لا خلاف بين اثنين بأن أبا سفيان وأولاده هم الذين قادوا جبهة الشرك وحروبها العدوانية ضد رسول الله وضد رسول الله وضد دينه الإسلام ، وأن أباسفيان واولاده قاوموا رسول الله بكل وسائل المقاومة ، وحاربوه بكل فنون القتال ، ويوم فتح مكة أحيط بهم ، فاستسلموا واضطروا لإعلان إسلامهم فصاروا طلقاء ، بعد موت النبي مباشرة تولى يزيد بن أبي سفيان قيادة الجيش الزاحف لفتح الشام ، ولما مات يزيد خلفه أخوه معاوية ، وترك معاوية والياً لبلاد الشام وهي أخطر ولايات دولة الخلافة مدة عشرين سنة يحكم كأنه ملك بلا رقيب ولا حسيب ويوطد لنفسه ، ثم أصبح خليفة ، لابنه يزيد ، وجاء بعده حفيده معاوية الثاني. فكان التوطيد لأعداء الله مكافأة سخية على عداوتهم وحربهم لرسول الله!!!
والحكم بن العاص كان من ألد أعداء رسول الله ، لعنه رسول الله. [ راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج ٥ ص ٢٤١ وقال رواه أحمد بن حنبل والبزار والطبراني ] وكان هذا معروفاً للعامة والخاصة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٤١ أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال لمروان : « إن رسول الله لعن أباك ». وقال ابن عساكر [ راجع كنز العمال ج ١١ ص ٣٥٨ والحاكم في مستدركه ج ٤ ص ٤٨١ ] أن عبد الله بن الزبير قال وهو يطوف بالكعبة ، ورب هذا البيت الحرام والبلد الحرام أن الحكم بن العاص وولده ملعونين على لسان محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي الدر المنثور قال : أخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان : « سمعت رسول الله يقول لأبيك وجدك أنكم الشجرة الملعونة في القرآن ». لقد نفاه رسول الله لأنه من المرجفين. ومع هذا آلت الخلافة لذرية هذا الملعون يتوارثونها بينهم ، مع أن رسول الله قد حذر المسلمين منه ومن ولده ، ومن جملة تحذيرات الرسول أنه قد قال : « إن هذا ، يعني الحكم ، سيخالف كتاب الله وسنة نبيه وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء ، وبعضكم يومئذ شيعته » ، رواه الدار قطني [ راجع كنز العمال ج ١١ ص ١٦٦ وابن عساكر ج ١١ ص ٣٦ ، والطبراني ج ١١ ص ١٦٧ ].
وقد تواترت الأنباء عن رسول الله التي تؤكد بأن أشد العرب بغضاً لرسول الله وآله هم بنو أمية ، ووقائع التاريخ تؤكد صحة هذه الأنباء فقد ساد الأمويون أعداء الله ، وقاد الهاشميون أولياء الله ، ونتيجة الحروب الطاحنة ، جرى القتل وتكونت الأحقاد الأموية. وربما لهذا السبب صار الأمويون بطانة الخلفاء الأول ثم أصبحوا خلفاء!! فكراهية آل محمد هي الوسيلة العملية للتقدم والوصول إلى السلطة ، وموالاة آل محمد هي معيار وسبب الغربة والعزلة!! إن هذا لأمر عجاب!!
هذا على مستوى الخلافة ، أما على مستوى ولايات الأعمال والأقاليم فنأخذ مثلاً عبد الله بن أبي سرح فهو الذي افترى على الله الكذب ، وهو عدو الله وعدو رسوله لقد أمر الرسول بقتله ولو تعلق بأستار الكعبة ، ويوم فتح مكة أمر الرسول بالبحث عنه وقتله ، فلجأ ابن أبي سرح إلي أخيه في الرضاعة عثمان بن عفان ، فغيبه عثمان وأخفاه ، وفي يوم من الأيام بعد الفتح بفترة جاء به عثمان إلى رسول الله فاستاء منه ، فصمت رسول الله طويلاً ، ثم قال نعم فلما انصرف عثمان قال النبي لمن حوله : ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه! فقال رجل فهلاّ أومأت إلى يا رسول الله؟ فقال النبي : إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة أعين. [ راجع ترجمة ابن أبي سرح في الاستيعاب لابن عبد البر ج ٤ ص ٣٧٨ والأصابة لابن حجر ج ٢ ص ٣٠٩ ، وأسد الغابة ج ٣ ص ١٧٣ ]. وأصبح ابن أبي سرح طليقاً ومن المؤلفة قلوبهم ، الذين كان يعطي لهم سهم من الصدقات لأنهم منافقون وضعاف إيمان وحتى يصرفوا وبعد موت الرسول مباشرة صار عبدالله بن أبي سرح من أصفياء الخلفاء كما وثقنا ، ومن أهل الحل والعقد ، وأسندت إليه إمارة ولاية مصر وهي تاج الولايات الإسلامية ، ومرّ حين من الدهر كان فيه ابن أبي سرح الرجل الثالث في الدولة الإسلامية ، مع أنه الأظلم بنص القرآن ، ومفتر على الله بنص القرآن ومع أنه عدو لله ولرسوله!!
هذا هو فريق القيادة ، وهذه هي الكوادر الفنية التي حلت عرى الإسلام وأسست ورسمت معالم عصر ما بعد النبوة ، فوضعت مناهجها التربوية والتعليمية ، وفرضتها على المسلمين قرابة قرن من الزمان ، خلطوا خلاله الأوراق خلطاً عجيباً فبدّلوا وعدلوا ولم يبق من الإسلام إلا كتاب الله وأهل بيت النبوة ، لمواجهة برامج تربوية وتعليمية قد استقرت في النفوس ، فألغت دور كتاب الله وما وصل إلينا من السنة النبوية وعملت على تجميل أفعال تلك الكوادر ، وإضفاء طابع الشرعية والمشروعية على وقائع التاريخ ، لقد اختلط الحابل بالنابل فلا تدري أيا من أي!!! « فلم يبق من القرآن إلا رسمه ، ولا من الإسلام إلا اسمه ، يسمون به وهم أبعد الناس عنه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود ».
هذا هو وصف رسول الله لواقع الأمة بعد أن حلت عرى الإسلام كلها [ راجع ثواب الأعمال وعقابها ج ٤ ص ٣٠١ ، وجامع الأخبار ص ١٢٩ فقره ٨٨ والبحار ج ٥٢ ص ١٩٠ ، ومنتخب الأثر للرازي ص ٤٢٧ ف ٦ ب ٢ ومعجم الإمام المهدي ج ١ ص ٤٤ ـ ٤٤ ] ، أنت أمام جاهلية حقيقية أكثر شراً من الجاهلية الأولى كما ذكر رسول الله. [ راجع معجم الإمام المهدي ج ١ ص ٤٤ ].
وهكذا حدث كما أخبر به رسول الله ، واقترفت تلك الكوادر كافة ما حذر منه! فقال : قال الرسول يوماً لأصحابة : « إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء ، رواه مسلم وابن ماجة والطبراني. [ راجع كنز العمال ج ٢ ص ١٧٧ ]. قال النووي : أي أن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ، ثم انتشر وظهر ثم سيلحقه النقض والاخلال حتى لا يبقى إلا في قلة وآحاد أيضاً. [ راجع صحيح مسلم بشرح النووي ج ٢ ص ١٧٧ ].
أمثلة حية على هذا الانقلاب
- الزيارات: 940