تعد السيدة أم سلمة من راويات الحديث ، عدها
البرقي والشيخ الطوسي في كتابيهما من الراويات عن
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذا ابن عبد البر ، وابن مندة ، وأبو نعيم ،
وكل من ترجم لها .
وقد روت عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ،
وعن أبي سلمة زوجها الأول ، وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين .
وهي من رواة حديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) قوله : " من كنت
مولاه فعلي مولاه " ، ومن رواة حديث ( آية التطهير ) ،
ومن رواة ( حديث الثقلين ) .
قال أبو عبد الله الجدلي - وكان من أهل الشام - :
حججت وأنا غلام فمررت بالمدينة وإذا الناس عنق واحد فاتبعتهم ، فدخلوا على أم سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله )
فسمعتها تقول : يا شبث بن ربعي ، فأجابها رجل جلف
جاف : لبيك يا أماه .
قالت : أيسب رسول الله في ناديكم ؟ قال : وأنى
ذلك ؟ !
قالت : علي بن أبي طالب ؟ قال : إنا لنقول أشياء نريد
عرض الدنيا .
قالت : فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : من سب
عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله تعالى ( 1 ) .
وعنه أيضا قال : دخلت على أم سلمة فقالت لي :
أيسب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيكم ؟
قلت : سبحان الله ، أو معاذ الله !
قالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : من سب عليا فقد
سبني .
وقالت رضي الله عنها : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول لعلي :
لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبك منافق ( 2 ) .
وقالت رضي الله عنها : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول :
علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ، ولن يفترقا حتى يردا
علي الحوض ( 3 ) .
وقالت رضي الله عنهما : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول
وهو آخذ بيد علي ( عليه السلام ) : الحق بعدي مع علي يدور معه
حيث دار ( 4 ) .
وبعد رحيل الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) والتحاقه بالرفيق
الأعلى أخذت أم سلمة تمارس دورها الريادي في
المجتمع المتدهور مستغلة مكانتها الرفيعة وعقليتها
الجبارة ، ومستعينة بفصاحة لسانها ، نراها تجيب هذا
وترشد ذاك ، ولم تترك مقولة الحق أبدا .
وحينما عزمت عائشة على الخروج على الإمام
أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) والسير بجيشها إلى البصرة ،
ذهبت لاستمالة أم سلمة لعلمها بمكانتها ومنزلتها ، إلا أن
أم سلمة وعظتها ونصحتها وذكرتها بأشياء وأحاديث
كثيرة سمعتها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تناستها ، وإقامة الحجة
الدامغة عليها ، لذلك تراجعت عائشة عن غيها بعض
الشئ ، وقد كان تأثير ذلك مؤقتا ، فقد جاءها ابن أختها
عبد الله بن الزبير ومن هو على رأيه فنفث في سمعها
وأرجعها إلى عزمها الأول .
ولما انحرف الناس عن الحق بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا
القليل الذين ثبتوا مع أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ومن أولئك
السيدة أم سلمة حيث بقيت مخلصة ومدافعة بقدر جهدها .
وهناك روايات ، ووقائع كثيرة دلت على عظمة منزلة
أم المؤمنين أم سلمة ، أعرضنا عنها روما للاختصار .
قال السيد الأمين في أعيانه ( 5 ) - ملخصا - :
كانت من أعقل النساء ، وكانت لها أساليب بديعة في
استعطاف النبي ( صلى الله عليه وآله ) عند غضبه ، وأدب بارع في
مخاطبته ، وطلب الحوائج منه .
فمن ذلك لما استأذن عليه ابن عمه وأخوه في
الرضاعة أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ،
وابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب عبد الله المخزومي ،
فلم يأذن لهما وأعرض عنهما ، وهو في طريقه إلى فتح
مكة ، فقالت أم سلمة : يا رسول الله ، ابن عمك وابن عمتك
وصهرك ، فقال : لا حاجة لي بهما ، أما ابن عمي فهتك
عرضي ، وأما ابن عمتي فهو الذي قال لي ما قال بمكة .
فقالت أم سلمة : لا يكونا أشقى الناس . فرق لهما
النبي ( صلى الله عليه وآله ) فدخلا عليه وأسلما .
ولما أراد علي ( عليه السلام ) أن تدخل فاطمة ( عليها السلام ) عليه ،
فدخلت أم أيمن على أم سلمة فأخبرتها ، وأخبرت سائر
نسائه بذلك ، فاجتمعن عنده . فقالت أم سلمة من بينهن :
فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله ، إنا قد اجتمعنا لأمر
لو كانت خديجة في الأحياء لقرت عينها ، هذا أخوك
وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب يحب أن تدخل
عليه زوجته ، حبا وكرامة ، ثم التفت إلى النساء بعد ما
دخلن البيت فقال : من ها هنا ؟ فقالت أم سلمة : وهذه
فلانة وفلانة ، فأمرهن أن يصلحن من شأن فاطمة وحجرة
أم سلمة ، وابتدأتهن أم سلمة بالزجر أمام فاطمة لما زفت .
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عمرة بنت
عبد الرحمن قالت : لما سار علي ( عليه السلام ) إلى البصرة دخل
على أم سلمة زوج النبي يودعها فقالت : سر في حفظ الله
وفي كنفه ، فوالله إنك على الحق والحق معك ، ولولا أني
أكره أن أعصي الله ورسوله ، فإنه أمرنا أن نقر في بيوتنا ،
لسرت معك ، ولكن والله لأرسلن معك من هو أفضل
عندي وأعز علي من نفسي ابني عمرو .
وبسنده عن أبي سعيد التميمي عن أبي ثابت مولى
أبي ذر قال : كنت مع علي يوم الجمل ، ولما رأيت عائشة
واقفة دخلني بعض ما دخل الناس ، فكشف الله عني ذلك
عند صلاة الظهر ، فقاتلت مع علي أمير المؤمنين ، فلما
فرغ [ علي ( عليه السلام ) ] ذهبت إلى المدينة فأتيت أم سلمة
فقلت : إني والله ما جئت أسأل طعاما ولا شرابا ، ولكني
مولى لأبي ذر ، فقالت : مرحبا ، فقصصت عليها قصتي ،
فقالت : أين كنت حين طارت القلوب مطائرها ؟ قلت :
إني حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس ، قالت :
أحسنت ، سمعت رسول الله يقول : علي مع القرآن
والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .
روى النسائي في الخصائص بسنده عن عبد الله
الجدلي قال : دخلت على أم سلمة فقالت لي : أيسب
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيكم ؟ قلت : سبحان الله - أو معاذ الله -
قالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول من سب عليا فقد
سبني ، والجدلي اسمه عتبة بن عبد كان ساكنا في الشام
فلهذا قالت له أم سلمة ذلك .
وكانت فقيهة عارفة بغوامض الأحكام الشرعية ، حتى
أن جابر بن عبد الله الأنصاري يستشيرها ويرجع إلى
رأيها .
هذا ملخص ما ذكره السيد محسن الأمين في أعيانه
( 10 : 272 ) فراجع .
_________
( 1 ) المستدرك على الصحيحين 3 : 121 .
( 2 ) مسند الجامع 20 : 645 ، أم سلمة : 57 .
( 3 ) المستدرك على الصحيحين 3 : 130 .
( 4 ) أمالي الشيخ الطوسي : 305 .
( 5 ) أعيان الشيعة 10 : 272 .
روايتها للحديث :
- الزيارات: 579