• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ابوبكر و غضب فدك

54 ـ قال: السابعة زعموا إنه ظالم لفاطمة عليها السلام بمنعه إياها من مخلف أبيها وإنه لادليل له في الخبر الذي رواه «نحن معاشر الأنبياء لانورث، ماتركناه صدقة» لأن فيه إحتجاجاً بخبر الواحد مع معارضته لآية المواريث وفيه ماهو مشهور عند الأصوليين.
وزعموا ايضاً إن فاطمة عليها السلام معصومة بنص (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وخبر «فاطمة بضعة مني» وهو معصوم فتكون معصومة وحينئذ فيلزم صدق دعواها الإرث وجوابها أما عن الأول فهو لم يحكم بخبر الواحد الذي هو محل الخلاف وإنما حكم بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنده قطعي فساوى آية المواريث في قطعية المتن.
وأما حمله على ما فهمه منه فلإنتفاء الإحتمالات التي يمكن تطرقها اليه عنه بقرينة الحال فصار عنده دليلاً قطعياً مخصصا لعموم تلك الآيات.
وأما عن الثاني فمن أهل البيت أزواجه على مايأتي في فضائل أهل البيت عليهم السلام ولسن بمعصومات إتفاقاً فكذلك بقية أهل البيت.
وأما «بضعته مني» فجاز قطعاً فلم يستلزم عصمتها وأيضاً فلا يلزم مساواة البعض للجملة في جميع الأحكام بل الظاهر إن المراد إنها كبضعة مني فيما يرجع الحنو والشفقة.
ودعواها إنه صلى الله عليه وآله وسلم نحلها فدكاً لم تأت عليها إلا بعلي وأم أيمن فلم يكمل نصاب البينة على إن في قبول شهادة الزوج لزوجته خلافاً بين العلماء وعدم حكمه بشاهد ويمين أما لعله لكونه ممن لايراه كثيرين من العلماء أو إنها لم تطلب الحلف مع من شهد لها وزعمهم إن الحسن والحسين وأم كلثوم شهدوا لها باطل على إن شهادة الفرع والصغير غير مقبولة وسيأتي عن الإمام زين العابدين بن الحسين رضي الله عنه إنه صوب مافعله أبو بكر وقال: لو كنت مكانه لحكمت بمثل ماحكم به. وعن أبنه الباقر (عليه السلام) إنه قيل: له أظلمكم الشيخان من حقكم شيئاً ؟ فقال: لا ومنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ما ظلمانا من حقنا ما يزن حبة خردل. وأخرج الدار قطني إنه سأل ماكان يعمل علي في سهم ذوي القربى؟ قال: عمل فيه بما عمل أبو بكر وعمر، كان يكره أن يخالفهما.
وأما عذر فاطمة في طلبها مع روايته لها الحديث فيحتمل إنه لكونها رأت إن خبر الواحد لا يخصص القرآن كما قيل به فاتضح عذره في المنع وعذرها في الطلب فلا يشكل عليك ذلك وتأمله فانه مهم.
اقول: فيه نظر من وجوه
أما أولاً فلأنه يتوجه على جوابه عن الأول إن الخبر الذي رواه أبو بكر في ذلك أولى بأن يكون محل الخلاف لأنه متهم في روايته بعداوته لأهل البيت عليهم السلام وجرى النفع لنفسه لما روى الشيخ جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء من إن فدكاً كان بعد ذلك حبوة أبي بكر وعمر ثم إقتطعها مروان وإن عمر بن عبدالعزيز قد رد فدكاً الى بني هاشم وروي إنه ردها الى أولاد فاطمة رضي الله عنها انتهى وفي هذه دلالة على إتهام أبي بكر عند عمر بن عبدالعزيز أيضاً كما وقع التصريح به في الروايات الأخر على إن تخصيص الكتاب بغير الحديث المتواتر والمشهور مما خالف فيه جمع كثير فمنهم أبو حنيفة كما ذكر في شروج منها البيضاوي وأيضاً المنصف المتأمل يجزم بأنه لاوجه لأن يكون مثل هذا الخبر موجوداً ولم يسمعه غير أبي بكر حتى نساء النبي صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة عليهما السلام مع إنهم كانوا مداومين فى ملازمة النبي (ص) وبالجملة كيف يبين رسول الله صلى الله عليه وآله هذا الحكم بغير ذريته ويخفيه عمن يرثه ولا يوصي اليهم بذلك حتى يقعوا في إدعاء الباطل وإلتماس الحرام على إنه صلوات الله وسلامه عليه كان مأموراً خصوصاً في محكم الكتاب بإنذار عشيرته الأقربين وقد أخرج في جامع الأصول حديث شهر بن حوشب عن الترمذي وأبي داود «إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل والمرأة ليعملان بطاعة الله تعالى ستين سنة ثم يحضرهم الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار» فأي ضرر أعظم من أن يكون النبي صلى الله عليه وآله ختم ذلك عن وصيه وورثته وأودعه أجنبياً لا فائدة له فيه ظاهراً وحاشاه من ذلك إذ هو رحيم رؤوف بالأباعد؛ فضلاً عن الأقارب.
لايقال كفى تعريفاً وإعلاناً بذلك الخبر الذي ذكره النبي صلى الله عليه وآله لأبي بكر من كبار أصحابه لانا نقول: الكفاية ممنوعة لان أبا بكر أنما غلب على فاطمة عليها السلام بذلك الخبر من حيث أنه صار خليفة وقاضيا وأدعى ان علمه قد حصل بذلك من الخبر المذكور وعلم القاضي كاف في اجراء الحكم ومن البين انه لو لم سواء يتفق أختيار القوم على خلافة أبي بكر بل كان الخليفة غيره لما كان لذلك الخبر الواحد حجية عنده في إثبات كون تركة النبي صلى الله عليه وآله صدقة أما عند الخليفة على تقدير كونه غير أبي بكر فلأن شهادة الواحد مردودة فضلاً عن روايته في مقام الشهادة وأما عند المدعية أعني فاطمة عليها السلام فلما ظهر من إنها قد أنكرت ذلك وغضبت على أبي بكر في حكمه بما ذكر ولا مجال لأن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما عين أبا بكر للخلافة لم يحتج الى إظهار ذلك لغيره لأن هذا خلاف ماعليه جمهور أهل السنة من عدم النص والتعيين لأحد كما مر؛ على إنه يجوز أن يكون الحديث الذي تفرد به ابو بكر من قبيل «الغرانيق العلى» الذي جوز أهل السنة إلقاء الشيطان له على لسان النبي صلى الله عليه وآله وكيف يستبعد القاء مثل ذلك له مع ماروي سابقاً عن ابي بكر من إنه قال «إن لي شيطاناً يعتريني؛ الى آخره» وأما قوله «وإنما حكم بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم» إن دعوى سماعه منه غير مسموع لما سمعت من إتهامه سابقاً وأما قوله «وهو عنده قطعي» فمردود بقول شاعرنا «ومن أنتم حتى يكون لكم عند» وأما ماذكره من قوله «وأما حمله على ما فهمه منه فلإنتفاء الإحتمالات؛ الى آخره» ففيه إن ذلك وهم لا فهم، وانتفاء الإحتمالات غير ثابت لإحتمال أن يكون قوله «صدقة» في الحديث الحادث تميزاً، ويكون معنى الحديث إن ماتركناه على وجه الصدقة لايورث أحد وقد وهم الراوي وهو أبو بكر في ذلك الإحتمال إن النبي صلى الله عليه وآله قد وقف على لفظ صدقة فظنه ابو بكر موقوفاً على الرفع بالخبرية لا على النصب بكونه تميزاً والتميز إنما هو شأن أهل الإستبصار، لا كل قاصر يكثر منه العثار. ولعل هذا الشيخ المعاند اراد بقرنية الحال الذي علم بها أبو بكر إنتفاء الإحتمالات الأخر في ذلك الحديث قرنية حال أبي بكر وعمر في إرادتهما الظلم على أهل البيت عليهم السلام وهذا مسلم لاشك فيه.
وأما ثانياً فلأنه يتوجه على ماذكره في الجواب عن الثاني «إن من أهل البيت أزواجه على مايأتي في فضائل أهل البيت؛ الى آخره» إنا قد راجعنا الى ماذكره هناك فلم نجد فيه إلا مايجديه من ذكره احاديث موضوعة واقاويل من أهل السنة مصنوعة زعم معارضتها لما ذكره ايضاً من الأحاديث الصحيحة إتفاقاِ الدالة على خروج الأزواج فلنضرب عن نقلها هاهنا صفحاً، والنذكر من الإحتجاج الدافع للعناد واللحاج مايدمر أيضاً على ما أتى به ثمة عن غاية الإعوجاج فنقول: قد إتفق المفسرون من الشيعة والسنة على ذلك وهذا الإتفاق حجة تحققة بموافقة بعض المفسرين من اهل السنة مع الشيعة فضلاً عن أكثرهم كما إعترف به هذا الشيخ الجامد في أوائل الفصل العاشر من كتابه هذا لظهور إن ماذهب اليه بعض من طائفة حجة على الكل سيما إذا وافقهم فيه غيرهم
وأيضاً قد إنعقد الإجماع على ذلك قبل ظهور المخالف من إتباع بني أمية المعادين لأهل البيت عليهم السلام والمخالف الحادث لا يقدح خلافه في انعقاد الإجماع السابق وأيضاً الذي يدل على ذلك إن من روى خلاف ذلك من المفسرين كانوا متأخرين عن قدماء المفسرين والمحدثين كالثعلبي، واحمد بن حنبل، والظاهر إن منشأهم المتأخرين ذكر آية التظهير متصلاً بما قبله من الآية التي وقع فيها النداء على نساء النبي صلى الله عليه وآله والخطاب معهن. وفيه إن رعاية هذه المقارنة والمناسبة إنما تجب إذا لم يمنع عنها مانع ومن البين إن تذكير ضمير«عنكم» و «يطهركم» وبعض الدلائل والقرائن الأخر الخارجة مانع عن ذلك منها ماروى هذا الشيخ في كتابه هذا من «إنه صلى الله عليه وآله لما نزلت آية المباهلة جمع علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام وجللهم في كساء فدكي فقال: هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» ومنها مارواه ايضاً في الباب الحادي عشر حيث قال «في مسلم عن زيد بن ارقم إنه ص قال ً إذكركم الله في أهل بيتي قلنا لزيد: من أهل بيته نسائه؟ قال: لا ايم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع الى ابيها وقومها؛ أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده» (انتهى) وهو مذكور في جامع الأصول ايضاً ولا يخفى إنه يفهم من قول زيد إن اطلاق أهل البيت ليس على الحقيقة اللغوية بل الحقيقة الشرعية ويمكن أن يكون مراده ان الذي يليق أن يراد في امثال الحديث المذكور من أهل البيت اهله وعصبته الذين لا يزول نسبتهم عنه اصلاً دون الأزواج وعلى التقديرين فهو مؤيد لمطلوبنا وذكر سيد المحدثين جمال الملة والدين عطاء الله الحسيني في كتاب تحفة الأحباء خمسة أحاديث أثنان منها وهما المسندان الى أم سلمة رضي الله عنها نصاً صريح في الباب لأن أحدهما وهو الذي نقله في جامع الترمذي وذكر إن الحاكم حكم بصحته قد إشتمل على إنه لما قال النبي صلى الله عليه وآله عند إدخال علي وفاطمة وسبطيه في العباء ماقال، قالت أم سلمة رضي الله عنها: يارسول الله الست من أهل بيتك؟ قال إنك على خير أو الى خير. والآخر وهو الحديث الذي نقله عن كتاب المصابيح في بيان شأن النزول لأبي العباس أحمد بن الحسن المفسر الضرير الإسفرايني قد تضمن إنه (ص) لما أدخل علياً وفاطمة وسبطيه في العباء قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي واطهار عترتي واطايب ارومتي من لحمي ودمي، اليك لا الى النار إذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وكرر هذا الدعاء ثلاثاً قالت ام سلمة رضي الله عنها قلت: يارسول الله (صلعم) وانا معهم. قال: إنك الى خير وأنت من خير ازواجي. ثم قال السيد قدس سره فقد تحقق من هذه الأحاديث إن الآية إنما نزلت في شأن الخمسة المذكورين عليهم السلام ولهذا يقال لهم آل العباء ولله در من قال من اهل الكمال:

على الله في كل الأمور توكلي * وبالخمس اصحاب العباء توسلي
محمد المبعوث حقا وبنته * وسبطيه ثم المقتدى المرتضى علي

إن قيل: ماذكر من الأحاديث معارضة بما روي إن أم سلمة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله: الست من أهل البيت ؟ فقال بلا إنشاء الله قلنا لانسلم صحة سندها ولو سلم نقول: إنها في هذه الرواية في معرض التهمة بجر نفع لنفسها فلا يسمع قولها وحدها ولو سلم نقول:
إن كونها من اهل البيت قد علق فيها بمشيئة الله تعالى فلا تكون من اهل البيت جزماً مع إنها لو كانت منهن لما سألته لأنها من أهل اللسان والترجيح معنا بعد التعارض وهو ظاهر.
وايضاً اهل بيت الرجل في العرف هم قرابته من عترته لأزواجه بدليل سبق الفهم الى ذلك وهو السابق الى فهم كل عصر والمتداول في أشعارهم واخبارهم فما أحد يذكر اهل بيت النبي صلى الله عليه وآله في شعر أو غيره إلا وهو يريد من ذكرناه لا أزواجه ولعل مناقشة الجمهور في هذا المقام إنما نشأت من حملهم البيت في الآية والحديث على البيت المبني من الطين والخشب المشتمل على الحجرات التي كان يسكنها النبي صلى الله عليه وآله مع أهل بيته وازواجه إذ لو اريد بالبيت ذلك لإحتمل فهمه من الآية والرواية لكن الظاهر إن المراد لأهل البيت على طبق قولهم أهل الله وأهل القرآن أهل بيت النبوة ولا ريب إن هذا منوط بحصول كمال الأهلية والإستعداد المستعقب للتنصيص والتعيين من الله ورسوله على المتصف به ولهذا إحتاجت أم سلمة رضي الله عنها الى السؤال عن أهليتها للدخول فيهم كما مر.
وفوق ماذكرناه كلام وهو إنه لايبعد أن يكون إختلاف اسلوب آية التطهير لما قبلها على طريق الإلتفات من الأزواج الى النبي واهل بيتته عليهم السلام على معنى إن تأديب الأزواج وترغيبهن الى الصلاح والسداد من توابع إذهاب الرجس والدنس عن اهل البيت عليهم السلام فحاصل نظم الآية على هذا إن الله تعالى رغب أزواج النبي صلى الله عليه وآله الى العفة والصلاح بأنه إنما اراد في الأزل أن يجعلكم معصومين ياأهل البيت واللائق أن يكون المنسوب الى المعصوم عفيفاً صالحاً كما قال (والطيبات للطيبين) على إنه قد وقع إختلاف كثير في ترتيب المصاحف حتى إصطلح الناس على مصحف واحد والإختلاف إنما هو في الترتيب البتة لأن القرآن متواتر كما لايخفى.

ثم اقول: يمكن أن يستدل على خروج الأزواج بأن الأرداة المدلول عليها في الآية بقوله تعالى (يريد الله) أما إن تكون إرادة محصنة لم يتبعها الفعل أو إرادة وقع الفعل عندها والأول باطل لأن ذلك لاتخصيص فيه لأهل البيت بل هو عام في جميع المكلفين ولا مدح في الإرادة المجردة واجتمعت الأمة على إن الآية فيها تفضيل أهل البيت وإبانة لهم عن سواهم فثبت الوجه الثاني وفي ثبوته مايقتضي عصمة من عني بالآية وإن شيئاً من القبائح لايجوز أن يقع منهم ولاشك في عدم القطع بعصمة الأزواج والآية موجبة للعصمة فثبت إنها فيمن عداهن من آل العباء لبطلان تعلقها بغيرهم.
وأما ماذكره هاهنا من إن «بضعة مني» مجاز فهب أن يكون كذلك لكنه يجب حمل المجاز على المعنى الأقرب الى المعنى الحقيقي كما تقرر في الأصول وهو هاهنا ترتب الأحكام التي تترتب على النبي صلى الله عليه وآله ومنها العصمة والطهارة. ولو أغمضنا عن ذلك نقول: إن الإستدلال على عصمتها عليها السلام إنما وقع من الشيعة بمجموع الحديث وتقريره إن النبي صلى الله عليه وآله قال في حقها عليها السلام: «فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله» وفي رواية«من أغضبها فقد أغضبني» وفي رواية«يربيني مارابها» وامثالها كثيره فلو فرض عدم عصمتها لجاز عليها صدور معصية موجبة للحد أو التعزير عليها ولا ريب في إيذائها حين إذ بذلك وهو منهى عنه لما عرفت من إيذائها إيذاء الله تعالى ورسوله فلو لم تكن معصومة لزم جواز أيذائها بالحد والتعزير فلزم أن يكون إيذائها عليها السلام منهياً عنه وجائزاً هذا خلف فسقط جميع مانسجه في نفي دلالة الحديث على عصمتها عليها السلام
وبعبارة أخرى نقول: لاشك إن هذه الأحاديث جاءت في باب مناقبها وفضلها عليها السلام وأما من الفاظ العموم كما تقرر في الأصول فلو كانت تغضب وتتأذى بالباطل كما إحتمله الناصبي في مقام التأويل لما جاز من النبي صلى الله عليه وآله أن يغضب لها ولو أمكن صدور الباطل منها لماساغ من النبي ص اطلاق لفظ الغضب بل كان يجب أن يقيده وعلى هذا لم يبق لها مزية على غيرها إذ يجب عليه أن يغضب لكل مسلم بل ولكل كتابي إذا أغضب بغير حق فلم يبق إلا أن غضبها مطلقاً يغضبه (ص) وذلك دليل على عصمتها عليها السلام وإنها لايصدر عنها غضب إلا وهو حق وكذلك القول في حق بعلها عليه السلام لأن النبي صلى الله عليه وآله دعى له على القطع في قوله:«اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» ومثله أخبار النبي صلى الله عليه وآله على القطع وهو قوله «يدور الحق معه حيثما دار» وقوله «علي مع الحق؛ والحق مع علي» وقوله«من إقتدى بعلي، فقد إهتدى» كما ذكره فخر الدين الرازي في تفسير الفاتحة وكذلك آية التطهير تدل على عصمة أهل البيت جميعهم كما أوضحناها سابقاً.
وأما ماذكره من «إن دعواها إنه نحلها فدكاً لم تأت عليها إلا بعلي وأم أيمن فلم يكمل نصاب البينة؛ الى آخره» فمدخول بأن الحكم بالشاهد واليمين قد دل عليه الخبر وليس نسخاً لمقتضى الآية كما توهم أما أولاً فلأن الآية دلت على الحكم بالشاهدين أو الشاهد والمرأتين وإن شهادتهما حجة وليس فيها مايدل على إمتناع الحكم بحجة أخرى إلا بالنظر الى المفهوم ولا حجة فيه فرفع الحكم الذي دل عليه المفهوم ليس بنسخ فجار الحكم بما دل عليه الخبر.
وأما ثانياً فلأن قوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وأمرأتان) تخيير بين إستشهاد رجلين أو رجل وأمرأتين والحكم بالشاهد واليمين زيادة في التخيير وهي ليست نسخاً. ومن قال إن الحكم بالشاهد واليمين نسخ لهذه الآية يلزمه أن يكون الوضوء بالنبيذ نسخاً لقوله تعالى (فلم تجدوا ماءاً فتيمموا) وقد علم بهذا ان الحكم بقصور شهادة الرجل والمرأة عن نصاب الشهادة شيء توهمه بعض الجمهور من مفهوم الآية أو إختلقوه تعمداً لهدم ماهو الحق في المسئلة مع إن أكثر الجمهور يقول بموافقتنا من تكميل البينة باليمين بل قال شارح الينابيع: إن ثبوت المال بشاهد ويمين مذهب الخلفاء الأربعة فمذهب أبي بكر حجة عليه في قضية فاطمة عليها السلام وعلى تقدير وقوع الإختلاف في المسئلة هل يكون وجه لوقوع قرعة رأي ابي بكر على الطرف الذي أوجب تضييع حق أهل البيت عليهم السلام وأخذ ضياعهم وعقارهم، إلا قصد إضرارهم، والإهتمام في فقرهم وافتقارهم، وتفريق مواليهم وانصارهم، كيف لا و«هم الذين يقولون لاتنفقوا عليّ من عند رسول الله حتى ينفضوا».
وأيضاً يعارض ذلك مارواه البخاري من حديث جابر «ان أبا بكر لما جاءه مال البحرين صبه على نطع وقال: من له على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين من له ص عدة ؟ فقال جابر: وعدني رسول الله بكذا وكذا فحثا له ابو بكر حثوات في حجره فكيف إستجاز إعطاء مال المسلمين من غير بينة ولم يجوز اعطاء حق فاطمة عليها السلام مع البينة مع إنه لم يقل أحد إنه عرف صدق جابر لأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وايضاً فقد رووا في صحاحهم كالبخاري «إنه لاينبغي للحاكم ان يحكم بعلمه لموضع التهمة» واي تهمة أوضح مما قررناه من معادات القوم لعلي وفاطمة عليهم السلام ويدل عليه تصفح اخبارهم وتتبع آثارهم. ثم اقول: حاصل كلام اليعة في هذا المقام إن فدكاً كانت مما أنحله النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام وصرفه اليها في ايام حياته ويوم مات أبوها رسول الله صلى الله عليه وآله كا ذلك في يدها وتصرفها عليها السلام ولما تقمص أبو بكر بالخلافة ارسل الى فدك واخرج وكيل فاطمة عليها السلام وغصبه منها فنازعته في ذلك ولما طلب منها عليها السلام البينة على النحلة قال له علي عليه السلام: حكمت فينا بخلاف ماحكم الله ورسوله في جميع المسلمين فإنك طلبت البينة من فاطمة على شيء هو في يدها وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وأما شهادة علي عليه السلام وأم أيمن رضي الله عنها فإنما وقعت على وجه التبرع وعلى جهة الإستظهار.
وأما ماذكره في العلاوة من «إن في قبول شهادة الزوج لزوجته خلافاً بين العلماء» فاقول فيه: إنه لو سلم الخلاف فهل لإختيار أبي بكر الطرف المخالف لدعوى فاطمة عليها السلام سوى ماذكرناه من الضرروالإضرار ؟ على إنا قد بينا عصمة فاطمة عليها السلام بالآية والرواية والمدعي إنما إفتقر الى الشهود إذا ارتفع العصمة عنه و [ حيث ] جاز إدعائه باطلاً إستظهر بالشهود على قوله لئلا يطمع كثير من الناس في أموال غيرهم وجحد الحقوق الواجبة عليهم وإذا كانت العصمة مغنية عن الشهادة وجب القطع على قول فاطمة عليها السلام وعلى ظلم مانعها وطالب البينة عليها ويشهد على صحة ماذكرناه إن النبي صلى الله عليه وآله إستشهد على قوله في بيعه لناقة الإعرابي فشهد له خزيمة بن ثابت فقال له النبي صلى الله عليه وآله من أين علمت ياخزيمة إن هذه الناقة لي ؟ أشهدت إبتياعي لها؟ فقال لا ولكني علمت إنها لك من حيث علمت صدقك وعصمتك فجاز النبي صلى الله عليه وآله شهادته بشهادة رجلين وحكم بقوله فلولا إن العصمة دليل الصدق ويغني عن الشهادة لما صوب النبي صلى الله عليه وآله شهادة خزيمة على ما لم يره ولم يحضره باستدلاله عليه بدليل صدقه وعصمته. وبمثل هذا قال مالك بن انس على مانقل عنه إبن حزم من إنه إذا هلكت الوديعة وادعى من اودعت عنده ردها الى المودع فلا يمين عليه إذا كان ثقة.وإنا وجب قبول قول فاطمة عليها السلام بدلائل صدقها وعصمتها واستغنت عن الشهود لها ثبت إن الذي منعها حقها وأوجب عليها الشهود على صحة قولها قد جار في حكمه وظلم في فعله وآذى الله تعالى ورسول الله صلي الله عليه وآله بإذاء فاطمة عليها السلام وقد قال الله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهبناً).
وأما ماذكره من «إن زعمهم إن الحسن واتلحسين شهدا باطل» فمجرد دعوى لايعجز أحد عن الحكم ببطلانها وما ذكره من «إن شهادة الفرع والصغير باطلة» مردود بأنه كيف خفغي على أمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة العلم إن شهادتهما غير مقبولة للفرعية أو للصغر؟ ولو كان عالماً كيف أقامهما شاهدين على إن عم شهادة الفرع إنما ذهب اليه مستنداً بعمل أبي بكر فلا حجة فيه.
وبعد التي نقول: أين ذهب شرع الإحسان والتكرم …! ولم لم يعامل أبو بكر مع فاطمة عليها السلام في فدك ماعامل النبي صلى الله عليه وآله مع زينب في إلتماسه عن المسلمين في أيام عسرتهم أن يردوا اليها المال العظيم الذي بعثته لفداء زوجها أبي العاص حيث أسر يوم بدر كما فصل إبن أبي الحديد الكلام في ذلك في شرح نهج البلاغة وبالجملة لو إستنزل ابو بكر المسلمين عن فدك واستوهبه عنهم كما إستوهب رسول الله صلى الله عليه وآله المسلمين عن فداء أبي العاص بأن قال: هذه بنت نبيكم صلى الله عليه وآله تطلب هذه النخلات أفتطيبون عنها نفساً ؟ أكانوا منعوها ذلك؟ وحيث لم يتأسوا بالنبي صلى الله عليه وآله في شرع الإحسان والتكرم فلا أقل من أن يستحقوا اللعنة بمعنى البعد عن مرتبة الأبرار.
إن قلت: يتوجه على ماذكره إبن أبي الحديد إنا نمنع إمكان إستيهاب أبي بكر فدكاً من المسلمين على قياس ماأمكن للنبي صلى الله عليه وآله إستيهاب مابعثته زينب لأجل فداء أبي العاص لأن المال الذي بعثته كان مشتركاً بين جمع محصور من المسلمين وهم غزاة يوم بدر فأمكن الإستيهاب منهم بخلاف فدك فإنه كان صدقة مشتركة بين سائر المسلمين الغير محصورين
قلت: لو سلم كثرة المشاركين في فدك فنقول: من البين إنها على تقدير كونها صدقة لم تكن صدقة واجبة محرمة على أهل البيت عليهم السلام بل إنما كانمت الصدقة المستحبة المباحة عليهم أيضاً والصدقة المستحبة مما يجوز للإمام تخصيصها ببعض كما روي من سيرة الثلاثة سيما عثمان من إنه أعطى الحكم بن ابي العاص طريد رسول الله صلى الله عليه وآله ثلث مال افريقيا وقيل ثلاثين الفاً فلو كان ابي بكر في مقام التكرم مع أهل بيت سيد الآنام، عليه وآله الصلاة والسلام، لخص فدكاً بفاطمة عليها السلام، ولما جوز أيذاءها المستعقب للطعن والملام، الى يوم القيامة والذي يدل على إستحباب تلك الصدقة إن من جملة تركة النبي صلى الله عليه وآله السيف والدرع والعمامة والبغلة فلو كانت تركة النبي صلى الله عليه وآله صدقة واجبة لكان كل ذلك داخلاً في التركة معدوداً من الصدقة الواجبة حراماً على أمير المؤمنين فكيف جاز لهم ترك ذلك عنده ؟ وكيف إستحل امير المؤمنين عليه السلام التصرف في ذلك مع علمه بأنه مما حرمه الله عليه..! وايضاً يدل عليه مارواه هذا الجامد في كتابه هذا من إن العباس رافع علياً الى أبي بكر في مطالبته بالميراث عن رسول الله صلي الله عليه وآله من الدرع والبغلة والسيف والعمامة وزعم إنه عم رسول الله صلى الله عليه وآله وإنه أولى بتركة الرسول ص من إبن العم فحكم ابو بكر بها لعلي عليه السلام. وكذا يدل عليه مامر روايته عن جلال الدين السيوطي الشافعي في تاريخ الخلفاء من إن فدكا كان بعد ذلك حبوة ابي بكر وعمر ثم إقتطعها مروان وإن عمر بن عبدالعزيز قد رد فدكاًالى بني هاشم، وروي: الى أولاد فاطمة انتهى وانت خبير بأن جعل أبي بكر وعمر فدكاً حبوة لأنفسهما دون سائر المسلمين كما رواه السيوطي يدل على إنهما لو أرادا إعطائها لفاطمة عليها السلام لما نازعهما أحد من المسلمين، ولما توجه اليهما حرج في الدنيا والدين لكن غلبتهم العصبية، وملكتهم الحمية الجاهلية، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) وأما مانقلله عن مولانا زين العابدين عليه السلام (1) فظاهر إنه إفتراء مع إن إحتمال وقوعه تقية قائم ويدل عليه إنه عليه السلام قد سلك الأول في هذه العبارة: «وسيأتي عن الإمام زين العابدين رضي الله عنهم» ففي نسخة الصواعق المطبوعة ص 22 س 1 ـ 2 هذه العبارة مكتبوبة به هكذا: وسيأتي عن الإمام ريد بن الحسن بن علي بن الحسين رضي الله عنهم» وهذه العبارة كانت في نسخة القاضي بناء على ما نقلها في صوارمه مكتوبة هكذا:«وسياتي عن الإمام زين العابدين بن الحسين ع» أعني إنه كانت مكتوبة مكان «زيد بن علي بن الحسين» على ما هو الصواب. هذه الكلمات: «زين العابدين بن الحسين» وهذا وهم كما ستعرف وجواب القاضي ره في النسخة الحاضرة الى آخره مبني على ما كان في نسخته اعني «زين العابدين» مكان «زيد» ونلفت نظر القارئ ايضا الى نكة اخرى وهي ان في عبارة النسخة المطبوعة من الصواعق هنا غلطا فاحشا عبر عن زيد بن علي بن الحسين الإمام المشهور للزيدية المعروف بزيد الشهيد بزيد بن الحسن بن علي بن الحسين اعني انه اقحم بين اسم زيد واسم ابيه علي بن الحسين عليهما السلام كلمتي «إبن الحسن» وهذا غلط فاحش واضح ويكشف عن ذلك تعبير إبن حجر بعيد ذلك (حتى في هذه النسخة المطبوعة ايضاً عن أخي زيد بالباقر بهذه العبارة «وعن أخيه الباقر» ويعني به محمداً الباقر أخا زيد أبني علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام والقاضي قدس سره غفل عن ذلك لأنه ره أيضاً نقل هذه العبارة أعني قوله «وعن أخيه الباقر» كما مر حرفاً بحرف.
والثاني من الموضعين المشار اليهما بعبارة «ظلمانا» الواقعة في الحديث المنقول عن الإمام الباقر عليه السلام زعم إبن حجر وذلك إنها مكتوبة بالنسخة المطبوعة المشار اليها هكذا «ظلمانا» بصيغة التثنية «إنظر ص 22 س 6» والحال إنها كانت في كلتا النسختين اللتين عندي من الصوارم مكتوبة هكذا «ظلمنا» بل الف التثنية فصححناها عن الصواعق لأن سياق الكلام مقتض لكون العبارة «ظلمانا» بصيغة التثنية لا بدون الف التثنية لأن السؤال فيه عن فعل الإثنين لا الواحد «آنظر ص 22 س 6 من الصواعق وص 141 س 14 ـ 16 من الصوارم» وبالجملة صححت العبارة عن الصواعق غافلاً عن إن عبارة النسخة التي كانت عند المؤلف قدس سره على خلاف ذلك فلما وصلنا الى هذا الموضع وجدنا العبارة هنا كما كانت هناك ملحونة والجواب ايضاً موافقاً للعبارة الملحونة فاتصحت لي حقيقة الحال فوجب إظهار ماوقع من الأمر تبرئة لذمة المؤلف رضوان الله عليه وصونا لكلامه عن نسبة التهافت اليه فإن جوابه مبني على ما كان عليه لفظ الحديث في نسخته فلا يتوجه عليه إعتراض عدم تطابق الجواب مع كلام إبن حجر كما يتراءى من العبارة. عصمنا الله من الخطأ والخطل والهفوة والزلل بحق محمد وآل محمد وعليهم السلام في هذا المقال، مسلك الإبهام والإجمال، حيث قال: «لو كنت مكانه لحكمت بمثل ماحكم به،ولم يقل لو كنت خليفة أو إماماً كما ذكره عليه السلام بمنزلة أن يقول أحد: لو كنت في مكان الشيطان، وما هو فيه من الطغيان، لفعلت مثل ما يفعله من الشرور والطغيان، وحينئذ ليس في كلامه عليه السلام ما يدل على تصويب حكم ابي بكر، وكذا الكلام فيما رواه عن الباقر عليه السلام لأنه وقع السؤال فيه عن ظلم الشيخين ولم يقلذ عليه السلام في مقام الجواب إنهما «ما ظلمانا» بل قال «ما ظلمنا» والظاهر إنه يكون الضمير المستتر في «ظلمنا» راجعاً الى ما هو الأقرب أعني «منزل الفرقان» وهو حق لاريب فيه؛ هذا إن قرأ لفظ «ظلمنا» بصيغة الماضي المعلوم وإن قرأ بصيغة المجهول فجاز حمل ضمير الجمع فيه على نفسه (ع) ومن معه من أولاده واصحابه ومن البين إن أبا بكر وعمر لم يظلماه عليه السلام حقه وإنما ظلما حق جدته وجده عليهما السلام ونظير هذه الرواية ما إشتهر من إنه سئل رجل من المخالفين عن مولانا جعفر الصادق عليه السلام وقال: ياإبن رسول الله صلى الله عليه وآله ماتقول في ابي بكر وعمر ؟ فقال عليه السلام هما إمامان عادلان قاسطان كانا على الحق وماتا عليه فرحمة الله عليهما يوم القيامة. فلما انصرف الناس قال له رجل من الخواص: يابن رسول الله لقد تعجبت مما قلت في حق أبي بكر وعمر فقال عليه السلام نعم هما إمامان أهل النار كما قال تعالى (وجعلناهم أئمة يدعون الى النار) وأما القاسطان فقد قال تعالى (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) وأما العادلان فلعدولهما عن الحق كقوله تعالى: (والذين كفروا بربهم يعدلون) والمراد من الحق الذي كانا مستولين عليه هو أمير المؤمنين عليه السلام حيث آذياه وغصبا حقه عنه والمراد من موتهما على الحق إنمهما ماتا على عداوته (ع) من غير ندماة على ذلك والمراد من رحمة الله رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه كان رحمة للعالمين وسيكون مغضباً عليهما خصماً لهما منتقما منهما يوم الدين.
وأما ماذكره مما أخرجه الدار قطني فهو أوهن من القطن المنفوش، لجواز إنه عليه السلام اراد بقوله «وكان يكره أن يخالفهما» إنه كان يكره ذلك لكراهة من كان هناك من أولياءهما المستصوبين لأعمالهما وقد مر إنه عليه السلام لم يكن يقدر على تغيير كثير من بدعهما لأجل ذلك وأما ماذكره من «إن فاطمة عليها السلام إنما طلبت الميراث مع الرواية المذكورة لإحتمال إنها رأت الخبر الواحد لا يخصص القرآن كما قيل به» ففيه إنه لا مساغ لهذا الإحتمال لأنها عليها السلام حكمت ببطلان هذا الحديث عن اصله ونسبته الى الفرية كما مر ولو كان ذلك لأجل ماذكره هذا الشيخ الجاهل لناظرته في ذلك ولم تخاطبه بما ساءه ولم تهجره مدة حياتها الى حين وفاتها ولم توص علياً عليه السلام بأن تدفن ليلاً حتى لايصلي عليها أبو بكر فالإشكال باق بحاله تأمله فإنه من أهم المهمات ولو سلم بناء ماقالته فاطمة عليها السلام على إنها رأت إن الخبر الواحد لايخصص القرآن فهورأي قوي لايمكن لأبي بكر واولياءه إتمام الكلام في إبطاله ولو عظوا الأرض بالنواجذلأن الخبر الواحد إذا كان مخالفاً لكاب الله تعالى يكون مردوداً بقوله صلعم في الحديث المتفق عليه بين الفريقين «إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى، فإن وافقه فاقبلوه، وإلا فردوه»
إن قيل: لو صح هذا الخبر لما خص الكتاب بالخبر المتواتر ايضاً واللازم باطل قلنا: المراد بالحديث الواجب عرضه على الكتاب هو مالم يقطع بأنه حديثه صلع كما دل عليه سياق الكلام والمتواتر ليس كذلك كما لايخفى.
55 ـ قال: وتأمل أيضاً إن أبا بكر منع ازواج النبي صلى الله عليه وسلم من ثمنهن ايضاً فلم يخص المنع بفاطمة والعباس ولو كان مداره على محاباة لكان أولى من حاباه ولده فلما لم يحاب عائشة ولم يعطها شيئاً علمنا إنه على الحق المر الذي لايخشى فيه لومة لائم إنتهى
اقول: تأملنا فوجدنا إن تركة النبي صلى الله عليه وآله ماعدا فدك على فرض كونها ميراثاً لانحلة لم تكن شيئاً يعتد به ولم يكن يصل منها الى كل من النساء الا ماهو اقل من القليل كما لايخفي على العالم باخباره واحواله صلعم ولما إحتال ابي بكر في أخذ فدك عن فاطمة عليها السلام في الحديث المذكور لم يعط بنته عائشة وسائر الأزواج من ثمن ميراث النبي صلى الله عليه وآله تحرزاً عن تطرق التناقض في قوله وفعله وبالجملة لم يكن في إيصاله الثمن القليل من تركة النبي صلى الله عليه وآله الى عائشة محبة بالنسبة اليها سيما وأمكن له تلافيها عن حبوة فدك بأضعاف ذلك فاحسن تأمله.
56 ـ قال: لايقال: (2) اقر ابو بكر أمهات المؤمنين في حجرهن وكان يتعين صرفها للفقراء كما فعل في فدك وكيف إستجاز هو وعمر أن يدفنا معه صلعم مع قوله تعالى (لاتدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) ولم دفع لعلي عليه السلام بغله (ص) وسيفه وهو لاتحل له الصدقة ولم كان ابو بكر وعمر يعطيان عائشة في كل سنة عشرة الآف درهم فهل هذا إلا محاباة ؟ إذ هو فاضل عن نفقتها المترتبة في تركة رسول الله صلى الله عليه وآله من فدك وغيرها لأنا نقول:
الجواب عن الأول إن الحجر ملكهن وإختصاصهن بدليل (وقرن في بيوتكن) أو يحتمل إنه قسمها بينهن في حياته فلم يجز إخراجهن منها كما لم يخرج فاطمة من حجرتها أو إنه رأى الصلاح في إقرارها بأيديهن كيد فاطمة في حجرتها ولأنهن في حكم المعتدات لبقاء تحريمهن ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ماتركت بعد نفقة نسائي ومؤمنة عيالي فهو صدقة فإستنثاء نفقتهن صريح فيما قلناه وعن الثاني إنه كان حجرة عائشة ملكها واختصاصها ولم يدفنا فيها إلا بإذنها ولهذا إستأذنها عمر في ذلك ثم اوصى أن تستأذن بعد موته خوفاً إنها لم تأذن أولاً إلا حياء منه وايضاً فالرأي في الحجر كما كان له صلعم في حياته يكون لخليفته بعده فيحتمل إنهما أرادا ذلك لمصلحة رأياها أو إنه أذن لهما في حياته أو أشار اليه كما في قضية بئر أريس ووضع أحجار مسجد قبا وغيرهما وقد اشار اليه أيضاً بكونهما أقرب الناس مكاناً له (ص) واكثر ملازمة وقد أوصى الحسن رضي الله عنه أن يدفن معهم فمنعه من ذلك مروان وغيره فما أجابوا عنه كان جوابنا وعن الثالث إنه لم يدفع ذلك لعلي ميراثاِ ولا صدقة لما مر بطريق الوصية منه صلعم على ماورد وعلى فرض عدم الوصية فيحتمل إنه دفعهما اليهعارية أو نحوها ليستعين بهما في الجهاد ولتميزه على غيره بالشجاعة العظمى أوثر بذلك وعن الرابع إن بر أمهات المؤمنين واجب على كل أحد والإمام بذلك أولى على إنه إنما يتوجه أن لو خصا عائشة وحفصة بذلك بل أعطياه لكل منهن وعلى إن علياً رضي الله عنه كان يفعله فإن توجه اليهما به عتب توجه اليه وعلى إن علياً رضي الله عنه لم يكن معتقداً إنه صلعم يورث وإن الشيخين ظلماه، وإنه لما ولي وصار مخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأرضين وغيرها بيده لم يغير شيئاً مما فعلاه ولم يقسم لبني العباس ولا لإمهات المؤمنين منها شيئأ، ولا لإولاده من فاطمة رضي الله عنها نصيبهم ممن ورثته، فدل ذلك على دلالة قطعية على إن إعتقاده موافق لإعتقادهما كبقية الصحبة.
أقول: جميع ماذكره في الجواب، خارج عن الصواب، أما ماذكره في الجواب عن الأول فلأنا نقول كيف لم يقل إحتمال ملكية فدك في حق فاطمة عليها السلام عند إدعائها للنحلة كما سبق وقام هاهنا على وجه لم يقع حاجة الى الفحص عنه اصلاً ؟ مع إن احتمال ملكية الأزواج لبيوتهن مما أبطله إنشاد إبن عباس رضي الله عنه على عائشة حين مجيئها راكبة على بغلة لمنع أن يطاف بجنازة الحسن عليه السلام في حجرة النبي صلى الله عليه وآله.
تجملت، تبغلت، وأنعشت، تفيلت لك التسع، من الثمن، وللكلل، تملكت(3)
وأما ماذكره في قوله من إحتمال الإختصاص، فليس فيه رجاء الخلاص لأنه إن اراد به الإختصاص التملكي فهو الإحتمال الإول وإن اراد به الإختصاص الإرتباطي بالسكني فيه ونحوها فلا يفيد. وقوله تعالى (وقرن في بيوتكن) لا يدل على الإختصاص التملكي والإلزام إن كل من قال لزوجاته مثلاً: قرن في بيوتكن. أن يكون ذلك صيغة تمليك لهن ولم يقل به احد بل ذهب بعض الفقهاء الى إن الزوجة لا ترث من بيت الزوج لأدلة مذكورة في كتب الفقه وكذا ماذكره من إحتمال التقسيم سقيم لأنه إن اراد به ما هو على وجه التمليك فيرجع الى الإحتمال الأول ايضاً وإن اراد به مالم يكن على ذلك الوجه فلا يفيد اصلاً.
واما ماذكره من «أنهن في حكم المعتدات لبقاء تحريمهن» ففيه ان بقاء المعتدات في بيوت الازواج أنما يجب في عدة الطلاق الرجعي الصقر البصـــــــري

ويوم الحسن الهادي على بغلك أسرعت * ومايست ومانعت وخاصمت وقاتلت
وفي بيت رسول الله بالظلم تحكمت * هل الزوجة أولى بالمواريث من البنت
لك التسع، من الثمن، فبالكل،تحكمت * تجملت،تبغلت،ولوعشت، تفيلت

دون عدة الوفاة اؤ نحوها فإن المعتدة الغير الرجعية لا تستحق عندنا وعند فقهاء أهل السنة سكنى ولا نفقة وأيضاً لانسلم إنما في حكم الشيء حكمه حكم ذلك الشيء بل الحكم بذلك تحكم على إن أكثر علماؤنا ذهبوا الى إن الزوجة إذا لم يكن لها ولد من الزوج المتوفي لا ترث عن رقبة الأرض شيئاً ويعطى حصتها من قيمة الالات والأبنية والشجر وذهب بعضهم الى إنها انما تمنع من الدور والمساكن وقيل ترث من قيمة الأرض لا من العين وعلى التقارير الثلاثة يدخل بيت المتوفي من حين موته في ملك من عدى تلك الزوجه من الوارث فاعتدادها فيها يكون غير جائز عندنا بدون إذن الوارث
وأما ماإستدل على كونهن في حكم المعتدات بقوله صلعم «ما تركت بعد نفقة نسائي الى آخره» ففيه إن النفقة والمؤنة لاتشمل البيت كما لايخفى فلا دلالة له على مدعاه اصلاً.
وأما ماأجاب به عن الثاني من «إنه كان حجرة عائشة ملكها وأختصاصها ولم يدفنا فيها إلا بإذنها الى آخره» فمدفوع بما مر من عدم ثبوت الملكية وعدم جدوى الإختصاص، فإذنها لايجدي لها ولا لهما الخلاص.
ومما يناسب هذا المقام ما حكاه بعض مشايخنا من إن فضال بن حسين الكوفي من اصحابنا مر بأبي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئاً من فقهه وحديثه فقال لصاحب كان معه والله لا أبرح أو أخجل أبا حنيفة وقال صاحبه أن أبا حنيفة قد علمت حاله وظهرت حجته قال مه، هل رأيت حجة علت على مؤمن؟ ثم دنا منه فسلم عليه فرد القوم السلام بأجمعهم فقال: يا أبا حنيفة رحمك الله إن لي أخاً يقول إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب وأنا أقول إن أبا بكر خيرالناس وبعده عمر فما تقول أنت رحمك الله ؟ فاطرق ملياً ثم رفع رأسه وقال كفى بمكانهما من رسول الله صلى الله عليه وآله كرماً وفخراً أما علمت إنهما ضجيعاه في قبره ؟ فأي حجة لك أوضح من هذه ؟ فقال: له فضال إني قد قلت ذلك لأخي قال والله لئن كان الموضع لرسول الله صلعم دونهما ظلماً بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله صلي الله عليه وآله فقد أساءا وما أحسنا إذ رجعا في هبتهما ونكثا عهدهما ‎، فاطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال لم يكن له ولا لهما خاصة ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما فقال فضال قد قلت له ذلك فقال أنت تعلم أن النبي صلعم مات عن تسع حشايا ونظرنا فإذا لكل واحدة تسع الثمن ثم نظرنا في تسع الثمن فاذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة بنته تمنع التراث؟ فقال ابو حنيفة ياقوم نحوه عني فوالله إنه رافضي خبيث انتهى.
وإنما نقلناها ليظهر للناظر إنه لعدم اصل صحيح له في ذلك يهتدون به الى الحق لم تزل تدق رؤوسهم على الجدار فيجيبون عما يرد عليهم فيه على وجه الرمي في الضلام للأجوبة المتناقضة الواهية.
وأما ماذكره فيه بقوله «وأيضاً فالرأي بالحجر كما كان له صلعم في حياته يكون لخليفته بعده» فمردود بأن خلافته لم تثبت فانتفى الإعتبار برأيه سيما الرأي المردود بينما ذكره من الإحتمالات السخيفة الباردة وإنا لله وإنا اليه راجعون إذا صارت الشرائع تشرع بمثل هذا الرأي.
وأما مازعمه من النقض بوصية الحسن عليه السلام أن يدفن معهم فجوابنا عنه ظاهر لأنه عليه السلام ما أوصى إلا بطوف جنازته حول قبر النبي صلعم تجديداً للعهد به فزعمت عائشة عند حمل جنازته (ع) الى الروضة المتبركة النبوية، على مشرفها الصلاة والسلام التحية، إنهم يريدون دفنه عنده(ص) فركبت على البغلة مع مروان وجماعة من أتباعه للمدافعة حتى جرى بينهما وبين إبن العباس رضي الله عنهما نقلناه سابقاً وآل الأمر أن رموا جنازة الحسن عليه السلام بالسهام، وصل بعص النصال الى بدنه الشريف عليه السلام، ومما ينبغي التنبيه عليه إن المراد من لفظ غيره في قوله «فمنعه من ذلك مروان وغيره» عائشة فاضمرها وجعلها تبعاً ومروان اصلاً حفظاً لحال عائشة بالإصلاح الكاذب فتدبر.
وأما ما أجاب به على الثالث بأنه «لم يدفع ذلك لعلي عليه السلام ميراثاً ولا صدقة لما مر بل بطريق الوصية منه ص» فمدفوع بأن المروي أن النزاع بينهما إنما كان على وجه طلب الميراث فإنه لو كان هناك وصية لما إتحه النزاع بينهما إنما كان على وجه طلب الميراث فإنه لو كان هناك وصية لما إتحجه النزاع منهما بخلاف الإرث فإنه لما كان في اولوية العممن الأب فقط كالعباس من إبن العم من الأب والأم معاً كعلي عليه السسلام خلاف إتجه نزاع علي والعباس ظاهراً والرجوع الى أبي بكر إيقاعهما لأبي بكر في ورطة حكمه مايناقض حكمهسابقاً لأن الأنبياء لايورثون حيث حكم هاهنا بأولوية علي من العباس لما ذكر في فقه الفرائض من أن المتقرب بالسببين أولى من المتقرب بسبب واحد وما يقال: إن أولوية علي عليه اسلام بالسيف والدرع والبغلة إنما كان لكونه أشجع واقوى نصرة لدين الإسلام بها إنما يتم بالسيف والدرع دون البغلة ولو سلم فلا أقل من أن يصلح العباس للدراعة التي كانت من جملة المتنازع فيها ايضاً. ثم من أين سمع أبو بكر وصية النبي صلى الله عليه وآله فيها ولم يسمعه علي عليه السلام والعباس رضي الله عنه وهل هذا الا ترويج المتدعي بالظن والتخمين؟
وأما إحتمال العارية فهو عار عن المعقول؛ وما ذكره في توجيهه ليس بوجيه وأما قوله «ولتيميزه بالشجاعة العظمى؛ الى آخره» فهو مناف لما تكلفه سابقاً من إثبات أشجعية أبي بكر فتذكر.
وأما ما أجاب بع عن الرابع من «إن بر أمهات المؤمنين واجب» فلا بر فيه ومن العجب إن بر أمهات المؤمنين واجب وبر فاطمة البتول، وفلذة كبد الرسول، في قضية فدك لم يكن واجباً …! وهل هذا القول مع ذلك الفعل إلا عناد وبغض لسيد الأبرار وآله الطاهرين الأخيار.! وأما ماذكره في العلاوة الأولى من «إنه لم يخص عائشة وحفضة بذلك؛ الى آخره» ففيه إنه وإن لم يخصهما في أصل العطية لكن خصهما بالزيادة وإنما أعطي غيرهما قليلا تقليلاً لملامة الناس إياه.
وأما ماذكره في العلاوة الثانية من «أن علياً (ع) كان يفعله الى آخره» ففيه مامر من إن الخلافة ماوصلت اليه عليه السلام إلا بالأسم دون المعنى؛ وقد كان عليه السلام معارضاً منازعاً منغصاً طول أيام ولايته وكيف يأمن في ولايته الخلاف على المتقدمين عليه وجعل من بايعه وجمهورهم شيعة أعدائه ومن يرى أنهم مضوا على أعدل الأمور وأفضلها وإن غاية أمر من بعدهم أن يتبع آثارهم ويقتفي طرائقهم وما العجب من ترك أمير المؤمنين عليه السلام ماترك من إظهاره بعض مذاهبه التي كان الجمهور يخالفه فيها وإنما العجب من إظهاره شيئاً من ذلك مع ما كان عليه من إشراف الفتنة وخوف الفرقة وقد كان عليه السلام يجهر في كل مكان لقومه بما عليه من فقد التمكن وتقاعد الأنصار وتخاذل الأعوان بما إن ذكر لطال به الكلام وهو عليه السلام القائل وقد إستأذنه قضاته فقالوا: بماذا نقضي يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام لهم: إقضوا بما كنتم تقضون حتى تكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي. يعني عليه السلام من تقدم موته من أصحابه والمخلصين من شيعته الذين قبضهم الله تعالى وهو على أحوال التقية والتمسك باطناً بما أوجب الله تعالى عليهم التمسك به وهذا واضح فيما قصدناه.
وأمام ماذكره في العلاوة الثالثة من «إن علياً رضي الله عنه لم يكن معتقداً إنه يورث وإن الشيخين ظلماه» فيعارضه مرافعته عليه السلام مع العباس الى أبي بكر في طلب ميراث النبي صلى الله عليه وآله كما رواه هذا الشيخ الناسي في كتابه هذا ومارواه مسلم في صحيحه من إنه «قال عمر للعباس وعلي: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئتما أنت تطلب ميراثك من إبن أخيك: ويطلب هذا ميراث إمرأته من أبيها، فقال: أبو بكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لانورث ما تركناه صدقة فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفي أبو بكر فقلت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولى أبي بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً والله يعلم إني لصادق بار تابع للحق فوليتهما، ثم جئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فقلتما إدفعها الينا الى آخره» وهو صريح في إعتراف عمر بإعتقادهما بإرث النبي صلى الله عليه وآله وعدم إعتقادهما بخلافة عمر بل بخلافة أبي بكر أيضاً لتوقفها عليها ثم في هذا الحديث من سوء الأدب بالنسبة الى النبي صلى الله عليه وآله والعباس ما لايخفى على المتأمل وقد أوضحناه في شرحنا على كتاب نهج الحق (4) فإرجع اليه، وفيه أيضاً شهادة علي عليه السلام والعباس في أبي بكر وعمر بالكذب والأثم والغدر والخيانة وإستمرار قولهما الى خلافة عمر وعدم تغييرهما عن شهادتهما وقلوهما، والناصبة يكذبون جميع ذلك ويقولون إنهما رضيا بخلافة أبي بكر وعمر وإن كل مايذكر عنهم من الخلاف والشقاق فإنه من تشنيعات الشيعة وأعجب ما في ذلك هذا قول الترمذي وقوله إن علياً والعباس كان يطلبان القسمة لأنهما يعلمان إن فدكاً والعوالي صدقة ونسى قول عمر للعباس تطلب ميراثك من إبن أخيك ويطلب هذا ميثراثه من إمرأته فتدبر.
وأما ماذكره من «إنه عليه السلام لم يغير شيئاً مما فعلاه؛ الى آخره» فقد مر الوجه فيه قبيل ذلك من أعماله للتقية فيه وقد قال أصحابنا في وجه تركه عليه السلام فدكاً لما ولى الناس وجوهاً منها رعاية التقية لما مر من إنه عليه السلام لما رأى إعتقاد الجمهور بحسن سيرة الشيخين وإنهما كانا على الحق لم يتمكن من الإقدام على مايدل على فساد إمامتهما لما في ذلك من الشهادة بالظلم والجور منهما، وإنهما كانا غير مستحقين لمقامهما؛ وكيف يتمكن من نقض أحكامهم وتغيير سننهم وإظهار خلافهم على الجماعة التي يظنون إنهم كانوا مصيبين في جميع مافعلوه وتركوه وإن إمامته مبنية على إمامتهم فإن فسدت فسدت إمامتهم وقد روى إنه عليه السلام نهاهم عن الجماعة في صلاة التراويح التي ابدعها عمر فأمتنعوا ورفعوا أصواتهم قائلين «واعمراه واعمراه» حتى تركهم في خوضهم يلعبون ومنها مارواه شيخنا الأجل ابن بابويه رضوان الله عليه في اوائل كتاب العلل مرفوعاً الى الصادق عليه السلام قال سألته لأي علة ترك علي عليه السلام فدكاً لما ولى الناس ؟ قال للإقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح مكة وقد باع عقيل بن أبي طالب داره فقيل له: يارسول الله الا ترجع الى دارك ؟ فقال هل ترك عقيل لنا داراً..! إنا أهل البيت لا نسترجع شيئاً أخذ منا ظلماً فكذلك لم يسترجع فدكاً لما ولى. ومنها ما رواه بإسناده الى موسى بن جعفر عليهما السلام قال سألته لم لم يسترجع امير المؤمنين عليه السلام فدكاً لما ولى الناس ؟ فقال لإنا اهل بيت لا يأخذ حقوقنا ممن ظلمنا إلا الله تعالى، ونحن اولياء المؤمنين نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن ظلمهم. فدل ما ذكرناه دلالة قطعية على ما يرغم انف هذا الشيح الجاهل وأنوف أصحابه والحمد لله سبحانه.
57 - قال: تنبيه: لا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم «نحن معاشر الانبياء لا نورث» قوله تعالى«وورث سليمان داود» لأن المراد ليس وراثه المال بل النبوة والملك ونحوهما بديل إختصاص سليمان بالارث مع أن له تسعة عشر أخاً فلو كان المراد المال لم يختص به سليمان وسياق «علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء» قاض بما ذكرناه، ووراثة العلم قد وقعت في آيات منها قوله تعالى (ثم أورثنا الكتاب فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب) وقوله تعالى (فهب لي من لدنك ولياً يرثني) لأن المراد فيها ذلك أيضاً بدليل (فإني خفت الموالي من ورائي) أي أن يضيعوا العلم والدين وبدليل «من آل يعقوب» وهم أولاد الأنبياء على أن زكريا لم يحك أحد إنه كان له مال حتى يطلب ولداً يرثه ولو سلم فمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأبى طلب ذلك إذ القصد بالولد إحياء ذكر الأب والدعاء وكثير سواد الأمة فمن طلبه لغير ذلك كان ملوماً مذمواً سيّما إن قصد به حرما عصبته من إرثه لو لم يوجد له ولد إنتهى.
أقول:
ما ذكره من قبيل التنبه ممن لا يتنبه أما أولاً فلأن الأرث حقيقة في إرث المال لغة وشرعاً فإطلاقه على غيره يكون مجازاً لا يصار اليه إلا بدليل، وما ذكره هذا الشيخ الجامد من الدليل عليل، إذ لو أراد بإختصاص سليمان بالإرث الإختصاص الذكرى، فهو لا ينفي أرث غيره من إخوته وإن اراد به الإختصاص الحصري، فالآية خالية عنه وأبعد من ذلك دعواه دلالة سياق «علمنا وأوتينا» على ذلك وأما ماذكره من الآيات التي زعم دلالتها على وراثة العلم فمدفوع إجمالاً بما ذكرناه من إن إستعمال الوراثة في العلم مجاز بدليل إن الأرث إنتقال أمر من محل الى آخر وقد إستدل أهل السنة على بطلان قول النصارى بإنتقال العلم والحياة الى عيسى عليه السلام بأن المستقبل بالإنتقال لايكون إلا الذات دون الإعراض والصفات صرح بذلك الفاضل التفتازاني في شرح العقائد وغيره في غيره وأيضاً لو كان العلم والنبوة مما يورث لم يكن على وجه الأرض إلا الأنبياء والعلماء إذ الميراث لا يجوز أن يكون لواحد من الورثة دون الآخر فأول خلق الله كان نبياً هو آدم عليه السلام فلو ورث ولده نبوته وعلمه لوجب أن يكون جميع ولد آدم أنبياء وعلماء وكذلك أولاد أولاده الى يوم القيامة ويلزم أيضاً قائل هذا إن يحكم بأن ورثة محمد صلى الله عليه وآله قد ورثوا نبوته فهم الأنبياء فلا يجوز تقديم أبي بكر عليهم وإن صححنا خلافته كما ذكروه في إنكار تجويز تقدم المهدي على عيسى عليهم السلام والعجب من الناصبة إنهم لايثبتون على طريقة واحدة لأنهم إذا قال لهم الإمامية ينبغى أن تكون الخلافة لعلي عليه السلام لئلا يخرج سلطان محمد صلى الله عليه وآله من داره وقعر بيته قالوا هذه سنة هرقلية لا تجتمع النبوة والإمامة في بيت واحد وهاهنا يثبتون مذهبهم الهرقلي ويقولون إن النبي يتولد منه النبي ويرث منه النبوة وأما تفصيلاً فلأنه إن أريد بالكتاب في الآية الأولى الكاغذ مع مافيه من النقوش وما يشتمل عليه من الجلد فهو مال يورث حقيقة وإن أراد به الألفاظ والمعاني فهي أعراض لا تنتقل كما مر فلا يورث.
وأما الآية الثانيه فلأنه لامجال لحمل الآية على إرث النبوة لأن الموالى في قول زكريا عليه السلام في (خفت الموالي من ورائي) هم الذين يرثون المال بالضرورة ولا يورثون النبوة بالإجتماع ولأن الموالي التي يخافوا منهم ماكانوا صالحين للنبوة لأنهم كانوا أشرارا فلا يجعلهم الله أنبياء فالمراد بقوله (خفت الموالي؛ الى آخره) خفت تضييع الموالي مالي وإنفاقهم إياه في معصية الله عز وجل ولأنهم لو كانوا قائلين بها لما كان معنى للخوف من وصول إرث النبوة إليهم وطلب غيرهم لأن نبي الله عالم بأن الله تعالى لا يعطي النبوة إلا لمن يكون أهلاً لها وما ذكره هذا الشيخ الجاهل «إن معنى: خفت الموالي من ورائي. إني خفت أن يضيعوا العلم والدين» فلا معنى له لأنه يمكن تضييع الموالي لعلم زكريا ودينه مع وجود الوارث المرضي كما ضيع الفرقة الهالكة من أمة نبينا صلى الله عليه وآله علمه ودينه، ونبذوا الكتاب وأهملوا عليه قرينه، وبالجملة لا إختصاص للعلم والدين بالولد الوارث كما يقتضي سياق الآية طلب زكريا عليه السلام له بل هو يشتمل جميع أمته عليه السلام فيمكن لغير الولد المرضي تضييع ذلك وكذا حفظ العلم والدين لا يخص الولد بل ربما يحصل ذلك لغيره من المرضيين فلو أراد زكريا عليه السلام طلب من يحفظ العلم والدين عن التحريف ونحوه لقال: إبعث من يحفظ ديني فإني خفت الموالي (الآية) بخلاف المال فأنه يخص أرثه بالولد عند وجوده دون الموالي من بني العم فإذا وصل الى الولد المرضي حصل الأمن من فساد الموالي السوء له وأما ما ذكره من «أنه لم يحك أحد أنه كان لزكريا مال حتى يطلب ولداً يرثه» ففيه أن من حمل الأرث على حقيقة من أرث المال حكي ذلك مع أن عدم الحكاية لايقتضي حكاية العدم فأفهم وأما ما ذكره من «أن مقام النبي صلى الله عليه وسلم يأبي طلب ذلك؛ الى آخره» فيرد عليه إنا قد ذكرنا أن الموالي كانوا مفسدين اشراراً خاف عليه السلام صرفهم لماله في معصية الله عز وجل فليس في طلب الوارث المرضي لدفع هذه المفسدة ما ذكره هذا الشيخ المفسد من مفسدة قصد حرمان العصبة ولاغيرها فهو في حكمه بأن من طلب الولد لغير ذلك كان ملوماً مذموماً ملوم مذموم مدحور، على مر الدهور.



_____________
(1) بما كانت تلك النسختين اللتين عندي من الكتاب الحاضر «الصوارم المهرقة في رد الصواعق المحرقة» ملحونتين مشوشتين كنت في غالب الموارد اصحح متن الصواعق، المدرج في تضاعيف الصوارم، عن نسخة الصواعق المطبوعة بمصر سنة 1312 بمطبعة أحمد البابي الحلبي وجارياً على عادتي هذه، صححت العبارة المنقولة عن الصواعق في ص 140 ـ 141 من الكتاب الحاضر لي إن عبارة نسخة الصواعق التي كانت عند القاضي قدس سره كانت مغايرة لعبارة النسخة المطبوعة فاجبا ره عن كلام إبن حجر بما يلائم النسخة الملحونة التي كانت عنده ن الصواعق فصار الأمر سبب ظهور عدم التلائم هنا بين كلام إبن حجر وجواب القاضي عنه في موضعين:
(2) هذه العبارة الى آخرها أعني قوله: «لايقال» الى قوله:«كبقية الصحابة» ليست في النسخة المطبوعة من الصواعق في هذا الموضع والحال إن موضوعها هنا كما ترى فكأنما سقطت سهواً أو أسقطوها عمداً إذ من البعيد جداً أن تذكر في هذا الموضع منه فتأمل حتى تجد سره إنشاء الله تعالى
(3) في المناقب لإبن شهر آشوب ص 175ج 2 من النسخة المطبوعة في ايران سنة 1317عند ذكر وفاة الحس عليه السلام «قال إبن عباس فاقبلت عائشة في اربعين راكباً على بغل مرحل وهي تقول: مالي ولكم ؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لاأهوى ولا أحب. فقال إبن عباس بعد كلام «وبغلت ولو عشت لفيلت»
(4) يريد به كتابه المعروف الموسوم بإحقاق الحق في نقض إبطال الباطل إذ هو إسم شرحه لنهج الحق للعلامه ره


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page