الأخبار التي روتها العامَّة ، في ضحكه تعالى كثيرة جِدَّاً ، وقد تقدَّم بعضها في باب رؤيته تعالى ، وهكذا الأخبار المُشتملة على وضع قَدَمه على جهنَّم كثيرة أَيضاً ، ونحن نقتصر هنا على ذكر جُملة مِن الطائفتين ، وفيها الكفاية ، فنقول :
1 ـ روى مسلم فيه روايةٍ طويلةٍ ، قال فيها : فضحك ابن مسعود .
فقال : ألا تسألوني مِمَّ أضحك ؟
قالوا: مِمَّ تضحك ؟
قال : هكذا ضَحك رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ، فقالوا : مِمَّا تَضحك يا رسول الله ؟
قال : ( مِن ضِحك ربِّ العالمين ).
2 ـ وروى مسلم ، عن جابر بن عبد الله ، قال فيها : ثمَّ يأتينا ربُّنا بعد ذلك ، فيقول : مَن تنتظرون ؟
فيقولون : ننتظر ربَّنا .
فيقول : أنا ربُّكم .
فيقولون : حتَّى ننظر إليك ، فيتجلَّى لهم يضحك ( 1 ) .
3 ـ روى ابن ماجة بسنده ، عن أبي رزين ، قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) : ( ضَحك ربُّنا مِن قنوط بعض عباده ، وقرب غيره .
قلت : يا رسول الله ، أوَ يَضحك الربُّ ؟!
قال : نعم .
قلت : لنْ نَعدمَ مِن ربٍّ يضحك خيراً ( 1 ) .
4 ـ روى البخاري فيه حديثاً ، عن أنس ، عن النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) قال : ( يُلقي في النار وتقول : هل مِن مَزيد ؟ حتَّى يضع قَدَمه ؛ فتقول قَطْ قَطْ ) .
ثمَّ روى حديثاً عن أبي هريرة ، قال فيه : يُقال لجهنم : هلْ امتلأت ؟ وتقول : هلْ مِن مزيد ؛ فيضع الربُّ تبارك وتعالى قَدمه عليها ؛ فتقول قَطْ قَطْ .
ثمَّ روى عن أبي هريرة أيضاً حديثاً ، قال فيه : فأمَّا النار ، فلا تمتلئ حتَّى يضع رِجْلَه ـ يعني : الله جلَّ وعلا ؛ فتقول : قَطْ قَطْ ، فهنالك تمتلئ ، ويزوي بعضها إلى بعض ( 2 ) .
وقد روى الحديث الأخير ، مسلم ـ أيضاً ـ في صحيحه ، في كتاب الجَنَّة ، باب النار يدخلها الجبَّارون بطُرق عديدة ( 3 ) .
وروى الحديث الأوَّل الترمذي ـ أيضاً ـ في صحيحه : ج2 : ص222 ، باختلاف في اللفظ ، ط بولاق مصر .
5 ـ روى الخطيب الحديث المُتقدِّم في تاريخه ، وقال فيه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( لا تزل جَهنَّم يُلقى فيها ، فتقول هلْ مِن مزيد ؟ حتَّى يضع الجبَّار قَدَمه فيها ؛ فينزوي بعضها في بعض ؛ فتقول : قَطْ قَطْ قَطْ ) ( الحديث ) ( 4 ) .
6 ـ روى البخاري بسنده ، عن أنس بن مالك ، قال :
قال النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) : ( لا تزال جهنَّم تقول : هلْ مِن مزيد ؟ حتَّى يضع ربُّ العِزَّة فيها قَدَمه ؛ فتقول : قَطْ قَطْ وعِزَّتك ، ويزوي بعضها إلى بعض ) ( 5 ) .
وروى في كتاب التوحيد ، في باب قول الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) ، في سورة الذاريات حديثاً قال فيها : ( حتَّى يضع فيها ربُّ العالمين قَدَمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، ثمَّ تقول : قدْ قدْ ) ( 6 ) .
وفي باب قول الله تعالى :
( ... إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) حديثين آخرين في هذا المعنى ( 7 ) .
7 ـ روى الترمذي حديثاً طويلاً ، عن أبي هريرة ، قال فيه :
ويبقى أهل النار ، فيُطرح منهم فيه فوج ، ثمَّ يُقال : هلْ امتلأتِ ؟ تقول : هلْ مِن مزيد .
ثمَّ يُطرح فيها فوج ، فيُقال : هلْ امتلأت ، فتقول : هلْ مِن مزيد ، حتَّى إذا أوعبوا فيها ، وضع الرحمان قَدَمه فيها ، وأَزوى بعضها إلى بعض ، ثمَّ قال : قَطْ ؟ قالت : قَطْ قَطْ ( 8 ) .
المؤلِّف : وأَحاديث هذا الباب مِن الأَباطيل جِدَّاً ؛ فإنَّ الله أعزُّ وأجلُّ مِن أنْ يَضحك ؛ فإنَّ الضحك منشأه العَجَب ، والعَجَب لازمه جَهل المُتعجِّب ، مِن قبل أنْ يطَّلع على الأمر العجيب .
مُضافاً إلى أنَّ الضحك هو انبساط الوجه ، وانفتاح الفمْ على نحو يظهر أَسنان الضاحك ، وترتفع قَهقهته غالباً ، وكلُّ ذلك يستلزم أنْ يكون تعالى جسماً ، كما أنَّ وضع قَدَمه على جَهنَّم ؛ فتقول : قَطْ قَطْ . أو : قَطْ قَطْ قَطْ ، يستلزم ـ أيضاً ـ أنْ يكون جسماً ؛ وقد عَرفتَ بطلان القول : بكونه تعالى جسماً ، في باب إنَّا نرى ربَّنا يوم القيامة ، فلا نُعيد .
والمؤلِّف طاب ثراه ، أورده مِن صحيح الترمذي طبعة بولاق مصر عام 1292هـ . ( الرضوي )
ــــــــــــــــــ
( 1 ) سُنن ابن ماجة : 1/64 ، باب فيما أنكرت الجهميَّة ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي . مُسند أحمد بن حنبل : 4/11 بطُرق .
( 2 ) صحيح البخاري : 6/47ط استانبول . صحيح البخاري بحاشية السندي : 3/192 .
( 3 ) صحيح مسلم : 8/151ط استانبول . صحيح مسلم : 4/2186 ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي .
( 4 ) تاريخ بغداد : 5/127 .
( 5 ) قال البخاري : رواه شعبة عن قتادة .
( 6 ) صحيح البخاري : 4/275 بحاشية السندي . صحيح البخاري : 8/165 ط استانبول ، باب : أنا الرّزاق ذو القوَّة المتين .
( 7 ) صحيح البخاري : 4/289 بحاشية السندي : 8/286 ـ 287 ط استانبول .
( 8 ) راجعنا سُنن الترمذي بتعليق إبراهيم عوض ، كتاب صِفة جهنَّم إلخ ، ولم نعثر على الحديث المذكور .
4 ـ باب ( فيما روته العامَّة في ضحكه تعالى وفي وضع قَدَمه على جهنَّم ) ( * ) .
- الزيارات: 1244