1 ـ روى المُتَّقي الهندي ، عن إبراهيم التيمي ، قال :
سُئل أبو بكر عن الأبِّ ، ما هو ـ يعني في قوله تعالى ـ : ( وَفَاكِهَةً وَأَبَّاً ) في سورة عَبَسَ ، فقال:
أيُّ سَماء تُظلُّني ؟! وأيُّ أرض تُقلُّني ؟! إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم .
قال : أخرجه أبو عبيدة ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن عيد ( 2 ) .
2 ـ روى ابن سعد ، بسنده عن أنس بن مالك ، قال : كنَّا عند عمر بن الخطاب ، وعليه قميص في ظهره أربع رِقاع ، فقرأ : ( وَفَاكِهَةً وَأَبَّاً ) ، فقال ما الأبّ ؟
ثمَّ قال : إنَّ هذا لهو التكلَّف ، فما عليك أنْ لا تدري ما الأبّ ؟! ( 3 ) .
المؤلِّف : إنَّ الأبّ ، بتشديد الباء ، هو ما رعته الأغنام ، وهو للأغنام كالفاكهة للإنسان .
والعَجب مِن أبي بكر وعمر ، فإنَّهما مِن أهل اللسان ، وكانت تربيتهما في أُناس هم مِن أفصح العرب ، وأعرفهم ، وأبصرهم بلُغاتهم ، وهم أهل مَكَّة ، ومع ذلك لم يَعرِفا معنى الأبّ ، ولم يدريا ما يقولان في تفسيره ، واعتذر الأوَّل ، بأنَّه : أيُّ سماء تُظلُّني ، وأيُّ أرض تُقلُّني ، إذا قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم !
وتخلَّص بهذه الوسيلة والسبب ، عن مذلَّة العجز عن الجواب !
واعتذر الثاني : بأنَّه تكلُّف ( وأعجب مِن ذلك كلِّه ) أنْ اتَّخذهما المسلمون خليفة ، و هما بهذه الصفة مِن قِلَّة العلم ، وبهذه المنزلة مِن الجهل بكتاب الله تعالى ، وتركوا عليَّاً ( عليه السلام ) ، وهو يقول : (
علَّمني ( 4 ) رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ألف باب مِن العلم ، واستنبطت مِن كلِّ باب ألف باب !!
أو سَلوني قبل أنْ تفقدوني ؛ فأنا لا أُسئل عن شيء دون العرش ، إلاّ أخبرتُ عنه ( 5 ) !!
أو سَلوني ؛ فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة ، إلاَّ حدَّثتكم ( 6 ) ، سَلوني عن كتاب الله ؛ فو الله ما مِن آية ، إلاَّ أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، في سهل أم في جبل ( أو والله ما نزلت ) آية إلاَّ وقد علمت فيمَ أنزلت ، وأين أُنزلت ( 7 ) ( أو لا يسألني أحد ) عن آية مِن كتاب الله ، إلاَّ أخبرته ( 8 ) ، أو سلوني قبل أنْ تَفقدوني ؛ فلأنْا أعلم بطُرق السماء مِنِّي بطُرق الأرض ) ( 9 ) .
وقال النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( أنا مدينة العلم وعليٌّ ( عليه السلام ) بابها ) ( 10 ) : ( وأنا دار الحِكمة وعليٌّ ( عليه السلام ) بابها ) ( 11 ) .
وقال الحسن بن علي ( عليه السلام ) ـ بعد ما قتل أمير المؤمنين ـ :
( قد فارقكم رجُل بالأمس ، لم يسبقه الأوَّلون ( 12 ) بعلم ، ولا يُدركه الآخرون بعلم ) .
وقال ابن عباس : لقد أُعطي عليَّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) تسعة أعشار العلم ، وأيْمَ الله ، لقد شارككم في العُشر العاشر ( 13 ) .
وقال معاوية ـ لمَّا بلغه قَتْل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ـ : ذهب الفقه والعلم ، بموت ابن أبي طالب ( 14 ) .
وقال ابن مسعود : إنَّ القرآن أُنزِل على سبعة أحرف ( 15 ) ، ما منها حرف إلاَّ وله ظَهر وبَطن.
وإنَّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) عنده علم الظاهر والباطن ( 16 ) .
وقال الغزالي : قد عَلِم الأوَّلون والآخرون أنَّ فَهْم كتاب الله مُنحصِر إلى علم عليِّ ( عليه السلام ) .
قال : ومَن جَهل ذلك، فقد ضَلَّ عن الباب ، الذي مِن ورائه يَرفع الله عن القلوب الحجاب، حتَّى يتحقَّق اليقين الذي لا يتغيَّر بكشف الغطاء ( 17 ) .
ــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) فيه حديثان .
( 2 ) كنز العمَّال : 1/274ط ـ الهند .
( 3 ) الطبقات الكبرى : 3 القسم الأوَّل /277ط ليدن .
( 4 ) الفخر الرازي ، في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً ... ) ، الآية في أوائل آل عمران ، وكنز العمَّال 6/392ط . الهند ، والثعلبي في قَصص الأنبياء ، في تفسير قوله تعالى : ( إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ... ) ، فراجع .
( 5 ) كنز العمَّال : 6/405ط . حيدر آباد ـ الهند .
( 6 ) كنز العمَّال : 1/228 ، ورواه ابن سعد في طبقاته : 2 القسم الثاني /101 ، ابن حجر في تهذيب التهذيب : 7/337ط حيدر آباد ، دكن . وفي إصابته 4/270 ، وابن عبد البَرّ في الاستيعاب : 2/463 . ط . حيدر آباد ـ الهند .
( 7 ) حلية الأولياء 1/67 ، ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى : 2 القسم الثاني /101 ، وكنز العمَّال : 6/396ط حيدر آباد ـ الهند .
( 8 ) تفسير ابن جرير : 26/116 .
( 9 ) نهج البلاغة .
( 10 ) رواه في مُستدرك الصحيحين ، وتاريخ بغداد ، وأُسد الغابة ، وفيض القدير ، وكنز العمَّال ، وتهذيب التهذيب ، ومجمع الفوائد ، والمُحبُّ الطبري ، وكنوز الحقائق وغيرهم ، وكلٌّ بطُرق عديدة .
( 11 ) رواه في صحيح الترمذي ، وحلية الأولياء ، وفيض القدير ، وتاريخ بغداد وغيرهم وغيرهم .
( 12 ) رواه أحمد بن حنبل ، وأبو نعيم ، وكنز العمَّال ، وغيرهم وغيرهم .
( 13 ) رواه في أُسد الغابة : 4/22 ، وفي الاستيعاب : 2/462 .
( 14 ) رواه في الاستيعاب : 2/463ط الهند .
( 15 ) حلية الأولياء لأبي نعيم : 1/65 .
( 16 ) حلية الأولياء لأبي نعيم : 1/65 .
( 17 ) المنَّاوي في فيض القدير : 3/46 ، ذكره في الشرح عن الغزالي فراجع . الرضوي : راجعنا فيض القدير ، الجزء الثالث الطبعة الثانية ، طبعة دار الفكر بيروت عام 1972م ، وقد حَذف منها قول الغزالي مِن ص54 ـ 55 ، ونقل المؤلِّف مِن الطبعة الأولى منه .
14 ـ باب ( إنَّ أبا بكر وعمر لا يعرِفان معنى قوله تعالى ( وَفَاكِهَةً وَأَبَّاً ) ) ( 1 ) .
- الزيارات: 1408