقَّهم عليه أن لا يعذّبهم ».
وقد جاء في غير حديث : « كان حقّاً على الله كذا وكذا » كقوله : « من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد فشربها ـ في الثالثة أو الرابعة ـ كان حقّاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال ».
قيل : وما طينة الخبال؟
قال : « عصارة أهل النار » (8).
وكل هذا دليل على صحة التوسُّل بالصالحين أنفسهم ، وليس بدعائهم وحسب.
بل في هذا الحديث دلالة واضحة على جواز التوسُّل بهم بعد موتهم ، فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بحقِّ السائلين » لفظ عام يستوعب كل السائلين من لدن آدم عليه‌السلام إلى يوم السائل هذا ، بل يستوعب الملائكة ومؤمني الجن أيضاً ، ولا يمكن حصره بالسائلين هذا اليوم أو من الاَحياء ، إذ لا دليل على هذا يحمله الحديث ، ولا مخصص له من خارجه أيضاً ، وسيأتي الكلام في هذا في الفقرة اللاحقة.
كما أنّ في الحديث شاهد آخر على التوسُّل بالاَعمال الصالحة : « بحقِّ ممشاي هذا ... ».


__________
(١) مسند أحمد ٤ : ١٣٨. الجامع الصحيح للترمذي ح / ٣٥٧٨ ـ كتاب الدعوات ، سنن ابن ماجة ح / ١٣٨٥.
(2) التوسُّل والوسيلة : ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣.
(3) التوسُّل والوسيلة : ١٠٥ ـ ١٠٦.
(4) التوسُّل والوسيلة : ٩٢ ، وكتاب الزيارة / لابن تيمية أيضاً : ٤٧ ـ المسألة الرابعة.
(5) التوسُّل والوسيلة : ٢٠ ، كتاب الزيارة : ٨٦ ـ المسألة السابعة.
(6) سورة الروم : ٣٠ / ٤٧.
(7) سورة الفرقان : ٢٥ / ١٦.
(8) زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور : ٣٩ ـ ٤٠.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page