• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

إنّ آية المباهلة نزلت في شأن فاطمة

509/ 1- قال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: لو علم اللَّه تعالى أنّ في الأرض عباداً أكرم من عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام لأمرني أن اُباهل بهم، ولكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء، وهم أفضل الخلق، فغلبت بهم النصارى. (1).
510/ 2- قال الشيخ المفيد رحمه‏الله في (كتاب الفصول): قال المأمون يوماً للرضا عليه‏السلام: أخبرني بأكبر فضيلة لأميرالمؤمنين عليه‏السلام يدلّ عليها القرآن.
قال: فقال الرضا عليه‏السلام: فضيلة في المباهلة، قال اللَّه جلّ جلاله: (فَمَنْ حاجَّكَ فيه مِنْ بَعْدِ ما جائَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا َدْعُ أَبْنائَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعَْنةَ اللَّهِ عَلَى الكاذِبينَ). (2).
فدعا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم الحسن والحسين عليهماالسلام فكانا ابنيه، و دعا فاطمة عليهاالسلام فكانت في هذا الموضع نساءه، و دعا أميرالمؤمنين عليه‏السلام فكان نفسه بحكم اللَّه عزّ و جلّ، و قد ثبت أنّه ليس أحد من خلق اللَّه تعالى أجلّ من رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و أفضل، فواجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بحكم اللَّه جلّ و عزّ.
قال: فقال له المأمون: أليس قد ذكر اللَّه الأبناء بلفظ الجمع، و إنّما دعا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ابنيه خاصّة؟ و ذكر النساء بلفظ الجمع، و إنّما دعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ابنته وحدها؟ فإلّا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه و يكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأميرالمؤمنين عليه‏السلام ما ذكرت من الفضل؟
قال: فقال له الرّضا عليه‏السلام: ليس يصحّ ما ذكرت- يا أميرالمؤمنين!!- و ذلك أنّ الدّاعي إنّما يكون داعياً لغيره، كما أنّ الأمير أمر لغيره، و لا يصحّ أن يكون داعياً لنفسه في الحقيقة، كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة، و إذا لم يدع رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في المباهلة رجلاً إلّا أميرالمؤمنين عليه‏السلام فقد ثبت أنّه نفسه الّتي عناها اللَّه سبحانه في كتابه، و جعل حكمه ذلك في تنزيله.
قال: فقال المأمون: إذا ورد الجواب سقط السؤال. (3).
511/ 3- قال الزمخشري في كتاب «الكشّاف»: روي: أنّه لمّا دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتّى نرجع و ننظر فنأتيك غداً، فلمّا تخالوا قالوا للعاقب- و كان ذا رأيهم-: يا عبدالمسيح! ما ترى؟
فقال: واللَّه؛ لقد عرفتم يا معشر النصارى! إنّ محمّداً نبي مرسل، و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، واللَّه؛ ما باهل قوم نبيّاً قطّ فعاش كبيرهم و لانبت صغيرهم، ولئن فعلتم لتهلكنّ، فإن أبيتم إلاّ إلف دينكم و الإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتوا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: و قد غدا محتضناً الحسين عليه‏السلام آخذاً بيد الحسن عليه‏السلام، و فاطمة عليهاالسلام تمشي خلفه، و علي عليه السلام خلفها و هو يقول: إذا أنا دعوت فأمّنوا.
فقال اُسقف نجران: يا معشر النصارى! إنّي لأرى وجوهاً لو شاء اللَّه أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، فلم يبق على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فقالوا: يا أباالقاسم! رأينا أن لا نباهلك، و أن نقرّك على دينك و نثبت على ديننا.
قال صلى الله عليه و آله و سلم: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم، فأبوا.
قال: فإنّي اُناجزكم.
فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا و لا تخيفنا و لا تردّنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفي حلّة: ألفاً في صفر و ألفاً في رجب و ثلاثين درعاً عادية من حديد.
فصالحهم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم على ذلك، و قال: والّذي نفسي بيده؛ إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير، و لاضطرم عليهما الوادي ناراً، ولاستأصل اللَّه نجران و أهله حتّى الطير على رؤوس الشجر، و لما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى يهلكوا.
و عن عائشة: أنّ رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم خرج و عليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن عليه‏السلام فأدخله، ثمّ جاء الحسين عليه‏السلام فأدخله، ثمّ جاء فاطمة عليهاالسلام، ثمّ عليّ عليه‏السلام، ثمّ قال: (إِنّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرِجْسَ أَهْل البَيْت وَ يُطَهِّركُم تَطْهيراً) (4).
فإن قلت: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلاّ ليتبيّن الكاذب منه و من خصمه، و ذلك أمر يختصّ به و بمن يكاذبه، فما معنى ضمّ الأبناء والنساء؟
قلت: كان ذلك آكد للدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزّته و أفلاذ كبده و أحبّ النّاس إليه لذلك، و لم يقتصر على تعريض نفسه له؛
و على ثقته أيضاً بكذب خصمه حتّى يهلك مع أحبّته و أعزّته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة.
و خصّ الأبناء والنساء، لأنّهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب، و ربّما فداهم الرجل بنفسه و حارب دونهم حتّى يقتل، و من ثمّ كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعاين في الحروب، لتمنعهم من الهرب، و يسمّون الذّادة عنها حماة الحقائق.
و قدّمهم في الذكر على الأنفس لينبّه على لطف مكانهم و قرب منزلتهم، و ليؤذن بأنّهم مقدّمون على الأنفس مفدون بها، و فيه دليل لا شي‏ء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم‏السلام.
و فيه برهان واضح على صحّة نبوّة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، لأنّه لم يرو أحد من موافق و لا مخالف أنّهم أجابوا إلى ذلك، انتهى كلام الزمخشري. (5).
أقول: لقد أحسن القول و أجاد الزمخشري، و هذا برهان قاطع، فمن شكّ فيه كمن يشكّ في إنارة الشمس في اُفق السّماء السحاب يسترها، فهم أولى النّاس وأليق بعد رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بالخلافة والولاية والإمارة على المسلمين، فغيرهم لا يليق بها، و لا ينال عهد اللَّه الظالمين.
512/ 4- قال السيّد بن طاووس رحمه‏الله في (الطرائف): ذكر النقّاش في تفسره (شفاء الصدور) ما هذا لفظه: قوله عزّ و جلّ: (قُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءكُمْ) قال أبوبكر: جائت الأخبار بأنّ رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أخذ بيد الحسن و حمل الحسين عليهماالسلام على صدره- و يقال: بيده الاُخرى- و عليّ عليه‏السلام معه، و فاطمة عليهاالسلام من ورائهم.
فحصلت هذه الفضيلة للحسن والحسين عليهماالسلام من بين جميع أبناء أهل‏بيت رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و أبناء اُمّته، و حصلت هذه الفضيلة لفاطمة عليهاالسلام بنت رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من بين بنات النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و بنات أهل بيته و بنات اُمّته، و حصلت هذه الفضيلة لأميرالمؤمنين عليّ عليه‏السلام من بين أقارب رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و من أهل بيته و اُمّته بأن جعله رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كنفسه يقول: (وَ اَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ). (6).
أقول لأبي‏بكر: ما جعله الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كنفسه، بل جعله اللَّه كنفس رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم. و إن كان جعل رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كجعل اللَّه تعالى، لأنّه ما ينطق عن الهوى. (7).
513/ 5- جرير، عن الأعمش قال: كانت المباهلة ليلة إحدى و عشرين من ذي الحجّة، و كان تزويج فاطمة لعليّ بن أبي‏طالب عليهماالسلام يوم خمسة و عشرين من ذي الحجّة، و كان يوم غدير خمّ يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة.
هذا آخر كلام النقّاش، و قد ذكر الخطيب في (تاريخ بغداد) فضل أبي‏بكر محمّد بن الحسن بن زياد النقّاش و كثرة رجاله، و أنّ الدارقطنيّ و غيره رووا عنه و ذكر أنّه قال عند موته: (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العامِلونَ) (8) ثمّ مات في الحال. (9).
514/ 6- و من ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من طرق:
فمنها؛ في الجزء الرابع في باب فضائل أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام في ثالث كرّاس من أوّله من الكتاب الّذي نقل الحديث منه في تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ حاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جائَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلى الكاذِبينَ) (10).
فرفع مسلم الحديث إلى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و هو طويل يتضمّن عدّة فضائل لعليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام خاصّة يقول في آخره: و لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً و فاطمة و حسناً و حسيناً عليهم‏السلام و قال: اللهمّ هؤلاء أهل بيتي.
و رواه أيضاً مسلم في أواخر الجزء المذكور على حدّ كرّاسين من النسخة المنقول منها؛
و رواه أيضاً الحميدي في (الجمع بين الصحيحين) في مسند سعد بن أبي‏وقّاص في الحديث السادس من أفراد مسلم؛
و رواه الثعلبي في تفسير هذه الآية عن مقاتل والكلبيّ. (11).
قال العلّامة المجلسي رحمه‏الله: ثمّ ساق الحديث مثل ما مرّ في الرواية الاُولى للزمخشريّ، ثمّ قال السيّد رحمه‏الله: و رواه أيضاً أبوبكر بن مردويه بأجمل من هذه الألفاظ، و هذه المعاني عن ابن‏عبّاس والحسن والشعبيّ والسدّي، و في رواية الثعلبيّ زيادة في آخر حديثه و هي: قال: والّذي نفسي بيده؛ إنّ العذاب قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير، و لاضطرم عليهم الوادي ناراً، و لاستأصل اللَّه نجران و أهله حتّى الطير على الشجر، و لما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى هلكوا، فأنزل اللَّه تعالى: (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الحَقُّ وَ ما مِنْ إِله إِلَّا اللَّه وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَليمٌ بِالْمُفْسِدينَ) (12). (13).
515/ 7- و رواه الشافعي ابن المغازليّ في كتاب (المناقب) عن الشعبي، عن جابر بن عبداللَّه قال: قدم وفد النجران على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم العاقب والطيّب، فدعاهما إلى الإسلام.
فقالا: أسلمنا يا محمّد! قبلك.
قال: كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام؟
قالا: هات.
قال: حبّ الصليب، و شرب الخمر، و أكل الخنزير، فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه أن يغادياه بالغدوة.
فغدا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و أخذ بيد عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام، ثمّ أرسل إليهما: فأبيا أن يجيبا فأقرّا بالخراج.
فقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً؛ لو فعلا لأمطر اللَّه عليهما الوادي ناراً.
قال جابر: فيهم نزلت هذه الآية: (نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) الآية.
قال الشعبيّ: (أَبْناءَنا): الحسن والحسين عليهماالسلام؛ (وَ نِساءَنا): فاطمة عليهاالسلام، (وَ أَنْفُسَنا): عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام. (14).
و قال السيوطي في «الدرّ المنثور»: أخرج الحاكم و صحّحه و ابن‏مردويه و أبونعيم في «الدلائل» عن جابر قال: قدم على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم العاقب والسيّد، فدعاهما إلى الإسلام، و ذكر نحو ما مرّ و قال: في آخره: قال جابر: (أَنْفُسَنا و أَنْفُسَكُمْ): رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام، (أَبْنائَنا): الحسن والحسين عليهماالسلام، (وَ نِساءَنا): فاطمة عليهاالسلام.
516/ 8- قال: و أخرج البيهقيّ في «الدلائل» من طريق سلمة بن عبد يشوع، عن أبيه، عن جدّه: إنّ رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه (طس) سليمان:
بسم إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب، من محمّد رسول‏اللَّه إلى اُسقف نجران و أهل نجران، إن أسلمتم فإنّي أحمد إليكم إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب.
أمّا بعد؛ فإنّي أدعوكم إلى عبادة اللَّه من عبادة العباد، و أدعوكم إلى ولاية اللَّه من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، و إن أبيتم فقد اُوذنتم بحرب، والسلام.
فلمّا قرء الاُسقف الكتاب فظع به و ذعر ذعراً شديداً، فبعث إلى رجل من أهل نجران- يقال له: شرحبيل بن وادعة- فدفع إليه كتاب رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فقرءه فقال له الاُسقف: ما رأيك؟
فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد اللَّه إبراهيم في ذرّيّته إسماعيل من النبوّة، فما يؤمن من أن يكون ذلك الرجل ليس لي في النبوّة رأي، لو كان أمر من أمر الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك.
فبعث الاُسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران، فكلّهم قال مثل قول شرحبيل، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وادعة و عبداللَّه بن شرحبيل و جبّار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم.
فانطلق الوفد حتّى أتوا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فسألهم و سألوه، فلم تنزل به و بهم المسألة حتّى قالوا له: ما تقول في عيسى بن مريم؟
فقال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: ما عندي فيه شي‏ء يومي هذا، فأقيموا حتّى أخبركم بما يقال لي في عيسى مسيح الغداة، فأنزل اللَّه: (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) إلى قوله: (فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الكاذِبينَ).
فأبوا أن يقرّوا بذلك، فلمّا أصبح رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين عليهماالسلام في خميلة له، و فاطمة عليهاالسلام تمشي عند ظهره للملاعنة، و له يومئذ عدّة نسوة.
فقال شرحبيل لصاحبيه: إنّي رآى أمراً مقبلاً، إن كان هذا الرجل نبيّاً مرسلاً فنلا عنه لا يبقى على وجه الأرض منّا شعر و لا ظفر إلاّ هلك.
فقالا له: ما رأيك؟
فقال: رأيي أن اُحكّمه، فإنّي أرى رجلاً مقبلاً لا يحكم شططاً أبداً.
فقال له: أنت و ذاك، فتلقّى شرحبيل رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقال: إنّي قد رأيت خيراً من ملاعنتك.
قال: و ما هو؟
قال: اُحكمّك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح، فمهما حكمت فينا فهو جائز.
فرجع رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و لم يلاعنهم، و صالحهم على الجزية. (15).
517/ 9- و أخرج أبونعيم في (الدلائل) من طريق الكلبيّ، عن أبي‏صالح، عن ابن‏عبّاس: إنّ و فد نجران من النصارى قدموا على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و هم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، منهم السيّد، و هو الكبير، والعاقب؛ و هو الّذي يكون بعده صاحب رأيهم.
فقال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: أسلما.
قالا: أسلمنا.
قال: ما أسلمتما؟
قالا: بلى، قد أسلمنا قبلك.
قال: كذبتما يمنعكما من الإسلام ثلاث فيكما: عبادتكما الصليب، و اُكلكما الخنزير، و زعمكما إنّ للَّه ولداً، فنزل (إِنَّ مَثَلَ عيسى) الآية.
فلمّا قرأها عليهم قالوا: ما نعرف ما تقول؟
فنزل (فَمَن حاجّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ)؛
يقول: من جاء لك في أمر عيسى من بعد ما جاءك من القرآن (فَقُلْ تَعالَوا) إلى قوله: (ثُمَّ نَبْتَهِلْ)؛
يقول: نجتهد في الدعاء أنّ الّذي جاء به محمّد صلى الله عليه و آله و سلم هو الحقّ، و أنّ الّذي يقولون هو الباطل.
فقال لهم: إنّ اللَّه قد أمرني إن لم تقبلوا هذا أن اُباهلكم.
فقالوا: يا أباالقاسم! بل نرجع فننظر في أمرنا ثمّ نأتيك، فخلا بعضهم ببعض ليصادقوا فيما بينهم؛
قال السيّد للعاقب: قد واللَّه؛ علمتم أنّ الرجل نبيّ فلو لاعنتموه لاستؤصلتم، و ما لاعن قوم قط نبيّاً فعاش كبيرهم و نبت صغيرهم، فإن أنتم لم تتبعوه و أبيتم إلّا إلف دينكم، فوادعوه وارجعوا إلى بلادكم.
و قد كان رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم خرج و معه عليّ والحسن والحسين و فاطمة عليهم‏السلام، فقال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: إن أنا دعوت فأمّنوا أنتم.
فأبوا أن يلاعنوه، و صالحوه على الجزية.
و أخرج ابن أبي‏شيبة و سعيد بن منصور و عبد بن حميد و ابن‏جرير و أبونعيم عن الشعبي، و ساق الحديث إلى قوله: فواعدوه لغد.
فغدا النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و معه الحسن والحسين و فاطمة عليهم‏السلام، فأبوا أن يلاعنوه و صالحوه على الجزية. فقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: لقد أتاني البشر بهلكة أهل نجران حتّى الطير على الشجر لو تمّوا على الملاعنة. (16).
518/ 10- و أخرج مسلم؛ والترمذيّ؛ و ابن‏المنذر؛ والحاكم؛ والبيهقي في سننه عن سعد ابن أبي‏وقّاص قال: لمّا نزلت هذه الآية: (قُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُم) دعا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً و فاطمة و حسناً و حسيناً عليهم‏السلام فقال: اللهمّ هؤلاء أهلي. (17).
519/ 11- و أخرج ابن‏جرير، عن علباء بن أحمر اليشكري قال:
لمّا نزلت هذه الآية (قُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) الآية، أرسل رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إلى عليّ و فاطمة و ابنيها: الحسن والحسين عليهم‏السلام، و دعا اليهود ليلا عنهم.
فقال شاب من اليهود: و يحكم! أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الّذين مسخوا قردة و خنازير؟ لا تلاعنوا فانتهوا. (18).
520/ 12- روى ابن بطريق في «العمدة» نزول آية المباهلة فيهم بأسانيد من صحيح مسلم؛ و تفسير الثعلبي؛ و مناقب ابن المغازليّ؛
و روى ابن الأثير في «جامع الاُصول» من صحيح مسلم، عن سعد بن أبي‏وقّاص قال: لمّا نزلت هذه الآية (نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) دعا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام فقال: اللهمّ هؤلاء أهلي. (19).
521/ 13- و قال الطبرسي رحمه‏الله: أجمع المفسّرون على أنّ المراد بأبناءنا: الحسن والحسين عليهماالسلام.
قال أبوبكر الرازي: هذا يدلّ على أنّ الحسن والحسين عليهماالسلام ابنا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، و أنّ ولد الإبنة؛ ابن على الحقيقة.
و قال ابن أبي علاّن- و هو أحد أئمّة المعتزلة-: هذا يدلّ على أنّ الحسن والحسين عليهماالسلام كانا مكلّفين في تلك الحال، لأنّ المباهلة لا تجوز إلّا مع البالغين.
و قال أصحابنا: إنّ صغر السنّ و نقصانها عن حدّ بلوغ الحلم لا ينافي كمال العقل، و إنّما جعل بلوغ الحلم حدّاً لتعلّق الأحكام الشرعيّة، و كان سنّهما في تلك الحال سنّاً لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقل، على أنّ عندنا يجوز أن يخرق اللَّه العادات للأئمّة و يخصّهم بما لا يشركهم فيه غيرهم.
فلو صحّ أنّ كمال العقل غير معتاد في تلك السنّ لجاز ذلك فيهم إبانة لهم عمّن سواهم، و دلالة على مكانهم من اللَّه تعالى و اختصاصهم به، و ممّا يؤيّده من
الأخبار قول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا.
(وَ نِساءَنا): اتّفقوا على أنّ المراد به فاطمة عليهاالسلام، لأنّه لم يحضر المباهلة غيرها من النساء، و هذا يدلّ على تفضيل الزهراء عليهاالسلام على جميع النساء.
(وَ أَنْفُسَنا): يعني عليّاً عليه‏السلام خاصّة، و لا يجوز أن يكون المعنى به النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، لأنّه هو الداعي، و لا يجوز أن يدعوا الإنسان نفسه، و إنّما يصحّ أن يدعو غيره، و إذا كان قوله: (وَ أَنْفُسَنا) لابدّ أن يكون إشارة إلى غير الرسول وجب أن يكون إشارة إلى عليّ عليه‏السلام، لأنّه لا أحد يدّعي دخول غير أميرالمؤمنين عليه‏السلام و زوجته و ولديه عليهم‏السلام في المباهلة.
و هذا يدلّ على غاية الفضل و علوّ الدرجة والبلوغ منه إلى حيث لا يبلغه أحد، إذ جعله اللَّه سبحانه نفس الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، و هذا ما لايدانيه أحد و لا يقاربه، انتهى. (20).
أقول: لا يخلو الأمر من ثلاثة احتمالات: إمّا أن يحضر النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم للمباهلة الّتي هي للتحدّي والتعجيز أدنى أبناء اُمّته، والنساء والرّجال كذلك، هذا ممنوع عقلاً.
و إمّا أن يحضر معه من أوساط اُمّته، و هذا أيضاً ممنوع، لأنّ فيه ترجيحاً بلا مرجّح، فيبقى أن يحضر معه أعلى الاُمّة و أفضلهم من حيث الإيمان باللَّه و أقرب النّاس إلى اللَّه و أعزّهم عنده و عنداللَّه، و أكرمهم عنداللَّه منزلة و مقاماً و كرامتاً، فهو المطلوب، و ثبت بإجماع الاُمّة و ضرورة القول أنّه لم يحضر للمباهلة مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم إلّا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام.
فتمّ المباهلة والتحدّي والإعجاز لنبوّة النبيّ محمّد بن عبداللَّه خاتم المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم، فهولاء المكرّمون سبب إتمام إعجاز النبيّ و حجج اللَّه على الخلق و أبواب اللَّه الّذين لا يؤتى إلّا بهم، من آتاهم فقد نجى، و من تخلّف عنهم فقد هلك، فهم أدلّاء على اللَّه، و أولياء الأمر، فسبحان اللَّه الّذي أعلم حيث يجعل رسالته، و أعلم حيث يجعل ولايته.
522/ 14- قال العلّامة المجلسي رحمه‏الله: و يدلّ على كون المراد بأنفسنا أميرالمؤمنين عليه‏السلام ما رواه ابن‏حجر في صواعقه رواية عن الدارقطني: إنّ عليّاً عليه‏السلام يوم الشورى احتجّ على أهلها، فقال لهم: اُنشدكم اللَّه هل فيكم أحد أقرب إلى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في الرحم منّي؟ و من جعله نفسه، و أبناءه أبناءه، و نساءه نساءه غيري؟
قالوا: اللهمّ لا، انتهى.
و لا يخفى أنّ تخصيص هؤلاء من بين جميع أقاربه صلى الله عليه و آله و سلم للمباهلة دون عبّاس و عقيل و جعفر و غيرهم لا يكون إلّا لأحد شيئين:
إمّا لكونهم أقرب الخلق إلى اللَّه بعده حيث استعان بهم في الدعاء على العدوّ دون غيرهم.
و إمّا لكونهم أعزّ الخلق عليه، حيث عرضهم للمباهلة إظهاراً لوثوقه على حقّيّته، حيث لم يبال بأن يدعو الخصم عليهم مع شدّة حبّه لهم؛
و ظاهر أنّ حبّه صلى الله عليه و آله و سلم لم يكن من جهة البشريّة و الاُمور الدنيويّة، بل لم يكن يحبّ إلّا من يحبّه اللَّه، ولم يكن حبّه إلّا خالصاً للَّه.
كيف لا؟ و قد ذمّ اللَّه تعالى و رسوله ذلك في كثير من الآيات و الأخبار، و كلّ من يدّعي درجة نازلة من الولاية والمحبّة يتبرّأ من حبّ الأولاد والنساء والأقارب لمحض القربة، أو للأغراض الفاسدة.
و قد نرى كثيراً من النّاس يذمّهم العقلاء بأنّهم يحبّون بعض أولادهم مع أنّ غيرهم أعلم و أصلح و أتقى و أورع منهم.
و أيضاً معلوم من سيرته صلى الله عليه و آله و سلم إنّه كان يعادي كثيراً من عشائره، لكونهم أعداء اللَّه و يقاتلهم، و كان يحبّ و يقرّب الأباعد و من ليس له نسب و لا حسب، لكونهم أولياء اللَّه، كما قال سيّد الساجدين: (و والى فيك الأبعدين، و عادى فيك الأقربين).
و أيضاً استدلّ المخالفون بخبرهم الموضوع المفترى: لو كنت متّخذاً خليلاً لا تّخذت أبابكر خليلاً! على فضله!!
و كيف يثبت له فضل لو كانت خلّته منوطة بالأغراض الدنيويّة؟
فإذا ثبت ذلك فيرجع هذا أيضاً إلى كونهم أقرب الخلق و أحبّهم إلى اللَّه، فيكونون أفضل من غيرهم، فيقبح عقلاً تقديم غيرهم عليهم.
و أيضاً لمّا ثبت أنّ المقصود بنفس الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في هذه الآية، و ليس المراد النفسيّة الحقيقة، لامتناع اتّحاد الإثنين، و أقرب المجازات إلى الحقيقة اشتراكهما في الصفات والكمالات و خرجت النبوّة بالدليل فبقي غيرها و من جملتها وجوب الطاعة والرئاسة العامّة والفضل على من سواه و سائر الفضائل.
و لو تنزّلنا عن ذلك فالمجاز الشائع الذائع في استعمال هذا اللفظ كون الرجل عزيزاً على غيره و أحبّ الخلق إليه كنفسه، فيدلّ أيضاً على أفضليّته و إمامته بما مرّ من التقرير.
و ذكر إمامهم الرازي في «التفسير» و «الأربعين» الاستدلال بهذه على كون أميرالمؤمنين عليه‏السلام أفضل من الأنبياء و سائر الصحابة عن بعض الإماميّة بما مرّ، لكن على وجه مبسوط.
ثمّ قال في الجواب: كما أنّ الإجماع انعقد على أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أفضل من الأنبياء فكذلك انعقد الإجماع على أنّ الأنبياء أفضل من غيرهم.
و أعرض عن ذكر الصحابة، لأنّه لم يكن عنده فيهم جواب، و ما ذكره في الجواب عن الأنبياء فهو في غاية الوهن، لأنّ الإجماع الّذي ادّعاه إن أراد به
إجماعهم فحجّيّته عند الإماميّة ممنوعة.
و إن أراد إجماع الاُمّة فتحقّقه عندهم ممنوع، لأنّ أكثر الإماميّة قائلون بكون أئمّتنا عليهم‏السلام أفضل من سائر الأنبياء و أخبارهم الدالّة على ذلك مستفيضة عندهم، و لم يتصرّف في سائر المقدّمات و لم يتعرّض لمنعها و دفعها- مع أنّه إمام المشكّكين عندهم- لغاية متانتها و وضوحها، و لنتعرّض لدفع بعض الشبه الواهية والمنوع الباردة الّتي يمكن أن يخطر ببال بعض المتعسّفين.
فنقول: إن قال قائل: يمكن أن تكون الدعوة متعلّقة بالنفس مجازاً و ما ارتكبتموه من التجوّز ليس بأولى من هذا المجاز.
فنقول: يمكن الجواب عنه بوجهين:
الأوّل: أنّ التجوّز في النفس أشهر و أشيع عند العرب والعجم، فيقول أحدهم لغيره: يا روحى! و يا نفسى!
و في خصوص هذه المادّة وردت روايات كثيرة بهذا المعنى من الجانبين، كما سنذكره في باب اختصاصه عليه‏السلام به.
و قد ورد في صحاحهم أنّه صلى الله عليه و آله و سلم قال لعليّ عليه‏السلام: أنت منّي و أنا منك.
و قال: عليّ عليه‏السلام منّي بمنزلة رأسي من جسدي.
و في رواية اُخرى: بمنزلة روحي من جسدي.
و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لأبعثنّ إليكم رجلاً كنفسي.
و أمثال ذلك كثيرة، فكلّ ذلك قرينة مرجّحة لهذا المجاز.
و الثاني: أن نقول: الآية على جميع محتملاتها تدلّ على فضله عليه‏السلام و كونه أولى بالإمامة، لانّ قوله تعالى: (نَدْعُ) بصيغة التكلّم، إمّا باعتبار دخول المخاطبين، أو للتعظيم، أو لدخول الاُمّة، أو الصحابة، و على الأخيرين يكون المعنى: ندع أبناءنا و تدعوا أبناءكم.
و لا يخفى أنّ الأوّل أظهر، و هو أيضاً في بادى‏ء النظر يحتمل الوجهي الأوّل: أن يكون المعنى: يدعو كلّ منّا و منكم أبناءه و نساءه و نفسه.
الثاني: أن يكون المعنى: يدعو كلّ منّا و منكم أبناء الجانبين و هكذا.
و الأوّل أظهر كما صرّح به أكثر المفسّرين، و هذه الاحتمالات لا مدخل لها فيما نحن بصدده، و سيظهر حالها فيما سنورده في الوجوه الآتية.
و أمّا جمعيّة الأبناء والنساء والأنفس فيحتمل أن تكون للتعظيم، أو لدخول الاُمّة، أو الصحابة فيها، أو لدخول المخاطبين فيها، فيكون التقدير: أبناءنا و إيّاكم، و يكون إعادة الأبناء لمرجوحيّة العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ.
أو تكون الجمعيّة باعتبار أنّه بظاهر الحال كان يحتمل أن يكون من يصلح للمباهلة جماعة من كلّ صنف، فلمّا لم يجد من يصلح لذلك من جانبه سوى هؤلاء اقتصر عليهم، و تعيين الجماعة قبل تحقيق المباهلة لم يكن ضروراً.
و كذا جمعيّة الضمير في «أبناءنا» و «نساءنا» و «أنفسنا» تحتمل ما سوى الوجه الثالث، والوجه الثالث في الأوّل أيضاً بعيد جدّاً، لأنّه معلوم أنّ دعوة كلّ منهما تختصّ بفريقه.
فنرجع و نقول: لو كانت الجمعيّة للتعظيم، و كان المراد نفس من تصدّى للمباهلة، و كان المتصدّي لها من هذا الجانب الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، فلا وجه لإدخال أميرالمؤمنين عليه‏السلام في ذلك.
مع أنّه كان داخلاً باتّفاق الفريقين و رواياتهم، و كان للنصارى أن يقولوا: لم آتيت به و هو لم يكن داخلاً فيمن شرطنا؟
إلّا أن يقولوا: كان لشدّة الاختصاص والتناسب و قرب المنزلة بمنزلة نفسه، فلذا أتى به، و هو مع بُعده لو ارتكبته كان مستلزماً لمقصودنا على أتمّ وجه، بل هو أدعى لمطلوبنا من الوجه الّذي دفعتم، فقد وقعتم فيما منه فررتم!
و أمّا الوجه الثاني؛ فنقول: لو كانت الاُمّة والصحابة داخلين في المباهلة
فلِمَ لم يأت بجميع من حضر منهم؟
إلّا أن يقال: إحضار الجميع لمّا كان موجباً للغوغاء العام و موهماً لعدم اعتماده على حقّيته، بل كان اعتماده على كثرة النّاس ليرهب به العدوّ، أو ليتّكل على دعائهم، فلذلك أتى بنفسه، لأنّه كان نبيّهم و أولى بهم، و ضامناً لصحّة معتقدهم، و بعليّ عليه‏السلام، لأنّه كان إمامهم و قائدهم و اُولى بهم والشاهد على صحّة نبوّة نبيّهم، والتالي له في الفضل، و لاتحاد أبنائهما، و انتساب فاطمة عليهاالسلام إليهما، فأتى كلّ منهما مع أبنائه و نسائه نيابة عن جميع الاُمّة، و إلّا فلا وجه لتخصيصه عليه‏السلام من بين سائر الصحابة.
فهذا أصرح في مقصودنا و أقوى في إثبات مطلوبنا. و كذا الوجه الرابع يتضمّن ثبوت المدّعى، إذ لو لم يكن في جميع الاُمّة والصحابة من يصلح للمباهلة غيرهم فهم أقرب الخلق إلى اللَّه والرسول و أولى بالإمامة و سائر المنازل الشريفة من سائر الصحابة.
فإن قيل: الحمل على أقرب المجازات إنّما يكون متعيّناً لو لم يكن معنى آخر شائعاً، و معلوم أنّ إطلاق النفس على الغير في مقام إظهار غاية المحبّة والاختصاص شائع.
قلنا: ما مرّ من الأخبار بعد التأمّل فيها كانت أقوى القرائن على هذا المعنى؟ و لو سلّم فدلالته على الأولويّة في الإمامة والخلافة ثابتة بهذا الوجه أيضاً، كما عرفت و هو مقصودنا الأهمّ في هذا المقام.
و أمّا الفضل على الأنبياء؛ فهو ثابت بأخبارنا المستفيضة، و لا حاجة لنا إلى الاستدلال بالآية، و إن كانت عند المنصف ظاهرة الدلالة.
و في المقام تحقيقات طريفة و كلمات شريفة أسلفناها مع جلّ الأخبار المتعلّقة بهذا المطلوب في كتاب النبوّة، و إنّما أوردنا هاهنا قليلاً من كثير، لئلّا [430]
يخلو هذا المجلّد عن جملة منها، واللَّه المستعان. (21).
أقول: إنّما أوردت الاستدلالات الّتي ذكرت في «البحار» المجلّد خمسة و ثلاثين بتفصيله لأهمّية الموضوع، و ليعلم وهنيّة كلام المخالف، و متانة كلام أصحابنا الإماميّة من الشيخ الأعظم المفيد والطبرسي والعلّامة المجلسي رضوان اللَّه تعالى عليهم و غيرهم.
و ليوضح أنّ أفضليّة أصحاب الكساء- خاصّة أفضليّة أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب عليهم‏السلام- أوضح من الشمس في رابعة النهار، و بهذه البراهين الواضحة القاطعة و سائر البراهين من الآيات و الروايات و الأخبار من الجانبين و بضرورة حكم العقل ثبت أنّ ولاية الاُمّة و الخلافته من الرّسول الأعظم و إمرة المؤمنين مختصّة بعليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام بعد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم.
523/ 15- ابن‏شاذويه المؤدّب؛ و جعفر بن محمّد بن مسرور معاً، عن محمّد الحميري، عن أبيه، عن الريّان بن الصلت قال: حضر الرضا عليه‏السلام مجلس المأمون بمرو و قد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق و خراسان.. إلى أن قال الرضا عليه‏السلام:
و أمّا الثالثة: فحين ميّز اللَّه الطاهرين من خلقه، فأمر نبيّه صلى الله عليه و آله و سلم بالمباهلة بهم في آية الابتهال، فقال عزّ و جلّ: يا محمّد! (فَمَنْ حاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جائَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلى الكاذِبينَ).
فأبرز النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً والحسن والحسين و فاطمة عليهم‏السلام، و قرن أنفسهم بنفسه، فهل تدرون ما معنى قوله: «و أنفسنا و أنفسكم»؟
قالت العلماء: عنى به نفسه.
إنّ آية (الأَحْياءُ) و آية (الصِدّيقينَ) نزلت في شأن فاطمة 575/ 1- مالك بن أنس، عن ابن‏شهاب، عن أبي‏صالح، عن ابن‏عبّاس في قوله تعالى: (وَ ما يَسْتَوى الأَعْمى) أبوجهل (وَالْبَصير) أميرالمؤمنين عليه‏السلام (وَ لا الظُلُماتُ) أبوجهل (وَ لا النُورُ) أميرالمؤمنين عليه‏السلام، (وَ لا الظِلُّ) يعني ظلّ أميرالمؤمنين عليه‏السلام في الجنّة، (وَ لا الحَرورُ) يعني جهنّم.
ثمّ جمعهم جميعاً، فقال: (وَ ما يَسْتَوى الاَحْياءُ) علي و حمزة و جعفر والحسن والحسين و فاطمة و خديجة عليهم‏السلام، (وَ لا الأَمْواتُ) (22) كفّار مكّة. (23).
576/ 2- مالك ابن أنس، عن سمّي بن أبي‏صالح، في قوله: (وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَسولَ فَاُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَبِيّينَ وَالصِدّيقينَ وَالشُهَداءِ). (24).
قال: (الشُهداء) يعني عليّاً و جعفراً و حمزة والحسن والحسين عليهم‏السلام هؤلاء سادات الشهداء.
(والصالِحين) يعني سلمان و أباذر و المقداد و عمّار و بلالاً و خباباً (وَ حَسُنَ اولئِكَ رَفيقاً) يعني في الجنّة، (ذلِكَ الفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ عَليماً) (25): أنّ منزل علي و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام و منزل رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم واحد. (26).
فقال أبوالحسن عليه‏السلام: إنّما عنى بها عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام.
و ممّا يدلّ على ذلك قول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: «لينتهينّ بنو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلاً كنفسي» يعني عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام.
وعنى بالأبناء الحسن والحسين عليهماالسلام، وعنى بالنساء فاطمة عليهاالسلام.
فهذه خصوصيّة لا يتقدّمهم فيها أحد، و فضل لا يلحقهم فيه بشر، و شرف لا يسبقهم إليه خلق، إذ جعل نفس عليّ صلى الله عليه و آله و سلم كنفسه فهذه الثالثة، الخبر. (27).
524/ 16- روى ابن‏حجر العسقلانيّ في (فتح الباري شرح البخاري) في المجلّد السادس منه في شرح حديث المنزلة، ثمّ ذكر أحاديث... إلى أن قال: قال معاوية لسعد بن أبي‏وقّاص: ما منعك أن تسبّ أباتراب؟
قال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فلن أسبّه، فذكر هذا الحديث، و قوله: لأعطيّن الراية رجلاً يحبّه اللَّه و رسوله.
و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لمّا نزلت: (فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) دعا عليّاً و فاطمة الحسن والحسين عليهم‏السلام فقال صلى الله عليه و آله و سلم: اللهمّ هؤلاء أهل بيتي. (28).
525/ 17- فمن روايات الفقيه الشافعيّ ابن المغازليّ في ذلك في كتاب (المناقب) بإسناده إلى أنس قال: لمّا كان يوم المباهلة و آخى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بين المهاجرين والأنصار، و علي عليه‏السلام واقف يراه و يعرف مكانه لم يواخ بينه و بين أحد، فانصرف عليّ عليه‏السلام باكي العين، فافتقده النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم فقال: ما فعل أبوالحسن؟
قالوا: انصرف باكي العين يا رسول‏اللَّه!
قال: يا بلال! اذهب فأتني به.
فمضى بلال إلى عليّ عليه‏السلام، و قد دخل إلى منزله باكي العين. فقالت فاطمة عليهاالسلام: ما يبكيك لا أبكى اللَّه عينيك؟
قال: يا فاطمة! آخى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بين المهاجرين والأنصار، و أنا واقف يراني و يعرف مكاني و لم يواخ بيني و بين أحد.
قالت: لا يحزنك أنّه لعلّه إنّما ادّخرك لنفسه.
قال بلال: يا علي! أجب النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم.
فأتى على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: ما يبكيك يا أباالحسن؟
قال: آخيت بين المهاجرين و الأنصار يا رسول‏اللَّه! و أنا واقف تراني و تعرف مكاني، و لم تواخ بيني و بين أحد.
قال: إنّما ادّخرتك لنفسي، ألا يسرّك أن تكون أخا نبيّك؟
قال: بلى، يا رسول‏اللَّه! أنّى لي بذلك؟
فأخذ بيده و أرقاه المنبر و قال: اللهمّ هذا منّي و أنا منه، ألا إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه. (29).
526/ 18- إعلام الورى: قدم على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وفد نجران فيهم بضعة عشر رجلاً من أشرافهم، و ثلاثة نفر يتولّون اُمورهم: العاقب؛ و هو أميرهم و صاحب مشورتهم الّذي لا يصدرون إلّا عن رأيه و أمره، و إسمه عبدالمسيح، والسيّد؛ و هو ثمالهم و صاحب رحلهم، و اسمه الأيهم، و أبوحارثة بن علقمة الاُسقف؛ و هو حبرهم و إمامهم و صاحب مدارسهم، و له فيهم شرف و منزلة، و كانت ملوك الروم قد بنوا له الكنايس، و بسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم من علمه و اجتهاده في دينهم.
فلمّا وجّهوا إلى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم جلس أبوحارثة على بغله و إلى جنبه أخ
له- يقال له: كرز، أو بشر بن علقمة- يسايره، إذ عثرت بغلة أبي‏حارثة.
فقال كرز: تعس الأبعد يعني رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، و قال له أبوحارثة: بل أنت تعست.
قال له: و لم يا أخ؟
فقال: واللَّه؛ إنّه النبيّ الّذي كنّا ننتظر (ه).
فقال كرز: فما يمنعك أن تتبعه؟
فقال: ما صنع بنا هؤلاء القوم، شرّفونا و موّلونا و أكرمونا و قد أبوا إلّا خلافه، ولو فعلت نزعوا منّا كلّ ما ترى، فأضمر عليها منه أخوه كرز حتّى أسلم، ثمّ مرّ يضرب راحلته و يقول:
إليك تغدو قلقاً وضينها        معترضاً في بطنها جنينها الخبر
       مخالفاً دين النصارى دينها
فلمّا قدم على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أسلم
- قال: فقدموا على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وقت العصر و في لباسهم الديباج و ثياب الحيرة على هيئة لم يقدم بها أحد من العرب-
فقال أبوبكر: بأبي أنت و اُمّي يا رسول‏اللَّه! لو لبست حلّتك الّتي أهداها لك قيصر فرأوك فيها.
قال: ثمّ أتوا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فسلّموا عليه فلم يردّ عليه‏السلام و لم يكلّمهم.
فانطلقوا يبتغون عثمان بن عفّان و عبدالرحمان بن عوف- و كانا معرفة لهم- فوجدوهما في مجلس من المهاجرين، فقالوا: إنّ نبيّكم كتب إلينا بكتاب، فأقبلنا مجيبين له، فأتيناه فسلّمنا عليه فلم يردّ سلامنا، و لم يكلّمنا، فما الرأي؟
فقالا لعليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام: ماترى يا أباالحسن! في هؤلاء القوم؟
قال: أرى أن يضعوا حللهم هذه و خواتيمهم ثمّ يعودون إليه.
ففعلوا ذلك فسلّموا، فردّ سلامهم، ثمّ قال: والّذي بعثني بالحقّ، لقد أتوني المرّة الاُولى و إنّ إبليس لمعهم، ثمّ ساءلوه و دارسوه يومهم، و قال الاُسقف: ما تقول في السيّد المسيح يا محمّد؟
قال: هو عبداللَّه و رسوله.
قال: بل هو كذا و كذا.
فقال صلى الله عليه و آله و سلم: بل هو كذا و كذا، فترادّا، فنزل على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من صدر سورة آل‏عمران نحو من سبعين آية يتبع بعضها بعضاً، و فيما أنزل اللَّه: (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْداللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ)... إلى قوله: (عَلى الكاذِبينَ).
فقالوا للنبي صلى الله عليه و آله و سلم: نباهلك غداً، و قال أبوحارثة لأصحابه: انظروا فإن كان محمّد غدا بولده و أهل بيته، فاحذروا مباهلته، و إن غدا بأصحابه و أتباعه، فباهلوه.
قال أبان: حدّثني الحسين بن دينار، عن الحسن البصري قال: غدا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم آخذاً بيد الحسن والحسين عليهماالسلام، تتبعه فاطمة عليهاالسلام، و بين يديه عليّ عليه‏السلام، و غدا العاقب والسيّد بابنين على أحدهما درّتان كانّهما بيضتا حمام، فحفّوا بأبي حارثة، فقال أبوحارثة: من هؤلاء معه؟
قالوا: هذا ابن عمّه زوج ابنته، و هذان ابنا ابنته، و هذه بنته أعزّ النّاس عليه و أقربهم إلى قلبه.
و تقدّم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فجثا على ركبتيه.
فقال أبوحارثة: جثا واللَّه؛ كما جثا الأنبياء للمباهلة، فكعّ و لم يقدم على المباهلة.
فقال له السيّد: ادن يا أباحارثة للمباهلة.
فقال: لا، إنّي لأرى رجلاً جريئاً على المباهلة، و أنا أخاف أن يكون صادقاً فلا يحول واللَّه؛ علينا الحول و في الدنيا نصرانيّ يطعم الماء.
قال: و كان نزل العذاب من السماء لو باهلوه.
فقالوا: يا أباالقاسم! إنّا لا نباهلك، ولكن نصالحك.
فصالحهم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على ألفي حلّة من حلل الأواقي قيمة كلّ حلّة أربعون درهماً جياداً، و كتب لهم بذلك كتاباً.
و قال لأبي‏حارثة الاُسقف: لكأنّني بك قد ذهبت إلى رحلك و أنت و سنان، فجعلت مقدّمه مؤخّره.
فلمّا رجع قام يرحل راحلته فجعل رحله مقلوباً، فقال: أشهد أنّ محمّداً رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم. (30).
527/ 19- أبوعمرو، عن ابن‏عقدة، عن محمّد بن أحمد بن الحسين (الحسن، خ ل)، عن أبيه، عن هاشم بن المنذر، عن الحارث بن الحصين، عن أبي‏صادق، عن ربيعة بن ناجد عن عليّ عليه‏السلام قال:
خرج رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حين خرج لمباهلة النصارى بي و بفاطمة والحسن والحسين صلوات‏اللَّه‏عليهم. (31).
528/ 20- أبوعمرو؛ و ابن الصلت معاً عن ابن‏عقدة، عن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يوسف الضبيّ، عن محمّد بن إسحاق بن عمّار، عن هلال بن أيّوب، عن عبدالكريم، عن أبي‏اُميّة، عن مجاهد قال: قلت لابن عبّاس: من الّذين أراد رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أن يباهل بهم؟
قال: عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام، والأنفس النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و عليّ عليه‏السلام. (32).
529/ 21- محمّد بن أحمد بن أبي‏الفوارس، عن أحمد بن محمّد الصائغ، عن محمّد بن إسحاق السرّاج، عن قتيبة بن سعيد، عن حاتم، عن بكير بن يسار، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال:
لمّا نزلت هذه الآية: (نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ)، دعى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً و فاطمة و حسناً و حسيناً عليهم‏السلام و قال: اللهمّ هؤلاء أهل بيتي، الخبر. (33).
530/ 22- أبي، عن النضر، عن ابن‏سنان، عن أبي‏عبداللَّه عليه‏السلام: إنّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و كان سيّدهم الأهتم والعاقب والسيّد، و حضرت صلواتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس وصلّوا.
فقال أصحاب رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يا رسول‏اللَّه! هذا في مسجدك؟
فقال: دعوهم.
فلمّا فرغوا دنوا من رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فقالوا: إلى ما تدعو؟
فقال: إلى شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، و أنّي رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، و أنّ عيسى عبد مخلوق يأكل و يشرب و يحدث.
قالوا: فمن أبوه؟
فنزل الوحي على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فقال: قل لهم: ما يقولون في آدم؟ أكان عبداً مخلوقاً يأكل و يشرب و يحدث و ينكح؟
فسألهم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم.
فقالوا: نعم.
فقال: فمن أبوه؟
فبقوا ساكتين، فأنزل اللَّه: (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) الآية.. إلى قوله: (فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الكاذِبينَ).
فقال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: فباهلوني إن كنت صادقاً أنزلت اللعنة عليكم، و إن كنت كاذباً اُنزلت عليّ.
فقالوا: أنصفت، فتواعدوا للمباهلة.
فلمّا رجعوا إلى منازلهم، قال رؤساؤهم السيّد والعاقب والأهتم: إن باهلنا بقومه باهلناه، فإنّه ليس بنبيّ، و إن باهلنا بأهل بيته خاصّة فلا نباهله، فإنّه لا يقدم على أهل بيته إلّا و هو صادق.
فلمّا أصبحوا جاؤا إلى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و معه أميرالمؤمنين و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام.
فقال النصارى: من هؤلاء؟
فقيل لهم: هذا ابن عمّه و وصيّه و ختنه عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام و هذه ابنته فاطمة عليهاالسلام، و هذان ابناه الحسن والحسين عليهماالسلام.
ففرقوا، و قالوا لرسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: نعطيك الرضا فاعفنا عن المباهلة.
فصالحهم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على الجزية، وانصرفوا. (34).
أقول: هذا كتاب كتبه رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في الجزية مع نصارى أهل نجران و حاشيتها، و إليك نصّه:
531/ 23- نصّ الكتاب- على ما في تاريخ اليعقوبي: (2/ 67)-:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
هذا كتاب من النبيّ محمّد رسول‏اللَّه لنجران و حاشيتها، إذ كان له عليهم حكمه في كلّ بيضاء و صفراء و ثمرة و رقيق كان أفضل ذلك كلّه لهم غير ألفي حلّة من حلل الأواقي، قيمة كلّ حلة أربعون درهماً، فما زاد أو نقص فعلى هذا الحساب:
ألف في صفر، و ألف في رجب، و عليهم ثلاثون ديناراً مثواة رسلي مافوق، و عليهم في كلّ حرب كانت باليمن دروع عارية مضمونة لهم بذلك جوار اللَّه و ذمّة محمّد، فمن أكل الربا منهم بعد عامهم هذا فذمّتي منه بريئة.
فقال العاقب: يا رسول‏اللَّه! إنّا نخاف أن تأخذنا بجناية غيرنا.
فكتب: و لا يؤخذ بجناية غيره.
شهد على ذلك عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، و كتب عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام.
و أوعز المقريزي في «الامتاع»: (502) إلى ذلك الكتاب، فقال: و صالحوا على ألفي حلّة، ثمن كلّ حلّة أربعون درهماً، و على أن يضيفوا رسل رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، و جعل لهم ذمّة اللَّه و عهده على ألّا يفتنوا على دينهم، و لا يعشروا و لا يحشروا و لا يأكلوا الربا، و لا يتعاملوا به. (35).
532/ 24- روي: أنّه لمّا قدم وفد نجران دعا النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم العاقب والطيّب رئيسيهم إلى الإسلام فقالا: أسلمنا قبلك.
فقال: كذبتما يمنعكما من ذلك حبّ الصليب و شرب الخمر.
فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه على أن يغادياه، فغدا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و لقد أخذ بيد علي والحسن والحسين و فاطمة عليهم‏السلام.
فقالا: أتى بخواصّه واثقاً بديانتهم، فأبوا الملاعنة.
فقال صلى الله عليه و آله و سلم: لو فعلا لأمطر الوادي عليهم ناراً. (36).
533/ 25- حريز، عن أبي‏عبداللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: إنّ أميرالمؤمنين عليه‏السلام سئل عن فضائله، فذكر بعضها.
ثمّ قالوا له: زدنا.
فقال: إنّ رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أتاه حبران من أحبار النصارى من أهل نجران، فتكلّما في أمر عيسى، فأنزل اللَّه هذه الآية: (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) إلى آخر الآية.
فدخل رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فأخذ بيد عليّ والحسن والحسين و فاطمة عليهم‏السلام ثمّ خرج و رفع كفّه إلى السماء و فرّج بين أصابعه و دعاهم إلى المباهلة.
قال: و قال أبوجعفر عليه‏السلام: و كذلك المباهلة يشبّك يده في يده يرفعهما إلى السماء. (37)
فلمّا رآه الحبران، قال أحدهما لصاحبه: واللَّه؛ لئن كان نبيّاً لنهلكنّ، و إن كان غير نبيّ كفانا قومه، فكفّا وانصرفا. (38).
534/ 26- عن محمّد بن سعيد الاُردنيّ (الأزدي، خ ل)، عن موسى بن محمّد بن الرضا، عن أخيه أبي الحسن عليهم‏السلام أنّه قال في هذه الآية: (قُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الكاذِبينَ)
و لو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة اللَّه عليكم، لم يكونوا يجيبون للمباهلة، و قد علم أنّ نبيّه مؤدّ عنه رسالاته و ما هو من الكاذبين. (39).
أقول: ذكر هذا الحديث أيضاً في احتجاجات أبي‏الحسن عليّ بن محمّد النقي عليهماالسلام، فراجع. (40).
535/ 27- المنذر، قال: حدّثنا عليّ عليه‏السلام قال: لمّا نزلت هذه الآية (تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) الآية.
قال: أخذ بيد عليّ و فاطمة و ابنيهما عليهم‏السلام.
فقال رجل من اليهود (41): لا تفعلوا فتصيبكم عنت، فلم يدعوه (فلم يلاعنوه، خ ل) (42). (43).
536/ 28- عن عامر بن سعد قال: قال معاوية لأبي: ما يمنعك أن تسبّ أباتراب؟
قال: لثلاث رويتهنّ عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: لمّا نزلت آية المباهلة: (تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) الآية، أخذ رسول‏اللَّه بيد عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام قال: هؤلاء أهلي. (44).
537/ 29- تفسير ابن‏عبّاس و قتادة و مجاهد و ابن‏جبير والكلبيّ والحسن و ابن‏صالح والقزوينيّ والمغربي والوالبيّ؛
و في صحيح مسلم؛ و شرف الخركوشيّ و إعتقاد الأشنهيّ في قوله تعالى: (وَ نِسائَنا وَ نِساءَكُمْ) كانت فاطمة عليهاالسلام فقطّ، و هو المرويّ عن الصادق و سائر أهل البيت عليهم‏السلام. (45).
538/ 30- حديث المباهلة؛ رواه الترمذيّ في جامعه، و قال: هذا حديث حسن صحيح و ذكر مسلم: أنّ معاوية أمر سعد بن أبي‏وقّاص أن يسبّ أباتراب، فذكر قول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، الخبر.
و قوله: لأعطيّن الراية غداً رجلاً، الخبر.
و قوله تعالى: (ندع أبناءنا و أبناءكم) القصّة.
و قد رواه أبوالفتح محمّد بن أحمد بن أبي‏الفوارس بإسناده، عن سعد بن أبي‏وقّاص قال لعليّ عليه‏السلام: ثلاث فلأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النّعم، ثمّ روى الخبر بعينه.
و في اُخرى لمسلم: قال سعد بن أبي‏وقّاص: لمّا نزلت قوله تعالى: (قُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) دعا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً و فاطمة والحسن والحسين عليهماالسلام و قال: اللهمّ هؤلاء أهلي.
أبونعيم الإصفهانيّ «فيما نزل من القرآن في أميرالمؤمنين عليه‏السلام»: أنّه قال الشعبي: قال جابر: (أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُم): رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و عليّ عليه‏السلام، (وَ أَبْناءَنا): الحسن والحسين عليهماالسلام، (وَ نِساءَنا): فاطمة عليهاالسلام. (46).
539/ 31- و روى الواحديّ في «أسباب نزول القرآن» بإسناده عن عبداللَّه بن أحمد بن حنبل، عن أبيه؛
و روى ابن البيّع في «معرفة علوم الحديث» عن الكلبيّ، عن أبي‏صالح، عن ابن‏عبّاس؛
و روى مسلم في «الصحيح»؛ والترمذيّ في «الجامع»؛ و أحمد بن حنبل في «المسند»؛ و في «الفضائل» أيضاً؛ و ابن بطّة في «الإبانة»؛ و ابن ماجة القزويني في «السنن»؛ والأشنهيّ في «اعتقاد أهل السنّة»؛ والخركوشيّ في «شرف النبيّ»؛ و قد رواه محمّد بن إسحاق و قتيبة بن سعيد والحسن البصريّ و محمود
الزمخشريّ و ابن جرير الطبري والقاضي أبويوسف والقاضي المعتمد أبوالعبّاس؛
و روي عن ابن‏عبّاس و سعيد ابن جبير و مجاهد و قتادة والحسن و ابن‏صالح والشعبيّ والكلبيّ؛ و محمّد بن جعفر ابن زبير؛
و أسند أبوالفرج الإصفهاني في «الأغاني» عن شهر بن حوشب؛ و عن عمر بن عليّ؛ و عن الكلبيّ؛ و عن أبي‏صالح؛ و ابن‏عبّاس؛ و عن الشعبيّ؛ و عن الثمالي؛ و عن شريك؛ و عن جابر؛ و عن أبي‏رافع؛
و عن الصادق و عن الباقر و عن أميرالمؤمنين عليهم‏السلام؛
و قد اجتمعت الإماميّة والزيديّة مع اختلاف رواياتهم على ذلك؛ و مجمع الحديث من الطرق جميعاً:
أنّ وفد نجران كانوا أربعين رجلاً و فيهم السيّد والعاقب و قيس والحارث و عبدالمسيح بن يونان اُسقف نجران، فقال الاُسقف: يا أباالقاسم! موسى من أبوه؟
قال: عمران.
قال: فيوسف من أبوه؟
قال: يعقوب.
قال: فأنت من أبوك؟
قال: أبي؛ عبداللَّه بن عبدالمطّلب.
قال: فعيسى من أبوه؟
فأعرض النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم عنهم، فنزل: (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَ اللَّهِ) الآية، فتلاها رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فغشي عليه، فلمّا أفاق، قال: أتزعم أنّ اللَّه أوحى إليك أنّ عيسى خلق من تراب؟ ما نجد هذا فيما أوحى إليك، و لا نجده فيما أوحى إلينا، و لا يجده هؤلاء اليهود فيما أوحى إليهم، فنزل: (فَمَنْ حاجَّكَ فيه مِن بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ) الآية.
قالوا: أنصفتنا يا أباالقاسم! فمتى نباهلك؟
فقال: بالغداة، إن‏شاءاللَّه.
وانصرف النصارى، فقال السيّد لأبي الحارث: ما تصنعون بمباهلته؟
(قال:) إن كان كاذباً ما نصنع بمباهلته شيئاً، و إن كان صادقاً لنهلكنّ.
فقال الاُسقف: إن غدا فجاء بولده و أهل بيته فاحذروا مباهلته، و إن غدا بأصحابه فليس بشي‏ء.
فغدا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم محتضناً الحسين عليه‏السلام، آخذاً بيد الحسن عليه‏السلام، و فاطمة عليهاالسلام تمشي خلفه، و عليّ عليه‏السلام خلفها.
و في رواية: آخذاً بيد علي عليه‏السلام، والحسن والحسين عليهماالسلام بين يديه، و فاطمة عليهاالسلام تتبعه، ثمّ جثا بركبتيه، و جعل عليّاً عليه‏السلام أمامه بين يديه، و فاطمة عليهاالسلام بين كتفيه، والحسن عليه‏السلام عن يمينه، والحسين عليه‏السلام عن يساره، و هو يقول لهم: إذا دعوت فأمّنوا.
فقال الاُسقف: جثا واللَّه؛ محمّد كما يجثوا الأنبياء للمباهلة، و خافوا، فقالوا: يا أباالقاسم! أقلنا أقال اللَّه عثرتك.
فقال: نعم؛ قد أقلتكم.
فصالحوه على ألفي حلّة و ثلاثين درعاً و ثلاثين فرساً، و ثلاثين جملاً، و لم يلبث السيّد والعاقب إلّا يسيراً حتّى رجعا إلى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و أسلما، و أهدى العاقب له حلّة و عصا و قدحاً و نعلين.
و روي: أنّه قال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: والّذي نفسي بيده؛ أنّ العذاب قد تدلّى على أهل نجران، و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير، و لأضرم عليهم الوادي ناراً و لاستأصل اللَّه نجران و أهله حتّى الطير على رؤس الشجر، و لما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى يهلكوا.
و في رواية: لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم اللَّه عليكم ناراً تتأجّج، ثمّ ساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرفة العين فأحرقتهم تأجّجاً.
و في رواية: لو لاعنوني لقلعت دار كلّ نصرانيّ في الدّنيا.
و في رواية: أما والّذي نفسي بيده؛ لو لاعنوني ما حال الحول و بحضرتهم منهم بشر.
و كانت المباهلة يوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة.
و روي: يوم الخامس والعشرين، والأوّل أظهر. (47).
540/ 32- قال ابن‏عبّاس في قوله تعالى: (قُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ). قال: وفد وفد نجران على نبيّ اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و فيهم السيّد والعاقب و أبوالحارث و هو عبدالمسيح بن يومان (48) اُسقف نجران سادة أهل نجران، فقالوا: لم تذكر صاحبنا؟
قال: و من صاحبكم؟
قالوا: عيسى بن مريم تزعم أنّه عبداللَّه.
قال: أجل هو عبداللَّه.
قالوا: فأرنا فيمن خلق اللَّه عبداً مثله.
فأعرض النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم عنهم، فنزل جبرئيل عليه‏السلام بقوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون).. إلى قوله: (فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الكاذِبينَ) فقال لهم: (تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الكاذبينَ).
قالوا: نعم؛ نلاعنك.
فخرج رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فأخذ بيد علي عليه‏السلام و معه فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام، فقال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: هؤلاء أبناؤنا و نساؤنا و أنفسنا.
فهمّوا أن يلاعنوه، ثمّ إنّ السيّد قال لأبي الحارث والعاقب: ما تصنعون بملاعنة هذا؟ إن كان كاذباً ما نصنع بملاعنته شيئاً، و إن كان صادقاً لنهلكنّ، فصالحوه على الجزية.
فقال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: أما والّذي نفسي بيده؛ لو لاعنوني ما حال الحول و بحضرتهم بشر.
قال الصادق عليه السلام: إنّ الاُسقف قال لهم: إن غدا فجاء بولده و أهل بيته فاحذروا مباهلته، و إن غدا بأصحابه فليس بشي‏ء.
فغدا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم آخذاً بيد عليّ عليه‏السلام والحسن والحسين عليهماالسلام بين يديه و فاطمة عليهاالسلام تتبعه، و تقدّم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فجثا لركبتيه.
فقال الاُسقف: جثا واللَّه؛ محمّد كما يجثوا الأنبياء للمباهلة، وكاع عن التقدّم.
و قال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: لو لاعنوني- يعني النصارى- لقطعت دابر كلّ نصرانيّ في الدّنيا. (49).
541/ 33- الحسين بن سعيد معنعناً عن أبي‏جعفر عليه‏السلام في قوله تعالى: (أَبْناءَنا وَ أَبناءَكُمْ): الحسن والحسين عليهماالسلام، (وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ): رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام، (وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ) فاطمة الزهراء عليهاالسلام. (50).
542/ 34- جعفر بن محمّد بن سعيد الأحمسيّ معنعناً، عن أبي‏رافع قال: قال: مرّ صهيب مع أهل نجران، فذكر لرسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ما خاصموه به من أمر عيسى
بن مريم عليه الصلاة والسلام، و أنّهم دعوه ولد اللَّه.
فدعاهم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فخاصمهم و خاصموه، فقال: (تَعالَوا نَدْعُ أبْناءَنا وَ أبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ«.. إلى آخر الآية.
فدعا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً عليه‏السلام فأخذ بيده فتوكّأ عليه، و معه أبناه الحسن والحسين عليهماالسلام و فاطمة عليهاالسلام خلفهم.
فلمّا رآى النصارى أشار عليهم رجل منهم فقال: ما أرى لكم تلاعنوه، فإن كان نبيّاً هلكتم، ولكن صالحوه.
قال: فصالحوه.
قال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: لو لا عنوني ما وجد لهم أهل و لا ولد و لا مال. (51).
543/ 35- الحسين بن سعيد؛ و أحمد بن الحسن معنعناً عن الشعبيّ قال: جاء العاقب والسيّد النجرانيّان إلى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فدعاهم إلى الإسلام.
فقالا: إنّنا مسلمان.
فقال: إنّه يمنعكما من الإسلام ثلاث: أكل الخنزير و تعليق الصليب و قولكم في عيسى بن مريم.
فقالا: و من أين عيسى؟
فسكت، فنزل القرآن: (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) إلى آخر القصّة (فَنَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الكاذبين).
فقالا: فنباهلك. فتواعدوا لغد، فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه فواللَّه؛ لئن كان نبيّاً لا ترجع إلى أهلك ولك على وجه الأرض أهل و لا مال.
فلمّا أصبح النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أخذ بيد عليّ والحسن والحسين عليهم‏السلام و قدّمهم، و جعل فاطمة عليهاالسلام وراءهم، ثمّ قال لهما: تعاليا فهذا أبناؤنا: الحسن والحسين،
و هذا نساؤنا: فاطمة، و أنفسنا: عليّ.
فقالا: لانلاعنك. (52).
544/ 36- أحمد بن جعفر معنعناً عن عليّ عليه‏السلام قال: لمّا قدم وفد نجران على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قدم فيهم ثلاثة من النصارى من كبارهم: العاقب و محسن (53) والاُسقف، فجاؤا إلى اليهود و هم في بيت المدارس فصاحوا بهم: يا إخوة القردة والخنازير! هذا الرجل بين ظهرانيكم قد غلبكم، أنزلوا إلينا.
فنزل إليهم منصور اليهوديّ وكعب بن الأشرف اليهودي، فقالوا لهم: احضروا غدا نمتحنه.
قال: و كان النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم إذا صلّى الصبح قال: هاهنا من الممتحنة أحد؟ فإن وجد أحداً أجابه و إن لم يجد أحداً قرأ على أصحابه ما نزل عليه في تلك الليلة.
فلمّا صلّى الصبح جلسوا بين يديه، فقال له الاُسقف: يا أباالقاسم! فذاك موسى من أبوه؟
قال: عمران.
قال: فيوسف من أبوه؟
قال: يعقوب.
قال: فأنت فداك أبي و اُمّي؛ من أبوك؟
قال: عبداللَّه بن عبدالمطّلب.
قال: فعيسى من أبوه؟
قال: فسكت النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم.
و كان رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و ما احتاج إلى شي‏ء من المنطق فينقض عليه جبرئيل عليه‏السلام من السماء السابعة، فيصل له منطقه في أسرع من طرفة العين، فذاك قول اللَّه تعالى: (وَ ما أَمرْنا إِلّا واحِدَة كَلَمْحِ بالبصر) (53).
قال: فجاء جبرئيل عليه‏السلام، فقال: هو روح اللَّه وكلمته.
فقال له الاُسقف: يكون روح بلا جسد؟
قال: فسكت النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم.
قال: فأوحى إليه: (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَاللَّهِ كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكون).
قال: فنزا الاُسقف نزوة إعظاماً لعيسى أن يقال له: من تراب، ثمّ قال: ما نجد هذا يا محمّد! في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور، و لا تجد هذا عندك.
قال: فأوحى اللَّه إليه: (قُلْ تَعالَوْا نَدْع أبناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ).
فقالوا: أنصفتنا يا أباالقاسم! فمتى موعدك؟
قال: بالغداة، إن‏شاءاللَّه.
قال: فانصرف، و هم يقولون: لا إله إلّا اللَّه ما نبالي أيّهما أهلك اللَّه: النصرانيّة والحنفيّة إذا هلكوا غدا؟
قال عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام: فلمّا صلّى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم الصبح أخذ بيدي فجعلني بين يديه، و أخذ فاطمة عليهاالسلام فجعلها خلف ظهره، و أخذ الحسن والحسين عليهم‏السلام عن يمينه و عن شماله، ثمّ برك لهم باركاً.
فلمّا رأوه قد فعل ذلك ندموا و تؤامروا فيما بينهم و قالوا: واللَّه؛ إنّه لنبيّ، ولئن باهلنا ليستجيبنّ اللَّه له علينا فيهلكنا، و لا ينجينا شي‏ء منه إلّا أن نستقيله.
قال: فأقبلوا حتّى جلسوا بين يديه، ثمّ قالوا: يا أباالقاسم! أقلنا.
قال: نعم، قد أقلتكم، أما والّذي بعثني بالحقّ؛ لو باهلتكم ما ترك اللَّه على ظهر الأرض نصرانيّة إلّا أهلكه. (54).
545/ 37- أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن صبيح معنعناً عن شهر بن حوشب قال: قدم على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عبدالمسيح بن أبقى و معه العاقب و قيس أخوه و معه حارث بن عبدالمسيح- و هو غلام- و معه أربعون حبراً فقال: يا محمّد! كيف تقول في المسيح؟ فواللَّه؛ إنّا لننكر ما تقول؟
قال: فأوحى اللَّه تعالى إليه: (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَاللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكون).
فقال إجلالاً له ممّا يقول: بل هو اللَّه.
فأنزل اللَّه: (فَمَنْ حاجَّكَ فيه مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ).. إلى آخر الآية.
فلمّا سمع ذكر الأبناء غضب غضباً شديداً و دعا الحسن والحسين و عليّاً و فاطمة عليهم‏السلام فأقام الحسن عليه‏السلام عن يمينه والحسين عليه‏السلام عن يساره، و عليّ عليه‏السلام إلى صدره، و فاطمة عليهاالسلام إلى ورائه، فقال: هؤلاء أبناؤنا و نساؤنا و أنفسنا فائتيا لهم بأكفاء.
قال: فوثب العاقب، فقال: اُذكّرك اللَّه أن تلاعن هذا الرجل، فواللَّه؛ إن كان كاذباً مالك في ملاعنته خير، و إن كان صادقاً لا يحول الحول و منكم نافخ ضرمة.
قال: فصالحوه كلّ الصلح. (55).
546/ 38- أحمد بن يحيى معنعناً عن الشعبيّ قال: لمّا نزلت الآية: (قُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ). أخذ رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم
بيد الحسن والحسين عليهماالسلام و تبعتهم فاطمة عليهاالسلام، قال: فقال: هذه أبناؤنا و هذه نساؤنا و هذه أنفسنا عليهم‏السلام.
فقال رجل لشريك: يا أباعبداللَّه! (إِنَّ الَّذينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ البَّيِّناتِ وَالهُدى) (56).. إلى آخر الآية.
قال: يلعنهم كلّ حتّى الخنافس في حجرها، ثمّ غضب شريك واستشاط فقال: يا معافا!
فقال له رجل- يقال له: ابن المقعد-: يا أباعبداللَّه! إنّه لم يعنك.
فقال: أنت له أنفع، إنّما أرادني تركت ذكر عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام. (57).
547/ 39- قال السيّد بن طاووس رحمه‏الله في كتاب «سعد السعود»: رأيت في كتاب «تفسير ما نزل من القرآن في النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و أهل بيته» تأليف محمّد بن العبّاس بن مروان: أنّه روى خبر المباهلة من أحد و خمسين طريقاً عمّن سمّاه من الصحابة و غيرهم؛
رواه عن أبي‏الطفيل عامر بن واثلة، و عن جرير بن عبداللَّه السجستانيّ، و عن أبي‏قيس المدني، و عن أبي‏أويس المدنيّ، و عن الحسن بن مولانا عليّ عليهماالسلام؛
و عن عثمان بن عفّان، و عن سعد بن أبي‏وقّاص، و عن بكر بن سمال، و عن طلحة بن عبداللَّه، و عن الزبير بن العوام، و عن عبدالرحمان بن عوف، و عن عبداللَّه بن العبّاس، و عن أبي‏رافع مولى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم.
و عن جابر بن عبداللَّه، و عن البراء بن عازب، و عن أنس بن مالك، و عن المنكدر بن عبداللَّه، عن أبيه، و عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام؛ و عن أبي‏عبداللَّه جعفر الصادق عليه‏السلام، و عن الحسن البصري، و عن قتادة، و عن علباء بن أحمر، و عن عامر بن شراحيل الشعبي، و عن يحيى بن يعمر، و عن مجاهد، و عن شهر بن حوشب؛
و نحن نذكر حديثاً واحداً، فإنّه أجمع و هو من أوّل الوجهة الأوّلة من القائمة السادسة من الجزء الثاني بلفظه:
المنكدر بن عبداللَّه، عن أبيه، حدّثنا أبوعبداللَّه الحسين بن محمّد بن سعيد البزّاز قال: حدّثنا محمّد بن الفيض بن فيّاض أبوالحسن- بدمشق- قال: حدّثني عبدالرزّاق بن همان الصنعانيّ، قال: حدّثنا عمر بن راشد، قال: حدّثنا محمّد بن المنكدر، عن أبيه، قال: لمّا قدم السيّد والعاقب اُسقفا نجران في سبعين راكباً وفدا على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم كنت معهم وكرز يسير- وكرز صاحب نفقاتهم- فعثرت بغلته، فقال: تعس من نأتيه يريد بذلك النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم.
فقال له صاحبه- و هو العاقب-: بل تعست وانتكست.
فقال: ولم ذاك؟
فقال: لأنّك أتعست النبيّ الاُمّي أحمد.
قال: و ما علمك بذلك؟
قال: أما تقرأ المصباح الرابع من الوحي إلى المسيح: أن قل لبني إسرائيل: ما أجهلكم تتطيّبون بأطيب لتطيبوا به في الدّنيا عند أهلها و أهلكم و أجوافكم عندي جيف الميتة.
يا بني‏إسرائيل! آمنوا برسولي النبيّ الاُمّي الّذي يكون في آخر الزمان، صاحب الوجه الأقمر، والجمل الأحمر المشرب بالنور، ذي الجناب (الثبات، خ ل) الحسن، والثياب الخشن، سيّد الماضين عندي، و أكرم الباقين عليّ، المستنّ بسنّتي، والصابر في ذات نفسي، والمجاهد بيده المشركين من أجلي، فبشّر به بني‏إسرائيل، ومر بني‏إسرائيل أن يعزّروه و ينصروه.
قال عيسى: قدّوس! من هذا العبد الصالح الّذي قد أحبّه قلبي و لم تره عيني؟
قال: هو منك و أنت منه، و هو صهرك على اُمّك، قليل الاُولاد، كثير الأزواج، يسكن مكّة من موضع أساس وطى‏ء إبراهيم عليه‏السلام، نسله من مباركة و هي ضرّة اُمّك في الجنّة، له شأن من الشأن، تنام عيناه و لا ينام قلبه، يأكل الهديّة و لا يأكل الصدقة، له حوض من شفير زمزم إلى مغرب الشمس حيث يعرف، فيه شرابان من الرحيق والتسنيم، فيه أكاويب عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لا يظمأ بعده أبداً، و ذلك بتفضيلي إيّاه على سائر المرسلين، يوافق قوله فعله، و سريرته علانيته.
فطوباه و طوبى اُمّته، الّذين على ملّته يحيون، و على سنّته يموتون، و مع أهل بيته يميلون آمنين مؤمنين مطمئنّين مباركين، يكون في زمن قحط وجدب فيدعوني فيرخي السماء عزاليها حتّى يرى أثر بركاتها في أكنافها، و اُبارك فيما يصنع يده فيه.
قال: إلهي! سمّه.
قال: نعم، هو أحمد، و هو محمّد رسولي إلى الخلق كافّة أقربهم منّي منزلة، و أخصّهم منّي شفاعة، لا يأمر إلاّ بما اُحبّ، و لا ينهى إلاّ عمّا أكره.
قال له صاحبه: فأنّى تقدّم بنا على من هذه صفته؟
قال: نشهد أقواله و ننظر آياته، فإن يكن هوهو ساعدناه بالمسالمة و نكفّه بأموالنا عن أهل ديننا من حيث لا يشعر بنا، و إن يكن كذّاباً كفيناه بكذبه على اللَّه.
قال له صاحبه: و لم إذا رأيت العلامة لا تتبعه؟
قال: أما رأيت ما فعل بنا هؤلاء القوم؟ كرّمونا و موّلونا و نصبوا لنا كنايسنا و أعلوا فيها ذكرنا، فكيف تطيب النفس بدين يستوي فيه الشريف والوضيع؟
فلمّا قدموا المدينة قال من يراهم من أصحاب رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: ما رأينا وفداً من وفود العرب كانوا أجمل من هؤلاء، لهم شعور و عليهم ثياب الحبر، و كان رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم متناء عن المسجد، فحضرت صلاتهم، فقاموا يصلّون في مسجد رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم تلقاء المشرق، فهمّ رجال من أصحاب رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بمنعهم، فأقبل رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقال: دعوهم.
فلمّا قضوا صلاتهم جلسوا إليه و ناظروه، فقالوا: يا أباالقاسم! حاجّنا في عيسى.
فقال: عبداللَّه و رسوله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه.
فقال أحدهم: بل هو ولده و ثاني اثنين، و قال آخر: بل ثالث ثلاثة: أب، و ابن، و روح قدس، و قد سمعنا في قرآن نزل عليك يقول: فعلنا، و جعلنا، و خلقنا، و لو كان واحداً لقال: خلقت و جعلت و فعلت.
فتغشّى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم الوحي، و نزل على صدره سورة آل‏عمران إلى قوله رأس الستّين منها: (فَمَنْ حاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جائَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلى الكاذِبينَ) الآية، فقصّ عليهم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم القصّة، وتلا عليهم القرآن.
فقال بعضهم لبعض: قد واللَّه؛ آتاكم بالفصل من خبر صاحبكم.
و قال لهم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: إنّ اللَّه قد أمرني بمباهلتكم.
فقالوا: إذا كان غدا باهلناك.
فقال القوم بعضهم لبعض: حتّى ننظر بمن يباهلنا غدا؟ بكثرة أتباعه من أوباش النّاس، أم بأهله من أهل الصفوة والطهارة؟ فإنّهم وشيج الأنبياء و موضع بهلهم (نهلهم).
فلمّا كان من غد غدا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بيمينه عليّ و بيساره الحسن والحسين و من ورائهم فاطمة عليهم‏السلام، عليهم الحلل النجرانيّة، و على كتف رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كساء قطوانيّ رقيق خشن ليس بكثيف و لا ليّن.
فأمر بشجرتين فكسح ما بينهما و نشر الكساء عليهما و أدخلهم تحت الكساء، و أدخل منكبه الأيسر معهم تحت الكساء معتمداً على قوسه النبع، و رفع يده اليمني إلى السماء للمباهلة، و أشرف النّاس ينظرون، واصفرّ لون السيّد والعاقب و زلزلا حتّى كاد أن يطيش عقولهما، فقال أحدهما لصاحبه: أنباهله؟
قال: أو ما علمت أنّه ما باهل قوم قطّ نبيّاً فنشأ صغيرهم، و بقي كبيرهم، ولكن أره أنّك غير مكترث، و أعطه من المال والسلاح ما أراد، فإنّ الرجل محارب، و قل له: أبهؤلاء تباهلنا؟ لئلّا يرى أنّه قد تقدّمت معرفتنا بفضله و فضل أهل بيته.
فلمّا رفع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم يده إلى السماء للمباهلة قال أحدهما لصاحبه: أيّ رهبانيّة؟ دارك الرّجل، فإنّه إن (فتح) فاه ببهلة لم نرجع إلى أهل و لا مال.
فقالا: يا أباالقاسم! أبهؤلاء تباهلنا؟
قال: نعم؛ هؤلاء أوجه من على وجه الأرض بعدي إلى اللَّه وجهة، و أقربهم إليه وسيلة.
قال: فبصبصا- يعني ارتعدا و كرّا- و قالا له: يا أباالقاسم! نعطيك ألف سيف، و ألف درع، و ألف حجفة، و ألف دينار كلّ عام، على أنّ الدرع والسيف والحجف عندك إعارة حتّى نأتي من وراءنا من قومنا فنعلمهم بالّذي رأينا و شاهدنا، فيكون الأمر على ملاء منهم، فإمّا الإسلام، و إمّا الجزية، و إمّا المقاطعة في كلّ عام.
فقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: قد قبلت منكما، أما والّذي بعثني بالكرامة؛ لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم اللَّه عليكم الوادي ناراً تأجّج، ثمّ ساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرفة العين فحرّقتهم تأجّجاً.
فهبط عليه جبرئيل الروح الأمين فقال: يا محمّد! إنّ اللَّه يقرئك السلام و يقول لك: و عزّتي و جلالي؛ لو باهلت بمن تحت الكساء أهل السماء و أهل الأرض، لتساقطت عليهم السماء كسفاً متهافتة، و لتقطّعت الأرضون زبراً سايحة فلم يستقرّ عليها بعد ذلك.
فرفع النبي صلى الله عليه و آله و سلم يديه حتّى رئي بياض إبطيه، ثمّ قال: على من ظلمكم حقّكم وبخسني الأجر الّذي افترضه اللَّه عليهم فيكم بهلة اللَّه تتابع إلى يوم القيامة. (58).
الاختصاص: أبوبكر محمّد بن إبراهيم العلّاف الهمداني، عن عبداللَّه بن محمّد بن جعفر بن موسى بن شاذان البزّاز، عن الحسين بن محمّد بن سعيد البزّاز؛ و جعفر الدقّاق، عن محمّد بن الفيض بن فيّاض الدمشقي، عن إبراهيم بن عبداللَّه أخي عبدالرزّاق، عن عبدالرزّاق بن همام الصنعاني، عن معمّر بن راشد، عن محمّد بن المنكدر، عن أبيه، عن جدّه (مثله). (59).
548/ 40- و قال السيوطي في «الدرّ المنثور»: أخرج البيهقيّ في «الدلائل» من طريق سلمة بن عبد يشوع، عن أبيه، عن جدّه: إنّ رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه «طس» سليمان:
«بسم إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب، من محمّد رسول‏اللَّه إلى اُسقف نجران و أهل نجران إن أسلمتم فإنّي أحمد إليكم اللَّه إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب.
أمّا بعد؛ فإنّي أدعوكم إلى عبادة اللَّه من عبادة العباد، و أدعوكم إلى ولاية اللَّه من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب، والسلام«.
فلمّا قرأ الاُسقف الكتاب قطع به وذعر زعراً شديداً، فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له: شرحبيل بن وداعة، فدفع إليه كتاب رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقرأه، فقال له الاُسقف: ما رأيك؟
فقال شرحبيل: قد علمت ما وعداللَّه إبراهيم في ذرّيّته إسماعيل من النبوّة فما يؤمن أن يكون هذا الرجل، ليس لي في النبوّة رأى، لو كان أمر من اُمور الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك.
فبعث الاُسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلّهم قال مثل قول شرحبيل.
فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل و عبداللَّه بن شرحبيل و جبّار بن فيض، فيأتونهم بخبر رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم.
فانطلق الوفد حتّى أتوا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فساءلهم و ساءلوه، فلم يزل به و بهم المسألة حتّى قالوا له: ما تقول في عيسى بن مريم؟
فقال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: ما عندي فيه شي‏ء يومي هذا، فأقيموا حتّى اُخبر لكم بما يقال لي في عيسى صبح الغد.
فأنزل اللَّه هذه الآية: (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدم).. إلى قوله: (فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلى الكاذبين).
فأبوا أن يقرّوا بذلك، فلمّا أصبح رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين عليهماالسلام في خميلة له، و فاطمة عليهاالسلام تمشي عقد ظهره، و خلفها عليّ عليه‏السلام للملاعنة، و له يومئذ عدّة نسوة.
فقال شرحبيل لصاحبه: إنّي أرى أمراً مقبلاً إن كان الرجل نبيّاً مرسلاً فلعنّاه لايبقى على وجه الأرض منّا شعر و لا ظفر إلّا هلك.
فقالا له: ما رأيك؟
فقال: رأيي أن اُحكّمه، فإنّي أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً.
فقالا له: أنت و ذاك،
فتلقّى شرحبيل رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقال: إنّي قد رأيت خيراً من ملاعنتك.
قال: و ما هو؟
قال: حكمك اليوم إلى الليل، و ليلتك إلى الصباح، فمهما حكمت فينا جايز.
فرجع رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و لم يلاعنهم، و صالحهم على الجزية. (60).
549/ 41- و قال السيّد ابن طاووس رحمه‏الله في كتاب «إقبال الأعمال»: روينا بالأسانيد الصحيحة و الروايات الصريحة إلى أبي المفضّل محمّد بن عبدالمطّلب الشيباني رحمه‏الله من كتاب المباهلة؛ و من أصل كتاب الحسن بن إسماعيل بن أشناس من كتاب عمل ذي الحجّة فيما رويناه بالطريق الواضحة عن ذوي الهمم الصالحة لا حاجة إلى ذكر أسمائهم، لأنّ المقصود ذكر كلامهم، قالوا:
لما فتح النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم مكّة وانقادت له العرب، و أرسل رسله و دعاته إلى الاُمم و كاتب الملكين: كسرى و قيصر يدعوهما إلى الاسلام، و إلّا أقرّا بالجزية والصغار، و إلّا أذنا بالحرب العوان أكبر شأنه نصارى نجر (قُلْ يا أَهْلَ الكِتابِ تَعَالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلّا نَعْبُدَ إِلّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ) (61).
قالوا: و كان رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لا يقاتل قوماً حتّى يدعوهم، فازداد القوم لورود رسل نبي اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و كتابه نفوراً وامتزاجاً، ففزعوا لذلك إلى بيعتهم العظمى، و أمروا ففرش أرضها، و ألبس جدرها بالحرير والديباج، و رفعوا الصليب الأعظم- و كان من ذهب مرصّع أنفذه إليهم قيصر الأكبر- حضر ذلك بنو الحارث بن كعب- و كانوا ليوث الحرب و فرسان النّاس قد عرفت العرب ذلك لهم في قديم أيّامهم في الجاهليّة.
فاجتمع القوم جميعاً للمشورة والنظر في اُمورهم، و أسرعت إليهم القبائل من مذحج و عكّ و حمير و أنمار و من دنامنهم نسباً و داراً من قبائل نسباً، و كلّهم قد ورم أنفه أنفة و غضباً لقومهم، و نكص من تكلّم منهم بالإسلام ارتداداً فخاضوا، و أفاضوا في ذكر المسير بنفسهم و جمعهم إلى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم والنزول به يثرب لمناجزته.
فلمّا رآى أبوحارثة حصين بن علقمة اُسقفهم الأوّل و صاحب مدارسهم و علّامهم- و كان رجلاً من بني بكر بن وائل- ما أزمع القوم عليه من إطلاق الحرب دعا بعصابة فرفع بها حاجيه عن عينيه- و قد بلغ يومئذ عشرين و مائة سنة- ثمّ قام فيهم خطيباً معتمداً على عصا- و كانت فيه بقيّة، و له رأى و رويّة، و كان موحّداً يؤمن بالمسيح و بالنبيّ عليهماالسلام، و يكتم ذلك من كفرة قومه و أصحابه- فقال: مهلاً بني عبدالمران مهلاً! استديموا العافية والسعادة، فإنّهما مطويّان في الهوادة، دبّوا إلى قوم في هذا الأمر دبيب الذرّ، و إيّاكم والسورة العجلى.
-أقول: ثمّ ذكر كلام كبراء أهل نجران و تشاجرهم في الأقوال و آرائهم مثل كرز بن سبرة الحارثي، و كان زعيم بني الحارث بن كعب، و كان أمير حروبهم، و كان يرى الحرب، و مثل كلام العاقب- و اسمه عبدالمسيح بن شرحبيل، و كان أميرهم و صاحب مشورتهم، و كان يرى العافية مثل رأي أباحارثة، و ذكر كلام السيّد و اسمه أهتم بن نعمان، و هو اُسقف نجران نظير العاقب في علوّ المنزلة.
ثمّ ذكر كلام حارثة بن أثال من بني قيس بن ثعلبة في قول مسيح و شرح وصيّته و إخباره بأنّ اللَّه يبعث أحمد صفوته و بار قليطا عبده من مقام إبراهيم عليه‏السلام.
ثمّ ذكر تشاجر العاقب مع حارثة طويلاً و مفصّلاً.
ثمّ ذكر-: أنّ أباحارثة أمر بالجامعة، ففتح طرفها واستخرج منها صحيفة آدم الكبرى المستودعة فيها علم ملكوت اللَّه عزّ و جلّ جلاله... و هي الصحيفة الّتي ورثها شيث من أبيه آدم عليه‏السلام عمّا دعا من الذكر المحفوظ، فقرأ القوم السيّد والعاقب و حارثة في الصحيفة تطلّباً لما تنازعوا فيه من نعت رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و صفته... و قرأ في المصباح الثاني قوله تعالى:
ألا إنّي باعث فيهم رسلي، و منزل عليهم كتبي، أبرم ذلك من لدن أوّل مذكور من بشر إلى أحمد نبيّي و خاتم رسلي، ذاك الّذي أجعل عليه صلواتي، و أسلك في قلبه بركاتي، و به اُكمّل أنبيائي و نذري.
قال آدم عليه‏السلام: إلهي! من هؤلاء الرسل؟ و من أحمد هذا الّذي رفعت و شرّفت؟
قال: كلّ من ذرّيّتك، و أحمد عاقبهم و وارثهم.. إلى أن ذكر:
ثمّ نظر آدم إلى نور قد لمع فسدّ الجوّ المنخرق،... فنظر فإذا هو نور محمّد رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم... و إذا أنوار أربعة قد اكتنفته عن يمينه و شماله و من خلفه و أمامه... و نظر فإذا أنوار من بعد ذلك،... و قال آدم عليه‏السلام: يا عالم الغيوب!... من هذه الأنوار المكتنفة له؟
فأوحى اللَّه عزّ و جلّ إليه: يا آدم! هذا و هؤلاء وسيلتك و وسيلة من أسعدت  من خلقي، هؤلاء السابقون المقرّبون... و هذا أحمد سيّدهم... اشتققت اسمه من إسمي، فأنا المحمود و هو محمّد، و هذا صنوه و وصيّه آزرته به، و جعلت بركاتي و تطهيري في عقبه، و هذه سيّدة إمائي والبقيّة في علمي من أحمد نبيّي، و هذان السبطان والخلفان لهم، و هذه الأعيان الصادع نورها أنوارهم بقيّة منهم....
و نظر فإذا شبح في آخرهم يزهر في ذلك الصفيح كما يزهر كوكب الصبح لأهل الدنيا، فقال اللَّه تبارك و تعالى: و بعبدي هذا السعيد أفكّ عن عبادي الأغلال، و أضع عنهم الآصار، و أملأ أرضي به حناناً و رأفة و عدلاً، كما ملئت من قبله قسوة و قشعريّة و جوراً... إلى أن قال تعالى:
وآليت بي أن لا اُعذّب بناري من لقيني معتصماً بتوحيدي، و حبل مودّتهم أبداً.
ثمّ أمرهم أبوحارثة أن يصيروا إلى صحيفة شيث الكبرى... فافتضّ القوم الصحيفة، ... و فيها: إنّ بني أبيكم آدم لصلبه و بني بنيه و ذرّيّته اختصموا فيما بينهم، و قالوا: أيّ الخلق عندكم أكرم على اللَّه عزّ و جلّ؟...
فقال بعض: أبوكم آدم،... و قال بعض: حملة العرش الثمانية... و قال بعضهم: رؤساء الملائكة الثلاثة: جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل،... فانطلقوا إلى آدم فذكروا الّذي قالوا....
فقال آدم: أنا أخبركم بأكرم الخلائق جميعاً على اللَّه عزّ و جلّ... إلى أن قال آدم عليه‏السلام:
فمحمّد صلى الله عليه و آله و سلم يا بنيّ! من خطّ من تلك الأسماء معه أكرم الخلائق على اللَّه عزّ و جلّ جميعاً رآى هم آدم إذا نفخ فيه الروح في العرش.
ثمّ ذكر أنّ أباحارثة سأل السيّد والعاقب أن يقفا على صلوات إبراهيم، و ذكر أنّ إبراهيم عليه‏السلام لمّا جعله اللَّه قبلة و إماماً نظر إلى تابوت آدم فأبصر فيه بيوتاً بعدد ذوي العزم من الأنبياء و نظر إلى شكل عظيم يتلألؤ نوراً فقال إبراهيم عليه‏السلام:
إلهي و سيّدي! من هذا الخلق الشريف؟
فأوحى اللَّه عزّ و جلّ: هذا عبدي و صفوتي الفاتح الخاتم، و هذا وصيّه الوارث... و هذا عليّ أخوه... طهّرتهما و أخلصتهما والأبرار منهما و ذرّيّتهما قبل أن أخلق سمائي و أرضي و ما فيهما و بينهما...
و نظر إبراهيم عليه‏السلام فإذاً اثنا عشر عظيماً تكاد تلألأ اشكالهم بحسنها نوراً، فقال: ربّ! نبئني بأسماء هذه الصور....
فأوحى اللَّه عزّ و جلّ إليه: هذه أمتي، والبقيّة من نبيّي فاطمة الصدّيقة الزاهرة و جعلتها مع خليلها عصبة لذريّة نبيّي، هؤلاء و هذان الحسنان و هذا فلان و هذا فلان و هذا كلمتي الّتي انشربه رحمتي في بلادي بعد أياس منهم و قنوط منهم من غياثي، فعندها صلّى عليهم إبراهيم عليه‏السلام.
فقال: ربّ صلّ على محمّد و آل محمّد كما اجتبيتهم و أخلصتهم إخلاصاً.
فأوحى عزّ و جلّ: ليهنئك كرامتي، فإنّي مخرجهم منك ثمّ من بكرك إسماعيل فابشر يا إبراهيم! فإنّي واصل صلواتك بصلواتهم، و متبع ذلك بركاتي و ترحّمي عليك و عليهم.
قال: فلمّا سمع أصحاب رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من القوم من تلاوة ما تضمنّت الجامعة والصحف... ازداد القوم بذلك يقيناً و إيماناً.
قال: ثمّ صار القوم إلى ما نزل على موسى... فقال حارثة: الآن أسفرّ الصبح لذي عينين، و وضح الحقّ لمن رضي به ديناً...
فقال أبوحارثة: اعتبروا الأمارة الخاتمة من قول سيّدكم المسيح عليه‏السلام، فصار القوم إلى الكتب والأناجيل الّتي جاء بها عيسى عليه‏السلام فالفوا في المفتاح الرابع من الوحي إلى المسيح عليه‏السلام:
يا عيسى! يابن الطاهر البتول! اسمع قولي، وجدّ في أمري، إنّي خلقتك من غير فحل، و جعلتك آية للعالمين، فإيّاي فاعبد، و عليّ فتوكّل، وخذ الكتاب بقوّة.
ثمّ فسّره لأهل سوريا، و أخبرهم أنّي أنا اللَّه لا إله إلّا أنا الحيّ القيّوم... فآمنوا بي و برسولي النبيّ الاُمّي الّذي يكون في آخر الزمان نبي الرّحمة....
قال عيسى: يا مالك الدهور و علام الغيوب! من هذا العبد الّذي قد أحبّه قلبي و لم تره عيني؟...
قال: ساُنبئك بما سألت اسمه، أحمد منتجب من ذرّيّة إبراهيم... كثير الأزواج قليل الأولاد، نسله من مباركة صدّيقة، يكون له منها ابنة لها فرخان سيّدان يستشهدان، أجعل نسل أحمد منهما، فطوبى هما و لمن أحبّهما و شهد أيّامهما فنصرهما....
قال: فلمّا أتى القوم على دراسة ما أوحى اللَّه عزّ و جلّ إلى المسيح من نعت محمّد صلى الله عليه و آله و سلم و صفته و ذكر ذرّيته و أهل بيته أمسك الرجلان مخصومين، وانقطع التحاور بينهم في ذلك.
قال: فلمّا فلج حارثة على السيّد والعاقب... و لم يتمّ لهما ما قدّروا من تحريفها، و لم يمكنهما أن يلبّسا على النّاس في تأويلهما أمسكا عن المنازعة، و علما أنّهما قد أخطئا سبيل الصواب... و فزع إليهما نصارى نجران، فسألوهما عن رأيهما و ما يعملان في دينهما.
فقالا ما معناه: تمسّكوا بدينكم حتّى يكشف دين محمّد، و سنسير إلى نبيّ قريش إلى يثرب، و ننظر ما جاء به و إلى ما يدعو إليه.
قال: فلمّا تجهّز السيّد والعاقب للمسير إلى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بالمدينة انتدب معهما أربعة عشر راكباً من نصارى نجران هم من أكابرهم فضلاً و علماً في أنفسهم، و سبعون رجلاً من أشراف بني الحارث بن كعب و ساداتهم.
... فأقبل القوم ودنوا من المدينة حتّى دخلوا على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في مسجده و حانت صلاتهم، فقاموا يصلّون إلى المشرق، فأراد النّاس أن ينهوهم
عن ذلك، فكفّهم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ثمّ أمهلهم وامهلوه ثلاثاً.
فلمّا كان بعد ثلاثة دعاهم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إلى الإسلام، فقالوا: يا أباالقاسم! ما أخبرتنا كتب اللَّه عزّ و جلّ بشي‏ء من صفة النبيّ المبعوث من بعد الروح عيسى إلّا و قد تعرّفناه فيك إلّا خلّة هي أعظم الخلال آية و منزلة....
قال: و ما هي؟
قالوا: إنّا نجد في الإنجيل من صفة النبي الغابر من بعد المسيح أنّه يصدّق به و يؤمن به، و أنت تسبّه و تكذب به، و تزعم أنّه عبد...
فقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لا، بل أصدّقه و أصدّق به و أومن به، و أشهد أنّه النبيّ المرسل من ربّه عزّ و جلّ.
و أقول: إنّه عبد لا يملك لنفسه نفعاً و لا ضرّاً و لا موتاً و لا حياة و لا نشوراً...
فلم يقبلوا و ذكروا ما كان يفعل المسيح من المعجزات من إحياء الموتى و إبراء الأكمه والأبرص و غير ذلك، و تخاصموا إلى أن قالوا: فهلمّ فلنلاعنك أيّنا أولى بالحقّ، فنجعل لعنة اللَّه على الكاذبين.
فأنزل اللَّه عزّ و جلّ آية المباهلة على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: (فَمَنْ حاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جائَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلى الكاذِبينَ).
فتلا عليهم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وتلا عليهم قبل ذلك (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَاللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكون).
قالوا: فما نزداد منك في أمر صاحبنا إلّا تبايناً، و هذا الأمر الّذي لا نقرّه لك.
فلمّا تلا آية المباهلة عليهم قالا- السيّد والعاقب-: إذا كان غداً بأهلناك، ثمّ قاما فلمّا أبعدا أقبل بعضهم على بعض فقالوا: قد جاءكم هذا بالفصل من أمره و أمركم فانظروا أوّلاً بمن يباهلكم، و إن أتاكم بنفر قليل ذوي تخشّع، فهؤلاء سجّية الأنبياء و صفوتهم و موضع بهلتهم فإيّاكم والإقدام إذاً على مباهلتهم، فهذه
لكم أمارة.... فأمر رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بشجرتين وكسح ما بينهما،... و أمر بكساء أسود رقيق فنشر على الشجرتين.
فلمّا أبصر السيّد والعاقب ذلك خرجا بولديهما صبغة المحسن و عبد المنعم و سارة و مريم، و خرج معهما نصارى نجران، و ركب فرسان بني الحارث بن كعب في أحسن هيئة، و أقبل النّاس من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار و غيرهم من النّاس في قبائلهم و شعارهم من راياتهم و ألويتهم و أحسن شارتهم و هيئتهم لينظروا ما يكون من الأمر.
و لبث رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في حجرته حتّى متع النّهار، ثمّ خرج آخذاً بيد عليّ، والحسن والحسين أمامه و فاطمة عليهم‏السلام من خلفهم، فأقبل بهم حتّى أتى الشجرتين، فوقف بينهما من تحت الكساء على مثل الهيئة الّتي خرج بها من حجرته، فأرسل إلى السيّد والعاقب يدعوهما إلى المباهلة.
فأقبلا إليه فقالا: بمن تباهلنا يا أباالقاسم؟
قال: بخير أهل الأرض و أكرمهم على اللَّه عزّ و جلّ، بهؤلاء، و أشار لهما إلى عليّ و فاطمة والحسن والحسين صلوات‏اللَّه‏عليهم.
قالا:... و ما نرى هاهنا معك إلاّ هذا الشابّ والمرأة والصبيّين، أفبهؤلاء تباهلنا؟
قال:... نعم، بهؤلاء اُمرت، والّذي بعثني بالحقّ إن اُباهلكم.
فاصفارّت حينئذ ألوانهما و كرّا و عادا إلى أصحابهما...، و كان للمنذر بن علقمة- أخي اُسقفهم أبي‏حارثة- حظّ من العلم فيهم يعرفونه له، و كان نازحاً عن نجران في وقت تنازعهم، فقدم وقد اجتمع القوم على الرحلة إلى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فشخص معهم.
فلمّا رآى المنذر... أخذ بيد السيّد والعاقب... و قال: إنّ الرّائد لا يكذّب
أهله، و أنا لكما حقّ نصيح،... أتعلمان أنّه ما باهل قوم نبيّاً قطّ إلّا كان مهلكهم كلمح البصر؟ و قد علمتما و كلّ ذي أرب من ورثة الكتب معكما أنّ محمّداً أباالقاسم هذا هو الرسول الّذي بشّرت به الأنبياء عليهم‏السلام، و أفصحت بنعته و أهل بيته الاُمناء...
ثمّ أنذرهما و نصحهما و قال لهما: إنّ أسلمتما له سلمتما في عاجلة و آجلة،... و إن أبيتما فصالحا محمّداً و ارضياه....
قالا: فكن يا أبا المثنّى! أنت الّذي تلقى محمّداً بكفالة ما يبتغيه لدينا، والتمس لنا إليه ابن عمّه هذا ليكون هو الّذي يبرم الأمر بيننا و بينه، فإنّه ذو الوجه والزعيم عنده...
وانطلق المنذر إلى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقال: السلام عليك يا رسول‏اللَّه! أشهد أن لا إله إلّا اللَّه الّذي ابتعثك، و أنّك و عيسى عبدان للَّه عزّ و جلّ مرسلان، فأسلم و بلّغه ما جاء له، فأرسل رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً لمصالحة القوم.
فقال عليّ عليه‏السلام: بأبي أنت على ما اُصالحهم؟
فقال له: رأيك يا أباالحسن! فيما تبرم معهم رأيي.
فصار إليهم، فصالحاه على ألف حلّة، و ألف دينار، خرجا في كلّ عام يؤدّيان شطر ذلك في المحرّم، و شطراً في رجب.
فصار عليّ عليه‏السلام بهما إلى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ذليلين صاغرين، و أخبره بما صالحهما عليه، و أقرّا له بالخرج والصغار.
فقال لهما رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: قد قبلت ذلك منكم، أما إنّكم لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم اللَّه عليكم الوادي ناراً تأجّج، ثمّ لساقها اللَّه عزّ و جلّ في أسرع من طرفه العين إلى من ورائكم فحرّقهم تأجّجاً.
فلمّا رجع النبي صلى الله عليه و آله و سلم بأهل بيته و صار إلى مسجده هبط عليه جبرئيل فقال: يا محمّد! إنّ اللَّه عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك: إنّ عبدي موسى عليه‏السلام باهل
عدوّه قارون بأخيه هارون و بنيه، فخسفت بقارون و أهله و ماله، و بمن آزره من قومه.
و بعزّتي اُقسم و بجلالي يا أحمد! لو باهلت بك و بمن تحت الكساء من أهلك أهل الأرض و الخلائق جميعاً، لتقطّعت السماء كسفاً، والجبال زبراً، ولساخت الأرض فلم تسقرّ أبداً إلاّ أن أشاء ذلك.
فسجد النبي صلى الله عليه و آله و سلم... و قال: شكراً للمنعم، شكراً للمنعم- قالها ثلاثاً-
فسئل النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم عن سجدته و عمّا رآى من تباشير السرور في وجهه.
فقال: شكر اللَّه عزّ و جلّ لما أبلاني من الكرامة في أهل بيتي، ثمّ حدّثهم بما جاء به جبرئيل عليه‏السلام، انتهى كلامه رفع مقامه. (62).
أقول: اختصرت و أخذت خلاصة الخبر الّذي نقله السيّد ابن طاووس رحمه‏الله و أورده في «البحار» نحو أربعين صفحة، و أخذت منه موارد الحاجة من أوّله إلى آخره ليتمّ المطلوب و للاختصار، فإنّه طويل جدّاً، فراجع المأخذ تجد هناك العبارات الّتي أخذتها متفرّقاً و متقطّعاً.
ثمّ اعلم! أنّ المفسّرين اتّفقوا على أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لم يحضر للمباهلة غير أميرالمؤمنين عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام، قال بذلك الطبرسي رحمه‏الله والزمخشري في «الكشّاف»، و روى الإمام الرازي في تفسيره روايتين في المباهلة والكساء مثل ما رواه الزمخشري، و أجاب عن استشكالات المخالفين العلّامة المجلسي رحمه‏الله في «البحار» و أورد أقوال المفسّرين (63).
42/550- كفاية الطالب: قال: أمر معاوية بن أبي‏سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أباتراب؟
قال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النّعم، سمعت رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يقول له و قد خلّفه في بعض مغازيه، فقال عليّ عليه‏السلام: يا رسول‏اللَّه! خلّفتي مع النساء والصبيان؟
فقال له رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي؟»
و سمعته يقول يوم خيبر: «لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ اللَّه و رسوله و يحبّه اللَّه و رسوله»
قال: فتطاولنا لها.
فقال: ادعوا لي عليّاً عليه‏السلام، فأتي به أرمد، فبصق في عينه و دفع الراية إليه، ففتح اللَّه عليه.
و لمّا نزلت هذه الآية: (نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ) دعا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً و فاطمة و حسناً و حسيناً عليهم‏السلام، فقال: «اللهمّ هؤلاء أهلي».
رواه مسلم في صحيحه و غيره من الحفّاظ قال محمّد بن يوسف الكنجي: نعوذ باللَّه من الحور بعد الكور.
و من مناقب الخوارزميّ بالإسناد عن الترمذي، عن عامر بن سعد بن أبي‏وقّاص، عن أبيه (مثله). (64).
أقول: أوردت خبراً من «البحار» (65) في عنوان «إنّ فاطمة عليهاالسلام سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين»، و يدلّ على أفضليتها عليهاالسلام على رجال العالمين، و هو أيضاً خبر المباهلة، والخبر طويل أوردت بعضه هناك، فراجع.
43/551- جماعة، عن أبي‏المفضّل، عن عبدالرحمان بن محمّد بن عبيداللَّه
العرزمي، عن أبيه، عن عمّار أبي اليقظان، عن أبي‏عمر زاذان قال: لمّا وادع الحسن بن عليّ عليهماالسلام معاوية، صعد معاوية المنبر و جمع الناس مخطبهم و قال: إنّ الحسن بن عليّ رآني للخلافة أهلاً و لم ير نفسه لها أهلاً.
و كان الحسن عليه‏السلام أسفل منه بمرقاة، فلمّا فرغ من كلامه قام الحسن عليه‏السلام فحمد اللَّه تعالى بما هو أهله، ثمّ ذكر المباهلة، فقال:
فجاء رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من الأنفس بأبي، و من الأبناء بي و بأخي، و من النساء باُمّي، و كنّا أهله و نحن آله، و هو منّا و نحن منه.
و لمّا نزلت آية التطهير جمعنا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في كساء لاُمّ‏سلمة رضي‏اللَّه‏عنها خيبريّ.
ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً» فلم يكن أحد في الكساء غيري و أخي و أبي و اُمّي.
و لم يكن أحد تصيبه جنابة في المسجد و يولد فيه إلّا النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و أبي عليه‏السلام تكرمة من اللَّه لنا و تفضيلاً منه لنا.
و قد رأيتم مكان منزلتا من رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، و أمر بسدّ الأبواب فسدّها، و ترك بابنا.
فقيل له في ذلك فقال: أما إنّي لم أسدّها وافتح بابه، ولكنّ اللَّه عزّ و جلّ أمرني أن أسدّها وافتح بابه.
و إنّ معاوية زعم لكم أنّي رأيته للخلافة أهلاً، و لم أر نفسي لها أهلاً، فكذب معاوية، نحن أولى بالنّاس في كتاب اللَّه عزّ و جلّ و على لسان نبيّه صلى الله عليه و آله و سلم، و لم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض اللَّه نبيّه صلى الله عليه و آله و سلم، فاللَّه بيننا و بين من ظلمنا حقّنا، و توثّب على رقابنا، و حمل الناس علينا، و منعنا سهمنا من الفي‏ء، و منع اُمّنا ما جعل لها رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم.
واقسم باللَّه؛ لو أنّ الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لأعطتهم [469]
السماء قطرها والأرض بركتها، و ما طمعت فيها يا معاوية!
فلمّا خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها، فطمعت فيها الطلقاء و أبناء الطلقاء: أنت و أصحابك، و قد قال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: ما ولّت اُمّة أمرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتّى يرجعوا إلى ما تركوا.
فقد تركت بنوإسرائيل هارون وهم يعلمون أنّه خليفة موسى فيهم، واتّبعوا السامريّ، و قد تركت هذه الاُمّة أبي عليه‏السلام وبايعوا غيره، و قد سمعوا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوّة».
و قد رأوا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم نصب أبي عليه‏السلام يوم غدير خمّ، و أمرهم أن يبلّغ الشاهد منهم الغائب.
و قد هرب رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من قومه و هو يدعوهم إلى اللَّه تعالى حتّى دخل الغار، ولو وجد أعواناً ما هرب، و قد كفّ أبي عليه‏السلام يده حين ناشدهم، واستغاث فلم يغث، فجعل اللَّه هارون في سعة حين استضعفوه و كادوا يقتلونه، و جعل اللَّه النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في سعة حين دخل الغار، و لم يجد أعواناً.
و كذلك أبي عليه‏السلام و أنا في سعة من اللَّه حين خذلتنا هذه الاُمّة و بايعوك يا معاوية! و إنّما هي السنن والأمثال يتّبع بعضها بعضاً.
أيّها الناس! إنّكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب أن تجدوا رجلاً ولده نبيّ (66) غيري و أخي، لم تجدوا، و إنّي قد بايعت هذا، و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلى حين. (67).
أقول: قوله عليه‏السلام: «و منع اُمّنا ما جعل لها رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم» إشارة إلى فدك الّذي جعل لها رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بأمر من اللَّه تعالى، و أخذ منها عليهاالسلام أبوبكر ظلماً و بغير حقّ، فعليه ما كسبت يداه من النكال والوزر، فاللَّه أحكم الحاكمين.
44/552- و قال رحمه‏الله- يعني صاحب العدد- في سوانح اليوم الرّابع و العشرين من الشهر: و في اليوم الرّابع و العشرين من ذي الحجّة من سنة (تسع من الهجرة، ظ) باهل رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بعليّ والحسن والحسين و فاطمة عليهم‏السلام نصارى نجران، و جاء بذكر المباهلة به و بزوجته و ولديه عليهم‏السلام محكم القرآن.
و روي: أنّ المباهلة في اليوم الخامس و العشرين من ذي الحجّة، و في الرابع والعشرين تصدّق أميرالمؤمنين عليه‏السلام بالخاتم و هو راكع، فنزلت ولايته في القرآن.
... إلى أن ذكر: و في ليلة الخامس و العشرين من ذي الحجّة سنة (....) تصدّق أميرالمؤمنين عليه‏السلام و فاطمة على المسكين واليتيم والأسير بثلاثة أقراص كانت قوتهما من الشعير، و آثراهم على أنفسهما، و واصلا الصّيام، و في الخامس والعشرين من ذي الحجّة سنة (...) نزلت في أميرالمؤمنين و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام (هَلْ أَتى عَلَى الإِنسان). (68).
أقول: اختصرت كلام صاحب العدد، و أخذت مورد الحاجة، فراجع المأخذ.
45/553- جماعة، عن أبي‏المفضّل، عن ابن‏عقدة، عن محمّد بن المفضّل بن إبراهيم بن قيس الأشعري، عن عليّ بن حسّان، عن عبدالرحمان بن كثير، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين عليهم‏السلام قال:
لمّا أجمع الحسن بن عليّ عليهماالسلام على صلح معاوية... إلى أن قال:
فقام الحسن عليه‏السلام فخطب فقال: الحمدللَّه المستحمد بالآلاء، و تتابع النعماء... فقال اللَّه تعالى لمحمّد صلى الله عليه و آله و سلم حين جحده كفرة أهل الكتاب و حاجّوه: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلى الكاذِبينَ(، فأخرج رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من الأنفس معه أبي، و من البنين أنا و أخي، و من النساء اُمّي فاطمة من النّاس جميعاً، فنحن أهله و لحمه و دمه و نفسه، و نحن منه و هو منّا.
و قد قال اللَّه تعالى: (إِنَّما يُريدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) (69) فلمّا نزلت آية التطهير جمعنا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أنا و أخي و اُمّي و أبي، فجلّلنا و نفسه في كساء لاُمّ‏سلمة خيبريّ، و ذلك في حجرتها و في يومها، فقال:
اللهمّ هؤلاء أهل بيتي و هؤلاء أهلي و عترتي، فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً.
فقالت اُمّ‏سلمة رضي‏اللَّه‏عنها: أدخل معهم يا رسول‏اللَّه؟
قال لها رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: يرحمك اللَّه أنت على خير و إلى خير، و ما أرضاني عنك! و لكنّها خاصّة لي و لهم.
ثمّ مكث رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بعد ذلك بقيّة عمره حتّى قبضه اللَّه إليه يأتينا في كلّ يوم عند طلوع الفجر فيقول: «الصلاة يرحكم اللَّه! إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيراً».
و أمر رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بسدّ الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا، فكلّموه في ذلك، فقال: أما إنّي لم أسدّ أبوابكم، و لم أفتح باب عليّ عليه‏السلام من تلقاء نفسي، ولكنّي اتّبع ما يوحى إليّ، و إنّ اللَّه أمر بسدّها و فتح بابه.
فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و يولد فيه الأولاد غير رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و أبي عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام تكرمة من اللَّه تبارك و تعالى لنا، و فضلاً اختصّنا به على جميع الناس.
و هذا باب أبي عليه‏السلام قرين باب رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في مسجده، و منزلنا بين منازل رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، و ذلك أنّ اللَّه أمر نبيّه صلى الله عليه و آله و سلم أن يبني مسجده، فبنى فيه عشرة أبيات: تسعة لبنيه و أزواجه، و عاشرها و هو متوسّطها لأبي عليه‏السلام، و ها هو بسبيل مقيم، والبيت هو المسجد المطهّر، و هو الّذي قال اللَّه تعالى: (أَهْل البَيْت) فنحن أهل البيت، و نحن الّذين أذهب اللَّه عنّا الرجس و طهّرنا تطهيراً.
... إلى أن قال عليه‏السلام: فاللَّه؛ بيننا و بين من ظلمنا حقّنا و نزل على رقابنا، و حمل النّاس على أكتافنا، و منعنا سهمنا في كتاب اللَّه من الفي‏ء والغنائم، و منع اُمّنا فاطمة عليهاالسلام إرثها من أبيها، إنّا لا نسمّى أحداً، ولكن أقسم باللَّه قسماً تألّياً لو أنّ النّاس سمعوا قول اللَّه و رسوله لأعطتهم السماء قطرها و الأرض بركتها، و لما اختلف في هذه الاُمّة سيفان، و لأكلوها خضراء خضرة إلى يوم القيامة، و إذاً ما طمعت يا معاوية فيها... الخبر. (70).
أقول: الخبر طويل، أخذت من مواضعه موارد الحاجة، فراجع المأخذ.
46/554- قال أبوعبداللَّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني رضى‏الله‏عنه في كتابه في تفسير القرآن: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي‏حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر، قال: سمعت أباعبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليه‏السلام يقول:
إنّ اللَّه تبارك و تعالى بعث محمّداً صلى الله عليه و آله و سلم فختم به الأنبياء فلا نبيّ بعده، و أنزل عليه كتاباً فختم به الكتب فلا كتاب بعده...
ثمّ ساق الحديث مفصّلاً... إلى أن قال: و أمّا الردّ على النصارى؛ فإنّ رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم احتجّ على نصارى نجران لمّا قدموا عليه ليناظروه، فقالوا: يا
محمّد! ما تقول في المسيح؟
قال: هو عبداللَّه يأكل و يشرب.
قال: فمن أبوه؟
فأوحى اللَّه إليه: يا محمّد! سلهم عن آدم هل هو إلّا بشر مخلوق يأكل و يشرب، و أنزل اللَّه عليه (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَاللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكون).
فسألهم عن آدم، فقالوا: نعم.
قال: فأخبروني من أبوه؟
فلم يجيبوه بشي‏ء، و لزمتهم الحجّة فلم يقرّوا، بل لزموا السكوت.
فأنزل اللَّه تعالى عليه: (فَمَنْ حاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جائَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلى الكاذِبينَ).
فلمّا دعاهم إلى المباهلة، قال علماؤهم: لو باهلنا بأصحابه باهلناه، و لم يكن عندنا صادق في قوله، فأمّا إن يباهلنا بأهل بيته خاصّة فلا نباهله...
وأعطوه الرّضا و شرط عليهم الجزية والسّلاح حقناً لدمائهم، وانصرفوا. (71).
أقول: الحديث طويل أخذت منه السند و مورد الحاجة، فراجع المأخذ.
47/555- الشيخ في أماليه بالإسناد قال: حدّثنا أبوالفتح محمّد بن أحمد بن أبي‏الفوارس قال: أخبرنا أبوحامد أحمد بن محمّد الصّانع قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق السرّاج قال: حدّثنا قتيبة بن سعيد قال: حدّثنا حاتم بن بكير بن يسار، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال:
سمعت رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يقول لعليّ عليه‏السلام: ثلاث فلا يكون لي واحدة منهنّ
أحبّ إليّ من حمر النعم... و لمّا نزلت هذه الآية ندع أبنائنا و أبنائكم... و دعا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً و فاطمة و حسناً و حسيناً عليهم‏السلام و قال: اللهمّ هؤلاء أهلي. (72).
48/556- الشيخ المفيد في كتاب «الإختصاص» عن محمّد بن الحسن بن أحمد- يعني ابن الوليد- عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، قال: حدّثني محمّد بن الزّبرقان الدمغاني الشيخ قال: قال أبوالحسن موسى بن جعفر عليه‏السلام قال:
اجتمعت الاُمّة برّها و فاجرها أنّ حديث النجرانيّ حين دعاه النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلّا النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام، فقال اللَّه تبارك و تعالى: (فَمَنْ حاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جائَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ«.
فكان تأويل أبنائنا: الحسن والحسين عليهماالسلام، و نسائنا: فاطمة عليهاالسلام، و أنفسنا: عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام. (73).
49/557- الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي‏المفضّل قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن زكريّا العاصمي قال: حدّثنا أحمد بن عبداللَّه الفداني قال: حدّثنا الرّبيع ابن يسار قال: حدّثنا أحمد بن عبداللَّه الفداني، قال: حدّثنا الرّبيع بن سيّار قال: حدّثنا الأعمش، عن سالم بن أبي‏الجعد، يرفعه إلى أبي‏ذرّ رضى‏الله‏عنه:
إنّ عليّاً عليه‏السلام و عثمان و طلحة و الزبير و عبدالرحمان بن عوف و سعد بن أبي‏وقّاص أمرهم عمر بن الخطّاب أن يدخلوا بيتاً و يغلقوا عليهم بابه و يتشاوروا في أمرهم...
قال لهم: فهل فيكم أحداً أنزل اللَّه عزّ و جلّ فيه و في زوجته و ولديه آية
المباهلة، و جعل اللَّه عزّ و جلّ نفسه نفس رسوله غيري؟
قالوا: لا. (74).
50/558- الشيخ المفيد في «الإختصاص» قال: حدّثني أبوبكر محمّد بن إبراهيم العلّاف الهمداني- بهمدان- قال: حدّثنا عبداللَّه بن محمّد بن جعفر بن شاذان البزّاز، قال: حدّثنا أبوعبداللَّه الحسين بن محمّد بن سعيد البزّاز- المعروف بابن المطبقي- و جعفر الدّقّاق قالا: حدّثنا أبوالحسن محمّد بن الفيض بن فيّاض الدمشقي- بدمشق- قال: حدّثنا إبراهيم بن عبداللَّه ابن أخي عبدالرزّاق، قال: حدّثنا عبدالرزّاق بن همام الصنعاني، قال: حدّثنا معمّر بن راشد قال: حدّثنا محمّد بن المنكدر، عن أبيه، عن جدّه قال:
لمّا قدم السيّد والعاقب اُسقفان نجران في سبعين راكباً وفداً على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كنت معهم، فبينا كرز يسير- و كرز صاحب نفقاتهم- إذ عثرت بغلته، فقال: تعس من نأتيه- يعني النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم.
فقال له صاحبه وهو العاقب: فلم ذلك؟
قال: لأنّك تعست النبيّ الاُمّي أحمد.
قال: و ما علمك؟
قال: أما تقرء من المفتاح الرابع من الوحي إلى المسيح...
فلمّا كان من الغد غداً النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بيمينه عليّ و بيساره الحسن والحسين و من ورائهم فاطمة عليهم‏السلام، عليهم النمار النجرانيّة، و على كتف رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كساء، فرقب رقيق خشن ليس بكثيف و لا لين.... (75).
51/559- ابن‏بابويه قال: حدّثنا أبوأحمد هاني بن أبي‏محمّد بن محمود
العبدي رضى‏الله‏عنه قال: حدّثنا أبي بإسناده- رفعه- إلى موسى بن جعفر عليه‏السلام في حديث له مع الرشيد قال الرشيد له عليه‏السلام: كيف قلتم أنا ذرّيّة النبيّ، والنبيّ لم يعقب، و إنّما العقب للذكر لا للاُنثى، و أنتم ولد البنت و لا يكون لها عقب؟
فقلت: أسأله بحقّ القرابة والقبر و من فيه إلاّ ما أعفاني عن هذه المسألة؟
فقال: تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي! و أنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم، كذا انهى إليّ ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب اللَّه، و أنتم تدعون- معشر ولد عليّ- أنّه لا يسقط عنكم منه شي‏ء لا ألف و لا واو إلّا تأويله عندكم، واحتجتم بقوله عزّ و جلّ: ما فرّطنا في الكتاب من شي‏ء، و قد استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم.
فقلت: تأذن لي في الجواب؟
فقال: هات.
قلت: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، بسم اللَّه الرّحمن الرحيم (وَ مِنْ ذُرّيَّتِهِ داود وَ سُلَيْمانَ وَ أَيّوبَ وَ يوسُف وَ موسى وَ هارونَ وَ كَذلِكَ نَجْزى المُحْسِنينَ- وَ زَكَريّا وَ يَحْيى وَ عيسى وَ اِلْياس) (76) من أبوعيسى يا أميرالمؤمنين!؟!
فقال: ليس له أب.
فقلت: إنّما ألحقه بذراري الأنبياء عليهم‏السلام من طريق مريم عليهاالسلام، و كذلك ألحقنا اللَّه تعالى بذراري النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم من قبل اُمّنا فاطمة عليهاالسلام، أزيدك يا أميرالمؤمنين؟!!
قال: هات.
قال: قول اللَّه عزّ و جلّ: (فَمَنْ حاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جائَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلى الكاذِبينَ)، و لم يدع أحد أنّه أدخل النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم تحت الكساء عند المباهلة مع النصارى إلّا عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام.
فكان تأويل قوله عزّ و جلّ: (أَبْناءَنا): الحسن والحسين عليهماالسلام، (وَ نِسائَنا): فاطمة عليهاالسلام، (وَ أَنْفُسَنا): عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام. (77).
52/560- العيّاشي: بإسناده عن الأحول، قال: عن أبي‏عبداللَّه عليه‏السلام قال: قلت له: شيئاً ممّا أنكر به النّاس.
فقال: قل لهم: إنّ قريشاً قالوا: نحن اُولوا القربى الّذين هم لهم الغنيمة.
فقال لهم: كان رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لم يدع للبراز يوم بدر غير أهل بيته، و عند المباهلة جاء بعليّ والحسن والحسين و فاطمة عليهم‏السلام، فيكون لنا المرّ و لهم الحلو. (78).
53/561- العيّاشي: بإسناده، عن المنذر قال: حدّثنا عليّ عليه‏السلام قال: لمّا نزلت هذه الآية (قُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْنائَنا وَ أَبْنائَكُمْ) الآية، قال: أخذ بيد عليّ و فاطمة و ابنيهما عليهم‏السلام.
فقال رجل من النّصارى: لا تغفلوا فتصيبكم عنت فلم يدعوه. (79).
54/562- الشيخ في أماليه قال: أخبرنا أبوعمر قال: أخبرنا أحمد قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن الحسين قال: حدّثنا أبي، فقال: حدّثنا هاشم بن المنذر، عن الحارث بن الحصين، عن أبي‏صادق، عن ربيعة بن ناجد، عن عليّ عليه‏السلام قال: خرج رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حين خرج لمباهلة النّصارى بي و بفاطمة والحسن والحسين رضوان‏اللَّه‏عليهم. (80).
أقول: قال في غاية المرام: «الباب الرابع فيمن نزلت آية المباهلة من طريق الخاصّة و فيه خمسة عشر حديثاً»، و أوردت بعضها، و أمّا البقيّة أوردناها
عن مصادر اُخرى، فراجع المأخذ.
563/ 55- في كتاب سليم بن قيس: فلمّا كان قبل موت معاوية بسنة حجّ الحسين بن عليّ صلوات‏اللَّه‏عليه و عبداللَّه بن عبّاس و عبداللَّه بن عبّاس و عبداللَّه بن جعفر معه، فجمع الحسين عليه‏السلام بني‏هاشم رجالهم و نساءهم و مواليهم و من الأنصار ممّن يعرفه الحسين عليه‏السلام و أهل بيته.
ثمّ أرسل رسلاً: لا تدعو أحداً ممّن حجّ العام من أصحاب رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم المعروفين بالصلاح والنسك إلّا أجمعهم لي.
فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل و هم في سرادقه عامتهم من التابعين، و نحو من مائتي رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، فقام فيهم خطيباً، فحمد اللَّه و أثنى عليه، ثمّ قال:...- فكان فيما ناشدهم الحسين عليه‏السلام-... قال:
انشدكم اللَّه أتعلمون أنّ رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأت إلّا به و بصاحبته وابنيه؟
قالوا: اللهمّ نعم.(81).
أقول: الخبر طويل أخذت منه مورد الحاجة، فراجع المأخذ.
564/ 56- صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة، في باب من فضائل عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام، روى بسنده عن عامر بن سعد بن أبي‏وقّاص، عن أبيه قال:
أمر معاوية بن أبي‏سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أباتراب؟
فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فلن أسبّه لئن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم: سمعت رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يقول له- و قد خلفه في بعض مغازيه- فقال له عليّ يا رسول‏اللَّه! خلفتني مع النساء والصبيان؟
 فقال له رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي؟...
و لمّا نزلت هذه الآية (قُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) دعا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً و فاطمة و حسناً و حسيناً عليهماالسلام فقال: اللهمّ هؤلاء أهلي.
أقول: و رواه الترمذي أيضاً في صحيحه: (2/ 300)؛
و رواه أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده: (1/ 185)؛
و ذكره السيوطي أيضاً في «الدّر المنثور» في تفسير آية المباهلة في سورة آل‏عمران، و قال: أخرجه ابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي‏وقّاص. (82).
565/ 57- صحيح الترمذي: (2/ 166) روى بسنده عن عامر بن سعد بن أبي‏وقاص، عن أبيه، قال: لمّا أنزل اللَّه هذه الآية (نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) دعا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً و فاطمة و حسناً و حسيناً عليهماالسلام فقال: اللهمّ هؤلاء أهلي.
أقول: و رواه الحاكم أيضاً في «مستدرك الصحيحين»: (3/ 150)، و قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
و رواه البيهقي أيضاً في سننه: (7/ 63).
الزمخشري في «الكشّاف» والفخر الرازي في تفسيره الكبير، في ذيل تفسير آية المباهلة في سورة آل‏عمران، والشبلنجي في «نور الأبصار»: (ص 100) واللفظ للأخير قال: قال المفسّرون:
لما قرأ رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم هذه الآية على وفد نجران و دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتّى نرجع و ننظر في أمرنا، ثمّ نأتيك غداً.
فلمّا خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب- و كان كبيرهم و صاحب رأيهم-: ما ترى يا عبدالمسيح؟
قال: لقد عرفتم يا معشر النصارى! أنّ محمّداً نبيّ مرسل، ولئن فعلتم ذلك لنهلكنّ.
و في رواية: قال لهم: واللَّه؛ ما لا عن قوم قط نبيّاً إلاّ هلكوا عن آخرهم، فإن أبيتم إلاّ الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فودعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتوا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و قد احتضن الحسين عليه‏السلام و أخذ بيد الحسن عليه‏السلام و فاطمة عليهاالسلام تمشي خلفه، و عليّ عليه‏السلام يمشي خلفها، والنبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول لهم: إذا دعوت فأمّنوا.
فلمّا رآهم أسقف بحران قال: يا معشر النصارى! إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا اللَّه أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فقالوا: يا أباالقاسم! قد رأينا أن لانباهلك، و أن نتركك على دينك و تتركنا على ديننا.
فقال لهم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم.
فأبوا ذلك، فقال: إنّي اُنابذكم.
فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكنّا نصالحك على أن لا تغزونا و لا تخيفنا و لا تردنا عن ديننا، و أن نؤدّي إليك في كلّ سنة ألفي حلّة، ألف في صفر و ألف في رجب.
(قال: و زاد في رواية): و ثلاثاً و ثلاثين درعاً عادية، و ثلاثاً و ثلاثين بعيراً، و أربعاً و ثلاثين فرساً غازية، فصالحهم رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على ذلك.
و قال: والّذي نفسي بيده؛ إنّ العذاب تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير، و لاضطرم عليهم الوادي ناراً، و لاستأصل ال لَّه نجران
و أهله حتّى الطير على الشجر، و ما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى هلكوا.
(قال:) أخرجه الخارن و غيره. (83).
أقول: قال الزمخشري بعد نقل القصّة ما لفظه:
فإن قلت: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلاّ ليتبيّن الكاذب منه و من خصمه، و ذلك أمر يختصّ به و بمن يكاذبه، فما معنى ضم الأبناء والنساء؟... (84).
و قال الفخر الرازي بعد نقل القصّة ما لفظه: هذه الآية دالّة على أنّ الحسن والحسين عليهماالسلام كانا ابني رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وعد أن يدعو أبناءه فدعا الحسن والحسين عليهماالسلام فوجب أن يكونا ابنيه.
قال: و ممّا يؤكّد هذا قوله تعالى في سورة الأنعام: (وَ مِنْ ذُرّيَّتِهِ داود وَ سُلَيْمان- إلى قوله- وَ زَكَريّا وَ يَحْيى وَ عيسى).
قال: و معلوم أنّ عيسى عليه‏السلام إنّما انتسب إلى إبراهيم عليه‏السلام بالاُمّ لا بالأب، فثبت أنّ ابن البنت قد يسمّى ابناً.
(و قال أيضاً:) في تفسير قوله تعالى: (وَ مِنْ ذُرّيَّتِهِ داودَ وَ سُلَيْمان) إلى آخره في سورة الأنعام ما لفظه:
الآية تدلّ على أنّ الحسن والحسين عليهماالسلام من ذرّيّة رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، لأنّ اللَّه تعالى جعل عيسى من ذريّة إبراهيم، مع أنّه لا ينتسب إلى إبراهيم إلّا بالاُمّ، و كذلك الحسن والحسين عليهماالسلام من ذريّة رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، و إن انتسبا إلى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بالاُمّ فوجب كونهما من ذرّيّته.
قال: و يقال: إنّ أباجعفر الباقر عليه‏السلام استدلّ بهذه الآية عند الحجّاج بن يوسف.
و قال: قبل هذا في تفسير قوله تعالى: (وَ عَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّها) في سورة البقرة ما لفظه:
عن الشعبي قال: كنت عند الحجّاج فاُتي بيحيى بن يعمر فقيه خراسان من بلخ مكبّلاً بالحديد، فقال له الحجّاج: أنت زعمت أنّ الحسن والحسين عليهماالسلام من ذرّيّة رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم؟
فقال: بلى.
فقال الحجّاج: لتأتيني بها واضحة بيّنة من كتاب اللَّه، أو لأقطعنّك عضواً عضواً.
فقال: آتيك بها واضحة بيّنة من كتاب اللَّه يا حجّاج!
قال: فتعجّبت من جرأته بقوله: يا حجّاج!
فقال له: و لا تأتني بهذه الآية: (نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ).
فقال: آتيك بها واضحة بيّنة من كتاب اللَّه، و هو قوله: (وَ نوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرّيَّتِهِ داود وَ سُلَيْمان- إلى قوله- وَ زَكرِيّا وَ يَحْيى وَ عيسى).
فمن كان أبوعيسى و قد ألحق بذريّة نوح؟
قال: فأطرق مليّاً، ثمّ رفع رأسه، فقال: كأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب اللَّه حلواً وثاقه و أعطوه من المال كذا و كذا.
أقول: و ذكر قصّة يحيى بن يعمر السيوطي أيضاً في «الدّر المنثور» في ذيل تفسير قوله تعالى: (و وَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَ يَعْقوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَ نوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبل وَ مِنْ ذُرّيَّته داود وَ سُلَيْمان« )85( الآية في سورة الأنعام، ذكرها بطريقين:
أحدهما: عن ابن أبي‏حاتم، عن أبي‏حرب بن أبي‏الأسود:
والآخر، عن أبي‏الشيخ والحاكم والبيهقي، عن عبدالملك بن عمير.
تفسير ابن‏جرير الطبري: (3/ 212) روى بسنده، عن زيد بن عليّ عليه‏السلام في قوله تعالى: (نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) الآية، قال: كان النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام.
تفسير ابن‏جرير الطبري: (3/ 212) روى بسنده، عن السدى (فَمَنْ حاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ) الآية.
قال: فأخذ- يعني النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم- بيد الحسن والحسين و فاطمة عليهم‏السلام، و قال لعليّ عليه‏السلام: اتبعنا، فخرج معهم فلم يخرج يومئذ النصارى، و قالوا: إنّا نخاف أن يكون هذا هو النبيّ و ليس دعوة النبي كغيرها، فتخلفوا عنه يومئذ.
فقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: لو خرجوا لاحترقوا، الحديث.
تفسير ابن‏جرير الطبري: (3/ 213) روى بسنده عن علباء بن أحمر اليشكري، قال: لمّا نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ) الآية، أرسل رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إلى عليّ و فاطمة و ابنيهما الحسن والحسين عليهم‏السلام و دعا اليهود ليلاعنهم.
فقال شابّ من اليهود: و يحكم! أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الّذين مسخوا قردة و خنازير لاتلاعنوا، فانتهوا.
تفسير ابن‏جرير الطبري: (3/ 213) روى بسنده عن ابن‏زيد قال: قيل لرسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: لو لاعنت القوم بمن كنت تأتي حين، قلت: (أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُم) قال: حسن و حسين عليهماالسلام.
السيوطي في «الدرّ المنثور»: في تفسير آية المباهلة في سورة آل‏عمران قال: و أخرج الحاكم و صحّحه و ابن‏مردويه و أبونعيم في «الدلائل» عن جابر قال:
قدم على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم العاقب والسيّد، فدعاهما إلى الإسلام.
فقالا: أسلمنا يا محمد!
قال: كذبتما، إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام.
قالا: فهات؟
قال: حبّ الصليب، و شرب الخمر، و أكل لحم الخنزير.
قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة، فوعداه إلى الغد.
فغدا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أخذ بيد عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه و أقرّا له.
فقال: والّذي بعثني بالحقّ، لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراً.
قال جابر: فيهم نزلت: (تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ) الآية.
قال جابر: (أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ): رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و عليّ عليه‏السلام، و (أَبْناءَنا): الحسن والحسين عليهماالسلام، و (نِساءَنا): فاطمة عليهاالسلام. (86).
566/ 58- و قال أيضاً: و أخرج أبونعيم في «الدلائل» من طريق الكلبي، عن أبي‏صالح، عن ابن‏عبّاس: أنّ وفد نجران من النصارى قدموا على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و هم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم- و ساق القصّة مفصلاً... إلى أن قال-: فقال لهم- يعني رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم-: إنّ اللَّه قد أمرني إن لم تقبلوا هذا أن أُباهلكم.
فقالوا: يا أباالقاسم! بل نرجع، فننظر في أمرنا، ثمّ نأتيك.. إلى أن قال: و قد كان رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم خرج و معه عليّ والحسن والحسين و فاطمة عليهم‏السلام فقال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: إن أنا دعوت فأمّنوا أنتم.
فأبوا أن يلاعنوه و صالحوه على الجزية.
الواحدي في «أسباب النزول»: (ص 75) روى بسنده، عن جابر بن عبداللَّه قال: قدم وفد نجران على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم العاقب والسيّد فدعاهما إلى الإسلام فقالا: أسلمنا قبلك.
قال: كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام.
فقالا: هات أنبئنا.
قال: حبّ الصليب، و شرب الخمر، و أكل لحم الخنزير.
فدعاهما إلى الملاعنة، فوعداه على أن يغادياه بالغداة، فغدا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فأخذ بيد عليّ و فاطمة و بيد الحسن والحسين عليهم‏السلام، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا، فأقرّا له بالخراج.
فقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: والّذي بعثني بالحقّ لو فعلا لمطر الوادي ناراً.
قال: قال جابر: فنزلت فيهم هذه الآية: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ).
قال: قال الشعبي: «أَبْناءَنا»: الحسن والحسين عليهماالسلام، و (نساءنا): فاطمة عليهاالسلام، و (أنْفُسَنا): عليّ بن أبي‏طالب عليه‏السلام.
أقول: و روى القصّة بعينها (في 74) أيضاً بسنده، عن الحسن و أظنّه البصري.
«الصواعق المحرقة» (ص 93) قال: و أخرج الدارقطني:
أنّ عليّاً عليه‏السلام يوم الشورى احتجّ على أهلها، فقال لهم: أنشدكم باللَّه هل فيكم أحد أقرب إلى رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في الرحم منّي و من جعله صلى الله عليه و آله و سلم نفسه، و أبناءه أبناءه، و نساءه نساءه؟
غيري قالوا: اللهمّ لا، الحديث. (87).
567/ 59- أبونعيم الحافظ بإسناده، عن أبي‏صالح، عن ابن‏عبّاس رضى‏الله‏عنه قال: لمّا جاء أهل نجران و أنزل اللَّه تعالى: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنائَنا وَ أَبْنائَكُمْ...) جاء رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و معه عليّ والحسن والحسين و فاطمة عليهم‏السلام، و قال: إذا أنا دعوت فأمّنوا.
فأبوا أن يلاعنوه و صالحوه على الجزية. (88).
568/ 60- كتاب المغازي (الجزء الثاني)، عن ابن‏إسحاق قال: لما قدم وفد نجران على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و عليهم الحلل والخواتيم الذهب، فسلّموا على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم فلمّ يردّ عليهم، و تصدّوا لكلامه صلى الله عليه و آله و سلم نهاراً طويلاً، فلم يكلّمهم و عليهم تلك الحلل والخواتيم الذهب.
فانطلقوا يبتغون عثمان بن عفان و عبدالرحمان بن عوف- و كانوا بمعرفة لهما- فقال: إنّ نبيّكم قد كتب إلينا كتاباً فأقبلنا إليه و سلّمنا عليه فلم يردّ علينا السلام و تصدينا لكلامه نهاراً طويلاً فلم يكلّمنا، فما رأيكما أنعود أم نرجع؟
فقالا لعليّ عليه‏السلام: ما ترى يا أباالحسن في هؤلاء القوم؟
فقال عليّ عليه‏السلام لعثمان و لعبدالرحمان: رأيي أن يضعوا حللهم هذه و خواتيمهم و يلبسوا ثياب سفرهم، ثمّ يعودون إليه.
ففعل وفد نجران ذلك... و أتوا النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم فسلّموا فردّ سلامهم.
ثمّ قال: والّذي بعثني بالحقّ؛ لقد آتوا المرآة الاُولى و أنّ إبليس معهم ثمّ سائلهم وسايلوه...
فأصبح رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم مشتملاً على عليّ والحسن والحسين و فاطمة عليهم‏السلام تمشي عند ظهره للملاعنة...
و كتب لهم هذا الكتاب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما لمحمّد صلى الله عليه و آله و سلم لنجران إذا كان له عليهم حكمه في كلّ ثمرة، و كلّ صفراء و بيضاء و سوداء و رقيق، فافصل عليهم ذلك كلّه على ألفي حلّة في كلّ رجب ألف حلّة، و في كلّ صفر ألف حلّة أو قيمة مازادت حلل الخرج، أو نقصت.
قال: ليجمع صدقاتهم و تقدّم عليهم بجسوسهم. (89).
569/ 61- إبراهيم بن محمّد الحمويني المتقد من كتابه... قال: نبأنا حنّان بن علي العنبري: قال نبّأ الكليني، عن أبي‏صالح، عن ابن‏عبّاس في قوله عزّ و جلّ: (قُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْنائَنا...) نزلت في رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و عليّ عليه‏السلام نفسه، و نسائنا و نسائكم في فاطمة عليهاالسلام، و أبنائنا و أبنائكم في حسن و حسين صلوات‏اللَّه‏عليهما، والدعا على الكاذبين نزلت في العاقب والسيّد و عبدالمسيح أصحابه. (90).
570/ 62- الحمويني هذا قال: أخبرنا أبوعبداللَّه محمّد بن عليّ بن عبدالحميد الصنعاني قال: نبّأنا محمّد بن ثور، عن ابن‏جريح في قوله: (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) بلغنا أنّ نصارى نجران قدم وفدهم على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، فمنهم السيّد والعاقب، و أخبرت أنّ معهما عبدالمسيح، و هما يومئذ سيّدا أهل نجران، فقالوا: يا محمّد! فبم تشتم صاحبنا؟
قال: و من صاحبكم؟
قال: عيسى بن مريم تزعم أنّه عبد.
قال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: أجل؛ هو عبداللَّه وكلمته ألقاها إلى مريم.
فغضبوا و قالوا: إن كنت صادقاً فأرنا عبداً يحيى الموتى و يبرئ الأكمه والأبرص، و يخلق من الطين كهيئة الطير، ولكنّه اللَّه.
فسكت النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم... قال جبرائيل: (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ...) فأخذ النبيّ بيد عليّ والحسن والحسين صلوات‏اللَّه‏عليهم، وجعلوا فاطمة عليهاالسلام وراءهم، ثمّ قال: هؤلاء أبناؤنا و أنفسنا و نسائنا، فهلمّوا أنفسكم و أبنائكم و نسائكم، و نجعل لعنة اللَّه على الكاذبين.
فأبى السيّد و قالوا: نصالحك.
فصالحوه على ألف حلّة كلّ عام في كلّ رجب ألف حلّة.
و قال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: والّذي نفسي بيده؛ لو لاعنوني ما حال الحول و منهم بشر إلّا أهلك اللَّه الكاذبين. (91).
571/ 63- أبوالمؤيّد موفّق بن أحمد- و هو من أعيان علماء العامّة- في كتاب فضائل عليّ عليه‏السلام المتقدّم في الباب، عن ابن‏عبّاس رضى‏الله‏عنه والحسن والشعبيّ والسّدي قالوا في حديث المباهلة:
إنّ وفد نجران أتوا النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ثمّ تقدّم الاُسقف فقال: يا أباالقاسم! موسى من أبوه.
قال: عمران.
فقال: فيوسف من أبوه؟
قال: يعقوب.
قال: فأنت من أبوك؟
قال: عبداللَّه بن عبدالمطّلب.
قال: فعيسى من أبوه؟
فسكت رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ينتظر الوحي من السماء، فهبط جبرائيل بهذه الآية: (إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكون...).
فقال الاُسقف: لا نجد هذا فيما أوحى إلينا.
قال: فهبط جبرائيل بهذه الآية: (فَمَنْ حاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جائَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلى الكاذِبينَ).
قال الاُسقف لأصحابه: انتظروا إن خرج في عدّة من أصحابه، فباهلوه فإنّه كذّاب، و إن خرج في خاصّة من أهله فلا تباهلوه، فإنّه نبيّ، ولئن باهلناه لنهلكنّ.
و قالت النصارى: واللَّه؛ لنعلم أنّه النبيّ الّذي كنّا ننتظره، ولئن باهلناه لنهلكنّ و لا نرجع إلى أهل و لا مال.
قالت اليهود والنصارى: كيف نعمل؟
قال أبوالحرث الاُسقف: رأينا رجلاً كريماً تغدوا عليه، فنسأله أن يقيلنا.
فلمّا أصبحوا بعث النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم إلى أهل المدينة و من حولها فلم يبق نكرم أثرها الشمس إلّا خرجت، و خرج رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و عليّ بين يديه والحسن والحسين عن يمينه، و أيضاً بيده الحسين عن شماله و فاطمة عليهم‏السلام خلفه، ثمّ قال: هلمّوا! فهؤلاء أبناؤنا الحسن والحسين، و هؤلاء أنفسنا، و هذه نسائنا الفاطمة.
قال: فجعلوا يشترون بالأساطين و يشترون بعضهم ببعض تخوفاً أن يبدأهم بالملاعنة، ثمّ أقبلوا حتّى تركوا بين يديه، و قالوا: أقلنا أقالك اللَّه يا أباالقاسم!
قال صلى الله عليه و آله و سلم: أقلتكم، و صالحوا على ألفي حلّةٍ. (92).
572/ 64- الحمويني، هذا قال: حدّثنا أبوجعفر بن محمّد بن نصير الخلديّ قال: أنبأنا موسى بن هارون قال: أنبأنا قتيبة بن سعيد، قال: حدّثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال:
لمّا نزلت هذه الآية: (نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْنائَكُمْ) دعا رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً و فاطمة و حسناً و حسيناً صلوات‏اللَّه‏عليهم، فقال رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: اللهمّ هؤلاء أهلي. (93).
573/ 65- المالكي في «فصول المهمّة»- و هو من أعيان علماء العامّة- قال: أهل البيت على ما ذكره المفسّرون في تفسير آية المباهلة، و على ما روى عن اُمّ‏سلمة رضي‏اللَّه‏عنها: هم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام.
أمّا آية المباهلة؛ و هي قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلِ عيسى عِنْدَاللَّهِ...) و سبب نزول هذه الآية: إنّه لما قدم وفد نجران على رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم... و فيهم ثلاثة من أشرافهم يؤل أمرهم إليهم، وهم العاقب؛ و إسمه عبدالمسيح كان أمير القوم و صاحب رأيهم و مشورتهم لا يصدرون إلّا عن رأيه، والسيّد؛ و هو الاهتم و كان ثمالهم و صاحب رجالهم و مجتمعهم، و أبوحاتم بن علقمة، و كان اُسقفهم و حبرهم و إمامهم و صاحب مدارسهم، و كان رجلاً من العرب من بني‏بكر بن وائل، ولكنّه تنصّر فعظمته الرّوم و ملوكها و شرّفوه و بنوا له الكنايس و موّلوه و أخدموه لمّا علموا من صلابته في دينهم.
و قد كان يعرف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و شأنه و صفته من الكتب المتقدّمة، ولكنّه حمله جهله على الإستمرار في النصرانيّة لما رآى من تعظيمه و وجاهته عند أهلها...
ثمّ إنّ رسول‏اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بعد أن تكلّم مع هذين الحبرين منهم دعاهم إلى الإسلام فقالوا: قد أسلمنا.
فقال: كذبتم... فخرج و هو محتضن الحسين آخذاً بيد الحسن و فاطمة عليهم‏السلام خلفه و عليّ عليه‏السلام خلفهم، و هو يقول: اللهمّ هؤلاء أهلي، إذا أنا دعوت أمّنوا.
فلمّا رأى وفد نجران ذلك... فأقبلوا الجزية... (94).
574/ 66- المالكي أيضاً: قال جابر بن عبداللَّه رضى‏الله‏عنه: (أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ): محمّد صلى الله عليه و آله و سلم و عليّ عليه‏السلام، و (أَبْنائَنا وَ أَبْنائَكُمْ): الحسن والحسين، و
(نِساءَنا): فاطمة رضوان اللَّه عليهم أجمعين.
المالكي أيضاً: عن الحاكم في مستدركه عن عليّ بن عيسى و قال: صحيح على شرط مسلم (مثله).
المالكي أيضاً: عن أبي‏داود الطيالسي، عن شعبة الشعبي مرسلاً (مثله). (95).
أقول: قال في غاية المرام: «الباب الثالث قوله تعالى: (فَمَنْ حاجَّكَ فيه مِن بَعْدِ ما جائَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْنائَنا وَ أَبْنائَكُمْ) الآية من طريق العامّة، و فيه تسعة عشر حديثاً».
ثمّ ذكر الأحاديث و أوردت منها عشرة أحاديث، لأنّ البقيّة كنّا أوردناها عن مصادر اُخرى، و قد اختصرت بعضها، فراجع.
___________
(1). فاطر: 19- 22.
(2). البحار: 35/ 396.
(3). النساء: 69 و 70.
(4). النساء: 69 و 70.
(5). البحار: 35/ 389 و 390.
(6). البحار: 35/ 266- 271.
(7). البحار: 25/ 220- 223 ح 20، عن امالى الصدوق و عيون الاخبار الرضا عليه‏السلام.
(8). البحار: 37/ 270.
(9). البحار : 37/ 186.
(10). البحار: 21/ 336- 338 ح 2.
(11). البحار: 21/ 339 ح 3 و 4، عن امالى الطوسى.
(12). البحار: 21/ 339 ح 3 و 4، عن امالى الطوسى.
(13). البحار: 21/ 339 ح 5، عن امالى الطوسى.
(14). البحار: 21/ 340 ح 6، عن تفسير القمى، عنه غايه المرام: 303 ح 1، مع اختلاف يسير.
(15). البحار: 21/ 338 (الهامش).
(16). البحار: 21/ 341 ح 7، عن الخرائج.
(17). العياشى: باسناده عن ابى‏جعفر الاحول قال: قال ابوعبدالله عليه‏السلام: ما تقول قريش فى الخمس؟ قال: قلت: تزعم انه لها. قال: ما انصفونا والله؛ لو كان مباهله ليباهلن بنا، و لئن كان مبارزه يبارزن بنا، ثم نكون و هم على سواء. (غايه المرام: 306 ح 11- 13 و 15)
(18). البحار: 21/ 341 ح 8، عن تفسير العياشى، عنه غايه المرام: 305 ح 9.
(19). البحار: 21/ 342 ح 9، عن تفسير العياشى، عنه غايه المرام: 305 ح 10.
(20). البحار: 10/ 288.
(21). فى نسخه: من النصارى.
(22). فى المصدر: فلم يراعوه.
(23). البحار: 21/ 342 ح 10، عن تفسير العياشى.
(24). البحار: 21/ 342- 343 ح 11، عن تفسير العياشى.
(25). البحار: 21/ 342- 343 ح 12، عن المناقب لابن‏شهر اشوب.
(26). البحار: 21/ 343 ح 13، عن المناقب لابن‏شهر اشوب.
(27). البحار: 21/ 343- 345، عن المناقب لابن‏شهر اشوب.
(28). فى المصدر: نونان.
(29). البحار: 21/ 345- 346 ح 14، عن روضه الواعظين.
(30). البحار: 21/ 346 ح 15، عن تفسير فرات.
(31). البحار: 21/ 346 ح 16، عن تفسير فرات.
(32). البحار: 21/ 347 ح 17، عن تفسير فرات.
(33). فى المصدر: وقيس.
(34). القمر: 5.
(35). البحار: 21/ 437 ح 18، عن تفسير فرات.
(36). البحار: 21/ 349 ح 18، عن تفسير فرات.
(37). البقره : 159.
(38). البحار: 21/ 349 ح 19، عن تفسير فرات.
(39). البحار: 21/ 350- 355 ح 20، عن سعد السعود، و ما بين المعقوفتين من المصدر.
(40). البحار: 21/ 355.
(41). آل‏عمران: 64.
(42). البحار: 21/ 286- 325، و للعلامه المجلسى رحمه‏الله بيان فى معنى كلمات الخبر.
(43). راجع البحار: 21/ 276، باب المباهله.
(44). البحار: 39/ 315 ح 12، عن كشف الغمه.
(45). البحار: 37/ 48 ح 27.
(46). لعل ولد نبى كان صحيحا.
(47). البحار: 44/ 62- 64 ح 12، عن امالى الطوسى.
(48). البحار: 98/ 198- 199 باب ما يتعلق بسوانح شهور السنه العربيه.
(49). الاحزاب: 33.
(50). البحار: 10/ 138 ح 5، عن امالى الطوسى، غايه المرام: 304 ح 4 (قطعه).
(51). البحار: 93/ 3 باب ما ورد فى اصناف آيات القرآن.
(52). غايه المرام: 304 ح 2.
(53). غايه المرام: 304 ح 3.
(54). غايه المرام: 304 ح 5.
(55). غايه المرام: 304 ح 6، و قد تقدم الحديث عن البحار من هذا العنوان.
(56). الانعام: 84 و 85.
(57). غايه المرام: 305 ح 8.
(58). غايه المرام: 306 ح 13، تفسير العياشى: 1/ 200 ح 57.
(59). غايه المرام: 306، ح 15.
(60). غايه المرام: 306.
(61). كتاب سليم بن قيس: 206- 208.
(62). فضائل الخمسه: 1/ 244.
(63). فضائل الخمسه: 1/ 245 و 246.
(64). اوردت كلام الزمخشرى من البحار.
(65). الانعام: 84- 87.
(66). فضائل الخمسه: 1/ 248 و 249.
(67). فضائل الخمسه: 1/ 248 و 249.
(68). غايه المرام: 301 ح 8.
(69). غايه المرام: 301 ح 9.
(70). غايه المرام: 302 ح 12.
(71). غايه المرام: 302 ح 13.
(72). غايه المرام: 303 ح 16.
(73). غايه المرام: 303.
(74). غايه المرام : 303 ح 17.
(75). غايه المرام: 303 ح 19.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page