1 ـ روى البخاري بسنده ، عن سالم عن أبيه ، قال :
بعث النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) خالد بن الوليد ، إلى بني جذيمة ، فدعاهم إلى الإسلام ، فلم يُحسنوا أنْ يقولوا : أسلمنا ؛ فجعلوا يقولون : صبأنا صبأنا ؛ فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ، ودفع إلى كلِّ رجُلٍ منَّا أسيره ، حتَّى إذا كان يوم آخر ، أمر خالد أنْ يقتل كلُّ رجُلٍ مِنَّا أسيره ، فقلت :
والله لا أقتل أسيري ، ولا يقتل رجُلٌ مِن أصحابي أسيره ، حتَّى قَدِمنا على النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ، فذكرناه له ؛ فرفع النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) يده ، فقال :
( اللَّهمَّ إِنِّي أبرأ إِليك مِمَّا صنع خالد ـ مرتين ـ ) ( 2 ) .
وقال ابن حجر بعد مَرَّتين ما لفظه : وفي رواية الباقين ثلاث مَرَّات ، قال : وزاد الباقر [ عليه السلام ] في روايته : ( ثمَّ دعا رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) عليَّاً ، فقال : اخرج إلى هؤلاء القوم ، واجعل أمر الجاهليَّة تحت قدميك ، فخرج حتَّى جاءهم ، ومعه مال فلم يبقَ لهم أحداً إلاَّ ودَّاه ) ( 3 ) .
2 ـ ابن سعد قال : قالوا : لمَّا رجع خالد بن الوليد مِن هدم العزّى ، ورسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) مُقيم بمَكَّة ، بعثه إلى بني جذيمة ؛ داعياً إلى الإسلام ، ولم يبعثه مُقاتلاً ، فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلاً ، مِن المُهاجرين والأَنصار وبني سليم ، فانتهى إليهم خالد ، فقال : ما أنتم ؟
قالوا : مُسلمون ، قد صلَّينا وصدَّقنا بمحمد ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ، وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذَّنـَّا فيها .
قال : فما بالُ السلاح عليكم ؟
فقالوا : إنَّ بيننا وبين قوم مِن العرب عداوة ، فخفنا أنْ تكونوا هم ؛ فأخذنا السلاح .
قال : فضعوا السلاح .
[ قال : ] فوضعوه .
فقال : استأسروا فاستأسر القوم ، فأمر بعضهم فكتف بعضاً ، وفرَّقهم في أصحابه ، فلمَّا كان في السحر نادى خالد : مَن كان معه أسير فليُدافه . والمُدافة الإِجهاز عليه بالسيف .
فأمَّا بنو سليم ، فقتلوا مَن كان في أيديهم ، وأمَّا المُهاجرون والأنصار ، فأرسلوا أُساراهم .
فبلغ النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ما صنع خالد .
فقال : ( اللَّهمَّ إنِّي أبرأ إليك مِمَّا صنع خالد ) .
وبعث علي بن أبي طالب ، فودَّى لهم قتلاهم وما ذهب منهم ، ثمَّ انصرف إلى رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) فأخبره ( 4 ) .
3 ـ روى ابن جرير بسنده ، عن محمد بن إسحاق في قصَّة خالد مع بني جذيمة ، قال : حدَّثني بعض أهل العلم ، عن رجل مِن بني جذيمة ، قال : لمَّا أَمرنا خالد بوضع السلاح ، قال رجل منَّا ، يُقال له جحدم : ويْلَكم يا بني جذيمة ، إنَّه خالد ، والله ما بعد وضع السلاح إلاَّ الإسار ، ثمَّ ما بعد الإِسار إلاَّ ضرب الأعناق . والله ، لا أَضع سلاحي أَبداً .
قال : فأخذه رجال مِن قومه ، فقالوا: يا جحدم ، أتُريد أنْ تسفك دماءنا ، إنَّ الناس قد أسلموا ، ووضعت الحرب ، وأمِنَ الناس . فلم يزالوا به حتَّى نزعوا سلاحه ، ووضع القوم السلاح لقول خالد .
فلمَّا وضعوه أمر بهم خالد عند ذلك فكُتفوا ، ثمَّ عرضهم على السيف ، فقُتل مَن قُتل منهم .
فلمَّا انتهى الخبر إلى رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) رفع يديه إلى السماء ، ثمَّ قال : ( اللَّهمَّ إِنِّي أَبرأ إليك مِمَّا صنع خالد بن الوليد ) .
ثمَّ دعا علي بن أبي طالب ، فقال : ( يا علي ، اخرج إلى هؤلاء القوم ، فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهليَّة تحت قدميك ) .
فخرج حتَّى جاءهم ، ومعه مال قد بعثه رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) به ، فودَّى لهم الدماء ، وما أُصيب مِن الأموال ، حتَّى إنَّه ليدي مِيلَغة ( 5 ) الكلب ، حتَّى إذا لم يبقَ شيء مِن دمٍ ، ولا مال إلاَّ ودَّاه ، بقيت معه بقيَّة مِن المال .
فقال لهم علي ـ حين فرغ منهم ـ : ( هل بقي لكم دمٌ ، أو مال لم يؤدَّ إليكم ؟ ) .
قالوا : لا .
قال : ( فإنِّي أُعطيكم هذه البقيَّة مِن هذا المال ؛احتياطاً لرسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ، مِمَّا لا يعلم ولا تعلمون ) ، ففعل .
ثمَّ رجع إِلى رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) فأخبره الخبر .
فقال : ( أصبت وأحسنت ) .
ثمَّ قام رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) فاستقبل القبلة قائماً ، شاهراً يديه ، حتَّى إنَّه ليُرى بياض ما تحت مِنكبيه ، وهو يقول : ( اللَّهمَّ إنِّي أَبرأ إليك مِمَّا صنع خالد بن الوليد ـ ثلاث مَرَّات ـ ) ( 6 ) .
4 ـ ابن الأثير في ترجمة خالد بن الوليد ، قال : ولمَّا فتح رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) مَكَّة ، بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة ، مِن بني عامر بن لؤي ، فقتل منهم مَن لم يَجز له قتله .
فقال النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) : ( اللَّهمَّ إِنِّي أبرأ إليك مِمَّا صنع خالد ) ، فأَرسل مالاً مع علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فودَّى القتلى ، وأَعطاهم ثمن ما أُخذ منهم ، حتَّى ثمن مِيلَغة الكلب .
وفضل معه فضلة مِن المال ، فقسَّمها فيهم ، فلمَّا أُخبر رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) بذلك استحسنه ، ولمَّا رجع خالد بن الوليد مِن بني جذيمة ، أَنكر عليه عبد الرحمان بن عوف ذلك ، وجرى بينهما كلام ؛ فسبَّ خالد عبد الرحمان بن عوف ، فغضب النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) . ( الحديث ) ( 7 ) .
5 ـ روى المُتَّقي ، عن سلمة بن الأكوع ، قال :
لمَّا قَدِم خالد بن الوليد على النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ، بعدما صنع ببني جذيمة ما صنع ، عاب عبد الرحمان بن عوف على خالد ما صنع .
قال : يا خالد ، أخذت بأمر الجاهليَّة ؟ قتلتهم بعمِّك الفاكه ( 8 ) قاتلك الله .
وأعانه عمر بن الخطاب على خالد .
فقال خالد : أخذتهم بقتل أبيك .
فقال عبد الرحمان : كذبت والله ، لقد قتلتُ قاتل أبي بيدي ، وأشهدت على قتله عثمان بن عفان .
ثمَّ التفت إلى عثمان فقال : أَنشدك الله ، هل علمت أَنِّي قتلت قاتل أبي ؟
فقال عثمان : اللَّهمَّ نعم .
ثم قال عبد الرحمان : ويحك يا خالد ، ولو لم اقتل قاتل أبي ، كنت تقتل قوماً مِن المسلمين بأبي في الجاهلية ؟!
قال : ومَن أخبرك أنَّهم أَسلموا ؟!
فقال : أهل السريَّة ـ كلُّهم ـ يخبرون أنَّك قد وجدتهم قد بنوا المساجد ، وأقرّوا بالإِسلام ، ثمَّ حملتهم على السيف .
قال : جاءني أمر رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) أنْ أغير عليهم ، فأغرت عليهم بأمر رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) .
فقال عبد الرحمان : كذبت على رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) .
وغالظ عبد الرحمان ، وأعرض رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) عن خالد ، وغضب عليه . الحديث .
قال : أخرجه الواقدي وابن عساكر ( 9 ) .
المؤلِّف : وهنا حديث يُناسب ذكره في خاتمة هذا الباب ، وهو ما رواه الطحاوي بسنده ، عن قيس بن أبي حازم ، عن خالد بن الوليد : أنَّ النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) بعثه إِلى أُناس مِن خَثْعَم فاستعصموا بالسجود ، فقتلهم ؛ فودَّاهم النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) بنصف الديَّة . ( الحديث ) ( 10 ) .
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) فيه خمسة أحاديث .
( 2 ) صحيح البخاري حاشية السندي : 3/71 ، باب بعث النبي خالد بن الوليد : 4/104 ، باب رفع الأيدي في الدعاء . صحيح البخاري ط استانبول : 5/107 ، باب بعث النبي خالد بن الوليد إلى بني جذيمة . مُسند أحمد بن حنبل : 2/150 ، عن سالم بن عبد الله ، عن ابن عمر . مُشكل الآثار للطحاوي : 4/254 ط حيدر آباد ـ الهند . ورواه النسائي في صحيحه : 2 ، باب الرَّدِّ على الحاكم إذا قضى بغير الحَقِّ ط المطبعة الميمنيَّة بمصر عام 1312هـ . فتح الباري : 8/47 .
( 3 ) فتح الباري لابن حجر : 8/46 ـ 47ط . عبد الرحمان محمّد بمصر عام 1348 هـ .
( 4 ) الطبقات الكبرى : 2 ، القسم 1/106 ـ 107 . ط ليدن .
( 5 ) الرضوي : مِيلَغة بكسر الميم وفتح اللاّم : الإناء الذي يُسقى فيه الكلب .
( 6 ) تاريخ الطبري : 3/124 ط الحسينيَّة بمصر .
( 7 ) أُسد الغابة في معرفة الصحابة : 2/94 .
( 8 ) الفاكه : هو الرجل المازح ، ويقال للمُعجَب الأشر البطر أيضاً .
( 9 ) كنز العمَّال : 6/420ط حيدر آباد ـ الهند .
( 10 ) مُشكل الآثار : 4/256 . ط حيدر آباد ـ الهند .
1 ـ باب ( في قول النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( اللَّهمَّ إنِّي أبرأ إليك مِمَّا صنع خالد ) وفي غضبه عليه ) ( 1 ) .
- الزيارات: 1357