• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أسماؤها سلام الله عليها

نذكر في الفضل أسماءها سلام الله عليها، مذيلة كل واحدة منها بشرح معناها وتوضيح مغزاها ووجه التسمية بها.
1 ـ فاطمة:
1 ـ عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عز وجل: فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء. ثم قال عليه السلام: أتدري أي شيء تفسير فاطمة؟ قلت: أخبرني يا سيدي. قال: فطمت من الشر، ثم قال: لولا أن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه(1).
2 ـ عن علي بن إبراهيم، عن اليقطيني، عن محمد بن زياد مولى بني هاشم قال: حدثنا شيخ لنا ثقة يقال له نجية بن إسحاق الفزاري قال: حدثنا عبد الله بن الحسن بن حسن قال: قال أبو الحسن عليه السلام: لم سميت فاطمة فاطمة؟ قلت: فرقا بينه وبين الأسماء. قال: إن ذلك لمن الأسماء، ولكن الاسم الذي سميت به، أن الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه، فعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتزوج في الأحياء وأنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله، فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى (فاطمة) لما أخرج منها وجعل في ولدها، ففطمهم ما طمعوا، فبهذا سميت فاطمة (فاطمة)، لأنها فطمت طمعهم ومعنى فطمت: قطعت. بيان: قوله: (فرقا بينه وبين الأسماء) لعله توهم أن هذا الاسم مما لم يسبقها إليه أحد، فلذا سميت به لئلا يشاركها فيه امرأة ممن مضى، فأجاب عليه السلام بأنه كان من الأسماء التي كانوا يسمون بها قبل. قوله تعالى: (إن الله) أي لأن الله(2).
3 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام إنه فال: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) الليلة: فاطمة، والقدر: الله، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر. وإنما سميت (فاطمة) لأن الخلق فطموا عن معرفتها(3).
4 ـ قال النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة: شق الله لك اسما من أسمائه، فهو الفاطر وأنت فاطمة(4).
5 ـ قال علي عليه السلام: إنما سميت فاطمة لأن الله فطم من أحبها عن النار(5).
6 ـ قال النبي صلى الله عليه وآله: إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله فطمها وفطم محبيها عن النار(6).
7 ـ قال الصادق عليه السلام: تدري أي شئ تفسير فاطمة؟ قال: فطمت من الشر. ويقال: إنما سميت فاطمة لأنها فطمت عن الطمث(7).
8 ـ عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لفاطمة عليها السلام وقفة على باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل: مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محبا فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله عز وجل: صدقت يا فاطمة، إني سميتك فاطمة، وفطمت بك من أحبك وأحب ذريتك وتولاهم. من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد ـ الحديث(8).
9 ـ عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله عز وجل إلى ملك فانطق به لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم فسماها فاطمة، ثم قال: إني فطمتك بالعلم، وفطمتك عن الطمث. ثم قال أبو جعفر عليه السلام: والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق.
بيان: (فطمتك بالعلم) أي أرضعتك بالعلم حتى استغنيت وفطمت؛ أو قطعتك عن الجهل بسبب العلم؛ أوجعلت فطامك من اللبن مقرونا بالعلم، كناية عن كونها في بدو فطرتها عالمة بالعلوم الربانية. وعلى التقادير كان الفاعل بمعنى المفعول كالدفق بمعنى المدفوق؛ أو يقرأ على بناء التفعيل أي جعلتك قاطعة الناس من الجهل؛ أو المعني: لما فطمها من الجهل فهي تفطم الناس منه. والوجهان الأخيران يشكل إجراؤهما في قوله: (فطمتك عن الطمث) إلا بتكلف، بأن يجعل الطمث كناية عن الأخلاق والأفعال الذميمة، أو يقال فطمتك عن الأدناس الروحانية والجسمانية، فأنت تفطم الناس عن الأدناس المعنوية. وقال أيضا في ذيل حديث: (لم سميت فاطمة؟ قال: لأنها فطمت هي وشيعتها من النار):
بيان: لا يقال: المناسب على ما ذكر في وجه التسمية أن تسمى مفطومة إذ الفطم بمعنى القطع، يقال: فطمت الأم صبيها، وفطمت الرجل عن عادته، وفطمت الحبل. لأنا نقول: كثيرا ما يجئ فاعل بمعنى مفعول، كقولهم: سر كاتم، ومكان عامر، وكما قالوا في قوله تعالى: (عيشة راضية) و(ماء دافق). ويحتمل أن يكون ورد الفطم لازما أيضا.
قال الفيروزآبادي: أفطم السخلة: حان أن تفطم، فإذا فطمت فهي فاطم ومفطومة وفطيم(9)...
وقال المولى محمد علي الأنصاري (ره): وقد تلخص منها (الأخبار) وجوه متعددة لتسميتها عليها السلام بتلك التسمية: مثل فطم نفسها بالعلم، وفطمها عن الشر، وفطمها عن الطمث، وفطم ذريتها وشيعتها من النار، وكذلك فطم من تولاها وأحبها منها، وفطم الأعداء عن طمع الوراثة في الملك، وعن حبها، ونحو ذلك. ولا منافاة بين الأخبار، لأن الفطم معنى يصدق مع كل الوجوه المذكورة؛ واختلاف الأخبار من جهة اختلاف حال الرواة والحضّار من حيث الاستعداد الذاتية، واختلاف المصالح في الأزمنة والأمكنة؛ وكل هذه المعاني مرادة من اللفظ عند التسمية، ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، الذي هو مخالف للقواعد الظاهرية اللفظية، لأن فاطمة مشتقٌ من الفطم بمعنى الفصل، ومنه الفطام في الطفل بمعنى فصله عن اللبن والارتضاع، يقال: فطمت المرضع الرضيع فطماً، من باب ضرب: فصلته عن الرضاع، فهي فاطمة، والصغير فطم بمعنى المفطوم. وأفطم الرجل: دخل في وقت الفطام، مثل أحصد الزرع: إذا حان حصاده. وفطمت الحبل: قطعته. وفطمت الرجل عن عادته: إذا منعته عنها. وليس الفطم مخصوصا بالفصل عن اللبن وإن كثر استعماله فيه، بل هو مطلق الفصل عن الشئ، ومعنى القطع والمنع راجع إليه أو متفرّع منه، فيكون معنى (فاطمة) فاصلة أو قاطعة أو مانعة، وكلٌّ منها معنى كليٌّ وماهية مطلقة يصدق مع القيود الكثيرة، فسميت من عند الله بها.
ويلزم في تحقق معنى الفصل أن يكون هناك فاصل ومفصول به، مثلاً إذا لم كانت الأم فاطمة لطفلها، فهي فاصلة، والطفل مفصول، واللبن مفصول عنه، والغذاء مفصول به. فيكون معنى فاطمة أنها تفطم نفسها ولو بسبب قابليتها الذاتية عن الجهل بالعلم، وعن الشر بالخير، وعن الطمث بالطهارة عن الحمرة، وتفطم ذريتها وشيعتها ومن تولاها وأحبها من النار بالجنة، وتفطم أعدائها عن طمع الوراثة باليأس عنها، وعن حبها ببغضها. فلوحظ في وجه تسميتها بهذا الاسم وجوه متعددة وهي غير داخلة في مفهوم الاسم حتى توجب تعدد معاني اللفظ، بل هي لحاظات خارجية باعتبارها وقعت التسمية.
مثلا لو كان مجيء زيد من جهة أغراض مختلفة وأسباب متعددة، فقيل: (جاء زيد)، لم يوجب ذلك كون المجيء مستعملا في المعاني المتعددة. نعم لو جعل فاطمة بالنسبة إلى فطم الأعداء أو الأحباء بمعنى كونها ذات فطم من المبني للفاعل ـ كما هو كذلك ـ أي ذات فاطمية، وفي فطمها عن الشر بمعنى ذات فطم من المبني للمفعول أي ذات مفطومية، لزم المحذور المذكور، ولكن على التقرير المسطور لا يلزم ذلك المحذور. ويمكن جعلها بمعنى ذات الفطم مطلقا من باب النسبة فيكون جامدا يستوي فيه المذكر والمؤنث..نعم، يمكن جعل فاطمة في جميع الوجوه بمعنى المفعول، أي المفطومة، من باب الصفة بحال المتعلق بلحاظ المآل والحقيقة؛ أو جعله بمعنى ذات الفطم، من المصدر المبني للفاعل أو المفعول لكن على سبيل القضية الكلية لا الجزئية، كما لا يخفى.
وبالجملة فاختلاف الأخبار في بيان وجه التسمية إشارة إلى عدم انحصاره في شئ؛ أو كون معناها معنى كُليّاً يشمل على وجوه كثيرة، فيحتمل احتمالا ظاهرا أن يكون ملحوظا في وجه التسمية أمور عليحدة أيضا كفطمها عن الأخلاق الرذيلة بالأخلاق الفاضلة، وعن الأحوال الخبيثة بالأحوال الطيبة الزكية، وعن الأفعال القبيحة بالأفعال الحسنة، وعن الظلمانية بالنورانية، وعن السهو والغفلة بالذكر والمعرفة، وعن عدم العصمة بالمعصومية، وبالجملة عن جميع جهات النقيصة بالكمالات العقلانية والباطنية، فيلزم حينئذ أن تكون لها العصمة الكبرى في الدنيا والآخرة والأولى. فتكون حينئذ معصومة تقية نقية ولية صديقة مباركة طاهرة إلى آخر الأسماء المذكورة في الرواية وغير الرواية. وتخصيص أسمائها بالتسعة في الخبر الصادقي عليه السلام إما من جهة اشتمالها من حيث المعنى على سائر الأسماء أيضا؛ أو من جهة صدور التسمية بها من جانب الله سبحانه بلا واسطة كما يشعر به قوله عليه السلام: لفاطمة تسعة أسماء عند الله(10)...
أقول: إن قلت: وما وجه اشتقاق فاطمة من (فطر) مع مغايرة المادة؟ قلت: إن الاشتقاق على ثلاثة أقسام: صغير، وكبير وأكبر. فإذا كان المشتق والفرع مشتملين على حروف الأصل على الترتيب والنسق يسمى اشتقاقا صغيرا، كضرب ونصر، فهما من الضرب والنصر. وإن جمع الفرع حروف الأصل ولكن لم يلحظ فيه الترتيب يسمى بالاشتقاق الكبير، كجذب وجبذ، قال ابن المنظور في (لسان العرب): (جبذ لغة في جذب). وإن لم يشتمل على جميع الأصل ولكن فيه أكثر حروف الأصل يسمى بالاشتقاق الأكبر، كهضم وخضم، ونبع ونيع، وقصم وفصم، وفطم وفطر، كما في هذا الموقف؛ ويكون هذا الاشتقاق دليلا على إنها سلام الله عليها مظهرا للصفات الربوبية.
ثم أقول: هذا الاسم سواء كان من عند الله عز وجل أو بإلهام من الله تعالى كما لاحظت في الأخبار الماضية، لم يكن للعلامة وتمييز المسماة به عن غيرها فحسب، كما في أسامي سائر الناس التي لم تراع المناسبة غالبا بينها وبين الأعيان والذوات، بل في هذا الجعل وهذه التسمية الإلهية حكمة وسر وتناسب عميق بين الاسم والمسماة به. وإنّ مادة (فطم) على أي وجه فرضت فيها فاعلا أو مفعولا، كانت بمعنى القطع والفصل على نحو الإطلاق، ولا يختص بأحد الوجوه السابقة من الشر والطمث والجهل والخطأ وسوء الخلق والحمرة والحيض وما أشبه ذلك، لإنها سلام الله عليها متصفة بجميع المكارم، منفطمة عن جميع العيوب والنقائص، فتناسب الاسم لها ـ فاعلا ـ لكونها سلام الله عليها فطمت نفسها وذريتها وشيعتها من النار وما يوجب الشنار والعار، وتناسبه لها ـ مفعولاً ـ أنها سلام الله عليها مفطومة عن معرفتها الناس،(11) فهو وصف المتعلق. فمن الذي يبلغ معرفتها؟! هيهات! ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العلماء، وحصرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنها، ودرك درجة من سمو رفعتها.
هـــــي قــطب دائرة الوجود ونقطة          لمـــا تــــــــنزلت أكثــــرت كثراتها
هـــي أحــمد الثاني وأحمد عصرها          هـــي عنصر التوحيد في عرصاتها
ومن عرف فاطمة عليها السلام حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر.(12) والتشابه من وجوه: الأول: إن ليلة القدر مجهولة للناس من حيث القدر والمنزلة والعظمة، والناس فطموا وقطعوا عن معرفتها، وكذلك البضعة الأحمدية والجزء المحمدية عليها السلام مجهولة قدرها، مخفية قبرها. والثاني: كما أن ليلة القدر يفرق فيها كل أمر حكيم، كذلك بفاطمة يفرق بين الحق والباطل، والمؤمن والكافر. والثالث: كما صارت ليلة القدر ظرفا لنزول الآيات والسور، فهي سلام الله عليها صارت وعاء للإمامة والمصحف. والرابع: إن ليلة القدر معراج الأنبياء والأولياء، وكذلك ولايتها مرقاة لوصولهم إلى النبوة والرسالة والعظمة(13).
والخامس: إن ليلة القدر منشأ للفيوضات والكمالات، وكذلك التوسل بها وسيلة للخيرات والبركات ودفع البليات.(14) والسادس: إن ليلة القدر خير من ألف شهر، وكذلك هي سلام الله عليها خير نساء الأولين والآخرين، بل إن فاطمة خير أهل الأرض عنصرا وشرفا وكرما.
هـــي مشكاة نور الله جل جلاله          زيـــــتونة عـــم الورى بركاتها
وهي ـ سلام الله عليها ـ كما قال الباقر عليه السلام عنصر الشجرة الطيبة التي هي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفرعها علي عليه السلام(15).
فلاحظ هذا الحديث وتدبر فيه، ثم ارجع البصر كرتين حتى يظهر لك المعارف والحكم وسر (لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما)(16) وسر قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا علي، أنفذ ما أمرتك به الزهراء عليها السلام)(17) وسر قول علي عليه السلام: (يا بقية النبوة)(18)، فوالله لولا فاطمة ما قام بعد النبي صلى الله عليه وآله للدين عمود، ولا اخضر له عود. ولنعم ما قال الأزري (ره): نحن من باري السماوات سر لو كرهنا وجودها ما براها بل بآثارنا ولطف رضانا سطح الأرض والسماء بناها وبأضوائنا التي ليس تخبو حوت الشمس ما حوت من سناها.
ثم إن الأحاديث التي أوردناها من(البحار) أوردها جمع كثير من العامة في كتبهم كصاحب (ينابيع المودة) و(الذخائر العقبى) و(نزهة المجالس) و(مقتل الحسين) و(إحقاق الحق)ج10 و19 نقلا عن مصادر العامة.
ومما ينبغي لفت النظر إليه هو إن المعصومين عليهم السلام يهتمون بهذا الاسم الشريف اهتماما شديدا، ويكرمونه إكراما عظيما، وإذا سمعوا به يبكون ويتأسفون، ويحبون التي سميت به، ويحبون بيتا كان فيه اسم فاطمة، وهم عليهم السلام يتوسلون به. فلاحظ الحديث الذي نقلناه عن أبي جعفر عليه السلام فإنه ذيله بالقسم والتأكيد بقوله: والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق.
وأيضا إنه عليه السلام ـ إذا وعكه الحمى (وقيل وجعها وآلمها) استعان بالماء البارد، ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار: محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال العلامة المجلسي رحمه الله: لعل النداء كان استشفاعا بها صلوات الله عليها للشفاء. قال المحدث القمي: إني أحتمل قويا كما أنه أثر الحمى في جسده اللطيف كذلك أثر كتمان حزنه على أمه المظلومة في قلبه الشريف، فكما إنه يطفي حرارة جسده بالماء، يطفي لوعة وجده بذكر اسم فاطمة سيدة النساء، وذلك مثل ما يظهر من الحزين المهموم من تنفس الـــصعداء، فإن تأثيــــر مصيبتها صلوات الله عليها على قلوب أولادها الأئـــمة الأطــــهار عليهم السلام آلـــم من حز الشفار، وأحـــر من جمرة النار(19).
وعن فضالة بن أيوب، عن السكوني قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم ومكروب، فقال لي: يا سكوني ما غمك؟ فقلت: ولدت لي ابنة، فقال: يا سكوني، على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك. فسري والله عني، فقال: ما سميتها؟ قلت: فاطمة. قال: آه آه آه ثم وضع يده على جبهته ـ إلى أن قال ـ ثم قال: أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها، ولا تلعنها، ولا تضربها(20).
وعن بشار المكاري قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) بالكوفة وقد قدم له طبق رطب طبرزد(21) وهو يأكل، فقال: يا بشار، أدن فكل. فقلت:هناك الله وجعلني فداك، قد أخذتني الغيرة من شئ رأيته في طريقي! أوجع قلبي، وبلغ مني. فقال لي: بحقي لما دنوت فأكلت. قال: فدنوت فأكلت، فقال لي: حديثك، قلت: رأيت جلوازا(22) يضرب رأس امرأة ويسوقها إلى الحبس، وهي تنادي بأعلى صوتها: (المستغاث بالله ورسوله) ولا يغيثها أحد. قال: ولم فعل بها ذلك؟ قال: سمعت الناس يقولون إنها عثرت فقالت: ( لعن الله ظالميك يا فاطمة)، فارتكب منها ما ارتكب.
قال: فقطع الأكل ولم يزل يبكي حتى ابتل منديله ولحيته وصدره بالدموع، ثم قال: يا بشار قم بنا إلى مسجد السهلة فندعو الله عز وجل ونسأله خلاص هذه المرأة. قال: ووجه بعض الشيعة إلى باب السلطان، وتقدم إليه بإن لايبرح إلى أن يأتيه رسوله، فإن حدث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنا. قال: فصرنا إلى مسجد السهلة، وصلى كل منا ركعتين، ثم رفع الصادق عليه السلام يده إلى السماء وقال: أنت الله ـ إلى آخر الدعاء ـ قال: فخر ساجدا لا أسمع منه إلا النفس، ثم رفع رأسه فقال: قم، فقد أطلقت المرأة.
قال: فخرجنا جميعا، فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجهناه إلى باب السلطان،فقال له عليه السلام: ما الخبر؟ قال: قد أطلق عنها. قال: كيف كان إخراجها؟ قال: لا أدري ولكنني كنت واقفا على باب السلطان، إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها: ما الذي تكلمت؟ قالت: عثرت فقلت: (لعن الله ظالميك يا فاطمة)، ففعل بي ما فعل. قال: فأخرج مائتي درهم وقال: خذي هذه واجعلي الأمير في حل؛ فأبت أن تأخذها؛ فلما رأى ذلك منها دخل وأعلم صاحبه بذلك، ثم خرج فقال: انصرفي إلى بيتك؛ فذهبت إلى منزلها.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: أبت أن تأخذ المائتي درهم؟ قال: نعم، وهي والله محتاجة إليها. قال: فأخرج من جيبه صرة فيها سبعة دنانير. وقال: اذهب أنت بهذه إلى منزلها فأقرئها مني السلام، وادفع إليها هذه الدنانير. قال فذهبنا جميعا، فأقرأناها منه السلام، فقالت: بالله أقرأني السلام جعفر بن محمد السلام؟ فقلت لها: رحمك الله، والله إن جعفر بن محمد أقرأك السلام، فشقت جيبها ووقعت مغشية عليها. قال: فصبرنا حتى أفاقت، وقالت: أعدها عليّ، فأعدناها عليها حتى فعلت ذلك ثلاثا، ثم قلنا لها: خذي، هذا ما أرسل به إليك، وأبشري بذلك، فأخذته منا وقالت: سلوه أن يستوهب أمته من الله، فما أعرف أحدا توسل به إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده عليهم السلام.
قال: فرجعنا إلى أبي عبد الله عليه السلام فجعلنا نحدثه بما كان منها، فجعل يبكي ويدعو لها، ثم قلت: ليت شعري متى أرى فرج آل محمد عليهم السلام(23). وعن سليمان الجعفري قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء(24). وأيضا عن موسى بن جعفر، عن أبيه عليهما السلام في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وآله عند قرب وفاته: (ألا إن فاطمة بابها بابي، وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله). قال عيسى (الراوي للحديث): فبكى أبو الحسن عليه السلام طويلا، وقطع بقية كلامه وقال: هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله يا أمه صلوات الله عليها(25).
2 ـ البتول:
قال ابن المنظور: سئل أحمد بن يحيى عن فاطمة رضوان الله عليها بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله: لم قيل لها: البتول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمة عفافا وفضلا ودينا وحسبا. وقيل: لإنقطاعها عن الدنيا إلى الله عز وجل... وقيل: تبتيل خلقها انفراد كل شئ عنها بحسنه لا يتكل بعضه على بعض. قال ابن الأعرابي: المبتلة من الـــنساء: الحسنة الخلق، لا يقصر شئ عــــن شئ، لاتكون حسنة العين ســـمجة الأنف، ولا حــــسنة الأنف وسمجة العين، ولكن تكون تامة(26). وقال ابن الأثير: وامرأة بتول: منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم؛ وبها سميت مريم أم المسيح عليهما السلام. وسميت فاطمة (البتول) لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا. وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى(27). وقال الطريحي: والبتول فاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، قيل: سميت بذلك لانقطاعها إلى الله وعن نساء زمانها فضلا، وعن نساء الأمة فضلا وحسبا ودينا(28).
1 ـ عن النبي صلى الله عليه وآله: سميت فاطمة بتولاً لأنها تبتلت وتقطعت عما هو معتاد العورات في كل شهر، ولأنها ترجع كل ليلة بكرا. وسميت مريم بتولاً لأنها ولدت عيسى بكرا(29).
2ـ وعنه صلى الله عليه وآله: وإنما سميت فاطمة (البتول) لأنها تبتلت من الحيض والنفاس(30).
3 ـ عن علي عليه السلام قال: إن النبي صلى الله عليه وآله سئل: ما البتول؟ فإنا سمعناك يا رسول الله تقول: إن مريم بتول، وفاطمة بتول؟ فقال: البتول التي لن تر حمرة قط، أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء(31).
4 ـ عن عائشة قالت: إذا أقبلت فاطمة كانت مشيتها مشية الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت لا تحيض قط، لأنها خلقت من تفاحة الجنة، ولقد وضعت الحسن بعد العصر، و طهرت من نفاسها، فاغتسلت وصلت المغرب(32).
5 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن ابنتي فاطمة حوراء، إذ لم تحض ولم تطمث(33).
6 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حرم الله النساء على علي ما دامت فاطمة حية، لأنها طاهرة لا تحيض(34).
7 ـ في كتاب (مولد فاطمة عليها السلام) لابن بابويه، يرفعه إلى أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كنت شهدت فاطمة عليها السلام وقد ولدت بعض ولدها فلم أر لها دما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية(35).
8 ـ عن أبي جعفر عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: إنما سميت فاطمة بنت محمد (الطاهرة) لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رفث، وما رأت قط يوما حمرة ولا نفاسا(36).
أقول في علة هذا الاستثناء وكيفيته: لا يخفى أن الله تعالى في عالم الطبيعة سننا وقوانين على نظام العلل والمعاليل والأسباب والشرائط، كما قال الصادق عليه السلام: (أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب، فجعل لكل شئ سببا)(37).
وقال صدر المتألهين(ره): هذه مسألة مهمة لا أهم منها، لأن القول بالعلة والمعلول مبنى جميع المقاصد العلمية، ومبنى علم التوحيد والربوبية والمعاد وعلم الرسالة والإمامة وعلم النفس وما بعدها وما قبلها وعلم التهذيب الأخلاق والسياسات وغير ذلك، وبإنكاره وتمكين الإرادة الجزافية ـ كما هو مذهب أكثر العامة(38)ـ تنهدم قواعد العلم واليقين.
وقال العلامة الشعراني (ره) في توضيح كلامه: مثلا إذا يكن السبب لم يعلم الطبيب أن سوء المزاج يوجب المرض، ,ان الدواء الفلاني يوجب علاجه، وهذا يبطل علم الطب؛ ولم يعلم الزارع أن سقي الماء وضوء الشمس علة لنبات الزرع، وبطل أمر الزراعة، ولم يعلم ما يجب أن يفعل؛ ولم يعلم الصانع أن الحرارة يذيب الفلزات في أي درجة من الحرارة؛ وبطل أيضا علم الدين، إذ لا يعلم أحد أن الصلاة والزكاة وغيرهما أسباب للسعادة في الآخرة، ولم يعلم أن اللطف في الواجب تعالى سبب إرسال الرسل ونصب الأئمة وغير ذلك(39)... فبناءً على ذلك يجب أن تكون لكل حادث مادي علة موجبة، كما أنا إذا رأينا احتراقا نحكم بالضرورة أن هناك نارا أو اصطكاكا أو غير ذلك، ونعلم أيضا أن التناسل والتوالد لا يمكن إلا من انتقال نطفة الرجل إلى رحم المرأة(40) وتطورها إلى أن تصير جنينا، وأن يكون الزوج شابا معتدل المزاج وكذلك المرأة، ولا يكون الزوج شيخا كبيرا، ولاتكون المرأة عجوزا، ولا يبلغ من الكبر عتيا، ولا تكون امرأته عاقرا وهكذا.. نعم، إن نظام العلية والمعلولية والسببية والمسببية قاعدة عامة مطردة في جميع الممكنات لكنها ليست بمثابة أن تجعل يد جاعلها مغلولة إلى عنقه وتمنعه من أن يتصرف في ملكه على نحو آخر، كما حكى القرآن الكريم عن اليهود، بل يداه عز وجل مبسوطتان يتصرف كيف يشاء، وهذه القاعدة المطردة العامة مقهورة لإرادته، خاضعة لمشيئته، كما يستفاد من كلام مولانا علي بن الحسين عليهما السلام فإنه قال: (ذلت لقدرتك الصعاب، وتسببت بلطفك الأسباب)(41).
أو من بعض الأدعية: (يا مسبب الأسباب من غير سبب)، وكذلك توجد في القرآن الكريم طائفة من القصص والوقائع والحوادث لا يساعد عليها جريان العادة المشهورة في عالم الطبيعة على نظام العلة والمعلول المعهودة، كحمل مريم سلام الله عليها، فإنها مع أنه لم تمسسها بشر حملت بولدها عيسى عليه السلام، وكحمل سارة بإسحاق (عليه السلام) مع أنها كانت عجوزا، وكحمل امرأة زكريا بيحيى مع أنها كانت عاقرا، وأمثال ذلك في المعجزات وخوارق العادات التي يثبتها القرآن لعدة من الأنبياء الكرام كمعجزات نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، فإن كل ذلك أمور خارقة للعادة(42).
فبعد هذا البيان يظهر للقارئ الكريم بطلان ما يقال: إن الحيض في النساء من لوازم الخلقة، فخلو المرأة عنه نقص، وإن العادة الشهرية علامة وسبب للولادة؛ لأنا نقول: ليس الخروج من مضايق الطبيعة نقصا بل ربما يكون كرامة يا لها من كرامة! على أن الحيض بنفسه قذارة ورجس، كما قال الله عز وجل ( قل هو أذى)(43) أي قذارة يتأذى منها، فإن المرأة حين حدثت لها العادة الشهرية تنفعل وتخجل وتنكسر ولا ترضى أن تصرح بها لكل أحد وإن كان أمس الناس إليها من الرجال والنساء، وقد تحدث فيها ضعف، ومن ذلك سقطت عنها في هذه الأيام الصلاة والصوم، وحرم عليها اللبث في المساجد، وغير ذلك من الأحكام المذكورة في كتب الفقه، حتى حين حاضت صارت ناقصة الإيمان كما نبه عليه الإمام عليه السلام بقوله: (فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن)(44).
فعلى هذا: إن الله عز وجل تفضل على سيدة النساء فاطمة البتول العذراء سلام الله عليها بالولادة الكاملة من دون رؤية هذه القذارة. وهذه فضيلة سامية لها، وتطهير زائد في ذاتها سلام الله عليها. وإن الله عز وجل لا يرضى أن تتلوث سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين بهذه القذارة أو غيرها ظاهرة كانت أو باطنة، كما قال في حقها: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(45)؛ وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا حميراء، إن فاطمة ليست كنساء الآدميين، لا تعتل كما تعتلن(46). ومن أراد التفصيل فليراجع كتابنا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في بحث حول آية التطهير.
3 ـ المباركة:
1 ـ عن عبد الله بن سليمان قال: قرأت في الإنجيل في وصف النبي صلى الله عليه وآله: نكاح النساء، ذو النسل القليل، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة، لا صخب فيه ولا نصب، يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك، لها فرخان مستشهدان.(47)
وقال ابن المنظور: البركة: النماء والزيادة... عن الزجاج: المبارك: ما يأتي من قبله الخير الكثير(48).
نعم إنها سلام الله عليها هي الكوثر، والكوثر: الخير الكثير. قال الرازي في تفسير قوله تعالى: (إن أعطيناك الكوثر): والقول الثالث: الكوثر أولاده قالوا: لأن هذه السورة إنما نزلت رداً على من عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلا يبقون على مر الزمان. فانظر كم قتل من أهل البيت، ثم العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني ـ أمية في الدنيا أحد يعبأ به! ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام والنفس الزكية وأمثالهم(49).
وقال أيضا: إذا حملنا الكوثر على كثرة الأتباع أو كثرة الأولاد وعدم انقطاع النسل كان هذا إخباراً عن الغيب، وقد وقع مطابقا له، فكان معجزا(50).
وقال الآلوسي في تفسير (إن شانئك هو الأبتر): الأبتر الذي لا عقب له حيث لا يبقى منه نسل ولا حسن ذكر، وأما أنت فتبقى ذريتك... عليه دلالة على أن أولاد البنات من الذرية.(51).
أقول: يستفاد من كلامهما أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها وسيلة لكثرة أولاده وبقاء نسله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن ذريتها ذريته وأولادها أولاده، وهذا من أعظم بركاتها سلام الله عليها.
قال العلامة الطباطبائي (ره): إن كثرة ذريته صلى الله عليه وآله وسلم هي المرادة وحدها بالكوثر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو المراد بها الخير الكثير، وكثرة الذرية مرادة في ضمن الخير الكثير، ولولا ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله (إن شانئك هو الأبتر) خاليا من الفائدة. وقد استفاضت الروايات أن السورة إنما نزلت فيمن عابه صلى الله عليه وآله وسلم بالأبتر بعد ما مات ابنه القاسم وعبد الله، وبذلك يندفع ما قيل: إن مراد الثاني بقوله (أبتر) المنقطع عن قومه أو المنقطع عن الخير، فرد الله عليه بأنه هو المنقطع من كل خير. ولما في قوله(إن أعطيناك) من الامتنان عليه صلى الله عليه وآله وسلم جيء بلفظ المتكلم مع الغير الدال على العظمة، ولما فيه من تطييب نفسه الشريفة أكدت الجملة بإن، وعبر بلفظ الإعطاء الظاهر في التمليك.
وبالجملة لا تخلو من دلالة على أن ولد فاطمة عليها السلام ذريته صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا في نفسه من ملاحم القرآن الكريم، فقد كثر الله تعالى نسله بعده كثرة لا يعادلهم فيها أي نسل آخر، مع ما نزل عليهم من النوائب، وأفنن جموعهم من المقاتل الذريعة(52).
وقال العلامة القزويني: ووجه المناسبة أن الكافر شمت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حين مات أحد أولاده وقال: إن محمداً أبتر، فإن مات مات ذكره. فأنزل الله هذه السورة على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم تسلية له، كأنه تعالى يقول: إن كان ابنك قد مات فإنا أعطيناك فاطمة، وهي وإن كانت واحدة وقليلة ولكن الله سيجعل هذا الواحد كثيرا.
وتصديقا لهذا الكلام ترى في العالم ـ اليوم ـ ذرية فاطمة الزهراء عليها السلام الذين هم ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منتشرين في بقاع العالم، ففي العراق حوالي مليون، وفي إيران حوالي ثلاث ملايين، وفي مصر حوالي خمس ملايين، وفي المغرب الأقصى خمس ملايين، وفي الجزائر وتونس وليبيا عدد كثير، وكذلك في الأردن وسوريا ولبنان والسودان وبلاد الخليج والسعودية ملايين، وفي اليمن والهند وباكستان والأفغان وجزر إندونيسيا حوالي عشرين ملايين، وقل أن تجد في البلاد الإسلامية بلدة ليس فيها من نسل السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ويقدر مجموعهم بخمسة وثلاثين مليونا، ولو أجريت إحصائيات دقيقة وصحيحة فلعل العدد يتجاوز هذا المقدار(53).
أقول: ما استفاده العلامة (ره) وغيره أخبار كثيرة وردت من الفريقين العامة والخاصة، كما روي الحافظ الكنجي الشافعي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه، وإن الله عز وجل جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب).
قلت: رواه الطبراني في معجمه الكبير، في ترجمة الحسن. فإن قيل: لا اتصال لذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلي عليه السلام إلاّ من جهة فاطمة عليها السلام، وأولاد البنات لا تكون ذرية لقول الشاعر:
بــــنونا بــــنو أبـــــنائنا وبناتنا          بــــنوهن أبـــناء الرجال الأباعد
قلت: في التنزيل حجة واضحة تشهد بصحة هذه الدعوى، وهو قوله عز وجل في سورة الأنعام: (ووهبنا له (أي لإبراهيم) إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته (أي ذرية من نوح) داود وسليمان (إلى أن قال) وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس)(54). فعد عيسى عليه السلام من جملة الذرية الذين نسبهم إلى نوح عليه السلام وهو ابن بنت لا اتصال له إلا من جهة أمه مريم. وفي هذا أكد دليل (على) أن أولاد فاطمة عليها السلام ذرية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عقب له إلا من جهتها... وقد قال عطاء ومن شايعه من المفسرين: الهاء من قوله (ومن ذريته) راجعة إلى إبراهيم. ويحصل في هذا فائدة أخرى لطيفة وهو أنه عد من جملة الذرية الذين نسبهم إلى إبراهيم لوطا ولم يكن من صلبه، لأن لوطا ابن أخي إبراهيم، والعرب تجعل العم أبا كما أخبر عز وجل عن ولد يعقوب حيث قال: (نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق)(55) ومعلوم أن إسماعيل عم يعقوب ولكن نزله منزلة الأب، فيحصل من هذا جواز انتساب أولاد علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الإطلاق، لأنه أخوه وهو منه بمنزلة هارون من موسى، كما نسب الله لوطا إلى إبراهيم، ولوط إنما هو ابن أخيه، وكذلك هنا.. ابن حصين عن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: كل بني أنثى فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة، فإني أنا عصبتهم وأنا أبوهم(56).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل: يا فاطمة، ما بعث الله نبيا إلا جعل له ذرية من صلبه، وجعل ذريتي من صلب علي، ولولا علي ما كانت لي ذرية(57).
قال ابن أبي الحديد في ذيل كلام علي عليه السلام: (املكوا عني هذا الغلام لايهدني، فإنني أنفس بهذين ـ يعني الحسن والحسين عليهما السلام ـ على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله صلى الله عليه وآله)(58). فإن قلت: أيجوز أن يقال للحسن والحسين وولدهما: أبناء رسول الله وولد رسول الله وذرية رسول الله ونسل رسول الله؟ قلت: نعم، لأن الله سماهم أبناءه في قوله تعالى: (ندع أبنائنا وأبنائكم)(59)، وإنما عنى الحسن والحسين... وسمى الله تعالى عيسى ذرية إبراهيم في قوله: (ومن ذريته داود وسليمان ـ إلى قال ـ ويحيى وعيسى).
فإن قلت: فما تصنع بقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم(60))؟ قلت: أسألك عن أبوته لإبراهيم بن مارية، فكل ما تجيب به عن ذلك فهو جوابي عن الحسن والحسين عليهما السلام. والجواب الشامل للجميع أنه عنى زيد بن حارثة، لأن على العرب كانت تقول: زيد بن محمد، على عادتهم في تبني العبيد، فأبطل الله ذلك ونهى عن سنة الجاهلية.
قيل لمحمد ابن الحنفية: لم يغرر بك أبوك في الحرب ولم لا يغرر بالحسن والحسين؟ فقال: لأنهما عيناه، وأنا يمينه، وهو يذب عن عينيه بيمينه(61).
وروي الخطيب عن عبد الله بن عباس قال: كنت أنا وأبي العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخل علي بن أبي طالب، فسلم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبش به وقام إليه واعتنقه وقبل بين عينيه وأجلسه عن يمينه، فقال العباس: يا رسول الله، أتحب هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا عم رسول الله، والله لله أشد حبا له مني، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا(62).
جرت مناظرة طويلة بين الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام وبين هارون الرشيد، وفيه قال له هارون: لم جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقولون لكم: يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي؟ وإنما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي عليه السلام جدكم من قبل أمكم! فقلت: يا أمير المؤمنين، لو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله! ولم لا أجيبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك. فقلت لكنه عليه السلام لا يخطب إليَّ ولا أزوجه. فقال: ولم؟ فقلت: لأنه ولدني ولم يلدك. فقال: أحسنت يا موسى.
ثم قال: كيف قلتم: إنا ذرية النبي، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعقب، وإنما العقب للذكر لا للأنثى، وأنتم ولد الابنة ولا يكون لها عقب؟ فقلت: أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفيتني عن هذه المسألة، فقال: أولا تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي، وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم؟ كذا أنهي إلي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، فأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شئ ألف ولا واو إلا وتأويله عندكم، واحتججتم بقوله عز وجل: (ما فرطنا في الكتاب من شئ)(63). وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.
فقلت: تأذن لي في الجواب؟ قال: هات: فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين. وزكريا ويحيى وعيسى)(64)، من أبو عيسى، يا أمير المؤمنين؟ قال: ليس لعيسى أب، فقلت: إنما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم السلام من طريق مريم عليها السلام، وكذلك ألحقنا بذراري النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل أمنا فاطمة عليها السلام.
أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال: هات: قلت: قول الله عز وجل: (فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)(65)، ولم يدع أحد أنه أدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وكان تأويل قوله عز وجل (أبنائنا) الحسن والحسين (ونسائنا) فاطمة (وأنفسنا) علي بن أبي طالب. إن العلماء قد أجمعوا على أن جبرائيل قال يوم أحد: (يا محمد، إن هذه لهي المواساة من علي. قال لأنه مني وأنا منه. فقال جبرائيل: وأنا منكما يا رسول الله. ثم قال: لا سيف إلا ذو الفقار, ولا فتى إلا علي). فكان كما مدح الله عز وجل به خليله عليه السلام إذ يقول: (فتى يذكرهم يقال له إبراهيم)(66)، إنا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرائيل إنه منا. فقال: أحسنت يا موسى ـ الحديث(67).
عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا أبا الجارود، ما يقولون في الحسن والحسين عليهما السلام؟ قلت: ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال فبأي شئ احتججتم عليهم؟ قلت: بقول الله عز وجل في عيسى بن مريم: (ومن ذريته داود وسليمان(إلى قوله) وكذلك نجزي المحسنين)، وجعل عيسى من ذرية إبراهيم، قال: فبأي شئ قالوا لكم؟ قلت: قالوا: قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب. قال: فبأي شئ احتججتم عليهم؟ قال: قلت: احتججنا عليهم بقول الله تعالى: (قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم)، الآية، قال: فبأي شئ قالوا لكم؟ قلت: قالوا: قد يكون في كلام العرب ابني رجل واحد، فيقول: أبنائنا، وإنما هما ابن واحد.
قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: والله يا أبا الجارود لأعطينكها من كتاب الله تسمى لصلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يردها إلا كافر. قال: قلت: جعلت فداك، وأين؟ قال: حيث قال الله: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم (إلى أن ينتهي إلى قوله) وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم)(68)، فسلهم يا أبا الجارود، هل حل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكاح حليلتهما؟ فإن قالوا: نعم، فكذبوا والله وفجروا، وإن قالوا: لا، فهما والله ابناه لصلبه، وما حرمتا عليه إلا للصلب(69).
وعن عامر الشعبي إنه قال: بعث إليَّ الحجاج ذات ليلة، فخشيت، فقمت وتوضأت وأوصيت. ثم دخلت عليه فنظرت فإذا نطع منشور وسيف مسلول. فسلمت عليه، فرد عليَّ السلام فقال: لا تخف، فقد أمنتك الليلة وغدا إلى الظهر. وأجلسني عنده، ثم أشار فأتى برجل مقيد بالكبول والأغلال، فوضعوه بين يديه فقال: إن هذا الشيخ يقول: إن الحسن والحسين كانا ابني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ليأتيني بحجة من القرآن وإلا لأضربن عنقه.
فقلت: يجب أن تحل قيده فإنه إذا احتج فإنه لا محالة يذهب، وإن لم يحتج فإن السيف لا يقطع هذا الحديد. فحلوا قيوده وكبوله، فنظرت فإذا هو سعيد ابن جبير، فحزنت بذلك وقلت: كيف يجد حجة على ذلك من القرآن؟ فقال له الحجاج: ائتني بحجة من القرآن على ما ادعيت وإلا أضرب عنقك. فقال له: انتظر. فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك، فقال: انتظر. فسكت ساعة ثم قال مثل ذلك، فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب (إلى قوله) وكذلك نجزي المحسنين). ثم سكت. وقال للحجاج: اقرأ ما بعده، فقرأ: (وزكريا ويحيى وعيسى)، فقال سعيد: كيف يليق هاهنا عيسى؟ قال: إنه كان من ذريته. قال: إن كان عيسى من ذرية إبراهيم ولم يكن له أب بل كان ابن ابنة فنسب إليه مع بعده، فالحسن والحسين أولى أن ينسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع قربهما منه. فأمر له بعشرة آلاف دينار وأمر بأن يحملوها معه إلى داره، وأذن له في الرجوع.
قال الشعبي: فلما أصبحت قلت في نفسي: قد وجب علي أن آتي هذا الشيخ فأتعلم منه معاني القرآن، لأني كنت أظن أني أعرفها فإذا أنا لا أعرفها. فأتيته فإذا هو في المسجد وتلك الدنانير بين يديه يفرقها عشرا عشرا ويتصدق بها، ثم قال: هذا كله ببركة الحسن والحسين عليهما السلام، لئن كنا أغممنا واحدا لقد أفرحنا ألفا وأرضينا الله ورسوله(70).
4 ـ المحدثة(71):
1 ـ عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنما سميت فاطمة محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين. يا فاطمة، اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين(72). فتحدثهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين(73).
2 ـ عن عبد الله بن الحسن المؤدب عن أحمد بن علي الأصفهاني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن إسماعيل بن بشار قال: حدثنا علي بن جعفرالحضرمي بمصر منذ ثلاثين سنة قال: حدثنا سليمان قال: محمد بن أبي بكر لما قرأ: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي)(74) ولا محدث، قلت: وهل يحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: إن مريم لم ـ تكن نبية وكانت محدثة، وأم موسى بن عمران كانت محدثة ولم تكن نبية، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، ولم تكن نبية، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت محدثة ولم تكن نبية(75).
أقول: إن تحديث الملائكة أناسا من الرجال والنساء في الأمم الماضية وفي هذه الأمة مما هو متفق عليه من العامة والخاصة، قال العلامة الأميني (ره) في كتابه القيم (الغدير)ج5 ص 42: (أصفقت الأمة الإسلامية على أن هذه الأمة لدة الأمم السابقة أناس محدثون(76) ـ على صيغة المفعول ـ وقد أخبر بذلك النبي الأعظم كما ورد في الصحاح واالمسانيد من طرق الفريقين العامة والخاصة، والمحدث من تكلمه الملائكة بلا نبوة ولا رؤية صورة، أو يلهم له ويبقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى، أو ينكت له في قلبه من حقايق تخفى على غيره، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه، فوجود من هذا شأنه من رجالات هذه الأمة مطبق عليه بين فرق الإسلام، بيد أن الخلاف في تشخيصه، فالشيعة ترى عليا أمير المؤمنين وأولاده الأئمة صلوات الله عليهم من المحدثين...) وقال (ره) في ص 49: (إن في هذه الأمة أناس محدثون(77) كما كان في الأمم الماضية، وأمير المؤمنين وأولاده الأئمة الطاهرون علماء محدثون وليسوا بأنبياء. وهذا الوصف ليس من خاصة منصبهم ولا ينحصر بهم بل كانت الصديقة كريمة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم محدثة، وسلمان الفارسي محدثا. نعم كل الأئمة من العترة الطاهرة محدثون، وليس كل محدث بإمام، ومعنى المحدث هو العالم بالأشياء بإحدى الطرق الثلاث المفصلة في الأحاديث(78). هذا ما عند الشيعة ليس إلا. هذا منتهى القول عند الفريقين ونصوصهما في المحدث. وأنت كما ترى لا يوجد أي خلاف بينهما، ولم تشهد الشيعة عن بقية المذاهب الإسلامية في هذا الموضوع بشيء من الشذوذ إلا في عدم عدهم عمر بن الخطاب من المحدثين...
هلم معي نسائل كيذبان الحجاز (عبد الله القصيمي) جرثومة النفاق وبذرة الفساد فبي المجتمع كيف يرى في كتابه (الصراع بين الإسلام والوثنية) أن الأئمة من آل البيت عند الشيعة أنبياء، وأنهم يوحى إليهم، وأن الملائكة تأتي إليهم بالوحي، وأنهم يزعمون لفاطمة وللأئمة من ولدها ما يزعمون للأنبياء)؟!
أقول: وما هذا إلا أفك مفترى(79)،وإنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون(80). ألا وإنهم اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا، واتخذهم له أشراكا، فباض وفرخ في صدورهم،ودب ودرج في حجورهم(81)، إنهم يعلمون أن البضعة الأحمدية والجزء المحمدية ليست أقل شأنا وأدون مقاما من النساء المؤمنات اللاتي يصرح القرآن بأنهن محدثات، كما سبق، فلاحظ طائفة من الآيات التي جاءت في هذا الموقف:
قال الله عزوجل: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين. يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين)(82). وقال تعالى: (وامرأته (زوجة إبراهيم) قائمة فضحكت (أي حاضت) فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد)(83).
وقال تعالى: (واحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم)(84).
قال العلامة المناوي في ذيل حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم أناس محدثون): قال القرطبي: الرواية بفتح الدال، اسم مفعول جمع محدث بالفتح أي ملهم، أو صادق الظن، وهو من ألقي في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى، أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد، أو تكلمه الملائكة بلا نبوة، أو من إذا رأى رأيا أو ظن ظنا أصاب، كأنه حدث به وألقي في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له، وهذه كرامة يكرم الله بها من شاء من صالح عباده، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء(85).
أقول: فنسائل القصيمي ونظراءه: هل كانت مريم سلام الله عليها نبية، وهل كانت أم موسى نبية، وهل كانت سارة زوجة إبراهيم نبية، فكذلك فاطمة الزهراء سلام الله عليها محدثة دون أن تكون نبية.
3 ـ عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تظهر زنادقة سنة ثمانية وعشرين ومائة، وذلك لأني نظرت في مصحف فاطمة، قال: فقلت: وما مصحف فاطمة؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عزوجل، فأرسل اليها ملكا يسلي عنها غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال لها: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي. فأعلمته، فجعل يكتب كل ما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا. قال: ثم قال: أما إنه ليس من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون(86).
4 ـ وفي حديث آخر قال له الراوي: فمصحف فاطمة؟ فسكت طويلاً ثم قال: أنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون، إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوما وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرائيل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام(87).
5 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام، قيل له: إن عبد الله بن الحسن يزعم أنه ليس عنده من العلم إلا ما عند الناس، فقال: صدق والله ما عنده من العلم إلاّ ما عند الناس. ولكن عندنا والله الجامعة فيها الحلال والحرام، وعندنا الجفر، أفيدري عبد الله أمسك بعير أو مسك شاة؟ وعندنا مصحف فاطمة، أما والله ما فيه حرف من القرآن، ولكنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام، كيف يصنع عبد الله إذا جاءه الناس من كل فن يسألونه، أما ترضون أن تكونوا يوم القيامة آخذين بحجزتنا، ونحن آخذون بحجزة نبينا، ونبينا آخذ بحجزة ربه؟!(88).
6 ـ وفي حديث عن أبي عبد الله عليه السلام: ومصحف فاطمة ما أزعم أن فيه قرآنا وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد حتى إن فيه الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش(89).
7 ـ وفي حديث طويل عن أبي عبد الله عليه السلام: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، إنما هو شيء أملاها الله وأوحى إليها. قال: قلت: هذا والله العلم(90).
8 ـ وفي حديث آخر: وخلفت فاطمة مصحفا ما هو قرآن، ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها، إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام(91).
9 ـ عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن مصحف فاطمة، فقال: أنزل عليها بعد موت أبيها. قلت: ففيه شيء من القرآن. فقال: ما فيه شيء من القرآن. قلت: فصفه لي، قال: له دفتان من زبرجدتين على طول الورق، وعرضه حمراوين. قلت: جعلت فداك فصف لي ورقه، قال: ورقه من در أبيض، قيل له: كن فكان. قلت: جعلت فداك فما فيه؟ قال: فيه خبر ما كان وخبر ما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر سماء سماء، وعدد ما في السماوات من الملائكة، وغير ذلك، وعدد كل من خلق الله مرسلا وغير مرسل وأسماؤهم، وأسماء من أرسل إليهم وأسماء من كذّب ومن أجاب، وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين من الأولين والآخرين، وأسماء البلدان، وصفة كل بلد في شرق الأرض وغربها، وعدد ما فيها من المؤمنين، وعدد ما فيها من الكافرين، وصفة كل من كذّب، وصفة القرون الأولى وقصصهم، ومن ولي من الطواغيت ومدة ملكهم وعددهم، وأسماء الأئمة وصفتهم، وما يملك كل واحد واحد، وصفة كبرائهم، وجميع من تردد في الأدوار.
قلت: جعلت فدلك وكم الأدوار؟ قال: خمسون ألف عام، وهي سبعة أدوار، فيه أسماء جميع ما خلق الله وآجالهم، وصفة أهل الجنة، وعدد من يدخلها، وعدد من يدخل النار، وأسماء هؤلاء وهؤلاء، وفيه علم القرآن كما أُنزل، وعلم التوراة كما أُنزلت، وعلم الإنجيل كما أُنزل، وعلم الزبور، وعدد كل شجرة ومدرة في جميع البلاد.
قال أبو جعفر عليه السلام: ولما أراد الله تعالى أن ينزل عليها جبرائيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوه فينزلون به عليها، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل، فهبطوا به وهي قائمة تصلي، فما زالوا قُيّاما حتى قعدت، ولما فرغت من صلاتها سلموا عليها وقالوا: السلام يقرئك السلام؛ ووضعوا المصحف في حجرها، فقالت: لله السلام ومنه السلام وإليه السلام وعليكم يا رسل الله السلام، ثم عرجوا إلى السماء. فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرأه حتى أتت على آخره. ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن و الإنس، والطير والوحش، والأنبياء والملائكة.
قلت: جعلت فداك فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيِّها؟ قال: دفعته إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فلما مضى صار إلى الحسن ثم إلى الحسين عليهما السلام، ثم عند أهله حتى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر. فقلت: إن هذا العلم كثير! قال: يا أبا محمد، إنَّ هذا الذي وصفته لك لفي ورقتين من أوَّله، وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثانية ولا تكلمت بحرف منه(92).
فائدتان:
الأولى: إن ما يستفاد من هذه الأخبار في شأن مصحف فاطمة (سلام الله عليها) وجوه مختلفة:
منها: ما يدل على أن الله تعالى أرسل ملكاً أو يأتيها جبرائيل بعد قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم يحدِّثها عليها السلام ويكتب علي عليه السلام، كما في الحديث الأول والثاني من البحار.
ومنها: ما يدل على أن مصحف فاطمة عليها السلام كان موجوداً في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما لاحظت في حديث (البصائر) بقوله عليه السلام: ولكنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام.
ومنها: ما يدل على أن الله عز وجل أوحى إليها كما لاحظت في الحديث الثالث من (البصائر) بقوله عليه السلام: (إنما هو شيء أملاها الله وأوحى إليها). ويستفاد أيضا أن مصحفها سلام الله عليها يشتمل على جميع الأحكام الشرعية من نصف الجلدة أو جلدة واحدة حتى أرش الخدش، وأن فيه أسماء جميع الناس والكائنات جميعها من الشجر والمدر وغير ذلك كما في حديث (دلائل الإمامة)، وفيه ذكر الحوادث المهمة إلى يوم القيامة. ويستفاد أيضا أنه من مصادر علوم أهل البيت عليهم السلام وكانوا يرجعون إليه.
والثانية: ما يستفاد من المعاجم في معنى المصحف: قال الفيومي في (مصباح المنير): الصحيفة قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه، وإذا نسب إليها قيل: رجل صحفي ـ بفتحتين ـ ومعناه يأخذ العلم منها دون المشايخ... والمصحف بضم الميم أشهر من كسرها. وقال العلامة الطريحي في (مجمع البحرين): والصحيفة قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه، ومن صحيفة فاطمة، روي أن طولها سبعون ذراعا في عرض الأديم، فيها كل ما يحتاج الناس إليه حتى أرش الخدش...
وقال العلامة ابن المنظور في (اللسان): والمصُحف والمصحف: الجامع للصحف المكتوبة بين الدفتين كأنه أُصحف، والكسر والفتح فيه لغة. قال الأزهري: وإنما سمي المصحف مصحفاً لأنه أُصحف، أي جعل جامعاً للصحف المكتوبة بين الدفتين. قال الفراء: يقال: مصحف ومُصحف، كما يقال: مُطرف ومِطرف.
5 ـ الزهراء (سلام الله عليها):
1 ـ في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ثم أظلمت المشارق والمغارب، فشكت الملائكة إلى الله تعالى أن يكشف عنهم تلك الظلمة، فكلم الله جل جلاله كلمة فخلق منها روحا، ثم تكلم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نورا، فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها مقام العرش، فزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة الزهراء، ولذلك سميت (الزهراء) لأن نورها زهرت به السماوات(93) ـ الحديث.
2 ـ وعن سلمان الفارسي (ره) مرفوعا قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد إذ دخل العباس بن عبد المطلب، فسلم، فرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورحب به، فقال: يا رسول الله بما فضل الله علينا أهل البيت علي بن أبي طالب والمعادن واحدة؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذن أخبرك يا عم، إن الله خلقني وخلق علي ولا سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا لوح ولا قلم. فلما أراد الله عز وجل بدو خلقنا تكلم بكلمة فكانت نورا، ثم تكلم بكلمة ثانية فكانت روحا، فمزج فيما بينهما واعتدلا، فخلقني وعلياً منهما. ثم فتق من نوري نور العرش، فأنا أجل من العرش. ثم فتق من نور عليّ نور السماوات، فعلي أجلّ من السماوات ثم فتق من نور الحسن نور الشمس، ومن نور الحسين نور القمر، فهما أجل من الشمس والقمر. وكانت الملائكة تسبح لله تعالى وتقول في تسبيحها: (سبوح قدوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى)!
فلما أراد الله تعالى أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحابا من ظلمة، وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنا. فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأفعلن؛ فخلق نور فاطمة الزهراء عليها السلام يومئذ كالقنديل، وعلقه في قرط العرش، فزهرت السماوات السبع، من أجل ذلك سميت فاطمة (الزهراء). وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه، فقال الله: وعزتي وجلالي، لأجعلن ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها(94)...
3 ـ عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يا ابن رسول الله، لم سميت الزهراء (زهراء)؟ فقال: لأنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فراشهم، فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة، فتبيض حيطانهم، فيعجبون من ذلك، فيأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عما رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها، فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة.
فإذا انتصف النهار وترتبت للصلاة، زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة في حجرات الناس، فتصفر ثيابهم وألوانهم، فيأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عما رأوا، فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة، فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها. فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس، احمر وجه فاطمة، فأشرق وجهها بالحمرة فرحا وشكرا لله عز وجل، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمر حيطانهم، فيعجبون من ذلك ويأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسألونه عن ذلك، فيرسلهم إلى منزل فاطمة، فيرونها جالسة تسبح الله وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة، فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام، فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام(95).
4 ـ عن أبي هاشم العسكري قال: سألت صاحب العسكر عليه السلام: لم سميت فاطمة (الزهراء) عليها السلام؟ فقال: كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدري(96).
5 ـ عن الحسن بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لم سميت فاطمة (الزهراء)؟ قال: لأن لها في الجنة قبة من ياقوت حمراء ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة، معلقة بقدرة الجبار، لا علاقة لها من فوقها فتمسكها، ولا دعامة لها من تحتها فتلزمها، لها مائة ألف باب، على كل باب ألف من الملائكة، يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدري ا لزاهر في أفق السماء، فيقولون: هذه الزهراء لفاطمة(97).
6 ـ عن أبي عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فاطمة لم سميت (زهراء)؟ فقال: لأَنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض(98).
7 ـ عن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء زهراء؟ فقال: لأن الله عز وجل خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها، وغشيت أبصار الملائكة، وخرت الملائكة لله ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيدنا، ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري، وأسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء، وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري، ويهدون إلى حقي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي(99).
قد تبين واتضح من هذه الأخبار والأحاديث أن الوجه في تسميتها بالزهراء (سلام الله عليها) جهات مختلفة يستفاد من بعضها أن نور جمالها ووجهها عليها السلام تزهر وتشرق لأمير المؤمنين عليه السلام في أول النهار كالشمس، وعند الزوال كالقمر، وعند غروب الشمس كالكوكب الدري، ولنعلم ما قال الشاعر:
خــــجلا مـــــن نـــــور بهجتها          تـــــتوارى الشــــمس بــالشفق
وحـــــياء مــــــن شــــــمائـلها          يـــــتغطى الغــــصن بــــالورق
وعن عائشة: كنا نخيط ونغزل وننظم الإبرة في الليل في ضوء وجه فاطمة (عليه السلام). وقالت: إذا أقبلت فاطمة كانت مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت لا تحيض قط لأنها خلقت من تفاحة الجنة، ولقد وضعت الحسن بعد العصر، وطهرت من نفاسها فاغتسلت وصلت المغرب، ولذلك سميت الزهراء(100).
وعن أنس بن مالك قال: سألت أمي عن صفة فاطمة عليها السلام فقالت: كأنها القمر ليلة البدر، أو الشمس كفرت غماما، أو خرجت من السحاب، وكانت بيضاء بضة.
بيان: (كفرت) على البناء للمجهول، أي إن شئت شبهتها بالشمس المستورة بالغمام لسترها وعفافها، أو لإمكان النظر إليها، وإن شئت بالشمس الخارجة من تحت الغمام لنورها ولـــمعانها... والبضاضة: رقــــة اللون وصفاؤه الذي يؤثـــر فيه أدنس شيء(101).
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كانت فاطمة عليها السلام بنت الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشبه الناس وجها وشبها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(102).
وعن الرضا عليه السلام في حديث طويل قال: كانت فاطمة عليها السلام إذا طلع هلال شهر رمضان يغلب نورها الهلال ويخفى، فإذا غابت عنه ظهر(103).
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لما خلق الله آدم وحواء تبخترا في الجنة، فقال آدم لحواء: ما خلق الله خلقا هو أحسن منا. فأوحى الله إلى جبرائيل عليه السلام:ائت بعبدي الفردوس الأعلى. فلما دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك الجنة، وعلى رأسها تاج من نور، وفي أذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من حسن وجهها، فقال آدم: حبيبي جبرائيل! من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها؟ فقال: هذه فاطمة بنت محمد نبي من ولدك يكون في آخر الزمان. قال: فما هذا التاج الذي على رأسها؟ قال: بعلها علي بن أبي طالب عليه السلام... قال: فما القرطان اللذان في أذنيها؟ قال: ولداها الحسن والحسين. قال آدم: حبيبي جبرائيل! أخلقوا قبلي؟ قال: هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تخلق بأربع آلاف سنة(104).
فــــــي الـــذر كــونها الباري وصورها          مـن قبل إيجاد خلق الــــلوح والقــــــلم
وتــــوجت تـــــــاج نـــور حـــوله درر          يضيء كالشمس أو كــــالنجم في الظلم
لله أشـــــباح نــــور طـــالمــــــا سكنوا          ســـــــر الغــــيوب فـسادوا سائر الأمم
قال العلامة المقرم: اشتهرت الصديقة بالزهراء لجمال هيئتها والنور الساطع في غربها، إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر الكوكب لأهل الأرض، وإن حضرت للاستهلال أول الشهر لا يرى نور الهلال لغلبة نور وجهها على ضيائه(105).
أقول: لما بلغ الكلام إلى هذا الموقف جدير بنا أن نشير إلى ملخص ما قاله بعض المعاندين ـ خذله الله وفض فاه وجعل جهنم مثواه ـ في خلقها وجمالها عليها السلام على ما في (الغدير) للعلامة الأميني (ره)، والقائل هو إميل درمنغم مؤلف(حياة محمد)، وهذا بعض كلامه: (كانت فاطمة عابسة دون رقية جمالا، ودون زينب ذكاء. وكانت فاطمة تعد عليا دميما محدودا مع عظيم شجاعته، وكان علي غير بهي الوجه. ومما حدث أن رأى النبي ابنته في بيته ذات مرة وهي تبكي من لكم علي لها. إن محمدا مع امتداحه قدم علي في الإسلام إرضاء لابنته كان قليل الالتفات إليه).
وقال العلامة الأميني في كتابه القيم (الغدير) ج3، ص18، بعد نقل كلام هذا المعاند الكذاب: ( هل تناسب تقولاته في فاطمة مع قول أبيها صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة حوراء إنسية، كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها؟!(106) أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ابنتي فاطمة حوراء آدمية(107). أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة هي الزهرة (108).
أو قول أم أنس بن مالك: كانت فاطمة كالقمر ليلة البدر، أو الشمس كفر غماما إذا خرج من السحاب بيضاء مشربة حمرة، لها شعر أسود، من أشد الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شبها، والله كما قال الشاعر:
بــــيضاء تســـحب من قيام شعرها          وتغيــب فيه وهو جثل أسحم(109)
فـــــكأنها فـــــيــه نــــهار مشــرق          وكأنـــــه لـــيل عــليها مظلم(110)
ولقبها الزهراء المتسالم عليه يكشف عن جلية الحال وهل يساعد تلك التحكمات في ذكاء فاطمة وخلقها قول أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها: كانت فاطمة تحدث في بطن أمها، ولمــــا ولدت فـــوقعت حين وقعت علـــى الأرض ساجدة رافعة إصبعها؟!(111) أو يلائمها قول عائشة: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلاً وهديا وحديثا برسول الله صلى الله علــــيه وآله وسلم في قيامـــــه وقعوده من فاطمة، وكانت إذا دخلت على رسول الله قام إليها فقبلها ورحــــب بها، وأخـــــذ بيدها وأجلسها في مجلسه؟!(112)
م ـ وفي لفظ البيهقي في (السنن) 7، ص101: ما رأيت أحدا أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ الحديث). وهل توافق مخاريقه في الإمام علي صلوات الله عليه، وعدم بهاء وجهه، وعد فاطمة له دميما وكونه عابسا مع ما جاء في جماله البهي: إنه كان حسن الوجه كأنه قمر ليلة البدر، وكأن عنقة إبريق فضة،(113) ضحوك السن،(114) فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم؟!(115)
وأين هي من قول أبي الأسود الدؤلي من أبيات له:
إذا استـــــقبلت وجــــــه أبـي تراب          رأيــــت البــدر حار الناظرينا(116)
نعم:
حســـــدوا الفتى إذا لم ينالوا فضله         فــــــالناس أعـــــــداء له وخصوم
كـــــضرائر الحــسناء قلـن لوجهها          حسدا وبغـــــضا: إنــــــــــه لدميم
أو يخبرك ضميرك الحر في علي ما سلقه الرجل به من (التواني والتردد)؟! وعلي ذلك المتقحم في الأحوال، والضارب في الأوساط والأغراض في المغازي والحروب، وهو الذي كشف الكرب عن وجه رسول الله في كل نازلة وكارسة منذ صدع بالدين الحنيف، إلى أن بات على فراشه وفداه بنفسه، إلى أن سكن مقره الأخير. أليس علي هو ذلك المجاهد الوحيد الذي نزل فيه قوله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله)(117) وقوله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله؟!(118)،(119).
فمتى خلى علي عن مقارعة الرجال والدب عن قدس صاحب الرسالة حتى يصح أن يغرى إليه ثوان أو تردد في أمر من الأمور؟! غير أن القول الباطل لا حد له ولا أمد.
وهل يتصور أمير المؤمنين تلك العشرة السيئة مع حليلته الطاهرة؟! والنبي يقول له: أشبهت خَلقي وخُلقي وأنت من شجرتي التي أنا منها(120).
وكيف يراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل أمته، أعظمهم حلما، وأحسنهم خلقا، ويقول: علي خير أمتي، أعلمهم علماً. وأفضلهم حلما؟!(121)ويقول لفاطمة: أني زوجتك أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علماً وأعظمهم حلما؟!(122).
ويقول لها: زوجتك أقدمهم سلما، وأحسنهم خلقا؟!(123).
يقول هذه كلها وعشرته تلك كانت بمرأى منه ومسمع، أفك الدجالون كان علي عليه السلام كما أخبر به النبي الصادق الأمين. وهل يقبل شعورك ما قذف به الرجل (فض الله فاه) عليا بلكم فاطمة بضعة المصطفى؟ وعلي هو ذاك المقتص أثر الرسول، وملأ مسامعه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة: إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك(124).
وقوله صلى الله عليه وآله وهو آخذ بيدها: من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي بضعة مني، وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني(125). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها(126).
وقوله صلى الله عليه وآله: فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني(127).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة بضعة مني، يقبضني ما يقضبها، ويبسطني ما يبسطها(128).
وهل يقصر امتداح النبي علياً بقدم إسلامه؟! حتى يتفلسف في سره ويكون ذلك إرضاء لابنته، على أنَّ امتداحه بذلك لو كان لتلك التي المزعمة لكان يقتصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قوله لفاطمة في ذلك وكان يتأتى الغرض به، فلماذا كان النبي يأخذ صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي في الملأ الصحابي تارة ويقول: إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة؟ ولماذا كان يخاطب أصحابه أخرى بقوله: أولكم وارداً عليَّ الحوض أولكم إسلاما: علي بن أبي طالب؟!
وكيف خفي هذا السر المختلق على الصحابة الحضور والتابعين لهم بإحسان، فطفقوا يمدحونه عليه السلام بهذه الإثارة كما يروى عن سلمان الفارسي، انس بن مالك، زيد بن أرقم، عبد الله بن عباس، عبد الله بن حجل، هاشم بن عتبة، مالك الأشتر، عبد الله بن هاشم، محمد بن أبي بكر، عمرو بن الحمق، أبو عمرة(129) عدي بن حاتم، أبو رافع(130)، بريدة، جندب بن زهير، أم الخير بنت الحريش.
وهل القول بقلة التفات النبي إلى علي يساعده القرآن الناطق بأنه نفس النبي الطاهر؟! أو جعل مودته أجر رسالته؟!
أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الطير المشوي الصحيح المروي في الصحاح و المسانيد: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي؟!
أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعايشة: إن عليا أحب الرجال إليَّ، وأكرمهم عليَّ، فاعرفي له حقه وأكرمي مثواه؟!(131).
أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:أحب الناس إلي من الرجال علي؟!(132).
أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: علي خير من أتركه بعدي؟!(133).
أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: خير رجالكم علي بن أبي طالب، وخير نساءكم فاطمة بنت محمد؟!(134).
أو قوله صلى الله عليه وآله: علي خير البشر فمن أبي فقد كفر؟!(135).
أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: مَنْ لم يقل علي خير الناس فقد كفر؟!(136).
أو قوله صلى الله عليه وآله في حديث الراية المتفق عليه: لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله؟
أو قوله صلى الله عليه وآله: علي مني بمنزلة الرأس (رأسي) من بدني أو جسدي؟(137) أو قوله صلى الله عليه وآله: علي مني بمنزلتي من ربي؟(138) أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:علي أحبهم إليَّ وأحبهم إلى الله؟(139).
أو قوله صلى الله عليه وآله لعلي: أنا منك وأنت مني. أنت مني وأنا منك؟(140).
أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي؟(141).
أقوله صلى اله عليه واله في حديث البعث بسورة البراءة المجمع على صحته: لا يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه(142).
أو قوله صلى الله عليه واله: لحمك لحمي، ودمك دمي، والحق معك؟(143).
أو قوله صلى الله عليه وآله: ما من نبي إلا وله نظير في أمته، وعلي نظيري؟(144).
أو ما صححه الحاكم وأخرجه الطبراني عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أغضب لم يجترئ أحد أن يكلمه غير علي؟(145).
أو قول عايشة: والله ما رأيت أحدا أحب إلى رسول الله من علي، ولا في الأرض امرأة كانت أحب إليه من امرأته؟(146).
أو قول بريدة وأبي: أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النساء فاطمة، ومن الرجال علي؟!(147)
أو حديث جميع بن عمير قال: دخلت مع عمتي على عايشة فسألت أي الناس أحب إلى رسول الله؟ قالت: فاطمة. فقيل: من الرجال؟ قالت: زوجها، أن كان ما علمت صواما قواما؟(148)
وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقدم الغير على علي في الالتفات إليه وهو أول رجل اختاره الله بعده من أهل الأرض لما اطلع عليهم؟!
كما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة: بقوله إن الله اطلع على أهل الأرض فاختار منه أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار بعلك، فأوحى إليَّ فأنكحته واتخذته وصيا(149).
وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله اختار من أهل الأرض رجلين: أحدهما أبوك والآخر زوجك(150).
الراضية:
إن فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت راضية بما قدر لها من مرارة الدنيا ومشقاتها ومصائبها ونوائيها.
1 ـ أخرج العسكري في المواعظ، وابن مردوية وابن لال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من حملة الإبل، فلما نظر إليها قال: يا فاطمة تعجلي فتجرعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً. فأنزل الله (ولسوف يعطيك ربك فترضى)(151).
2 ـ عن علي بن أعبد قال: قال لي علي رضي الله عنه: ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكانت من أحب أهله إليه؟ قلت: بلى. قال: إنها جرت بالرحى حتى أثر في يدها، واستقت بالقربة حتى أثر في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، وأصابها من ذلك ضر، فأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم خدم، فقلت: لو أتيت أباك فسألته خادما. فأتته فوجدت عنده حدّاثاً، فاستحيت فرجعت، فأتاها من الغد، فقال: ما كان حاجتك؟ فسكتت، فقلت: أحدثك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، جرت عندي بالرحى حتى أثر في يدها، وحملت بالقربة حتى أثر في نحرها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، (و) أوقدت القِدر حتى دكنت ثيابها، فلما جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادما يقيها حر ما هي فيه.
قال: اتقي الله يا فاطمة، وأدي فريضة ربك، واعملي عمل أهلك، إن أخذت مضجعك فسبحي ثلاثا وثلاثين، واحمدي ثلاثا وثلاثين، وكبري أربعا وثلاثين، فتلك مائة، فهي خير لك من خادم.
فقالت: رضيت عن الله وعن رسوله، ولم يخدمها(152).
قال المولى محمد عن الأنصاري شارح الخطبة: وإطلاق الرضية لرضاها عن الله ورسوله حين ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فطلبت منه خادمة وقالت: لا أطيق على شدائد أشغال البيت، فعلمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسبيح فاطمة وبشر لها بثوابه، فقالت ثلاثا: رضيت عن الله ورسوله. فرجعت إلى بيتها فقالت: طلبت من أبي خير الدنيا، فأعطاني خير الآخرة. أو لرضاها عن الله تعالى فيما أعطاها من القرب والمنزلة وطهارة الطينة وغير ذلك من المراتب العالية في الدنيا والبرزخ والآخرة من حيث الجاه والمنزلة والنعمة والشرف والفضيلة، أو لرضاها عنه تعالى. في جعل الشفاعة الكبرى بيدها من الانتقام من قتلة ولدها في الدنيا والآخرة(153).
أقول: إنما الرضا يكون فيما يخالف الهوى، وأما بما يوافقه فهو الشكر. فما ذكره(ره) في الشقين الأخيرين من موارد البشارة والشكر، والصواب ما قاله أولا. وقد قدمنا الحديث في معناه، إلا أن يراد به القناعة والاكتفاء،فالوجهان موجهان.
7 ـ المرضيِّة:
هي المرضية لأن جميع أعمالها وأفعالها مرضية عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، (فرضي الله عنهم ورضوا عنه)(154) آية في شأنها، و(ارجعي إلى ربك راضية مرضية)(155) حديث من عبقريتها سلام الله عليها.
1 ـ عن محمد بن علي، عن أبيه عليهما السلام: إنه ذكر ترويج فاطمة عليها السلام ثم ذكر أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خادما، إلى أن قال: ثم غزا رسول الله ساحل البحر فأصاب سبيا، فقسمه، فأمسك امرأتين أحدهما شابة والآخر امرأة دخلت في السن ليست بشابة، فبعث إلى فاطمة وأخذ بيد المرأة فوضعها بيد فاطمة وقال: يا فاطمة هذه لك. ولا تضربها فإني رأيتها تصلي، وإن جبرائيل نهاني أن أضرب المصلين. وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصيها بها. فلما رأت فاطمة عليها السلام ما يوصيها بها التفتت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: يا رسول الله، علي يوم وعليها يوم. ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبكاء وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته(156)، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم(157).
2 ـ إن سلمان قال: كانت فاطمة جالسة قدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، والحسين عليه السلام في ناحية الدار يتضور من الجوع، فقلت: يا بنت رسول الله دبرت كفاك وهذه فضة! فقالت: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تكون الخدمة لها يوما، فكان أمس يوم خدمتها(158)...
أقول: يعجبني أن أنقل هذا ما ذهب إليه أفلاطون الحكيم في طبقات الناس وما يرى لكل واحدة من الشأن والوظيفة، لتقيس بينه وبين ما مر عليك من تعليم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ابنته المرضية حتى تعلم الأسس التربوية في الإسلام ورقاءها وطموح نظره في شخصية الإنسان. قال محمد فريد وجدي في كتابه (دائرة المعارف) مادة (أفن): قسم أفلاطون الناس إلى ثلاثة أقسام: 1ـ المشرعون أي الفلاسفة، 2 ـ الجنود، 3 ـ الصناع وأهل المهن. أما الأولون فهم المخلوقون للسيادة دون غيرهم، وسماهم الصنف الذهبي. أما الجنود فهم حرس المملكة، وأطلق عليهم الصنف الفضي. وأما الصناع فهم المخلوقون للطاعة العمياء، ودعاهم الصنف الحديدي. أما العبيد فقال عنهم إنهم ماشية الأمة، مثلهم كمثل البهائم السائمة.
ثم قال: نقول: إن الإنسان ليعجب من أن مثل أفلاطون في فضله وعلمه وسمو نظره يعبر الأرقاء كالبهائم السائمة، وهم إخوانه في الإنسانية. أليس هذا يدل على الفرق الشاسع والبون البعيد بين رتبة النبوة ورتبة الفلسفة؟!
8 ـ الطاهرة:
1 ـ عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: إنما سميت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم (الطاهرة) لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رفث، وما رأت قط يوما حمرة ولا نفاسا(159).
2 ـ عن الصادق عليه السلام قال: إن الله حرم النساء على علي ما دامت فاطمة حية، لأنها طاهرة لا تحيض(160).
أقول: أحب أن أشير إلى فائدة عظيمة ودقيقة شريفة، وهي أن أهل البيت عليهم السلام مطهرون نقيون مبرؤون من كل الأرجاس الظاهرية والباطنية، وإن كانوا يعاملون الناس في الظاهر كسائرهم للمصالح والحكم، فلاحظ ما قاله بعض العامة والخاصة في هذا الموقف:
قال ابن أبي الحديد في ذيل كلامه عليه السلام: (لقد قبض وأن رأسه على صدري، ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي)(161)؛ يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاء دما يسيرا وقت موته، وأن علي عليه السلام مسح بذلك الدم وجهه، وقد روي أن أبا طلحة الحجام شرب دمه عليه السلام وهو حي فقال له: إذن لا يجع بطنك(162).
وقال المحقق البحراني (ره) في ذيل تلك الخطبة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاء وقت موته دما يسيـــــرا، وأن عليا عليه الســـــلام مسح بذلك الدم وجهه، ولا ينافي ذلك نجاسة الـــدم لجواز أن يخـــــصص دم الــــرسول صلى الله عليه وآله وسلم(163)...
وقال العلامة الحلي (ره) في أول نكاح (تذكرة الفقهاء) عند عد جملة فضائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنه يتبرك بدمه وبوله، وظاهره الطهارة.
وقال العلامة الخوئي (ره) في ذيل تلك الخطبة: أما طهارة دم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا ريب فيها، كما قال الشاعر:
فــــإن تفـــق الأنـام وأنت فـيهم          فــــإن الـمسك بعض دم الغزال
ويشهد بها آية التطهير(164).
وقال العلامة المغنية في ذيل تلك الخطبة: المراد بنفسه دمه صلى الله عليه وآله وسلم، والنفس في اللغة يطلق على الدم، يقال: دفق نفسه أي دمه(165).
وقال الشيخ محمد عبده: روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاء في مرضه قاء دما يسيرا فتلقى دمه أمير المؤمنين عليه السلام في يده ومسح به وجهه(166).
فعلى ما يستفاد من هؤلاء الأعاظم أن دمه صلى الله عليه وآله وسلم طاهر مطهر وكذلك بوله على ما ذكره العلامة الحلي (ره)، وأما طهارة جسمه الأقدس بعد خروج النفس فهو مسلَّم على ما في الأخبار والآثار.
قال العلامة السيد الأمين (ره): سئل أحد الأئمة أهل البيت عليهم السلام: هل اغتسل علي عليه السلام حين غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند موته؟ فقال: النبي صلى الله عليه وآله طاهر مطهر، ولكن أمير المؤمنين عليه السلام فعل ذلك وجرت السنة بذلك(167).
أقول: ولقد أجاد مفخر الشيعة العلامة بحر العلوم (ره) في (الدرة النجفية):
والســـر فـــي فضـل صلاة المسجد          قبر لمعصــــوم بــه مستــــــشـهد
بقطــــرة مــن دمـــــه مـــــــطهرة         طـــــهره الله لعــــــبـــــد ذكــــــره
والــنص في المعصوم بالغسل ورد          تعـــــبدا بـــالغسل مـع طهر الجسد
ويشهد بطهارته ما جاء في الأخبار أن فاطمة عليها السلام تخضب بدم ولدها الحسين عليه السلام. وقد ورد: أشهد أن دمك سكن في الجنة. ذكر المولى محمد علي الأنصاري (ره) في (اللمعة البيضاء) ص24: ووجه الطهارة في جميع ما ذكر منهم من حيث الحكمة أن منشأ النجاسة ونحوها إنما هو جهة النفسانية، وليس في تلك الأنوار الإسفهبدية جهة النفسانية بالمرة ولو مثقال ذرة. وما ورد قي طهارة أجسادهم الشريفة إنما هو محمول على أجزائها الظاهرية والباطنية من كل حيثية، وإلا فظواهر الأجساد طاهرة من كل مسلم أيضا فلا يكون لهم حينئذ فضل من هذه الجهة.
وقد علل حرمة الدم في الأخبار بكثرة مضاره مثل أنه يمرض البدن، ويغير اللون، ويورث البخر والصفراء والجنون وسوء الخلق والقسوة ونحو ذلك(168)، وإذ ليس في دم المعصوم هذه المفاسد بل صرح باشتماله على المصالح المقابلة، فلا حرمة. وفي مرسل (المناقب) عن عبد الله بن الزبير قال: احتجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذت الدم لأريقه، فلما برزن حسوته، فلما رجعت قال صلى الله عليه وآله وسلم: ما صنعت؟ قلت: جعلته في أخفى مكان، ( وفي رواية أخرى: جعلته في وعاء حريز)، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ألفيك (أي أجدك) شربت الدم. وفي خبر آخر: لا تعد إلى مثله.
وابن شهر آشوب في كتاب (المناقب) عن أم أيمن: وهي كانت جارية ورثها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أبيها فأعتقها وجعلها حاضنة أولاده وقد حلف صلى الله عليه وآله وسلم بأنها من أهل الجنة_قالت: أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا أم أيمن قومي وأهرقي ما في الفخارة_يعني البول_قلت: والله شربت ما فيها وكنت عطشى، قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: إنك لا يجع بطنك. وفي خبر آخر: بعد هذا فلا تعودي.
فيستفاد تقريره لشرب دمه وبوله، وتقرير المعصوم حجة كفعله وقوله، فالظاهر من سكوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعدم نهيه سيما مع ذكر منافعه، الرضا به المستلزم للطهارة، لحرمة شرب النجس وأكله.
وقال في ص32: معنى النجاسة في الشيء ليس إلا وجوب الاحتراز عنه في الصلاة مثلا أو الأكل والشرب ونحو ذلك. ووجوب الاحتراز فيه إما من جهة خباثة في نفسه ذاتا أو صفة، أو من جهة المصالح الخارجية، فدم المعصوم يجب غسله البتة بحسب القواعد الشرعية من جهة المصالح الخارجية، إذ لو بني على عدم غسله مثلا بالحكم بالطهارة لزم الهرج والمرج في الشريعة، فكان يقول بعض الناس بطهارة دم سلمان، وبعضهم بطهارة دم أبي ذر، ومريد العالم بطهارة دمه، ومريد الفلاني كذلك؛ وهذا باب عظيم يدخل منه الشيطان، فيفسد على الناس أحكام الدين والملة...
وأما من حيث الحقيقة فليس في دم المعصوم خباثة بالمرة لا ظاهرية ولا باطنية، بل هو طهر طاهر مطهر من طهر طاهر مطهر في غاية الطهارة، وآية التطهير تدل على حكم المسألة... وأي خبيث يتجاسر أن يقول بخباثة دم المعصوم، وقد مر أن الأنبياء خلقوا من نور أجسامهم اللطيفة، وأجسادهم الشريفة ودمائهم من جملة أجزائهم في عالم الجسمية؛ ولا معنى لطرو النجاسة بالنسبة إلى العقول الصافية، فكيف بما هو أعلى منها مرتبة! فالأنوار اللطيفة. في غاية اللطافة لا تعرضها الخباثة والكثافة.
وقال العلامة الأمني (ره): إن سد الأبواب الشارعة في المسجد كان لتطهيره عن الأدناس الظاهرية والمعنوية، فلا يمر به أحد جنبا، ولا يجنب فيه أحد. وأما ترك بابه صلى الله عليه وآله وسلم وباب أمير المؤمنين عليه السلام فلطهارتهما عن كل رجس ودنس بنص آية التطهير، حتى أن الجنابة لا تحدث فيهما من الخبث المعنوي ما تحدث في غيرهما...
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء وكل جنب من الرجال إلا محمد وأهل بيته: علي وفاطمة والحسن والحسين(169) (صلوات الله عليهم أجمعين). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا لا يحل هذا المسجد لجنب ولا لحائض إلا رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ألا قد بينت لكم الأسماء أن لا تضلوا(170)...
فزبدة المخض من هذه كلها أن إبقاء ذلك الباب والإذن لأهله بما أذن الله لرسوله مما خص به مبتن على نزول آية التطهير النافية عنهم كل نوع من الرجاسة(171)ـ الخ.
وقال العلامة الشيخ السعيد جمال الدين الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني (ره): وروى الصدوق في كتاب (من لا يحضره الفقيه) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلاً أنه قال: (إن فاطمة (صلوات الله عليها) ليست كأحد منكن، إنها لا ترى دماً في حيض ولا نفاس كالحورية...) ولا يخفى ما في هذه الروايات من المنافاة لما سبق في حديث قضاء الحائض للصوم دون الصلاة من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر فاطمة عليها السلام بذلك. ووجه الجمع حمل أمره صلى الله عليه وآله وسلم لها عليها السلام على إرادة تعليم المؤمنات، وهو نوع من التجوز في الخطاب شائع، ولعل المقتضي له في هذا الموضع رعاية خفاء هذه الكرامة كغيرها مما ينافي ظهوره بلاء التكليف(172).
وفي ختام هذا البحث ينبغي أن تلاحظ ما جاء في غسلها ووصيتها عليها السلام قبل الوفاة، وهو أدل دليل وأقوى حجة على أنها كانت طاهرة ميمونة في حياتها وبعد مماتها، ولم تحدث الموت فيها رجاسة ولا دناسة، مع أنك تعلم أنه مما لا خلاف فيه تنجس البدن بعد الموت وبعد خروج النفس عنه(173)، ولأجل ذلك لابد أن يغسل الميت حتى يطهر بدنه وينظف جسمه، إلا أن سيدة النساء عليها السلام أوصت أن لا يكشفها أحد، وأن تدفن بغسلها قبل الوفاة.
روى أحمد في مسنده عن أم سلمى (زوجة أبي رافع) قالت: اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيه، فكنت أمرضها، فأصبحت يوما كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك، قالت: وخرج علي لبعض حاجته، فقالت: يا أمه اسكبي لي غسلا. فسكبت لها غسلا. فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغسل، ثم قالت: يا أمه أعطيني ثيابي الجدد، فأعطيتها، فلبستها، ثم قالت: يا أمه قدي لي فراشي وسط البيت، ففعلت؛ واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها، ثم قالت: يا أمه الآن وقد تطهرت، فلا يكشفني أحد. فقبضت مكانها. قالت: فجاء علي فأخبرته(174).
وهذا الخبر ورد في كتب مختلفة للعامة والخاصة، منها (الإصابة) لابن حجر في ترجمتها عليها السلام، و(حلية الأولياء)ج2، ص43، و(كشف الغمة)ج1، ص502، و(المناقب) لابن شهر آشوب ج3، ص364، و(المستدرك) للمحدث النوري ج1، ص104 في نوادر الغسل.
وقال في (كشف الغمة): واتفاقهما من طرق الشيعة والسنة على نقله مع كون الحكم على خلافه عجيب، فإن الفقهاء من الطرفين لا يجيزون الدفن إلا بعد الغسل إلا في مواضع ليس هذا منه... ولعل هذا أمر يخصها عليها السلام). نعم إنها عليها السلام كأبيها في طهارتها كما تقدم عن الصادق عليه السلام إنه لما سئل: هل اغتسل علي حين غسل رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: النبي طاهر مطهر ولكن اغتسل علي عليه السلام وجرت به السنة.
9 ـ الصدِّيقة:
1 ـ عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث طويل: يا علي، إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك، فأنفذها، فهي الصادقة الصدوقة، ثم ضمها إليه وقبل رأسها، وقال: فداك أبوك يا فاطمة(175).
2 ـ عن مفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من غسل فاطمة عليها السلام؟ قال: ذاك أمير المؤمنين عليه السلام، فكأنما استضقت (استفظعت) ذلك من قوله، فقال لي: كأنك ضقت مما أخبرتك به، فقلت: قد كان ذلك جعلت فداك، فقال: لا تضيقن فإنها صدّيقة لم يكن يغسلها إلا صدّيق، أما مريم لم يغسلها إلا عيسى؟(176) ـ الحديث
3 ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه قال لعلي عليه السلام: أوتيت ثلاثا لم يؤتهن أحد ولا أنا: أوتيت صهرا مثلي ولم أوت أنا مثلي، وأوتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني وأنا منكم(177).
4 ـ عن علي بن جعفر عن أخيه عن أبي الحسن عليه السلام قال: (إن فاطمة عليها السلام صديقة شهيدة). والصديقة فعيلة للمبالغة في الصدق والتصديق، أي كانت كثيرة التصديق لما جاء به أبوها صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت صادقة في جميع أقوالها، مصدقة أقوالها بأفعالها، وهي معنى العصمة، ولا ريب في عصمتها صلوات الله عليها لدخولها في الذين نزلت فيهم آية التطهير بإجماع الخاصة والعامة، والروايات المتواترة من الجانبين(178).
5 ـ قال الصادق عليه السلام: وهي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى(179).
___________
1 - البحار: ج43، ص10.
2 - البحار: ج43، ص13.
3 - البحار: ج43، ص65.
4 - البحار: ج43، ص15.
5 - البحار: ج 43، ص 16.
6 - البحار: ج43، ض16.
7 - البحار: ج43، ص16.
8 - البحار: ج43، ص14 ـ15.
9 - البحار: ج43، ص13 ـ14.
10 - اللمعة البيضاء: ص37 ـ39.
11 - راجع البحار: ج43، ص65.
12 - البحار: ج43، ص65.
13 - ما تكاملت النبوة لنبي حتى أقر بفضلها ومحبتها. (ملتقى البحرين، للمرندي ص39).
14 - راجع فرائد السمطين: ج1، ص38.
15 - راجع مجمع البحرين: مادة شجر.
16 - قد تقدم في أول الكتاب مصدر هذا الحديث.
17 - بحار الأنوار: وصايا النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام).
18 - راجع الصفحة 365 من كتابنا هذا في الخطبة الفدكية.
19 - بيت الأحزان: ص100، ط قم.
20 ـ وسائل الشيعة: ج15، ص200، الباب 87.
21 - نوع من التمر، سمي به لشدة حلاوته تشبيهاً بالسكر الطبرزد.
22 - الجلواز: الشرطي الذي يحف في الذهاب والمجيء بين يدي الأمير.
23 - البحار: ج47، ص379 ـ 381.
24 - سفينة البحار: ج1، ص662.
25 - البحار: ج22، ص477.
26 - لسان العرب: مادة بتل.
27 - النهاية: مادة بتل.
28 - مجمع البحرين: مادة بتل.
29 - إحقاق الحق: ج10، ص25 نقلاً عن العلامة الكشفي الحنفي في (المناقب المرتضوية) ص119.
30 - ينابيع المودة: ص260.
31 - معاني الأخبار: ص64.
32 - أخبار الدول: ص87، ط بغداد، على ما في (إحقاق الحق) ج10، ص244.
33 - ذخائر العقبى: ص26.
34 - البحار: ج43، ص16.
35 - البحار: ج43، ص 7 و 19.
36 - البحار: ج43، ص7 و19.
37 - الكافي: ج1، ص183، باب معرفة الإمام عليه السلام.
38 - يعني الأشاعرة المنكرين للسبب، المجوزين الترجيح من غير مرجح.
39 - راجع هامش شرح المولى صالح (ره) للكافي، ج5، ص168.
40 - وما أشبه ذلك من تلقيح النطفتين خارج الرحم.
41 - الصحيفة السجادية: الدعاء السابع.
42 - لا يخفى أن المعجزة لا تكون خارجة عن نظام العلل، بل لها أسباب غير معهودة عند البشر، وإنها خارقة للعادة لا لأصل العلل. والتفصيل في مظانه. (المصحح)
43 - سورة البقرة: الآية 222.
44 - نهج البلاغة: الخطبة 78.
45 - سورة الأحزاب: الآية 33.
46 - كذا في البحار: ج43، ص16، والصواب (يعتللن) أو (تعتللن).
47 ـ البحار: ج43، ص22.
48 - لسان العرب: مادة برك.
49 - التفسير الكبير: ج32، ص124.
50 - المصدر: ص128.
51 - روح المعاني: ج30، ص247.
52 - الميزان: ج20، ص370 ـ 371.
53 - فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد: ص86 ـ87.
54 - سورة الأنعام: الآيتان 84 ـ85.
55 ـ سورة البقرة: الآية 133.
56 - كفاية الطالب: ص379 ـ 381.
57 - البحار: ج43، ص101.
58 - نهج البلاغة: الخطبة 205.
59 - سورة آل عمران: الآية 61.
60 - سورة الأحزاب: الآية 40.
61 - شرح النهج: ج11، ص26.
62 - تاريخ بغداد: ج1، ص316 ـ317.
63 - سورة الأنعام: الآية 38.
64 - سورة الأنعام: الآية 84.
65 - سورة آل عمران: الآية 61.
66 - سورة الأنبياء: الآية 60.
67 - البحار: ج48، ص127 ـ129.
68 - سورة النساء: الآية 23.
69 - البحار: ج43، ص233.
70 - البحار: 43، ص229.
71 - المحدثة إما بكسر الدال المشددة، ومعناها إنها حدثت أمها في الرحم. أو بفتح الدال ومعناها تحديث الملائكة إياها، كما ورد في الأخبار الكثيرة، والمراد هنا الثاني.
72 - إشارة إلى الآية 42 و43 من سورة آل عمران.
73 - البحار: ج43، ص78.
74 - سورة الحج: الآية 52.
75 - البحار: ج43، ص79.
76 - كذا، والصواب (أناساً محدثين).
77 - كذا، والصواب (أناساً محدثين).
78 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: منا من ينكت في قلبه، ومنا من يقذف في قلبه، ومنا من يخاطب.
79 - سورة سبأ: الآية 43.
80 - سورة النحل: الآية 105.
81 - اقتباس من (نهج البلاغة) الخطبة 7.
82 - سورة آل عمران: الآية 42 ـ43.
83 - سورة هود: الآية 71 ـ73.
84 - القصص، 7. وراجع أيضاً الآية 38 من سورة طه.
85 - فيض القدير: ج4، ص507.
86 - البحار: ج43، ص80.
87 - المصدر، ص79.
88 - بصائر الدرجات: ص151 ـ161. قال العلامة السيد محسن العاملي (ره): لا يخفى أنه قد تكرر نفي أن يكون فيه شيء من القرآن والظاهر أنه لكون تسميته بمصحف فاطمة يوهم أنه أحد نسخ المصاحف الشريفة، فنفى هذا الإبهام. وفي بعض الأحاديث أن فيه وصيتها، ولعلها أحد محتوياته. ثم إن بعضها دال على أنه من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي (عليه السلام). (أعيان الشيعة ج1، ص97).
89 - المصدر نفسه.
90 - المصدر نفسه.
91 - المصدر نفسه.
92 - دلائل الإمامة: للطبري، ص27 ـ28.
93 - البحار: ج40، ص44.
94 - البحار: ج43، ص17.
95 - البحار: ج43، ص11.
96 - البحار: ج43، ص16.
97 - البحار: ج43، ص16.
98 - البحار: ج 43، ص 12.
99 - البحار: ج43، ص12.
100 - إحقاق الحق: ج19، ص16. تقدم أن هذا الوجه هو السبب في تسميتها بالبتول. وقولها: (ولذلك سميت الزهراء) تعليل لقولها: (كنا نخيط...) فلا تغفل.
101 - عوالم المعارف: ج11، ص21 ـ22.
102 - عوالم المعارف: ج11، ص22.
103 - البحار: ج 43، ص 12.
104 - البحار: ج43، ص56 وص52.
105 - وفاة الزهراء: ص15.
106 - تاريخ الخطيب البغدادي: 5، ص86.
107 - الصواعق: ص96، (إسعاف الراغبين) ص172 نقلاً عن النسائي.
108 - نزهة المجالس: 2، ص222.
109 - جثل الشعر: كثر والتف واسود فهو جثل. سحم فهو أسحم: أسود.
110 - مستدرك الحاكم: 3، ص161.
111 - سيرة الملا: (ذخاير العقبى) 45، (نزهة المجالس) 2، ص227.
112 - أخرجه الحافظ ابن حبان كما في (ذخاير العقبى) 40 م ـ والحافظ الترمذي وحسنه، والحافظ العراقي في (التقريب) كما في شرحه له ولابنه، 1، ص150، وابن عبد ربه في (العقد الفريد 2، ص3، وابن طلحة في (مطالب السؤول) ص7، (إسعاف الراغبين) 171.
113 - كتاب (صفين) 262، (الاستيعاب) 2، ص469، (الرياض النضرة) 2، ص155، (نزهة المجالس) 2، ص204.
114 - تهذيب الأسماء واللغات، للإمام النووي.
115 - حلية الأولياء: 1، ص84، (تاريخ ابن عساكر) 7، ص35، (المحاسن والمساوي) 1، ص32.
116 - تذكرة السبط: ص104.
117 - سورة التوبة: الآية 19.
118 - سورة البقرة: الآية 207.
119 - راجع الجزء الثاني من كتابنا ص47، 53 ط ثاني.
120 - تاريخ بغداد: للخطيب، 11، ص171.
121 - الطبري، الخطيب، الدولابي، كما في (كنز العمال) 6، ص153، 392، 398.
122 - مسند أحمد: 5، ص26، (الرياض النضرة) 2، ص194، (ذخاير العقبى) ص78، (مجمع الزوائد) 9، ص101، 114، وصححه ووثق رجاله.
123 - أخرجه أبو الخير الحاكمي كما في (الرياض النضرة) 2، ص182.
124 - مستدرك الحاكم: 3، ص154، وصححه، (ذخاير العقبى) ص39، (تذكرة السبط) 175، (مقتل الخوارزمي)، 1، ص52، (كفاية الطالب) ص219، (شرح المواهب) للرزقاني 3: 20، (كنوز الدقائق) للمناوي ص30، (أخبار الدول) للقرماني هامش (الكامل) 1، ص185، (كنز العمال) 7، ص111 عن الحاكم وابن النجار، (تهذيب التهذيب) 12، ص443، (الإصابة) 4، ص378، (الصواعق) 105، (الإسعاف) 171 عن الطبراني، (ينابيع المودة) 173.
125 - الفصول المهمة: 150، (نزهة المجالس) 2، ص228، (نور الأبصار) ص45.
126 - صحاح البخاري ومسلم والترمذي، (مسند أحمد) 4، ص328، (الخصايص) للنسائي ص35، (الإصابة) 4، ص378.
127 ـ صحيح البخاري: (خصائص النسائي) ص35.
128 - مسند أحمد: 4، ص323،ن 332، (الصواعق) 112.
129 - كذا، والصواب (أبي عمرة، أبي رافع).
130 - كذا، والصواب (أبي عمرة، أبي رافع).
131 - أخرجه الحافظ الخجندي كما في (الرياض) 2، ص161، و(ذخائر العقبى) 62
132 - وفي لفظ: أحب أهلي. من حديث أسامة.
133 - مواقف الإيجي: 3،، ص276، (مجمع الزوائد) 9، ص113.
134 - تاريخ بغداد: للخطيب 4،ن ص392.
135 - تاريخ الخطيب، عن جابر، (كنوز الحقائق) هامش (الجامع الصغير) 2، ص16، (كنز العمال) 6، ص159.
136 - تاريخ الخطيب البغدادي: 3، ص192 عن ابن مسعود (كنز العمال) 6، ص159.
137 - تاريخ الخطيب: 7، ص12، (الرياض النضرة) 2، ص162، (الصواعق) 75.  )الجامع الصغير) للسيوطي، (شرح العزيزي) 2، ص417،ن (فيض القدير) 4، 357، (نور الأبصار) 80، (مصباح الظلام) 2، ص56.
138 - الرياض النضرة: 2، ص163، (السيرة الحلبية) 3، ص391.
139 - تاريخ الخطيب: 1، ص160.
140 - مسند أحمد: 5، ص204، (خصائص النسائي) 36 و51.
141 - مسند أحمد: 5، ص356، وأخرجه جمع من الحفاظ بإسناد صحيح يأتي.
142 - خصائص النسائي: 8، راجع ج1، ص48 من كتابنا.
143 - المحاسن والمساوئ:1، ص31، (كفاية الطالب) ص135، (مناقب الخوارزمي) 76، 83، 87، (فرائد السمطين) في الباب 2 و27.
144 - الرياض النضرة: 2، ص164.
145 - مستدرك الحاكم: 3، ص130، (الصواعق) 73، (تاريخ الخلفاء) للسيوطي 116.
146 - مستدرك الحاكم: 3، ص154 وصححه، (العقد الفريد) 2، ص275، (خصائص النسائي) 29، (الرياض النضرة) 2، ص161.
147 - خصائص النسائي: 29، (مستدرك الحاكم) 3، ص155 صححه هو والذهبي، (جامع الترمذي) 2، ص227.
148 - جامع الترمذي: 2، ص227 ط هند، (مستدرك الحاكم) 3، ص157، وجمع آخر.
149 - أخرجه الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري كما في (إكمال كنز العمال) 6، ص153، وأخرجه الهيثمي في (مجمع الزوائد) 9، ص165 عن علي الهلالي.
150 - المواقف: للإيجي ص8، راجع من كتابنا ج2، ص318 ط2.
151 - الدر المنثور: ج8، ص543 في سورة الضحى.
152 - مسند فاطمة عليها السلام، للحافظ السيوطي، ص110.
153 - اللمعة البيضاء: ص92.
154 - سورة المائدة: الآية 119.
155 - الفجر: الآية 28.
156 ـ سورة الأنعام: الآية 124.
157 ـ سورة آل عمران: الآية 34.
158 - عوالم المعارف: ج11، ص115. ويتضور أي يتلوى من وجع الجوع.
159 - البحار: ج 43، ص 19 و 16.
160 - البحار: ج43، ص19 و16.
161 - نهج البلاغة: الخطبة 195.
162 - شرح النهج: ج10، ص182.
163 - شرح النهج: ج3، ص441.
164 - شرح النهج: ج12، ص240.
165 - شرح النهج: ج3، ص189.
166 - شرح النهج: ج1، ص432.
167 - المجالس السنية: ج5، ص41، والخبر في (البحار) ج22، ص540.
168 - في حديث طويل عن الرضا عليه السلام: وحرمت الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة، ولما أراد الله عز وجل أن يجعل تسميته سبباً للتحليل وفرقاً بين الحلال والحرام. وحرم الله الدم كتحريم الميتة لما فيه من فساد الأبدان، وإنه يورث الماء الأصفر، ويبخر الفم، وينتن الريح ويسيئ الخلق، ويورث قساوة القلب وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه. (وسائل الشيعة، ج16، ص311).
169 - سنن بيهقي: ج7، ص 65.
170 - سنن بيهقي: ج7، ص65.
171 - الغدير: ج3، ص211.
172 - منتقى الجمان: ج1، ص224.
173 - عن محمد بن سنان، عن الرضا عليه السلام كتب إليه في جواب مسائله: علة غسل الميت أنه يغسل لأنه يطهر وينظف من أدناس أمراضه وما أصابه من صنوف علل...) وعنه عليه السلام: إنما أمر بغسل الميت لأنه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة والآفة والأذى. (الوسائل، ج2، ص679).
174 - مسند أحمد: ج6، ص461.
175 - البحار: ج22، ص491.
176 - الوسائل: ج2، ص714ـ 715.
177 - الرياض النضرة: ج2، ص202، على ما في (الغدير) ج2، ص305.
178 - مرآة العقول: ج5، ص315.
179 ـ البحار: ج43، ص105. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page