465/ 1- أبوالمؤيّد موفّق بن أحمد، قال: أخبرني الشيخ الإمام الحافظ أبومنصور بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إليّ من همدان؛
(ح) والشيخ الإمام عبدوس بن محمّد بن عبدوس الهمداني إجازة؛
(ح) والشيخ أبوطالب المفضّل بن محمّد بن طاهر الجعفري في داره بإصفهان في سكّة الخوار؛
حدّثنا الشيخ الحافظ أبوبكر أحمد بن موسى بن مردويه بن نورك الإصفهاني؛
(ح) و محمّد بن أحمد بن سالم، حدّثنا إبراهيم بن أبيطالب النيسابوري؛
(ح) و محمّد بن النعمان بن سبيل حدّثنا يحيى بن أبيروق الهمداني، عن أبيه، عن الضحّاك، عن ابنعبّاس في قوله تعالى: (وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً) (1).
قال: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبيطالب و فاطمة عليهاالسلام ظلا صائمين حتّى إذا كان في الآخر النهار واقترب الإفطار قامت فاطمة عليهاالسلام إلى شيء من الطحين كان عندها، فخبزته قرصاً له، و كان عندها نحى فيه شيء من سمن فأدنت (إلى) القرص شيئاً من السمن ينتظران به إفطارهما، فأقبل مسكين رافعاً صوته ينادي: المسكين الجائع المحتاج، فهتف على بابهم.
فقال علي لفاطمة عليهماالسلام: عندك شيء تعطينه هذا المسكين الجائع المحتاج؟
قالت فاطمة عليهاالسلام: هيّأت قرصاً، و كان في النحى شيء من سمن فجعلته فيه أنتظر به إفطارنا.
فقال عليّ عليهالسلام: آثري بهذا، المسكين الجائع المحتاج.
فقامت فاطمة عليهاالسلام بالقرص مأدوماً، فدفعته إلى المسكين، فجعله المسكين في حضنه، فخرج من عندهما متوجّهاً يأكل من حضن نفسه.
فأقبلت امرأة معها صبيّ صغير ينادي: اليتيم المسكين الّذي لا أب له و لا اُمّ و لا أحد، فلمّا رأت المرأة- الّتي معها اليتيم- المسكين يأكل من حضن نفسه أقبلت باليتيم فقالت: يا عبداللَّه! إطعم هذا اليتيم المسكين ممّا أراك تأكل؟
فقال لها المسكين: لا لعمر اللَّه ما كنت لأطعمك من رزق ساقه اللَّه إليّ، ولكنّى أدّلك على من أطعمني.
فقالت: دلّني عليه.
فقال لها: أهل ذلك البيت الّذي ترين- و أشار إليه من بعيد- فإنّ في ذلك البيت رجلاً وامرأة اطعمانيه.
قالت المرأة: فإنّ الدالّ على الخير كفاعله، فأقبلت باليتيم حتّى وردت بباب عليّ و فاطمة عليهماالسلام و نادت: يا أهل المنزل! أطعموا اليتيم المسكين الّذي لا اُمّ له و لا أب، أطعموه من فضل ما رزقكم اللَّه.
فقال عليّ عليهالسلام لفاطمة عليهاالسلام: عندك شيء؟
قالت: فضل طحين عندي جعلتها حريرة و ليس عندنا شيء غيره، و قد اقترب الإفطار.
فقال لها علي عليهالسلام: آثري به هذا اليتيم، و ما عنداللَّه خير و أبقى.
فقامت فاطمة عليهاالسلام بالقدر بما فيه ففكتها في حضن المرأة.
فخرجت المرأة تطعم الصبيّ اليتيم ممّا في حضنها. فلم تجر بعيداً حتّى أقبل أسير من اُسراء المشركين ينادي: الأسير الغريب الجائع.
فلمّا نظر الأسير إلى المرأة تطعم الصبيّ من حضنها، أقبل إليها و قال: يا أمة اللَّه! أطعميني ممّا أراك تطعمينه هذا الصبيّ؟
قالت المرأة للأسير: لا، لعمر اللَّه ما كنت لأطعمك من رزق رزقه اللَّه هذا اليتيم المسكين، ولكنّي أدلّك على من أطعمني كما دلّني عليه سائل قبلك.
قال لها الأسير: و إنّ الدالّ على الخير كفاعله.
قالت له: ائت أهل ذلك المنزل الّذي ترى، فإنّ فيه رجلاً وامرأة أطعما مسكيناً سائلاً قبل اليتيم.
فانطلق الأسير إلى باب عليّ و فاطمة عليهماالسلام، فهتف بأعلى صوته: يا أهل المنزل! أطعموا الأسير الغريب المسكين من فضل ما رزقكم اللَّه تعالى.
فقال عليّ عليهالسلام لفاطمة عليهاالسلام: أعندك شيء؟
قالت: ما كان عندي طحين فأصبت فضل تميرات، فخلصتهن من النّواة و عصرت النحى فقطّرته على التميرات و دفعت ما كان عندي من فضل الأقطّ، فجعلته حيساً فما فضل عندنا شيء نقطر عليه غيره.
فقال لها عليّ عليهالسلام: آثري به الأسير الغريب المسكين.
فقامت فاطمة عليهاالسلام بذلك الحيس، و دفعته إلى الأسير، وباتا يتزوّدان (1) من الجوع على غير إفطار و لا عشاء و لا سحور، ثمّ أصبحا صائمين حتّى آتاهما تعالى برزقهما عند الليل، و صبرا على الجوع.
فنزل في ذلك: (وَ يُطْعِمونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) على شدّة شهوتهم له (مِسْكيناً) قرص له (وَ يَتيماً) حريرة (وَ أَسيراً) حيساً (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ)
يخبر عن ضميرهما: (لِوَجْهِ اللَّهِ).
يقول: إرادة ما عنداللَّه من الثواب (لا نُريدُ مِنْكُمْ) في الدّنيا (جَزاءً) ثواباً (وَ لا شُكوراً).
يقول: ثناءً تثنون به علينا (إِنّا نَخافُ) يخبر عن ضميرهما (مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبوساً) قال: العبوس؛ يقبض مابين العينين من أهواله و خوفه ()قَمْطَريراً() والقمطرير: الشديد، (فَوَقيهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ) يقول: خوف ذلك اليوم.
(وَ لقَّيهُمْ نَضْرَة) يقول: بهجات الجنّة (وَ سُروراً) يقول: ما يسرّهما من قرّة العين بالجنّة.
(وَ جَزاهُمْ بِما صَبَروا) يقول: و أثابهم بما صبروا أي: على الجوع حتّى آثروا بالطعام لإفطارهم المسكين واليتيم والأسير (جَنَّةً وَ حَريراً- مُتَّكِئينَ فيها عَلَى الأَرائِكِ)، الأسرة من موته (2) بالدرّ والياقوت والزبرجد في حلّتين مضروبة عليها الحجال.
(لا يَرَوْنَ فيها شَمْساً) يؤذيهم حرّها (وَ لا زَمْهَريراً) يقول: لا يؤذيهم برده (وَدانِية) قريبة (عَلَيْهِم ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ) يعني: قربت الثمار منهم (تَذْليلاً) يأكلونها قياماً و قعوداً (مُتَّكِئينَ) يعني: مستلقين على ظهورهم ليس القائم بأقدر عليها من القاعد و ليس القاعد، بأقدر عليها من المتّكئ بأقدر عليها من المستلقي.
(وَ يَطوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) قالوا: مسوّرون بأسورة الذهب والفضّة، و يقال: مخلّدون لم يذوقوا طعم الموت قطّ، إنّما خلقوا لأهل الجنّة (إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ) من بياضهم و حسنهم (لُؤْلُؤاً مَنْثوراً) لكثرتهم، فشبّه بياضهم و حسنهم و شرفهم باللؤلؤ المنثور. (3).
أقول: نقل في (غاية المرام) من طريق العامّة أربعة أحاديث في شأن نزول الآية بحقّ عليّ و فاطمة و الحسنين عليهمالسلام، و أربعة أحاديث من طريق الخاصّة أيضاً في باب الثاني والسّبعون، فراجع.
466/ 2- الطالقاني عن الجلودي، عن الجوهري، عن شعيب بن واقد، عن القاسم بن بهرام، عن ليث، عن مجاهد، عن ابنعبّاس؛
و حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، عن عبدالعزيز بن يحيى الجلودي، عن الحسن بن مهران، عن مسلمة بن خالد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهماالسلام في قوله عزّ و جلّ: (يُوفُونَ بِالنَذْرِ).
قالا: مرض الحسن والحسين عليهماالسلام و هما صبيّان صغيران، فعادهما رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و معه رجلان فقال أحدهما: يا أباالحسن! لو نذرت في ابنيك نذراً أنّ اللَّه عافاهما.
فقال: أصوم ثلاثة أيّام شكراً للَّه عزّ و جلّ، و كذلك قالت فاطمة عليهاالسلام، و قال الصبيّان: و نحن أيضاً نصوم ثلاثة أيّام، و كذلك قالت جاريتهم فضّة.
فألبسهما اللَّه عافية، فأصبحوا صياماً و ليس عندهم طعام، فانطلق علي عليهالسلام إلى جار له من اليهود يقال له: شمعون، يعالج الصوف، فقال: هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك ابنة صلى الله عليه و آله و سلم محمّد بثلاثة اصوع من شعير؟
قال: نعم، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير و أخبر فاطمة عليهاالسلام فقبلت و أطاعت، ثمّ عمدت فغزلت ثلاث المصوف، ثمّ أخذت صاعاً من الشعير فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد قرصاً.
و صلّى عليّ عليهالسلام مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم المغرب، ثمّ أتى منزله، فوضع الخوان و جلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليّ عليهالسلام إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد صلى الله عليه و آله و سلم! أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني ممّا تأكلون، أطعمكم اللَّه على موائد الجنّة.
فوضع اللقمة من يده، ثمّ قال:
فاطم ذات المجد واليقين يا بنت خير النّاس أجمعين
أماترين البائس المسكين جاء إلى الباب له حنين
يشكو إلى اللَّه و يستكين يشكو إلينا جائعاً حزين
كلّ امرىء بكسبه رهين من يفعل الخير يقف سمين
موعده في الجنّة دهين حرّمها اللَّه على الضنين
و صاحب البخل يقف حزين تهوى به النّار إلى سجّين
شرابه الحميم والغسلين
فأقبلت فاطمة عليهاالسلام تقول:
أمرك سمع يابن عمّ! و طاعة مابي من لئوم و لارضاعة
غدّيت باللبّ والبراعة أرجو إذا اشبعت من مجاعة
أن ألحق الأخيار والجماعة وأدخل الجنّة في شفاعة
و عمدت إلى ما كان على الخوان، فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعاً، و أصبحوا صياماً لم يذوقوا إلّا الماء القراح. ثمّ عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثمّ أخذت صاعاً من الشعير و طحنته و عجنته و خبزت منه خمسة أقرصة لكلّ واحد قرصاً.
و صلّى علي المغرب مع النبيّ صلّى اللَّه عليهما، ثمّ أتى منزله، فلمّا وضع الخوان بين يديه و جلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليّ عليهالسلام إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد صلى الله عليه و آله و سلم! أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم اللَّه على موائد الجنّة.
فوضع عليّ عليهالسلام اللقمة من يده، ثمّ قال:
فاطم بنت السيّد الكريم بنت نبيّ ليس بالزنيم
قد جاءنا اللَّه بذا اليتيم من يرحم اليوم هو الرحيم
موعده في الجنّة النعيم حرّمها اللَّه على اللئيم
و صاحب البخل يقف ذميم تهوى به النّار إلى الجحيم
شرابه الصديد والحميم
فأقبلت فاطمة عليهاالسلام و هي تقول:
فسوف أعطيه و لا اُبالي و اُوثر اللَّه على عيالي
أمسوا جياعاً وهم أشبالي أصغرهم يقتل في القتال
بكربلا يقتل باغتيال لقاتليه الويل مع وبال
يهوى به النّار إلى سفال كبوله زادت على الأكبال
ثمّ عمدت فأعطته عليهاالسلام جميع ما على الخوان، و باتوا جياعاً لم يذوقوا إلّا الماء القراح، و أصبحوا صياماً، و عمدت فاطمة عليهاالسلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف و طحنت الصاع الباقي، و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد قرصاً.
و صلّى علي عليهالسلام المغرب مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، ثمّ أتى منزله فقرّب إليه الخوان و جلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليّ عليهالسلام إذا أسير من اُسراء المشركين قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد صلى الله عليه و آله و سلم! تأسروننا و تشدّوننا و لا تطعموننا؟
فوضع عليّ عليهالسلام اللقمة من يده، ثمّ قال:
فاطم يا بنت النبيّ أحمد! بنت نبيّ سيّد مسوّد
قد جائك الأسير ليس يهتدي مكبّلاً في غلّه مقيّد
يشكو إلينا الجوع قد تقدّد من يطعم اليوم يجده في غد
عند العليّ الواحد الموحّد ما يزرع الزارع سوف يحصد
فاعطيه لا تجعليه ينكد
فأقبلت فاطمة عليهاالسلام و هي تقول:
لم يبق ممّا كان غير صاع قد دبّرت كفّى مع الذراع
شبلاي واللَّه؛ هما جياع يا رب! لا تتركهما ضياع
أبوهما للخير ذواصطناع عيل الذراعين طويل الباع
و ما على رأسي من قناع إلّا عبا نسجتها بصاع
و عمدوا إلى ما كان على الخوان، فأعطوه و باتوا جياعاً، و أصبحوا مفطرين و ليس عندهم شيء.
و قال شعيب في حديثه: و أقبل علي بالحسن والحسين عليهمالسلام نحو رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، و هما يرتعشان كالفرخ من شدّة الجوع، فلمّا بصر بهم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: يا أباالحسن! شدّ ما يسوؤني ما أرى بكم؟! انطلق إلى ابنتي فاطمة عليهماالسلام.
فانطلقوا إليها و هي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع، و غارت عيناها، فلمّا رآها رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ضمّها إليه و قال: واغوثاه باللَّه؟ أنتم منذ ثلاث فيما أرى؟
فهبط جبرئيل فقال: يا محمّد! خذ ما هيّأ اللَّه لك في أهل بيتك.
قال: و ما آخذ يا جبرئيل؟
قال: (هَلْ أَتى عَلَى الإِنْسانِ حينٌ مِنَ الدّهْرِ) حتّى إذا بلغ (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكوراً).
و قال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم حتّى دخل منزل فاطمة عليهاالسلام، فرآى ما بهم، فجمعهم ثمّ انكبّ عليهم يبكي و يقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى و أنا غافل عنكم؟
فهبط عليه جبرئيل بهذه الآيات: (إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها
كافُوراً- عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّه يُفَجِّرونَها تَفْجيراً(.
قال: هي عين في دار النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم يفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين (يُوفُونَ بِالنَذْرِ) يعني عليّاً و فاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام و جاريتهم (وَ يَخافونَ يَوْماً كانَ شَرّهُ مُسْتَطيراً) يكون عابساً كلوحاً.
(وَ يُطْعِمونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) يقول: على شهوتهم للطعام و إيثارهم له (مِسْكيناً) من مساكين المسلمين (وَ يَتيماً) من يتامى المسلمين (وَ أَسيراً) من أسارى المشركين، و يقولون إذا أطعموهم: (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكوراً).
قال: واللَّه؛ ما قالوا هذا لهم، ولكنّهم أضمروه في أنفسهم، فأخبر اللَّه بإضمارهم، يقولون: لا نريد جزاء به و لا شكوراً، تثنون علينا به، ولكن إنّما أطعمناكم لوجه اللَّه و طلب ثوابه.
قال اللَّه تعالى ذكره: (فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ اليَوْمِ وَلقّاهُمْ نَضْرَةً) في الوجوه (وَ سُروراً) في القلوب (وَ جَزاهُمْ بِما صَبَروا جَنَّة) يسكنونها (وَ حَريراً) يفترشونه و يلبسونه (مُتَّكِئينَ فيها عَلَى الأَرائِكِ) والأريكة: السرير عليه الحجلة (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَريراً).
قال ابنعبّاس: فبينا أهل الجنّة في الجنّة إذا رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان، فيقول أهل الجنّة: يا ربّ! إنّك قلت في كتابك: (لا يَرَوْنَ فيها شَمْساً)؟
فيرسل اللَّه جلّ اسمه إليهم جبرئيل فيقول: ليس هذه بشمس، ولكن عليّاً و فاطمة عليهماالسلام ضحكا، فأشرقت الجنان من نور ضحكهما.
و نزلت (هَلْ أَتى) فيهم.. إلى قوله تعالى: (وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكوراً). (4).
/ 3- روى أبوصالح و مجاهد والضحّاك والحسن و عطاء و قتادة و مقاتل والليث و ابنعبّاس و ابنمسعود و ابنجبير و عمرو بن شعيب والحسن بن مهران والنقّاش والقشيري والثعلبي والواحدي في تفاسيرهم؛
و صاحب (أسباب النزول) والخطيب المكّي في (الأربعين) و أبوبكر الشيرازيّ في (نزول القرآن في أميرالمؤمنين عليهالسلام) والاشنهي في (إعتقاد أهل السنّة) و أبوبكر محمّد بن أحمد بن الفضل النحوي في (العروس) في الزهد؛
و روى أهل البيت عن الأصبغ بن نباتة و غيره، عن الباقر عليهالسلام واللفظ له، ثمّ ساق الحديث.. إلى قوله: و أصبحوا مفطرين ليس عندهم شيء.
ثمّ قال: فرآهم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم جياعاً، فنزل جبرئيل و معه صحفة من الذهب مرصّعة بالدرّ والياقوت مملوءة من الثريد و عراق يفوح منه رائحة المسك والكافور، فجلسوا و أكلوا حتّى شبعوا و لم تنقص منها لقمة واحدة.
و خرج الحسين عليهالسلام و معه قطعة عراق، فنادته امرأة يهوديّة: يا أهل بيت! الجوع من أين لكم هذا؟ أطعمنيها.
فمدّيده الحسين عليهالسلام ليطعمها، فهبطه جبرئيل و أخذها من يده و رفع الصحفة إلى السماء.
فقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: لولا ما أراد الحسين عليهالسلام من إطعام الجارية تلك القصعة لتركت تلك الصحفة في أهل بيتي يأكلون منها إلى يوم القيامة لا تنقص لقمة.
و نزل (يُوفُونَ بِالنَذْرِ) و كانت الصدقة في ليلة خمس و عشرين من ذي الحجّة، و نزل (هَلْ أَتى) في يوم الخامس والعشرين منه. (5).
468/ 4- تفسير القمّي: قوله تعالى: (وَ يُطْعِمُونَ الطَعامَ) حدّثني أبي، عن القدّاح، عن أبيعبداللَّه عليهالسلام قال:
كان عند فاطمة عليهاالسلام شعير فجعلوه عصيدة، فلمّا انضجوها و وضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال: المسكين؛ رحمكم اللَّه أطعمونا ممّا رزقكم اللَّه.
فقام عليّ عليهالسلام، فأعطاه ثلثها، و لم يلبث أن جاء يتيم، فقال: اليتيم؛ رحمكم اللَّه.
فقام عليّ عليهالسلام، فأعطاه ثلثها، ثمّ جاء أسير فقال: الأسير؛ رحمكم اللَّه، فأعطاه عليّ عليهالسلام الثلث الباقي، و ما ذاقوها، فأنزل اللَّه فيهم هذه الآية إلى قوله: (وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكوراً) و هي جارية في كلّ مؤمن فعل مثل ذلك. (6).
469/ 5- روي: أنّ الحسن والحسين عليهماالسلام مرضا، فنذر عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام صيام ثلاثة أيّام، فلمّا عافاهما اللَّه- و كان الزمان قحطاً- أخذ علي عليهالسلام من يهوديّ ثلاث جزّات صوفاً لتغنر لها فاطمة عليهاالسلام و ثلاثة أصواع شعيراً، فصاموا و غزلت فاطمة عليهاالسلام جزّة، ثمّ طحنت صاعاً من الشعير فخبزته، فلمّا كان عند الإفطار أتى مسكين، فأعطوه طعامهم و لم يذوقوا إلّا الماء.
ثمّ غزلت جزّة اُخرى من الغد، ثمّ طحنت صاعاً فخبزته، فلمّا كان عند المساء أتى يتيم، فأعطوه ولم يذوقوا إلّا الماء.
فلمّا كان من الغد غزلت الجزّة الباقية، ثمّ طحنت الصالح و خبزته، و أتى أسير عند المساء، فأعطوه.
و كان مضى على رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أربعة أيّام والحجر على بطنه و قد علم بحالهم، فخرج و دخل حديقة المقداد و لم يبق على نخلاتها ثمرة، و معه عليّ عليهالسلام فقال: يا أباالحسن! خذ السلّة وانطلق إلى النخلة- و أشار إلى واحدة- فقل لها: قال رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: سألتك عن اللَّه أطعمينا من ثمرك.
قال عليّ عليهالسلام: و لقد تطأطأت بحمل ما نظر الناظرون إلى مثلها والتقطت من أطائبها و حملت إلى رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فأكل و أكلت فأطعم المقداد و جميع عياله و حمل إلى الحسن والحسين و فاطمة عليهمالسلام ما كفاهم.
فلمّا بلغ المنزل إذا فاطمة عليهاالسلام يأخذها الصداع، فقال صلى الله عليه و آله و سلم: أبشري واصبري فلن تنالي ما عنداللَّه إلّا بالصبر، فنزل جبرئيل ب (هَلْ أَتى). (7).
470/ 6- روى الواحديّ في تفسيره: إنّ عليّاً عليهالسلام آجر نفسه ليلة إلى الصبح يسقي نخلاً بشيء شعير، فلمّا قبضه طحن ثلثه، واتّخذوا منه طعاماً، فلمّا تمّ أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، و عملوا الثلث الثاني فأتاهم يتيم، فأخرجوه إليه، و عملوا الثلث الثالث، فأتاهم أسير، فأخرجوا الطعام إليه.
وطوى عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام، و علم اللَّه حسن مقصدهم و صدق نيّاتهم، و أنّهم إنّما أرادوا بما فعلوه وجهه، و طلبوا بما أتوا ما عنده، والتمسوا الجزاء منه عزّ و جلّ، فأنزل اللَّه فيهم قرآناً، و أولاهم من لدنه إحساناً، و نشر لهم بين العالمين ديواناً، و عوّضهم عمّا بذلوا جناناً و حوراً و ولداناً، فقال: (وَ يُطْعِمونَ الطَعامَ على حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً) إلى آخرها.
و هذه منقبة لها عنداللَّه محلّ كريم، وجودهم بالطعام مع شدّة الحاجة إليه أمر عظيم، و لهذا تتابع فيها وعده سبحانه بفنون الألطاف و ضروب الأنعام والإسعاف.
و قيل: إنّ الضمير في (حُبِّهِ) يعود إلى اللَّه تعالى، و هو الظاهر.
و قيل: إلى الطعام. (8).
471/ 7- من مناقب الخوارزميّ، عن ابنعبّاس، و قد ذكره الثعلبي و غيره من مفسّري القرآن المجيد في قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَذْرِ وَ يَخافونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطيراً).
قال: مرض الحسن والحسين عليهماالسلام فعادهما جدّهما رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و معه أبوبكر و عمر و عادهما عامّة العرب فقالوا: يا أباالحسن! لو نذرت على ولديك نذراً- و كلّ نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء-
فقال عليّ عليهالسلام: إن برىء ولداي ممّا بهما صمت ثلاثة أيّام شكراً؛
و قالت فاطمة عليهاالسلام: إن برىء ولداي ممّا بهما صمت للَّه ثلاثة أيّام شكراً؛
و قالت جارية يقال لها فضّة: إن برىء سيّداي ممّا بهما صمت ثلاثة أيّام شكراً.
فألبس الغلامان العافية، و ليس عند آلمحمّد عليهمالسلام قليل و لا كثير، فانطلق أميرالمؤمنين عليهالسلام إلى شمعون الخيبري- و كان يهوديّاً- فاستقرض منه ثلاثة أصواع من شعير.
و في حديث المزني، عن ابنمهران الباهليّ: فانطلق إلى جارية من اليهود يعالج الصوف يقال له: شمعون بن حانا، فقال: هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك بنت محمّد صلى الله عليه و آله و سلم بثلاثة أصواع من شعير؟
قال: نعم، فأعطاه، فجاء بالصوف والشعير، فأخبر فاطمة عليهاالسلام بذلك فقبلت و أطاعت.
قالوا: فقامت فاطمة عليهاالسلام إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد منهم قرص، و صلّى علي عليهالسلام المغرب مع رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، ثمّ أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد عليهمالسلام! مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم اللَّه من موائد الجنّة.
فسمعه عليّ عليهالسلام، فقال:
فاطم ذات المجد واليقين يا بنت خير النّاس أجمعين!
أماترين البائس المسكين قد قام بالباب له حنين؟
يشكو إلى اللَّه و يستكين و يشكو إلينا جائعاً حزين
كلّ امرىء بكسبه رهين و ما على الخيرات يستبين
موعده جنّة علّيين حرّمها اللَّه على الضنين
و للبخيل موقف مهين تهوى به النّار إلى سجّين
شرابه الحميم والغسلين
فقالت فاطمة عليهاالسلام:
أمرك سمع يابن عم! و طاعة ما بي من لئوم و لا ضراعة
و أعطوه الطعام ومكثوا ليلتهم لم يذوقوا إلاّ الماء، فلمّا كان اليوم الثاني طحنت فاطمة عليهاالسلام صاعاً واختبزته، و أتى عليّ عليهالسلام من الصلاة و وضع الطعام بين يديه، فأتاهم يتيم فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد عليهمالسلام! يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة، أطعموني أطعمكم اللَّه على موائد الجنّة.
فسمعه عليّ و فاطمة عليهماالسلام فأعطوه الطعام، ومكثوا يومين و ليلتين لم يذوقوا إلّا الماء القراح.
فلمّا كان في اليوم الثالث قامت فاطمة عليهاالسلام إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته، و صلّى عليّ مع النبيّ صلّى اللَّه عليهما المغرب ثمّ أتى المنزل، فوضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم أسير فوقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد عليهمالسلام! تأسروننا و لا تطعموننا؟ أطعموني، فإنّي أسير محمّد صلى الله عليه و آله و سلم أطعمكم اللَّه موائد الجنّة.
فسمعه عليّ عليهالسلام، فأتوه و آثروه، ومكثوا ثلاثة أيّام لم يذوقوا سوى الماء، فلمّا كان في اليوم الرابع و قد قضوا نذرهم أخذ علي الحسن عليهماالسلام بيده اليمنى والحسين عليهالسلام باليسرى و أقبل نحو رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و هم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع.
فلمّا بصر به النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: يا أباالحسن! ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم؟
انطلق إلى ابنتي.
فانطلقوا إليها و هي في محرابها تصلّي قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع، و غارت عيناها، فلمّا رآها النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: واغوثاه باللَّه! يا أهل بيت محمّد تموتون جوعاً؟
فهبط جبرئيل و قال: خذ يا محمّد! هناك اللَّه في أهل بيتك.
قال: و ما آخذ يا جبرئيل؟
فأقرأه: (هَلْ أَتى عَلَى الإِنْسان).. إلى قوله: (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً إلى آخر السورة.
قال الخطيب الخوارزمي حاكياً عنه و عن البراويّ: و زادني ابنمهران الباهليّ في هذا الحديث: فوثب النبي صلى الله عليه و آله و سلم حتّى دخل على فاطمة عليهاالسلام، فلمّا رآى ما بهم انكبّ عليهم يبكي، و قال: أنتم منذ ثلاث فيما أرى و أنا غافل عنكم؟ فهبط جبرئيل بهذه الآيات: (إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً- عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجّرونَها تَفْجِيراً).
قال: هي عين في دار النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم يفجّر إلى دور الأنبياء والمؤمنين.
و روى الخطيب في هذا رواية اُخرى، و قال في آخرها:
فنزل فيهم: (وَ يُطْعِمونَ الطَعامَ عَلى حُبِّهِ) أي على شدّة شهوة (مِسْكيناً) قرص ملّة، والملّة: الرماد، (وَ يَتيماً) خزيرة (وَ أَسيراً) حيساً (إِنَّما نُطْعِمُكُم) يخبر عن ضمائرهم (لِوَجْهِ اللَّهِ) يقول: إرادة ما عند اللَّه من الثواب (لا نُريدُ مِنْكُمْ) يعني في الدنيا (جَزاءً) ثواباً (وَ لا شُكوراً). (9).
472/ 8- الثعلبي بإسناده إلى ابنعبّاس (مثله) إلى قوله: إلى آخر السورة، و ترك فيها الأبيات.
ثمّ قال: و زاد محمّد بن عليّ الغزاليّ- على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة-: إنّهم نزلت عليهم مائدة من السماء، فأكلوا منها سبعة أيّام.
قال: و حديث المائدة و نزولها عليهم مذكور في سائر الكتب.
ثمّ قال السيّد: روى أخطب خوارزم حديث المائدة في كتابه.
و روى الواحديّ حديث نزول السورة كما مرّ في تفسيره.
أقول: و روى الزمخشريّ أيضاً في (الكشّاف) نحواً من ذلك مع اختصار، و كذا البيضاوي.
روى ابن بطريق في (العمدة) بإسناده عن الثعلبيّ، عن الحسن بن أحمد الشيبانيّ العدل، عن أبي حامد أحمد بن محمّد، عن عبداللَّه بن محمّد بن عبدالوهّاب، عن أحمد بن حمّاد المروزي، عن محبوب بن حميد القصري، عن القاسم بن مهران، عن ليث، عن مجاهد، عن ابنعبّاس؛
قال: و أخبرنا عبداللَّه بن حامد، عن أحمد بن عبداللَّه المزني، عن محمّد بن أحمد الباهلي، عن عبدالرحمان بن فهد بن هلال، عن القاسم بن يحيى، عن محمّد بن الصائب، عن أبيصالح، عن ابنعبّاس؛
قال أبوالحسن بن مهران: وحدّثني محمّد بن زكريّا البصري، عن شعيب بن واقد المزني، عن القاسم بن مهران، عن ليث، عن مجاهد، عن ابنعبّاس مثل مامرّ.. إلى قوله: ثمّ هبط جبرئيل بهذه الآيات.
ثمّ قال: و زاد محمّد بن علي صاحب الغزالي- على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة-: إنّهم ننزل عليهم مائدة من السماء، فأكلوا منها سبعة أيّام، و نزولها عليهم مذكور في سائر الكتب، ثمّ ساق الحديث في تفسير الآيات إلى آخر ما مرّ في رواية الصدوق رحمهالله. (10).
473/ 9- أبوالقاسم العلوي، عن فرات بن إبراهيم معنعناً، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليهمالسلام قال:
مرض الحسن والحسين عليهماالسلام مرضاً شديداً، فعادهما سيّد ولد آدم محمّد صلى الله عليه و آله و سلم، و عادهما أبوبكر و عمر، فقال عمر لأميرالمؤمنين عليّ بن أبيطالب عليهالسلام: يا أباالحسن! إن نذرت للَّه نذراً واجباً- فإنّ كلّ نذر لا يكون للَّه فليس فيه وفاء-.
فقال عليّ بن أبيطالب عليهالسلام: إن عافى اللَّه ولديّ ممّا بهما صمت للَّه ثلاثة أيّام متواليات، و قالت الزهراء عليهاالسلام مثل ما قال زوجها، و كانت لهما جارية بربرية تدعى فضّة، قالت: إن عافى اللَّه سيّديّ ممّا بهما صمت للَّه ثلاثة أيّام.
و ساق الحديث نحواً ممّا مرّ... إلى أن قال: و إنّ أميرالمؤمنين عليّ بن أبيطالب عليهالسلام أخذ بيد الغلامين و هما كالفرخين لا ريش لهما يرتعشان من الجوع فانطلق بهما إلى منزل النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم.
فلمّا نظر إليهما النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم اغر و رقّت عيناه بالدموع، و أخذ بيد الغلامين، فانطلق بهما إلى فاطمة الزهراء عليهاالسلام، فلمّا نظر إليها رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و قد تغيّر لونها و إذا بطنها لاصق بظهرها انكبّ عليها يقبّل بين عينيها و نادته باكية: واغوثاه باللَّه! ثمّ بك يا رسولاللَّه! من الجوع.
قال: فرفع رأسه إلى السماء و هو يقول: اللهمّ اشبع آلمحمّد.
فهبط جبرئيل فقال: يا محمّد! اقرء؟
قال: و ما أقرء؟
قال: اقرء: (إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) إلى آخر ثلاث آيات.
ثمّ إنّ أميرالمؤمنين عليهالسلام مضى من فوره ذلك حتّى أتى أباجبلة الأنصاريّ رضىاللهعنه فقال له: يا أباجبلة! هل من قرض دينار؟
قال: نعم يا أباالحسن! اشهد اللَّه و ملائكته أنّ شطر مالي لك حلال من اللَّه
و من رسوله. قال: لا حاجة لي في شيء من ذلك، إن يك قرضاً قبلته.
قال: فدفع إليه ديناراً، و مرّ أميرالمؤمنين عليّ بن أبيطالب عليهالسلام يتخرّق أزقّة المدينة ليبتاع بالدينار طعاماً، فإذا هو بمقداد بن الأسود الكنديّ قاعد على الطريق، فدنا منه و سلّم عليه، و قال: يا مقداد! مالي أراك في هذا الوضع كئيباً حزيناً؟
فقال: أقول كما قال العبد الصالح موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ إِنّي لِما أَنْزلَتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقيرٌ) (11).
قال: و منذكم يا مقداد؟
قال: منذ أربع.
فرجع أميرالمؤمنين عليهالسلام مليّاً، ثمّ قال: اللَّه أكبر؛ آلمحمّد عليهمالسلام منذ ثلاث و أنت يا مقداد أربع؟
أنت أحقّ بالدينار منّي.
قال: فدفع إليه الدينار، و مضى حتّى دخل على رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رآه قد سجد، فلمّا انفتل رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ضرب بيده إلى كتفه، ثمّ قال: يا عليّ! انهض بنا إلى منزلك لعلّنا نصيب طعاماً فقد بلغنا أخذك الدينار من أبي جبلة.
قال: فمضى و أميرالمؤمنين عليهالسلام مستحي من رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، و رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رابط على بطنه حجراً من الجوع حتّى قرعا على فاطمة عليهاالسلام الباب.
فلمّا نظرت فاطمة عليهاالسلام إلى رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و قد أثّر الجوع في وجهه ولّت هاربة قالت: واسوأتاه من اللَّه و من رسوله! كأنّ أباالحسن ما علم أن لم يكن عندنا شيء مذ ثلاث.
ثمّ دخل مخدعاً لها، فصلّت ركعتين ثمّ نادت: يا إله محمّد! هذا محمّد نبيّك، و فاطمة بنت نبيّك، و عليّ ختن نبيّك و ابن عمّه، و هذان الحسن و الحسين سبطا نبيّك، اللهمّ فإنّ بنيإسرائيل سألوك أن تنزل عليهم مائدة من السماء فأنزلتها عليهم و كفروا بها، اللهمّ فإنّ آلمحمّد لا يكفرون بها.
ثمّ التفتت مسلّمة، فإذا هي بصحفة مملوءة من ثريد و عراق، فاحتملتها و وضعتها بين يدي رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فأهوى بيده إلى الصحفة، فسبّحت الصحفة والثريد والعراق، فتلا النبي صلى الله عليه و آله و سلم (وَ إِن مِنْ شَيْءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (12).
ثمّ قال: يا عليّ! كل من جوانب القصعة، و لا تهدموا ذروتها، فإنّ فيها البركة.
فأكل النبيّ و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهمالسلام، و يأكل النبي صلى الله عليه و آله و سلم و ينظر إلى علي عليهالسلام متبسّماً، و علي عليهالسلام يأكل و ينظر إلى فاطمة عليهاالسلام متعجّباً.
فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: كل يا علي! و لا تسأل فاطمة الزهراء عليهاالسلام عن شيء، الحمدللَّه الّذي جعل مثلك و مثلها مثل مريم بنت عمران و زكريّا (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيّا المِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (13).
يا عليّ! هذا بالدينار الّذي أقرضته، لقد أعطاك الليلة خمساً و عشرين جزء من المعروف، فأمّا جزء واحد فجعل لك في دنياك إن أطعمك من جنّته، و أمّا أربعة و عشرون جزء فذخّرها لك لآخرتك. (14).
474/ 10- محمّد بن إبراهيم معنعناً عن زيد بن ربيع قال:
كان رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يشدّ على بطنه الحجر من الغرث- يعني الجوع- فظلّ يوماً صائماً ليس عنده شيء، فأتى بيت فاطمة و الحسن و الحسين عليهمالسلام، فلمّا أتى رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم تسلّقا إلى منكبه، و هما يقولان: (يا باباه! قل لما ماه: تطعمنا ناناه).
فقال رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليهاالسلام: أطعمي ابنيّ.
قالت: ما في بيتي شيء إلاّ بركة رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم.
قال: فشغلهما رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بريقه حتّى شبعا و ناما، فاقترضنا لرسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ثلاثة أقراص من شعير، فلمّا أفطر رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وضعناه بين يديه فجاء سائل و قال: يا أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة! أطعموني ممّا رزقكم اللَّه أطعمكم اللَّه من موائد الجنّة، فإنّي مسكين.
فقال رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: يا فاطمة بنت محمّد! قد جاءك المسكين فله حنين، قم يا عليّ! و أعطه.
قال: فأخذت قرصاً فقمت فأعطيته، و رجعت قد حبس رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يده.
ثمّ جاء ثان، فقال: يا أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة! إنّي يتيم فأطعموني ممّا رزقكم اللَّه أطعمكم اللَّه من موائد الجنّة.
فقال رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: يا فاطمة بنت محمّد! قد جاءك اليتيم و له حنين، قم يا عليّ! و أعطه.
قال: فأخذت قرصاً و أعطيته، ثمّ رجعت و قد حبس رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يده.
قال: فجاء ثالث، و قال: يا أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة! إنّي أسير فأطعموني ممّا رزقكم اللَّه أطعمكم اللَّه من موائد الجنّة.
قال: فقال رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: يا فاطمة بنت محمّد! قد جاءك الأسير و له حنين، قم يا علي! فأعطه.
قال: فأخذت قرصاً و أعطيته وبات رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم طاوياً، وبتنا طاوين
مجهودين، فنزلت هذه الآية: (وَ يُطْعِمُونَ الطَعام عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسيراً). (15).
475/ 11- عن الحسين بن سعيد بإسناده عن عبيداللَّه بن أبيرافع، عن أبيه، عن جدّه قال:
صنع حذيفة طعاماً و دعا عليّاً عليهالسلام فجاء و هو صائم، فتحدّث عنده ثمّ انصرف فبعث إليه حذيفة بنصف الثريدة، فقسّمها على أثلاث: ثلث له و ثلث لفاطمة عليهاالسلام و ثلث لخادمهم.
ثمّ خرج عليّ بن أبيطالب أميرالمؤمنين عليهالسلام فلقيته امرأة معها يتامى، فشكت الحاجة و ذكرت حال أيتامها، فدخل و أعطاها ثلثه لأيتامها.
ثمّ جاءه سائل وشكا إليه الحاجة والجوع، فدخل على فاطمة عليهاالسلام و قال: هل لك في الطعام و هو خير لك من هذا الطعام- طعام الجنّة- على أن تعطيني حصّتك من هذا الطعام؟
قالت: خذه.
فأخذه و دفعه إلى ذلك المسكين، ثمّ مرّ به أسير يشكو إليه الحاجة و شدّة حاله، فدخل و قال لخادمته مثل الّذي قال لفاطمة عليهاالسلام و سألها حصّتها من ذلك الطعام.
قالت: خذه.
فأخذه فدفعه إلى ذلك الأسير، فأنزل اللَّه فيهم هذه الآية (وَ يُطْعِمُونَ الطَعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً).. إلى قوله: (وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً). (16).
476/ 12- عن جعفر بن محمّد معنعناً عن ابنعبّاس رضىاللهعنه: قوله تعالى:
(وَ يُطْعِمُونَ الطَعامَ).
قال: نزلت في عليّ و فاطمة عليهماالسلام و جارية لها، و ذلك أنّهم زاروا رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فأعطى كلّ إنسان منهم صاعاً من الطعام، فلمّا انصرفوا إلى منازلهم جاء سائل يسأل، فأعطى علي عليهالسلام صاعه.
ثمّ دخل عليه يتيم من الجيران، فأعطته فاطمة الزهراء عليهاالسلام صاعها.
فقال لها عليّ عليهالسلام: إنّ رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يقول:
قال اللَّه: و عزّتي و جلالي؛ لا يسكّن بكاءه اليوم عبداً لا أسكنته من الجنّة حيث يشاء.
ثمّ جاء أسير من اُسراء أهل الشرك في أيدي المسلمين يستطعم، فأمر علي عليهالسلام السوداء خادمهم، فأعطته صاعها، فنزلت فيهم الآية: (وَ يُطْعِمُونَ الطَعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً- إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكوراً). (17).
477/ 13- عن محمّد بن أحمد بإسناده عن ابنعبّاس رضىاللهعنه في قوله تعالى: (وَ يُطْعِمُونَ الطَعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً).
نزلت في أميرالمؤمنين عليّ بن أبيطالب و فاطمة عليهماالسلام أصبحا و عندهم ثلاثة أرغفة، فأطعموا مسكيناً و يتيماً و أسيراً، فباتوا جياعا، فنزلت فيهم عليهمالسلام. (18).
478/ 14- في تفسير أهل البيت عليهمالسلام: إنّ قوله: (هَلْ أَتى عَلَى الإِنسان حينٌ مِنَ الدَّهْر) يعني به عليّاً عليهالسلام.
و تقدير الكلام: ما أتى على الإنسان زمان من الدهر إلّا و كان فيه شيئاً مذكوراً، و كيف لم يكن مذكوراً و أنّ اسمه مكتوب على ساق العرش و على باب الجنّة، والدليل على هذا القول قوله: (إِنّا خَلَقْنَا الإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ)، و معلوم أنّ آدم عليهالسلام لم يخلق من النطفة. (19).
479/ 15- إقبال الأعمال: في ليلة خمس و عشرين من ذي الحجّة تصدّق أميرالمؤمنين و فاطمة عليهماالسلام، و في اليوم الخامس و العشرين منه نزلت فيهما و في الحسن والحسين عليهمالسلام سورة (هَلْ أَتى).
ثمّ ساق الحديث نحواً ممّا مرّ في خبر عليّ بن عيسى.
ثمّ روى نزول المائدة عن الثعلبي و الخوارزمي، ثمّ قال: و ذكر حديث نزول المائدة الزمخشري في (الكشّاف)، و لكنّه لم يذكر نزولها في الوقت الّذي ذكرناه.
قال: عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أنّه جاع في قحط، فأهدت له فاطمة عليهاالسلام رغيفين و بضعة لحم آثرته بها، فرجع بها إليها فقال: هلمّي يا بنيّة! و كشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزاً و لحماً، فبهتت و علمت أنّها نزلت من عنداللَّه، فقال صلى الله عليه و آله و سلم لها: أنّى لك هذا؟
قالت: هو من عنداللَّه، إنّ اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب.
فقال صلى الله عليه و آله و سلم: الحمدللَّه الّذي جعلك شبيه سيّدة نساء بنيإسرائيل.
ثمّ جمع رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّ بن أبيطالب والحسن والحسين و جميع أهل بيته عليهمالسلام حتّى شبعوا و بقي الطعام كما هو، و أوسعت فاطمة عليهاالسلام على جيرانها. (20).
480/ 16- أبوبكر بن مردويه، قوله تعالى: (وَ يُطْعِمُونَ الطَعامَ عَلى حُبِّهِ) نزل في عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام. (21).
481/ 17- ابن الأثير الجزري في ترجمة فضّة النوبية، روى بسنده عن مجاهد، عن ابنعبّاس قال: في قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطيراً- وَ يُطْعِمُونَ الطَعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً).
قال: مرض الحسن والحسين عليهماالسلام؛ فعادهما جدّهما رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و عادهما عامّة العرب، فقالوا: يا أباالحسن! لو نذرت على ولدك نذراً.
فقال عليّ عليهالسلام: إن برئا ممّا بهما صمت للَّه عزّ و جلّ ثلاثة أيّام شكراً، و قالت فاطمة عليهاالسلام كذلك، و قالت جارية- يقال لها: فضّة نوبية- إن برئا سيّداي صمت للَّه عزّ و جلّ شكراً.
فألبس الغلامان العافية، و ليس عند آلمحمّد عليهمالسلام قليل و لا كثير، فانطلق عليّ عليهالسلام إلى شمعون الخيبري، فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير، فجاء بها فوضعها، فقامت فاطمة عليهاالسلام إلى صاع، فطحنته و اختبزته.
و صلّى عليّ عليهالسلام مع رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، ثمّ أتى المنزل، فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد صلى الله عليه و آله و سلم مسكين من أولاد المسلمين أطعموني أطعمكم اللَّه عزّ و جلّ على موائد الجنّة.
فسمعه عليّ عليهالسلام فأمرهم، فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلّا الماء.
فلمّا كان اليوم الثاني قامت فاطمة عليهاالسلام إلى صاع و خبزته، و صلّى عليّ عليهالسلام مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و وضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم يتيم فوقف بالباب و قال: السلام عليكم أهل بيت محمّد صلى الله عليه و آله و سلم يتيم بالباب من أولاد المهاجرين استشهد والدي، أطعموني.
فأعطوه الطعام، فمكثوا يومين لم يذوقوا إلّا الماء.
فلمّا كان اليوم الثالث قامت فاطمة عليهاالسلام إلى الصاع الباقي؛ فطحنته و اختبزته.
فصلّى عليّ عليه السلام مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم أسير فوقف بالباب و قال: السلام عليكم أهل بيت النبوّة! تأسروننا و تشدوننا و لا تطعموننا، أطعموني فإنّي أسير.
فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيّام ولياليها لم يذوقوا إلّا الماء.
فأتاهم رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فرآى ما بهم من الجوع، فأنزل اللَّه تعالى: (هَلْ أَتى عَلَى الإِنْسانِ حينٌ مِنَ الدَهْر).. إلى قوله: (لا نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شَكوراً).
ثمّ قال: أخرجها أبوموسى.
أقول: و ذكره الزمخشري أيضاً في «الكشّاف» في تفسير قوله تعالى: (وَ جَزاهُمْ بِما صَبَروا جَنَّةً وَ حَريراً) في سورة (هَلْ أَتى)، و حكى عن الواحدي أنّه ذكره أيضاً.
و ذكره الفخر الرازي أيضاً في تفسيره الكبير، و قال: والواحدي من أصحابنا- يعني من الأشاعرة- ذكر في كتاب «البسيط» أنّها نزلت في حقّ عليّ عليهالسلام.
قال: و صاحب «الكشّاف» من المعتزلة ذكر هذه القصّة، فروى عن ابنعبّاس، و ذكر الرواية المتقدّمة. (22).
482/ 18- الواحدى في «أسباب النزول» في بيان نزول قوله تعالى: (وَ يُطْعِمُونَ الطَعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً) في سورة (هَلْ أَتى).
قال: قال عطاء: عن ابنعبّاس، و ذلك أنّ عليّ بن أبيطالب عليهالسلام نوبة آجر نفسه يسقى نخلاً بشيء من شعير ليلة حتّى أصبح و قبض الشعير و طحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه يقال له: الحريرة، فلمّا تمّ انضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام.
ثمّ عمل الثلث الثاني، فلمّا تمّ انضاجه أتى يتيم فسأل، فأطعموه إيّاه.
ثمّ عمل الثلث الباقي، فلمّا تمّ انضاجه أتى أسير من المشركين، فأطعموه وطووا يومهم ذلك، فأنزلت فيه هذه الآية
أقول: و ذكره المحبّ الطبري أيضاً في «الرياض النضرة» (23) و قال فيه: يقال له: الحريرة، دقيق بلادهن، و قال: هذا قول الحسن و قتادة: إنّ الأسير كان من المشركين.
و قال سعيد بن جبير: الأسير المحبوس من أهل القبلة، و ذكره أيضاً في ذخائره (ص 102). (24).
483/ 19- السيوطي في «الدرّ المنثور»: في ذيل تفسير قوله تعالى: (وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً) في سورة (هَلْ أَتى).
قال: و أخرج ابن مردويه عن ابنعبّاس في قوله: (وَ يُطْعِمُونَ الطَعامَ عَلَى حُبِّهِ) الآية.
قال: نزلت في عليّ بن أبيطالب عليهالسلام و فاطمة بنت رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم. (25).
484/ 20- الشبلنجي في «نور الأبصار» قال: و في مسامرات الشيخ الأكبر: إنّ عبداللَّه بن عبّاس رضياللَّهعنهما قال في قوله تعالى: (وَ يوفونَ بِالنَذْرِ وَ يَخافونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطيراً): مرض الحسن والحسين عليهماالسلام و هما صبيّان، فعادهما رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و معه أبوبكر و عمر، فقال عمر لعليّ عليهالسلام: يا أباالحسن! لو نذرت عن ابنيك نذراً إنّ اللَّه عافاهما.
قال: أصوم ثلاثة أيّام شكراً للَّه، قالت فاطمة عليهاالسلام: و أنا أيضاً أصوم ثلاثة أيّام شكراً للَّه، و قال الصبيّان: و نحن نصوم ثلاثة أيّام، و قالت جاريتهما فضّة: و أنا
أصوم ثلاثة أيّام.
فألبسهما اللَّه العافية، فأصبحوا صياماً و ليس عندهم طعام، فانطلق عليّ عليهالسلام إلى جار له من اليهود- يقال له: شمعون يعالج الصوف- فقال له: هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك بنت محمّد صلى الله عليه و آله و سلم بثلاثة أصوع من شعير؟
قال: نعم، فأعطاه، فجاء بالصوف والشعير، فأخبر فاطمة عليهاالسلام و أطاعت، ثمّ غزلت ثلث الصوف و أخذت صاعاً من الشعير فطحنته و عجنته و خبزته خمسة أقراص، لكلّ واحد قرص.
و صلّى عليّ عليهالسلام مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم المغرب، ثمّ أتى منزله فوضع الخوان، فجلسوا فأوّل لقمة كسرها عليّ عليهالسلام إذا مسكين واقف على الباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد! أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم اللَّه من موائد الجنّة.
فوضع عليّ عليهالسلام اللقمة من يده، ثمّ قال:
فاطم ذات المجد واليقين يا بنت خير النّاس أجمعين
أما ترى ذا البائس المسكين جاء إلى الباب له حنين؟
كلّ امرىء بكسبه رهين
فقالت فاطمة عليهاالسلام من حينها:
أمرك سمع يابن عمّ! و طاعة مالي من لوم و لا ضراعة
باللب قد غذيت بالبراعة أرجو إذا أنفقت من مجاعة
أن ألحق الأبرار والجماعة و أدخل الجنّة بالشفاعة
قال: فعمدت إلى ما في الخوان، فدفعته إلى المسكين، و باتوا جياعاً و أصبحوا صياماً لم يذوقوا إلّا الماء القراح.
ثمّ عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثمّ أخذت صاعاً فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص، لكلّ واحد قرص.
و صلّى عليّ عليهالسلام المغرب مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، ثمّ أتى منزله، فلمّا وضع الخوان و جلس، فأوّل لقمة كسرها عليّ عليهالسلام إذا بيتيم من يتامى المسلمين قد وقف على الباب و قال: السلام عليكم أهل بيت محمّد! أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم اللَّه من موائد الجنّة.
فوضع عليّ عليهالسلام اللقمة من يده، و قال:
فاطم بنت السيّد الكريم قد جاءنا اللَّه بذا اليتيم
من يطلب اليوم رضا الرحيم موعده في جنّة النعيم
فأقبلت السيّدة فاطمة عليهاالسلام و قالت:
فسوف أعطيه و لا أبالي و أوثر اللَّه على عيالي
أمسوا جياعاً و هم أمثالي أصغرهم يقتل في القتال
ثمّ عمدت إلى ما كان في الخوان، فأعطته اليتيم، و باتوا جياعاً لم يذوقوا إلّا الماء القراح، و أصبحوا صياماً.
و عمدت فاطمة عليهاالسلام إلى باقي الصوف، فغزلته و طحنت الصاح الباقي و خبزته خمسة أقراص، لكلّ واحد قرص.
و صلّى عليّ عليهالسلام المغرب مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، ثمّ أتى منزله، فقربت إليه الخوان، ثمّ جلس فأوّل لقمة كسرها إذا أسير من أسارى المسلمين بالباب، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد! إنّ الكفّار أسرونا و قيّدونا و شدونا فلم يطعمونا.
فوضع عليّ عليهالسلام اللقمة من يده، و قال:
فاطمة ابنة النبي أحمد بنت نبي سيّد مسود
هذا أسير جاء ليس يهتد مكبل في قيده المقيّد
يشكو إلينا الجوع والتشدد من يطعم اليوم يجده في غد
عند العلي الواحد الموحّد ما يزرع الزارع يوماً يحصد
فأقبلت فاطمة عليهاالسلام تقول:
لم يبق ممّا جاء غير صاع قد دبرت كفي مع الذراع
و أبناي واللَّه؛ ثلاثاً جاعاً يا ربّ! لا تهلكهما ضياعاً
ثمّ عمدت إلى ما كان في الخوان، فأعطته، إيّاه فأصبحوا مفطرين و ليس عندهم شيء.
و أقبل عليّ والحسن والحسين عليهمالسلام نحو رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و هما يرتعشان كالفرخين من شدّة الجوع، فلمّا أبصرهما رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: يا أباالحسن! أشد ما يسوءني ما أدرككم؟ انطلقوا بنا إلى ابنتي فاطمة عليهاالسلام.
فانطلقوا إليها، و هي في محرابها، و قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع و غارت عيناها، فلمّا رآها رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ضمها إليه و قال: واغوثاه!
فهبط جبرئيل عليهالسلام و قال: يا محمّد! خذ ضيافة أهل بيتك.
قال: و ما آخذ يا جبرئيل؟
قال: (وَ يُطْعِمُونَ الطَعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتيماً وَ أسيراً).. إلى قوله: (وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكوراً). (26).
قال العلّامة المجلسي رحمهالله: بعد ما عرفت من إجماع المفسّرين و المحدّثين على نزول هذه السورة في أصحاب الكساء عليهمالسلام علمت أنّه لا يريب أريب و لا لبيب في أنّ مثل هذا الإيثار لا يتأتّى إلّا من الأئمّة الأخيار؛
و أنّ نزول هذه السورة مع المائدة عليهم يدلّ على جلالتهم و رفعتهم و مكرمتهم لدى العزيز الجبّار؛
و أنّ اختصاصهم بتلك المكرمة مع سائر المكارم الّتي اختصّوا بها يوجب قبح تقديم غيرهم عليهم ممّن ليس لهم مكرمة واحدة يبدونها عند الفخار.
و أمّا تشكيك بعض النواصب بأنّ هذه السورة مكّية فكيف نزلت عند وقوع
القضيّة الّتي وقعت في المدينة؟ فمدفوع بما ذكره الشيخ أمين الدين الطبرسي قدّس اللَّه روحه بعد أن روى القصّة بطولها و نزول الآية فيها عن ابنعبّاس و مجاهد و أبيصالح حيث يقول:
قال أبوحمزة الثمالي في تفسيره: حدّثني الحسن بن (الحسن) أبوعبداللَّه بن الحسن: أنّها مدنيّة، نزلت في عليّ و فاطمة عليهاالسلام السورة كلّها.
ثمّ قال: حدّثنا أبوالحمد مهديّ بن نزار الحسينيّ القاينيّ، عن عبيداللَّه بن عبداللَّه الحسكانيّ، عن أبينصر المفسّر، عن عمّه أبيحامد، عن يعقوب بن محمّد المقري، عن محمّد بن يزيد السلمي، عن زيد بن أبيموسى، عن عمرو بن هارون، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن ابنعبّاس قال:
أوّل ما أنزل بمكّة (اِقْرَءْ بِاسْمِ رَبِّكَ)، ثمّ ذكر السور المكّية بتمامها خمسة و ثمانين سورة.
قال: ثمّ أنزلت بالمدينة البقرة، ثمّ الأنفال، ثمّ آلعمران، ثمّ الأحزاب، ثمّ الممتحنة، ثمّ النساء، ثمّ «إذا زلزلت»، ثمّ الحديد، ثمّ سورة محمّد صلى الله عليه و آله و سلم، ثمّ الرعد، ثمّ سورة الرحمن، ثمّ «هل أتى»، ثمّ الطلاق، ثمّ لم يكن، ثمّ الحشر، ثمّ «إذا جاء نصراللَّه»، ثمّ النور، ثمّ الحجّ، ثمّ المنافقون، ثمّ المجادلة، ثمّ الحجرات، ثمّ التحريم، ثمّ الجمعة، ثمّ التغابن، ثمّ سورة الصّف، ثمّ الفتح، ثمّ المائدة، ثمّ سورة التوبة، فهذه ثمانية و عشرون سورة.
و قد رواه الاُستاذ أحمد الزاهد بإسناده عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن ابنعبّاس في كتاب (الإيضاح) و زاد فيه:
و كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكّة كتبت بمكّة، ثمّ يزيد اللَّه فيها ما يشاء بالمدينة.
و بإسناده، عن عكرمة؛ والحسن بن أبيالحسن البصري: أنّهما عدّا (هَلْ أَتى( فيما نزلت بالمدينة بعد أربع عشرة سورة.
و بإسناده، عن سعيد بن المسيّب، عن عليّ بن أبيطالب عليهالسلام أنّه قال: سألت النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، عن ثواب القرآن، فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء- و ساق الحديث- إلى أن عدّ سورة (هَلْ أَتى) في السور المدنيّة بعد إحدى عشرة سورة، انتهى.
و أمّا ما ذكره معاند آخر خذله اللَّه بأنّه هل يجوز أن يبالغ الإنسان في الصّدقة إلى هذا الحدّ و يجوع نفسه و أهله حتّى يشرف على الهلاك؟ فقد بالغ في النصب والعناد، و فضح نفسه، و سيفضحه اللَّه على رؤوس الأشهاد.
ألم يقرء قوله تعالى: (وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (27).
أو لم تكف هذه الأخبار المتواترة في نزول هذه السورة الكريمة دليلاً على كون ما صدر عنهم فضيلة لا يساويها فضل؟
و أمّا ما يعارضها من ظواهر الآيات؛ فسيأتي عن الصادق عليهالسلام وجه الجمع بينها، حيث قال ما معناه: كان صدور مثل ذلك الإيثار و نزول تلك الآيات في صدر الإسلام، ثمّ نسخت بآيات اُخر، و سيأتي بسط القول في ذلك في كتاب مكارم الأخلاق. (28).
أقول: لعلّ هذا المعاند والناصب لا يؤمن بقول اللَّه سبحانه حيث قرّر عملهم و فعلهم و تجلّل عنهم و نزل في شأنهم (وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) شكّر اللَّه من مساعيهم الجميلة، و إذا لم يسمح بذلك الإيثار والمبالغة في الصدقة عنهم عليهمالسلام لنهاهم اللَّه ونهاهم رسولاللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و لما مدحهم اللَّه و لما شكر اللَّه من مساعيهم.
استشكل هذا الناصب أم اعترض بآية (وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ( لِمَ مدحهم اللَّه تعالى؟ فليكن هذا المعاند والناصب كسلفة حيث سأل من اللَّه العذاب لنفسه، و أنزله عليه )سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ- لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (. )29(.
_________
(1). الإنسان: 8.
(2). كذا، و لعلّه يتضوران.
(3). كذا، و لعلّه: مموهة.
(4). مسند فاطمة الزهراء عليهاالسلام: 55- 59، عن غاية المرام: الباب 71 ح 2.
(5). البحار: 227- 241 ح 1، عن امالى الصدوق.
(6). البحار: 35/ 241 ح 2، عن المناقب لابنشهر آشوب.
(7). البحار: 35/ 243 ح 3.
(8). البحار: 35/ 243- 244، عن الخرائج.
(9). البحار: 35/ 244 ح 5، عن كشف الغمه.
(10). البحار: 35/ 245 ح 6، عن كشف الغمه.
(11). البحار: 35/ 248 و 249، عن الطرائف.
(12). القصص: 24.
(13). الاسراء: 44.
(14). آل عمران: 37.
(15). البحار: 35/ 249- 251 ح 7، عن تفسير فرات.
(16). البحار: 35/ 252 ح 8، عن تفسير فرات.
(17). البحار: 35/ 253 ح 9، عن تفسير فرات.
(18). البحار: 35/ 253 ح 10، عن تفسير فرات.
(19). البحار: 35/ 253 ح 12، عن تفسير فرات.
(20). البحار: 35/ 254 ح 13، عن المناقب لابنشهر اشوب.
(21). البحار: 35/ 255 ح 14.
(22). البحار: 35/ 255 ح 15، عن كشف الغمه.
(23). فضائل الخمسه: 1/ 255 و 256، عن اسد الغابه: 5/ 530.
(24). الرياض النضره: 2/ 227.
(25). فضائل الخمسه: 1/ 255 و 256، اسباب النزول: 331.
(26). فضائل الخمسه: 1/ 255 و 256، اسباب النزول: 331.
(27). فضائل الخمسه: 1/ 256- 259، نورالابصار: 102.
(28). الحشر: 9.
(29). البحار: 35/ 255- 257.
(30). المعارج: 1 و 2.
إنّ سورة (هَلْ أَتى) في شأن فاطمة
- الزيارات: 1699