إنّ الشيعة الإمامية بعد أن اعتقدوا بأن الإمامة من أصول الدين وأركان الإيمان فلا ضير أن يعتقدوا بأن من أنكرها سينطبق عليه الكفر المقابل لدرجة من درجات الإيمان، مع أنهم اعتقدوا أيضاً بأن المنكر للإمامة لا يخرج عن دائرة الإسلام، ولكن الفرقة الوهابية وعلماءها آمنوا وصرحوا بكفر الكثير من المسلمين، فكل من أنكر خلافة أبي بكر (رض) وعمر (رض) أو ردّ بعض فضائلهم أو فضائل بعض الصحابة، فقد رمي بالكفر والزندقة وأخرج من ربقة الإسلام مع أن الدليل قاده إلى ما ذهب إليه.
والشواهد على ذلك كثيرة:
منها: ما في البحر الرائق عن ابن نجيم المصري، قال: "والرافضي إن فضل علياً على غيره فهو مبتدع وإن أنكر خلافة الصديق فهو كافر"(1).
وفي الصواعق: "فمذهب أبي حنيفة أن من أنكر خلافة الصديق أو عمر فهو كافر"(2).
ومنها: تكفير من قال بخلق القرآن، وهو ما اشتهرت به الحنابلة، فقد حكم أحمد بن حنبل بكفر جملة وافرة من علماء المسلمين ورواتهم بسبب قولهم بأن القرآن مخلوق.
قال أحمد بن حنبل: "ومن زعم أن ألفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله فهو جهمي، ومن لم يكفّر هؤلاء القوم فهو مثلهم"(3).
وقال أيضاً: "من قال القرآن مخلوق فهو كافر ومن شكّ في كفره فهو كافر"(4).
وهذا ما يوجب تكفير جملة من فرق الطائفة السنية ومنهم الأشاعرة والمعتزلة والأحناف، وفي مقدمتهم أبو حنيفة، حيث اتهمه بالكفر رؤساء الحنابلة.
ومنها: تكفير من لم يعتقد برؤية الله تعالى البصرية يوم القيامة، قال ابن تيمية: "والذي عليه جمهور السلف أن من جحد رؤية الله في الدار الآخرة فهو كافر"(5)، ويقصد من الرؤية في الدار الآخرة الرؤية البصرية، مع أن هذا يلزم منه تكفير عائشة التي أنكرت مطلق الرؤية كما في البخاري(6)، وكذا تكفير قتادة ومجاهد والسدي(7) وغيرهم ممن أنكر الرؤية البصرية يوم القيامة.
خامساً: إن ما ذكرته من أن مسألة ارتداد الصحابة إلا ثلاثة أو أربعة بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) وكفرهم بالإمامة والولاية، سيأتي الحديث فيها والجواب عنها في الأبحاث اللاحقة.
____________
(1) ابن نجيم، البحر الرائق: ج1 ص611، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(2) ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة: ص138، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
(3) أحمد بن حنبل، العقيدة: ص30.
(4) أبو يعلى الفراء، طبقات الحنابلة: ج1 ص461 رقم: 231، مكتبة العبيكان ـ مكة المكرّمة.
(5) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ج6 ص486.
(6) البخاري، الجامع الصحيح: ج3 ص276 ح4855، كتاب التفسير.
(7) الطبري، تفسير الطبري: ج7 ص299 و ج29 ص193.
رابعاً: تكفير منكر الخلافة
- الزيارات: 477